سكّة لهاث سعودي وتمنّع اسرائيلي

التطبيع السعودي ـ الصهيوني من حيفا الى الدمام!

عبدالحميد قدس

كل فعل تطبيعي بات له تبرير في معسكر الرياض، ولا يحتاج سوى إلى ختم «إيرانفوبيا» كي يصبح كل فعل مهما بلغ خذلاناً وانبطاحياً مسوّغاً ومباحاً بل ومندوباً!

 
وزير الاستخبارات والمواصلات الصهيوني: سكة حديد من حيفا الى الدمام

القوم يسيرون واثقي الخطى نحو التطبيع، لا يحول بينهم موثق قطعوه على أنفسهم برفض أي تسوية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني أو قضية الأمة، ولا يحجزهم مبدأ أخلاقي أو شريعة دينية، أو قانون دولي. وحتى مبادرة السلام التي كتبت بعناية، لكي تمهّد السبيل نحو التطبيع بين العرب والكيان الاسرائيلي لم تعد لها قيمة، فقد حطم أصحاب المبادرة الطاولة التي كانت ترقد عليها، وراحوا يهرولون في كل اتجاهات المعمورة للبحث في كل ما يقربهم الى «إسرائيل» زلفى.

في الخبر، كشف وزير المواصلات والاستخبارات الاسرائيلي يسرائيل كاتس خلال مؤتمر صحافي في الخامس من إبريل الجاري عن مشروع «سكّة السلام الإقليمي»، بعد يومين على لقاء ترامب ـ السيسي، فيما قيل عن التحضير لمتغيرات كبرى في الصيف القادم.

وبحسب الخريطة التي عرضها كاتس أمام الصحافيين، فإن «سكة السلام الإقليمي» ستنطلق من مدينة حيفا إلى بيسان في فلسطين المحتلة، لتمر عبر جسر الشيخ حسين الذي يربط الأراضي المحتلة بالأردن، ومن هناك إلى مدينة إربد شمالاً، ومن ثم إلى مدينة الدمام على الساحل الغربي للخليج.

اللافت، أن كاتس كشف عن «محادثات مهمة مع دول عربية بشأن مشروع السكة»، وقال أنه «متفائل جداً من احتمالية الدفع بالمشروع، الذي سيساهم في تقوية الأردن وتحويلها إلى مركز مواصلات»، إذ «ستمكن السكّة ليس فقط من الوصول إلى موانئ حيفا، وإنما أيضاً إلى كل أنحاء الخليج، كما ستكون بمثابة جسر بري لمواطني الدول العربية المذكورة، يسهل عليهم الوصول براً إلى ساحل البحر المتوسط”.

 
عبدالحميد حكيم: صهيوني بثوب ملكي سعودي

المشروع لاقى ترحيباً من ترامب ونتنياهو. ولاشك أن كل ما يحظى بترحيب ترامب لا بد أن يطأطىء له السعودي ومن لفّ لفه له الرأس. فالمشروع لا يتيح المجال لناحية تحسين الوضع الاقتصادي فحسب، بل «يمهد لمشاريع سياسية على المدى الطويل» حسب ما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن كاتس. وقال كاتس بأن «طول المسار البحري الذي يبدأ من الميناء المركزي في السعودية، الدمام، ليصل إلى البحر المتوسط عبر قناة السويس، يبلغ 6000 كيلومتر»، بينما «عن طريق اليابسة عبر إسرائيل للوصول إلى ميناء حيفا، فيبلغ فقط 600 كيلومتر”. الصحيفة ذكرت بأن كاتس أوضح لمبعوث ترامب أنه «لا يطلب دعماً مالياً أميركياً للمشروع، وإنما يطلب فقط تشجيع الأردن والسعودية ودول الخليج لقبوله»، إذ إن «السكك الحديدية التي ستمر في الدول العربية، ستقوم بتمويلها شركات خاصة بغية الربح المالي”.

أيضاً، في سياق مسلسل التطبيع المتواصل بين المملكة السعودية والكيان الاسرائيلي، فاجأنا عبد الحميد حكيم، مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية في جدة، برسالة عنوانها: (رسالة مفتوحة من شاب سعودي الى الأمير الشاب محمد بن سلمان) نشرت بتاريخ 21 مارس الماضي في «منتدى فكرة» التابع لـ «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» المقرّب من الكيان الاسرائيلي. كما نشرت الرسالة مع اقتراب المؤتمر السنوي لمنظمة «آيباك» في واشنطن في الفترة ما بين 26 ـ 28 مارس الماضي.

