حكم آل سلمان

من المملكة (السعودية)، الى المملكة (السلمانيّة)!

عمر المالكي

في الشكل ـ وينسحب ذلك على كل وجبات الأوامر الملكية السابقة، منذ تولي سلمان السلطة في 23 يناير 2015 ـ يلحظ عنصر الإثارة والتشويق والمشاغلة حاضراً في كل الوجبات، وآخرها إعفاء وزير الخدمة المدنية خالد العرج وإحالته للتحقيق، وإعادة نظام العلاوات والبدلات.

 
محمد بن سلمان ـ ولي ولي عهد، ووزير دفاع،
والمسؤول عن اقتصاد البلاد كاملاً

كما يُلحظ في كل وجبات الأوامر الملكية السابقة، دحرجة مقصودة باتجاه تعزيز موقع محمد بن سلمان في معادلة السلطة على حساب محمد بن نايف، ولي العهد ووزير الداخلية.

ويُلحظُ ثالثاً، أنه يغلب على وجبات الأوامر الملكية الجانب الكمي المقصود، إذ يراد تمرير أوامر رئيسية محدّدة ضمن طيف من الأوامر ذات الأهمية المتفاوتة، مثل أوامر تعيين أبناء سلمان، ورجال محمد بن سلمان، في مناصب حسّاسة وفارقة، وذلك في نفس دفعة أوامر أخرى، مثل: إعفاء مدير جامعة الخرج من منصبه، أو تعيين مدير جديد لجامعة الملك فيصل، وتعيين مستشار لوزير التجارة...الخ.

تاريخياً وفعلياً، لم تخرج المملكة السعودية عن كونها دولة محافظة، إن على مستوى البنية البيروقراطية، أي بكونها نظاماً ملكياً مطلقاً يمسك فيه الملك بالسلطات كافة، أو إن على مستوى نوعية القرارات ذات الصلة بالإصلاحات السياسية والإدارية.

وفق النظام الأساسي للحكم، فإن الملك يعيّن ويعفي الوزراء ونوّابهم ومن في مقامهم (مادة 58)، إضافة الى صلاحيات واسعة تشمل تعيين القادة العسكريين، وأعضاء هيئة كبار العلماء، والقضاة، وأعضاء مجلس الشورى. وبحسب المادة (44): (الملك هو مرجع السلطات).

وكما في الوجبات السابقة، فإن وجبة الأوامر الملكية الأخيرة تندرج في سياق (تركيز السلطة).

فإذا كان الملك فهد أول من بدأ حصر السلطة في أشقائه وأبنائه، وتبعه الملك عبد الله في تقاسم السلطة في نطاق ثنائيات متوالية مع السديريين: سلطان، نايف، سلمان.. فإن الأخير، كونه آخر الملوك السعوديين من الجيل الأول، يسير على الخطى ذاتها باختزال السلطة ولكن في أبنائه حصراً.

 
عبدالعزيز بن سلمان ـ وزير دولة في وزارة الطاقة

في التقويم الإجمالي، لم تألف المملكة السعودية نوع التغييرات الدراماتيكية التي قام بها الملك سلمان طيلة تاريخها، إذ كان الوزراء يبقون في مناصبهم مدداً زمنية طويلة نسبياً، وقد جرى تقنين ذلك بعد صدور النظام الأساسي للحكم في آذار 1992. وبحسب المادة التاسعة من نظام مجلس الوزراء الصادر في 21 أغسطس 1993: «مُدة مجلِس الوزراء لا تزيد عن أربع سنوات يتم خلالها إعادة تشكيله بأمر ملكي، وفي حالة انتهاء المدة قبل إعادة تشكيله، يستمر في أداء عمله حتى إعادة التشكيل».

ما يظهر في عهد الملك سلمان، أن التشكيلة الوزارية لم تستقر بصورة نهائية، فقد خضعت لتبدلات فجائية، فيما تناوب على بعض الوزارات ثلاثة أشخاص في غضون عامين وثلاثة أشهر، أي منذ تولي سلمان حتى اليوم، كما حصل في وزارات العمل، الخدمة المدنية، السكن، التعليم، وأخيراً الثقافة والاعلام.

وغالباً ما ينظر الى التغييرات المفاجئة والمتعاقبة في الجهاز البيروقراطي على أنها مؤشر على عدم الاستقرار، لا سيما في بلد محافظ سياسياً، مثل المملكة السعودية، وكذلك بقاء البنية التشريعية والإدارية كما هي دون تغيير. بكلمات أخرى، إن التغيير الوزاري لا يأتي بناء على حصول متغيّر بنيوي في النظام البيروقراطي، بقدر ما هو تغيير في موازين القوى داخل النظام.

وقد عكفت كثير من الصحف على تحليل أبعاد قرار استئناف العمل بنظام البدلات والعلاوات الذي كان الملك سلمان أوقفه في دفعة سابقة من الأوامر الملكية في إيلول 2016، فيما يثير خبراء إقتصاديون محلّيون وأجانب الشكوك إزاء هذا القرار الذي يضعونه في إطار «رشوة مؤقتة»، لمشاغلة الرأي العام عن القرارات الخطيرة التي اتخذها الملك سلمان بتعيين أبنائه (عبد العزيز وخالد) وحفيده (أحمد بن فهد) في مناصب حساسة.

