الفوزان يستلم حفل الجائزة   جائزة مزعومة للترويج لشركات خمور

عبدالعزيز الفوزان.. عزّوز أسبانيا!

توفيق العباد

منذ أكثر من شهر، ولازالت المعركة قائمة بين الأطياف النجدية الوهابية الموالية لسلطة آل سعود؛ ومحورها الداعية الوهابي المتطرف عبدالعزيز الفوزان.. وهي معركة وقعت في صلب الأقلية الوهابية المتسلطة، وبمشاركة أجهزة أمنية ومباحثية أيضاً.

القصة بدأت، حينما حضر عبدالعزيز الفوزان، الداعية الوهابي المتشدد، والمعين حكومياً في هيئة حقوق الإنسان، واستاذ الجامعة، والمطرود سابقاً من أمريكا بتهمة نشر الفكر الإرهابي الوهابي.. حفلاً في اسبانيا، كُرّمت فيه محطة قرطبة التي أسسها لنشر الوهابية باللغة الإسبانية، الى جانب محطات اخرى تنشر الوهابية بالصينية وغيرها.

الحفل حمل عنوان فوز المحطة (قرطبة) بجائزة الإكليل البلاتيني، والراعي للحفل هي ثلاث من كبرى شركات انتاج وبيع الخمور في العالم، الى جانب شركات أخرى. وزعم من الفوزان بأن الجائزة قديمة منذ ثلاثين سنة، وتعادل جائزة نوبل، ثم تبين ان الجائزة مدفوعة الثمن من الفوزان، وانها حديثة عهد، وأنها ظهرت لمرة واحدة عام ٢٠١٤، وأن رأسمالها كله، صفحة ميّتة على الفيس بوك.

التشدد الوهابي تجاه الموسيقى والإختلاط، انكشف في الحفل، فثار عليه الوهابيون انفسهم. فمن يراقب الناس على اتفه الأمور، عليه ان يتوقع ردة فعلهم حين يفعل ذات الأمر او أكثر منه مهما كانت حجته.

ومع أن حفل تكريم الفوزان ومحطته قرطبة قد وقع في 2014، وكان في معيته عضو هيئة كبار العلماء الوهابية، الشيخ عبدالله المنيع، الا ان تشديد النكير كان مركّزا على الفوزان.. وكان سبب ردّة الفعل القوية، هو انتشار فيديو التكريم متأخراً، ما استدعى ظهور نحو عشرة هاشتاقات في تويتر، عدا التعليقات التي ظهرت في الفيس بوك، والسناب تشات، وغيرهما.

 
عضو هيئة كبار العلماء عبدالله المنيع كان حاضراً في الحفل

الشيخ الفوزان رد على الحملة بخطاب طويل عريض، يهمنا فيه هنا تبريره الذي أظهره، وهو تبرير كان يمكن أن يُقبَل لو أنه ـ أي الفوزان ـ قَبِلَه من خصومه أو منافسيه. فلماذا باؤك يا فوزان، تجرّ؛ وباءُ غيرك لا تجرّ؟

هذا هو تبرير عبدالعزيز الفوزان:

(أيها الأحبّة.. لعلكم اطلعتم او سمعتم عن عدد من الهاشتاقات التي تبنتها بعض الجهات والأفراد الذين هم جزء من مخطط تغريبي خبيث يسعى لتغريب مجتمعنا المسلم، خاصة هذا المجتمع المحافظ الآمن الذي هو قبلة المسلمين... والقاعدة الشرعية عند العلماء انه اذا تعارضت المصالح والمفاسد، فترتكب المفسدة الصغرى لتحقيق المصلحة الكبرى. هذه قاعدة شرعية متفق عليها بين العلماء، مع انكارنا لما نرى من منكرات بقلوبنا، وهي منكرات نراها صباح مساء اذا ما سافرنا الى تلك البلاد، ما لنا حيلة في دفعها... نحن أيضا لا نحضر مجالسهم، لكن لا نفوت هذه المصالح الكبرى لوجود بعض المنكرات التي لا حيلة لنا في دفعها).

ومن وجهة نظر الإعلامي أحمد العواجي، فإن المواطنين لم يغضبوا لحضور الفوزان حفلاً مختلطاً، او حضور العريفي حفل تكريم لمغن. ما أغضبهم هو (البون الشاسع بين ما يدعون ويحرّضون عليه، وبين ما يفعلونه). الفوزان متشدد تجاه المرأة في الداخل، حتى انه ضد استخراج بطاقة أحوال شخصية تكشف حقيقة هويتها، وهو من بين أولئك الذين حرّموا عمل الطبيبة في المستشفيات بحجة الاختلاط، وسبق أن قامت قيامة الفوزان، لأن نساءً وفتيات كنّ في محضر رجال بالجامعة جئن للاستماع الى محاضرة، وهن محتشمات وفي مكان عام، واعتبر الفوزان ذلك اختلاطاً سافراً وتجاوزا. الفوزان الذي يحرم اختلاط طبيبة تنقذ الأرواح، لا يحرم الأمر ذاته على نفسه من أجل جائزة ترعاها شركات خمور، ما اعتبر ذلك من النفاق وارضاء جنون العظمة لديه.