في 23 مارس الماضي، كتب نائب وزير الخارجية الاسرائيلي سابقاً، دوري جولد، رئيس مركز القدس للشؤون العامة حالياً، تغريدة على حسابه في تويتر بأنه سوف يناقش في مؤتمر أيباك الاتجاهات الإيجابية في السعودية حسبما عكستها رسالة الحكيم.

الجدير بالذكر، أن حكيم كان من ضمن وفد سعودي برئاسة اللواء المتقاعد أنور عشقي، رئيس المركز سالف الذكر، والذي زار إسرائيل، صيف العام الماضي، حيث التقيا بغولد الذي كان يشغل في حينه منصب الأمين العام لوزارة الخارجية. الزيارة جاءت بعد مشاركة كل من عشقي وغولد في ندوة مشتركة نظمها معهد واشنطن في يونيو 2015، إلى جانب لقاءات عدّة عقدت بينهما بعيداً عن كاميرات الإعلام. يذكر أن عشقي كان قد التقى غولد في العاصمة اليونانية، أثينا، في الأعوام 2007، 2008، 2009، على هامش فعالية نصف سنوية كانت تقيمها جامعة يو سي إل أيه الأميركية وبرعاية الخارجية اليونانية في بداية ومنتصف كل عام، وكان من أكبر الوفود المشاركة الوفد الاسرائيلي، والوفد الأميركي، إلى جانب العراقي والفلسطيني والخليجي، ويشارك فيه غالباً أمنيون وعسكريون متقاعدون.

 
دوري غولد مع عشقي: المزاوجة بين الصهيونية والوهابية

حكيم وعلى خطى رئيسه، عشقي، وفي إطار تنفيذ التوجيهات الاميركية لناحية التطبيع مع الكيان الاسرائيلي، كتب رسالة الى الامير محمد بن سلمان تحوم حول «ايرانفوبيا» لتكون مدخلاً تبريرياً ومرتكزاً لفكرة التطبيع مع اسرائيل. أفاض حكيم بغير حكمة في الحديث عن «الدور التاريخي للشعب اليهودي والاسرائيلي» وأهميته في المنطقة.

رسالة حكيم تعد وثيقة عار على آل سعود وعلى الاتجاه التطبيعي في السعودية والخليج. لم يخف الربط بين الرسالة ومتواليات لقاءات محمد بن سلمان وترامب، إذ يؤكد حكيم بأنه في أعقاب اللقاء «رغبت بكل صراحة وشفافية أن أطرح وجهة نظري والتي تعكس أيضاً ما يراه الكثير من السعوديين من أبناء جيلي». ونترك للقارىء التأمل في هذا النص التطبيعي بامتياز:

«إن قدر الأمير محمد بن سلمان يشبه قدر «الملك طالوت أو شاؤول» كما جاء ذكره في التوراة المقدسة. حيث أن شاؤول أو طالوت كما جاءت تسميته في القرآن الكريم تحمَّل مسؤولية إنقاذ مجتمعه اليهودي من عدو شرس يريد تدمير قومه. وقد اختار القدر الأمير محمد بن سلمان لقيادة ومواجهة التحديات التي تهدد السعودية سواء على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المنطقة. تهدف هذه الرسالة إلى عرض بعض الاقتراحات التي من الممكن أن تقدم لسمو الأمير الشاب ما هو مفيد.

إن أحداث الربيع العربي أنتجت فراغاً سياسياً للدور العربي في المنطقة استغله النظام الإيراني لتحقيق أطماعه التوسعية - سواء بشكل مباشر أو غير مباشر - فنشر الفوضى الدموية في ثلاثة عواصم عربية «دمشق، بغداد، صنعاء». وجعل من بيروت أسيرة لقرار طهران عن طريق خادمه في الضاحية الجنوبية «حزب الله»، بالإضافة إلى دخول مصر عهد جديد من الضعف يشبه حالة الغيبوبة نتيجة الصراعات الداخلية، فأصبحت سياسات النظام الإيراني التوسعية تشكل خطراً حقيقياً على السعودية؛ ولا بد من مواجهتها بحزم وحسم.

وعلى الصعيد الاقتصادي يواجه الأمير محمد بن سلمان تحديات كبيرة نتيجة انخفاض أسعار النفط «المورد الأساسي للدخل القومي» وحتمية الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج، الذي يعتمد على موارد أخرى، وأهمها تهيئة الإمكانيات البشرية لخلق اقتصاد على أسس إنتاجية، والتخلص من ثقافة الاستهلاك، التي كانت نتيجة ميراث من السياسات الاقتصادية الخاطئة. وسوف يتطلب تصحيح هذا الوضع بعض القرارات الشجاعة، والتي ستكون مزعجة لشرائح كبيرة من السكان السعوديين، ولكن بالتأكيد على المدى القصير فحسب.

 
غولد: مناقشة آيباك للتحول السعودي الايجابي تجاه اسرائيل

أدرك الأمير الشاب أن أهمية قرار الانتقال من ثقافة المجتمع المعزول عن العالم إلى المجتمع المدني المنفتح على جميع ثقافات العالم ليصبح جزء من العالم، يؤثر ويتأثر بشكل إيجابي مع ثقافات العالم، لذلك كانت رؤية الأمير الشاب لعام 2030 البوابة لعهد سعودي جديد قادم.

الحوار فرصة ذهبية

ويعتبر العامل الديموغرافي من أكثر العوامل أهمية في المجتمع السعودي والذي تشكل فيه نسبة الشباب الغالبية العظمى. حيث إن ما يقارب 70% من نسبة السكان تقل أعمارهم عن 25 سنة، معظمهم هجر وسائل الإعلام القديم، واعتنق ثقافة الإعلام الجديد المتمثل في مواقع التواصل الاجتماعي، وهذه فرصة ذهبية للأمير الشاب بأن يكون الداعم الحقيقي لرؤيته بإنقاذ المجتمع السعودي من شريحة الشباب، وذلك بالتواصل معهم مباشرةً عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة «تويتر وسناب شات”. إن تعزيز مثل هذا النوع من الاتصال والتبادل، سيعزز في المقابل إطارا من الاحترام المتبادل بين القادة والأشخاص، الأمر الذي سيثبت أهميته مع إدخال التغييرات المقبلة في النظام السعودي.

ولتطوير وتنمية هذا التواصل المباشر بين الشباب والقيادة، اقترح أن يعقد الأمير الشاب «ملتقى الأجيال لعام 2030» يلتقي فيه الشباب كل 3 أشهر أو شهرين. ويمكن لهذا الملتقى أن يوفر منصة فعلية وافتراضية تدعو الشباب إلى التعبير عن آرائهم حول مستقبل بلادهم. ومن المتوقع أن يصبح هذا الحوار أداة جيدة تسمح للشباب المهتم بمستقبل بلاده بأن يشارك بشكل فعال في وضع رؤية 2030. وهذا من شأنه أن يجعل من الشباب الداعم الحقيقي في مواجهة أي صعوبات قد تواجه رؤية 2030، أهمها مقاومة الحرس القديم لثقافة التشدد والممانعة للتغيير والتطوير. وهنا ستكون الوسيلة هي في الواقع الرسالة: ففي السياق السعودي الحالي، ستساهم تلك القنوات الجديدة للاتصال في تمكين قوى التقدم والتغيير.

أهمية السعودية

يعتبر الدين من أهم مكونات ثقافة المجتمع السعودي، ففي مقاله في مجلة Foreign Affairs، كتب بلال صعب أن الأمير محمد بن سلمان قد «فوجئ» بالاتهامات التي تنعت الوهابية السائدة بالإرهاب، وسوء فهم الأمريكيين لتلك النزعة من الإسلام. ومع ذلك، عاش محمد عبد الوهاب، مؤسس الحركة الوهابية، قبل 300 عام وذلك قبل وقت طويل من بروز ظاهرة الإرهاب العالمي. ولإحداث تغير حقيقي في هذا التصور الخاطئ، يجب على الأمير أن يجد وسيلة مجدية لإشراك المؤسسة الدينية في شؤون البلاد. ومن ثم، يمكن أن يؤدى ذلك إلى تحقيق إنجازين على درجة كبيرة من الأهمية.