ثم إننا للتوّ رأينا ما حدث في معرض الكتاب بالرياض من انكار للموسيقى واهانة للوفد الماليزي، ثم يأتي الفوزان ليحضر حفلاً تعزف فيه الموسيقى المحرّمة بنظره، أما أولئك الذين انتقدوا الموسيقى في معرض كتاب الرياض، فإنهم لم ينكروا على شيخهم الفوزان فعل ذات الشيء.. هذا الامر استفزّ احد المعلقين فقال بأن مشايخ الوهابية يبيحون لأنفسهم ما يحرمونه على الناس، وهناك من ينافح عنهم. وقال آخر بأن اولئك المشايخ يعيشون حياتهم كما يريدون ويحرمون على المواطن ما يفعلونه ويستمتعون به.

الداعية عمر الطيار خاطب الفوزان فقال له: (بقدر ما تترصّد الآخرين واخطاءهم، بقدر ما تغفل عن أخطاء نفسك). وآخر علق على تبرير (قاعدة) تقديم المصلحة الكبرى على المفسدة الصغرى: لماذا عندما يقدّم غيركم المصلحة، تتهمونه في دينه وتحرمون عليه ذلك؟.

لا تنهَ عن خُلُقٍ وتأتي مثلَهُ

عارٌ عليكَ إذا فعلتَ عظيمُ

واندهش ثالث فعلق: (لا تدري مم تعجب؟ أمِنْ حضوره لحفل ماجن؟ أم من تبريره البائس؟ أم من رميه بالنفاق مَنْ ينتقده؟ أم من قبوله بهكذا جائزة واعتبارها تزكية لقناته)؟.

 
العريفي يدافع عن الفوزان: انشغلوا بعيوبكم!

ركّز المعترضون والناقدون لعبدالعزيز الفوزان على حقيقة ان حفل الجائزة المزعومة، لم يكن الا دعاية لشركات راعية لها، وان الجائزة مكذوبة ومدفوعة الثمن، وليس لها أي تاريخ. غرض الشركات الراعية وفي مقدمها شركات الخمور، الترويج لذاتها؛ وغرض الفوزان الترويج لقنواته العديدة ليحصل على تبرعات لها بالقول انها الاولى في التأثير. وغرض أصحاب الفوزان من السروريين او الاخواسلفيين، كناصر العمر وموقعه، دعم صديقهم؛ حتى ان الشيخ العريفي دافع عن الفوزان طالباً من المواطنين المنتقدين: (دعوا الخلق للخالق. انشغلوا بعيوبكم). ما فعله الفوزان لم يزعج العريفي، بل ما أزعجه واحزنه انه قد سبق له أن تلقى دعوة لحضور معرض الكتاب، وكان التاريخ بالميلادي وليس بالهجري! ثم لماذا لم ينشغل دعاة الوهابية، وعاظ السلاطين، بعيوبهم، بدل التشديد على المواطنين حتى في المباحات، واستخدام مبدأ (سد الذرائع لكتم انفاسهم) في حين تركوا الأمراء يعبثون ويُظهرون الكفر البواح، حسب مقاييسهم هم؟!

الجائزة المغمورة التي حصلت عليها قناة قرطبة في حفل أسباني، ترعاها سفلَةْ الشركات، حسب تعبير المعلقين، الذين أوضحوا وباعتراف مستلمي الجائزة بأنها مدفوعة الثمن، وسخروا من مقولة (عالمية الجائزة)، التي لم يسمع عنها احد؛ والتي قال الفوزان أن عمرها اكثر من ثلاثين سنة، وأنها توازي جائزة نوبل في الأهمية.

من جهة اخرى ركّز المعلقون في مواقع التواصل الاجتماعي، على رعاية أكبر شركات الخمور في العالم للجائزة وحفلها. ما دفع بسلفي ساخط للقول: (أيش هذا التميّع باسم الدين. دعايات بالمجان لشركات خمور من قناة اسلامية؟). وسخر احدهم فأفتى: (لا يجوز محاربة شركات الخمور، اذا كانت تنصر الإسلام يا منافقين)! وأكمل السخرية آخر: (يُقال ان الخمر مَقْرِيْ عليه من شيوخ نجد). وواصل ثالث: (لا بأس.. قد تهتدي الشركة وتتحوّل الى شركة تصنيع مياه صحية بعد الحفل).

قضية ثالثة أثارها المعلقون، وهي أن الحفل حضره شخصية أكبر من شخصية عبدالعزيز الفوزان، في سلَّم التراتبية الوهابية، ألا وهو الشيخ عبدالله المنيع، عضو هيئة كبار العلماء الوهابية التي تقرّر الحلال والحرام. لكن أحداً لم يتعرّض له الا نادراً، والسبب ان بعض اجهزة الأمن تعتبر الفوزان صحوياً سرورياً إخوانياً، وإن كان في الصميم وهابياً. اما الطعن في المنيع، فهو طعنٌ في أيديولوجية السلطة وفي مفتيها.

سأل أحدهم وهو يشير الى صور من الحفل: أليس هذا هو الشيخ عبدالله المنيع؟ واستغرب آخر من تركيز المعلقين ـ او حسب تعبيره: المدرعمين ـ على شخص واحد من عدة اشخاص حضروا الحفل؛ وسأل: هل ذلك جُبْنٌ أم شَخْصَنَةْ؟ وتساءل ثالث: حقاً لماذا لم يتحدث أحد عن الشيخ المنيع المشرعن للبنوك الربوية، وقد كان متواجداً مع عبدالعزيز الفوزان؟ وبسبب الصدمة رأى رابع أن يُرفَع أمر الفوزان والمنيع للمفتي حتى يرى رأيه فيهما، وأن يتم منعهما من الدعوة لحين اعلان توبتهما. لكن المفتي اضعف من أن يدين مؤسسته، واضعف من أن يرفض طلباً للحكم، وليست لديه الشجاعة في النقد الذاتي.

الصفحة السابقة