 
استقدام العمالة اليهودية جائز سعودياً

الأمير الشاب تقع عليه مهمة تجديد دعوة محمد بن عبد الوهاب، وإعادة تأكيد الوهابية، مع دحض التطرف الديني بجميع أنواعه. لذلك اقترح إنشاء «حاضنة دينية لرؤية 2030» تضم نخبة من رجال الدين والمثقفين وعلماء الاجتماع وعلماء النفس، تعمل على وضع الخطوات اللازمة لتحقيق التحول في المجتمع السعودي، وذلك من خلال وضع الخطوات اللازمة لاعتناق المجتمع السعودي ثقافة الوحدة الوطنية والمشاركة والوطنية، وإنصاف المرأة السعودية، وضمان الحقوق المتساوية لجميع المكونات الإسلامية، سواء من المكون السني، الشيعي، الإسماعيلي والأباضي، وحتى العلماني. وبنفس القدر من الأهمية، فإن تجديد الوهابية بما يتلاءم مع مقتضيات العصر والحداثة، سيعزز مكانة المملكة العربية السعودية ويدعم دورها في قيادة العالم الإسلامي. كما ستؤكد تلك العملية على السلطة الأخلاقية للسعودية كـ «قبلة» أي مرجعية للصلاة وقيادة لجميع المكونات الإسلامية سواء الشيعة أو السنة أو الإسماعيلية أو الأباضية أو المذاهب الأخرى. وبحكم وجود الحرمين الشريفين، سيجعل ذلك السعودية بمثابة جسر لحل جميع النزاعات الطائفية المتفشية في مجتمعات المنطقة، مما يكسبها مكانة وقوة سياسية تساعد على إحلال السلام في المنطقة. ومن شأن هذا التجديد أن يلعب دوراً محورياً في نجاح رؤية عام 2030. وأعتقد أن القدر اختار الأمير محمد بن سلمان لهذه المهمة.

رسالة إلى الشعب الإسرائيلي ولجميع اليهود

وبعد وضع الخطوط العريضة للإمكانيات المحتملة والهائلة لدور الأمير محمد بن سلمان والقيادة السعودية في العالم الإسلامي، أود أن أثير قضية أخرى ذات أولوية كبيرة. أحب أن أوجه رسالة للشعب الإسرائيلي، ولجميع اليهود في العالم أن كتابنا المقدس «القرآن الكريم» يؤكد أنكم جزء أصيل من المنطقة، فحضارتكم وتاريخ أجدادكم كان وما زال من تاريخ هذه المنطقة، ودولتكم هي نتاج لهذا التاريخ والحضارة، الذي نلمسه أيضاً في العراق وسوريا ومصر واليمن ونجران وخيبر والمدينة المنورة.

إن سياسات النظام الإيراني تشبه إلى حد كبير سياسات النازية التي استهدفت إبادة شعبكم. فالنظام الإيراني والنازية وجهان لعلمة واحدة في العداء والكراهية لكم. ومع ذلك، يرجى أن تتأكدوا من أن السلام يمكن تحقيقه، وأن دوركم التاريخي في منطقتنا سيتأكد وذلك في إطار مبادرة السلام العربية. وستعزز هذه العملية أيضاً تحقيق السلام مع إسرائيل في ظل المبادرة السعودية للسلام (العربية). وإذا ما تحقق ذلك، فإنه سيوفر المنطقة من النيران التي يغذيها النظام الإيراني، ويسمح أيضاً للمملكة العربية السعودية أن تتشارك علناً مع التقدم التكنولوجي الكبير الذي تقدمه إسرائيل.

 
تركي الفيصل مع تسيبي ليفني: صفقات أكبر في الأفق

ومن أهم أولويات الأمير الشاب الأمير محمد بن سلمان مواجهة إيران للحفاظ على تاريخ ومصير المنطقة، فالواقع السياسي في المنطقة يؤكّد أنكم ونحن في خندق واحد ضد الإرهاب الإيراني، والتعصب الذي تدعمه طهران وتصدره إلى العالم. فليس من الوفاء لتاريخ أجدادكم وحضارتكم أن يكون موقفكم لا يتعدى المشاهدة، بل يجب أن نتّحد ونكون صوتا واحدا لمواجهة هذا الشرّ، وإنقاذ ثقافتنا وحضارتنا من التهديد النازي الجديد في زعمها الإيراني، من أجل السلام.

الباحث في معهد واشنطن لشؤون الشؤون الشرق الأدنى، سيمون هندرسون، كتب مقالة في (فورين بوليسي) في 22 مارس الماضي، وتحدث عمّا أسماه صفقة كبرى في العلاقات السعودية الاسرائيلية تلوح في الأفق. وتطرّق الى دور مستشاري ترامب مثل ستيفين بانون وجيرد كوشنر، اللذين يلعبان دوراً رئيساً في حل المعضلات التي تعترض طريق العلاقات بين الرياض وواشنطن، من خلال مشاركتهما في الاجتماعات التي جرت مع بن سلمان في البنتاغون والبيت الابيض. ولفت الى ان ذلك تزامن مع زيارة مستشار ترامب للشؤون «الاسرائيلية جيسون جرين بلات الى القدس المحتلة ورام الله للقاء رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

ويضيف هندرسون بأن لدى السعودية و»إسرائيل» الكثير من الأمور المشتركة، وأن ذلك يطرح سؤالاً عن ابرام صفقة كبرى مستقبلية تشمل العلاقات السعودية الاسرائيلية.

من ناحية أخرى، كتبت ليلا جيلبرت مقالاً في الثاني من إبريل الجاري بعنوان (الكراهية، الشجاعة، والاتصال الاسرائيلي ـ السعودي)، استهلته بمقدمة حول التغييرات السياسية الدراماتيكية التي هزّت الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، وقد وصف البعض هذه الوقائع بأنها بمثابة «رمال الصحراء المتحرّكة» أو إعادة تموضع للطبقات السياسية الزلزالية.

تستدعي الكاتبة من بين المتغيرات الدراماتيكية، مسار التطبيع السعودي مع الكيان الاسرائيلي وتتساءل: من كان يتكهن، على سبيل المثال، بأن مثقفاً سعودياً شاباً سوف يزور القدس، ومن ثم يكتب بشجاعة رسالة مفتوحة الى جيله، للتعبير عن أمله ورغبته في التحّول السياسي؟

 
وفد سعودي في اسرائيل: العداء لإيران يوحد البلدين!

وتشير الكاتبة الى الدور الذي يلعبه ولي ولي العهد محمد بن سلمان ورؤيته الجديد حول السعودية، والتي تشمل السلام مع إسرائيل. ثم تنقل الكاتبة فقرات من رسالة حكيم الى ابن سلمان بما تتضمنه من دعوة للتطبيع مع الكيان الاسرائيلي.

تستعيد جيلبرت كتاب دوري جولد الصادر في 2003 بعنوان (مملكة الكراهية) والذي يركز على المملكة السعودية، ويفصح فيه عن التصرف غير المستقر للدولة العربية الغنية بالنفط على مدى عقود - حيث تتجاذبها قوتان متعارضتان: العالم الغربي العلماني الذي يشتري كميات هائلة من نفطها، والإسلام الراديكالي، المتجسد في القيادة الدينية الوهابية السعودية.

في كتابه (مملكة الكراهية) لخّص جولد الخطر الذي يشكّله السعوديون بما نصّه:

“رداً على سؤال الرئيس بوش، بعد تدمير مركز التجارة العالمي والهجوم على وزارة الدفاع الأمريكية، ما إذا كانت الدول هي مع الولايات المتحدة أو مع الإرهابيين. وعلى الرغم من إصرار السعودية على العكس من ذلك، فإن السجل يجعل من الواضح بشكل مخيف بأن المملكة السعودية هي، في هذه النقطة، مع الإرهابيين. والواقع أن المملكة السعودية هي التي رعت الإرهاب العالمي الجديد. ما لم يشعر النظام السعودي بالضغط من أجل التغيير، فإن الكراهية التي حفّزت سلسة مروعة من الهجمات الارهابية في جميع أنحاء العالم - بما في ذلك هجمات 11 سبتمبر - سوف تتواصل. وطالما أن الكراهية مستمرة، فإن الإرهاب سوف يستمر».

وتنقل ليلا جيلبرت ما نشرته صحيفة (الوطن) السعودية في 30 ديسمبر سنة 2014 نقلاً عن موقع وزارة العمل السعودية السماح باستقدام اليهود للعمل في المملكة، ونقلت عن مصدر في الوزارة قوله: “نحن نحظر فقط استقدام حملة الجنسية اﻹسرائيلية، وما عدا ذلك فنحن منفتحون على غالبية الجنسيات والديانات”. وأوضح المصدر بأن وزارة العمل “لا تمانع في إصدار تأشيرات عمل لمن يعتنق الديانة «اليهودية»، مبيناً أن الوزارة تتعامل مع الجنسية وليس مع الديانة في عملية إصدار تأشيرات العمل».

وُصف الإعلان حينذاك بأنه خطوة على طريق التطبيع في العلاقات السعودية الاسرائيلية. وعليه، فإن كتاب جولد الذي يوثّق خطورة الايديولوجية الوهابية التي اعتنقها السعودية، بكونها مصدر الالهام لتنظيم القاعدة، والعديد من المجموعات السلفية الجهادية.. يشكّل مأزقاً بالنسبة للمطبّعين من الجانب الاسرائيلي، ولا سيما لدوري جولد، الذي لم يكن يتوقّع بأنه سوف يكون ذاته الشخص الذي سيضطلع بمهمة المزاوجة بين الصهيونية والوهابية..

 
ليلا جيلبرت والكراهية السعودية المزعومة التي صارت عشقاً توراتياً

ما كانت تأخذه الرياض على إدارة أوباما، وانفتاحها على إيران، والمفاوضات السرية التي خاضتها طهران وواشنطن على مدى سنوات، أصبح في ظل إدارة ترامب من الماضي، الذي أعاد الكرّة من الخصومة المتصاعدة مع طهران، مستفيداً من الرياض وتل أبيب في تشكيل تحالف مشترك ضد إيران. في مقابل ذلك، أصبح هناك تقارب غير مسبوق بين السعودية واسرائيل.

لقاءات تعاون وتنسيق في الهند وايطاليا وتشيكي

في الخامس من يونيو سنة 2015، نشرت صحيفة (تايمز أوف إنديا) تقريراً عن لقاءات خمسة بين سعوديين وإسرائيليين منذ العام 2014 في الهند، إيطاليا، وجمهورية تشيكيا بهدف شن حملة «دبلوماسية سريّة» للحد من النفوذ المتنامي لإيران في المنطقة.

اللقاءات تمّت بين دوري جولد وأنور عشقي، حيث يتحدّث جولد عن تقارب البلدين ـ السعودية واسرائيل ـ في لقاء غير عادي في مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن.

وفي 3 يوليو 2015، نشرت صحيفة (تايمز أوف إنديا) نبأ وساطة شيعة لوكنهو الهندية بين السعودية واسرائيل. وفي المعلومات، أن مدينة لوكنهو استضافت في مايو 2015 لقاءً غير عادي ـ تفاعلي على مستوى عال من المسار الثاني بين اسرائيل والسعودية، وحضر اللقاء مفكّرون شيعة بارزون في الهند. من بين هؤلاء، راجا محمود آباد، وهو مفكر شيعي معروف في لوكنهو وغيرها، وأن أبناءه كانوا جزءاً من اللقاء بين غرفة تفكير إسرائيلية، مركز القدس للشؤون العامة، والوفد السعودي من مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية في جدة، ودوري جولد الذي عيّنه نتنياهو في 2015 في موقع مدير وزارة الخارجية.

عضو الوفد الاسرائيلي شيمون شابيرا، وصف الاجتماع بين الوفدين السعودي والاسرائيلي بأنه «استثنائي». وأوضح: «مضيفونا كانوا قادة المجتمع الشيعي في لوكنهو، راجا محمود آباد أمير خان، وإبنه علي خان، ومثقفون، ومعلّمون في المدارس المحلية. كان اجتماعاً استثنائياً بين يهود القدس، والسنة السعوديين من مكة والمدينة، والشيعة الهنود من لوكنهو». ووصف شابيرا اللقاء بأنه «حوّار دقيق مع ضبط النفس».

علي خان محمود آباد نفى أن يكون استضاف اللقاء. وفي مدوّنته على (هافنغتون بوست) قال علي خان بأن اللقاء تمّ تنظيمه من قبل غرفة تفكير نيوديلهي، وأنهم لم يعلموا بأن اللقاء كان بين اسرائيليين وسعوديين الا بعد انعقاده. ويقول: «أولاً، إن أولئك الذين تمت دعوتهم للنقاش مدة نصف يوم، لم يتبلغوا أي شيء عن تركيبة الوفود، باستثناء الزوّار الذين كانوا مهتمين بالتحقق حول (الثقافة التوافقية) في المنطقة». ويضيف: «من بين أولئك المدعوين من ولكنهو كان الاستاذ الجامعي، وممثل عالم دين بارز، وبعض رجال الأعمال، ووالدي، وأخي وأنا. وحين اجتمعنا، سرعان ما تبيّن أن الزوّار كانوا مسؤولين عسكريين سابقين رفيعي المستوى».

 
المتصهين عشقي: أمريكا شفت صدور المؤمنين!

على أية حال، كان اللقاء واحداً من خمسة لقاءات بين ممثلين سعوديين واسرائيليين، وأن اللقاءات جميعها كانت بمباركة كاملة من حكومتي البلدين. وأن اللقاءات الأخرى جرت في إيطاليا وجمهورية التشيك، وتغطي تقريباً تمام السنة، وآخرها كان بصورة علنية حين التقى جولد وعشقي في فعالية مشتركة في مجلس الشؤون الخارجية في واشنطن، حيث أعلن البلدان بأنهما يعتقدان بوجوب وقف إيران.

بدا واضحاً أن التقارب السعودي الاسرائيلي متأسس على الخصومة مع ايران، إذ يجد الطرفان ما يبرر لهما الدخول في مفاوضات لتنسيق الجهود، وحتى التحريض والتحضير لحرب ضد إيران. اعتنق دوري جولد وأنور عشقي رواية واحدة تخلص الى تصنيف إيران بكونها التهديد الرئيسي للاستقرار الاقليمي.

في يوليو 2016، قاد عشقي وفداً الى رام الله، حيث كان في ضيافة السلطة الفلسطينية. ولكن، وفي ذات ليلة، سافر عشقي من رام الله الى القدس لمقابلة دوري غولد ومسؤولين إسرائيليين آخرين في فندق الملك داوود. عشقي أخبر القناة العاشرة الاخبارية الاسرائيلية حينذاك بأنه وغولد جلسا معاً «للدعوة الى السلام في الشرق الأوسط». وقال «يمكن للسعوديين والاسرائيليين العمل معاً حين تعلن اسرائيل بأنها قبلت المبادرة العربية».

في الوقت نفسه، تحدّثت تقارير عن أحاديث سرية بين إسرائيل والقوى العربية، التي جاءت لترى الدولة اليهودية بوصفها حليفاً محتملاً ضد ما يعدّونها تهديداً أكبر، اي إيران وتطلعاتها الاقليمية. ايضاً طالما تحدث نتنياهو عن روابط سياسية متنامية مع الدول العربية، بما فيها السعودية.

عبد الحميد حكيم، صاحب الرسالة أعلاه، والعضو في وفد عشقي الى فلسطين المحتلة، أجرى لقاءً مع صحيفة (جيوزاليم بوست) نشرت في 31 يوليو 2016، أكّد فيها على مبادرة السلام بين العرب واسرائيل. وأضاف حكيم بأنه وزملاءه لا يريدون فقط تحقيق السلام السياسي بين الدولتين، ولكن السلام العام بين الشعوب. يقول: «نحن لا نريد سلاماً مثل كامب ديفيد. صحيح إنه سلام نجح بالمعنى السياسي، ولكنه فشل على المستوى الشعبي. نحن نريد سلاماً ونهاية للمعاناة عبر السلام السياسي والشعبي».

حكيم دعا أيضاً الأطراف التي شجبت زيارة الوفد السعودي الا يستخدموا القضية الفلسطينية لمكسب سياسي. وقال: «كفى استثماراً». ودافع حكيم عن زيارة الوفد قائلاً بأنه يبحث عن تحقيق السلام، وحسب قوله: «نحن ننشر السلام. نحن نريد تحقيق واقع جديد للمواطن الفلسطيني، يختلف عن الواقع المأساوي الذي يعيشه حالياً».

في ضوء ما سبق، تأتي رسالة حكيم الى محمد بن سلمان، إذ يعتقد بأن الأخير يمثل جيلاً جديداً من السعوديين الذي يمكنه رؤية أبعد من الأفق الحالي للمملكة، حسب زعمهم، او كما تقول صحيفة الجماينر).

التصوّر الاسرائيلي حول التحالف مع السعودية يبدو متحفظاً وحذراً الى حد ما، كما يعكس ذلك عاموس جلبوع في صحيفة (معاريف) في 23 مارس الماضي في مقالة بعنوان (بضمان محدود). يقول جلبوع:

«في مقالي الإسبوع الماضي عرضت فكرتي بأن من يعتقد ان الدول العربية السنية المعتدلة ستضغط على الفلسطينيين لتلطيف مواقفهم الأساس، من أجل تحقيق تسوية سلميّة مع اسرائيل - يعيش في الوهم. أو العكس، من يعتقد أنه يمكن التوصّل الى تسويات سلميّة مع الدول السنية، كالسعودية مثلا، دون تسوية سلمية مع الفلسطينيين يعيش هو أيضا في وهم حلو.

 
تركي الفيصل مع ياكوف عميدور مستشار الامن القومي الصهيوني

اما هذه المرة فسابحث في فكرة اقليمية اخرى اكتسبت القلوب في إسرائيل: حلف/ ترتيبات أمن مع الدول السنيّة المعتدلة حيال التهديد الايراني المشترك. كما يسود ايضا النهج المتداخل، أي: نصنع السلام مع الفلسطينيين، بمساعدة الدول السنيّة المعتدلة، وعندها لا نتوصل فقط الى تسويات سلمية مع السعودية ودول الخليج (إذ يوجد لنا مع مصر والاردن سلام منذ الان)، بل وسنتمكن ايضا من أن نخلق معها حلفا عسكريا ضد العدو الايراني.

بالفعل، واضح أن ايران هي عدونا الاساس، وواضح أن ايران هي العدو الاساس للسعودية ودول الخليج، وفي هذا الموضوع مصالحنا تشبه مصالحهم: صد ايران وذيولها. ان يكون لاسرائيل مصلحة في خوض حوار أمني هاديء مع السعودية واذيالها - هو أمر واضح؛ ويخيل لي أنه ينبغي ان يكون للسعوديين أيضا مصلحة في الاستعانة باسرائيل بأشكال مختلفة، من تحت الطاولة. ولكن ينبغي أن نفهم بأنه توجد فجوات جوهرية بين الواقع الأمني الذي توجد فيه السعودية، وبين الواقع الذي توجد في إسرائيل في سياق إيران. وهذه فجوات تضع، برأيي، قيوداً على التعاون الأمني الشامل، وبالتأكيد التعاون العلني، بيننا وبين السعودية.

أولا، التهديد الايراني الحالي على السعودية هو في اساسه تهديد التآمر الداخلي لاسقاط النظام السعودي، ولا سيما في شرقي السعودية على شواطيء الخليج الفارسي، حيث يوجد سكان شيعة كثيرون؛ والى جانب ذلك يوجد ضغط عسكري على السعودية من اليمن، ولا سيما من الجانب الحوثي الشيعي. اما التهديد النووي الايراني فهو للمدى البعيد. من ناحية دولة اسرائيل، لا يوجد أي تهديد تآمري ايراني. والتهديد المحتمل القريب هو تهديد عسكري للارهاب وإطلاق النار من هضبة الجولان من خلال أذيالها، والتهديد الأبعد هو بالطبع التهديد النووي. حزب الله من لبنان هو عملياً التهديد الايراني الدائم.

ثانياً، المنافسة بين السعودية (ومصر، والأردن، وامارات الخليج) وبين ايران هي منافسة سياسية ودينية. صراع عتيق بين السنة والشيعة، صراع أصبحت فيه إيران، منذ بداية القرن السادس عشر الميلادي، الدولة الشيعية الكبرى، التي أدارت على مدى نحو 300 سنة صراعات قوى مع الامبراطورية العثمانية السنيّة. وهذا الصراع الديني- الثقافي - السياسي هو اليوم المشكلة الاكبر في المنطقة. فهل ينبغي لاسرائيل أن تدخل نفسها علنا في هذا الصراع؟ ماذا، أهي دولة سنيّة؟

ثالثاً، حالياً لا يوجد في المنطقة أي حلف سنّي. فالسنّة منقسمون. وبالمقابل، يوجد حلف شيعي واضح بقيادة إيران. هذا بارز أساساً في ساحة القتال المركزية في سوريا.

إذن ماذا، هل ستوجد اسرائيل حلفاً مشتركاً بينها وبين السعودية وتركيا، ضد المحور الشيعي؟ هراء. وعليه، فماذا هناك؟ المواصلة في كل العلاقات الأمنية والمحتملة الأخرى من تحت الرادار مع الدول العربية الخصم لإيران وبمشاركة إدارة ترامب؛ ولكن عدم إدخال إصبع في عيون الدول المعتدلة، من خلال خطوات مثل ضم مناطق في يهودا والسامرة؛ عدم الظهور كرافضين للحوارات السياسية مع أبو مازن إذا بادر ترامب الى ذلك.

وبالأساس: يجب ألا نخطيء بالاوهام عن حلف عسكري، مثلاً، مع السعودية، وأكل الحمّص في الرياض”.

الصفحة السابقة