 
خالد بن سلمان ـ سفير في واشنطن

جملة التعيينات والاعفاءات الجديدة تندك في سياسة إعادة تحصيص السلطة داخل العائلة المالكة وفق مبدأ الإزاحة والاستيعاب. ويبدو واضحاً أن الملك سلمان يتطلع لتحقيق هدفين من وراء التعيينات الجديدة: تعزيز مراكز أبنائه داخل السلطة، وتشكيل تحالف جديد داخل العائلة المالكة يقوم على فكرة استبدال أمراء بآخرين من جيل الشباب، ولكن تحت سقف الهدف الأول، أي مركزة السلطة في بيت سلمان.

  • ما يبعث على السخرية أن خالد العرج، وزير الخدمة المدنية السابق، تم إعفاؤه، بحسب وسائل الاعلام الرسمية، على خلفية تعيينه إبنه في منصب رفيع في الوزارة، فيما يجري تجاهل دفعة التعيينات التي وردت في الأوامر الملكية لأبناء الملك وأمراء آخرين، في إشارة واضحة الى أن الأسرة المالكة لا تخضع للقوانين نفسها التي يجري تطبيقها على بقية أفراد المجتمع.

لقد تم تعيين ثمانية من الأمراء كنوّاب لأمراء المناطق على النحو التالي:

ـ الأمير منصور بن مقرن بن عبد العزيز، المستشار السابق في الديوان الملكي، نائباً لأمير منطقة عسير، الأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز آل سعود.

ـ المحافظ السابق للهيئة العامة للإستثمار، الأمير سعود بن خالد بن فيصل بن عبد العزيز، نائباً لأمير منطقة المدينة المنورة، الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز.

 
سلطان بن سلمان ـ رئيس هيئة السياحة والآثار

ـ الأمير محمد بن عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز، نائباً لأمير منطقة جازان، الأمير محمد بن ناصر بن عبد العزيز ال سعود.

ـ الأمير محمد بن عبد الرحمن بن عبد العزيز، نائباً لأمير منطقة الرياض فيصل بن بندر بن عبد العزيز آل سعود.

ـ الامير فهد بن تركي بن فيصل بن تركي، نائباً لأمير منطقة القصيم، الأمير فيصل بن مشعل بن سعود.

ـ الأمير عبد الله بن بندر بن عبد العزيز، نائباً لأمير منطقة مكة المكرمة، الأمير خالد الفيصل.

ـ الأمير تركي بن هذلول بن عبد العزيز، نائباً لأمير منطقة نجران، الأمير جلوي بن عبد العزيز بن مساعد آل سعود.

ـ الأمير أحمد بن فهد بن سلمان بن عبدالعزيز، نائبا لأمير المنطقة الشرقية، الأمير سعود بن نايف بن عبد العزيز آل سعود.

في القراءة الأولية، تأتي التعيينات في سياق تشكيل تحالف واسع داخل العائلة المالكة يشكل صد دفاع أول للأمير محمد بن سلمان.

ويبقى القول بأن تعيين حفيد الملك سلمان، الأمير أحمد بن فهد بن سلمان، المستشار السابق في السفارة السعودية في لندن، نائباً لأمير المنطقة الشرقية، الأمير سعود بن نايف.. يمثل تطوّراً لافتاً لناحية تقليص نفوذ آل نايف، وخطوة تمهيدية لإقصاء محمد بن نايف عن ولاية العهد. وهو في الوقت نفسه يدق ناقوس الخطر بالنسبة لسعود بن نايف الذي خاض تجربة مريرة سابقة مع إبن عمه محمد بن فهد، أمير المنطقة الشرقية السابق، في تسعينيات القرن الماضي على خلفية التنازع على الصلاحيات، أفضت يومها إلى اعفاء سعود بن نايف بقرار من الملك فهد، وتعيينه سفيراً في أسبانيا. وقد يتكرر السيناريو ذاته في عهد الملك سلمان، والانتصار لحفيده، نائب الأمير.

 
فيصل بن سلمان ـ أمير منطقة المدينة المنورة

إن أول سؤال يهجس به أمراء المناطق والمراقبون عموماً هو هل تؤشر تعيينات النوّاب الى مرحلة قادمة، يتم فيها استبدال الأمراء الحاليين، أو بعضهم على الأقل؟

  • بالرغم من أن الملك فهد هو أول من أحدث تغييرات جوهرية في حصص أجنحة آل سعود، وبدأ في تقريب أشقائه وأبنائه، فإن الملك سلمان الذي يسبغ على شقيقه فهد صفة الأب (باعتباره فهد كان بمثابة المربّي لسلمان)، ضيّق من دائرة التنافس على السلطة داخل العائلة المالكة، باستبعاد أعداد كبيرة من المرشّحين الوازنين من الأمراء، في مسعى لإفساح المجال أمام محمد بن سلمان، كيما يحقق تطلعاته في رؤية السعودية 2030 دون قيود أو شروط، والأهم في وصوله الى كرسي الملك بإبعاد ابن نايف عن ولاية العهد.
  • من جهة أخرى، فإن ما يلفت في التعيينات الجديدة، هو التركيز على ذوي التخصّصات الاقتصادية، وإن تولوا مناصب غير ذات صلة.

على سبيل المثال، تمت إقالة وزير الثقافة والاعلام، عادل الطريفي، وتعيين عواد بن العواد السفير السعودي السابق في ألمانيا مكانه. والعوّاد حاصل على الماجستير في العمليات المصرفية من جامعة بوسطن، ودكتوراه في أنظمة الأسواق المالية من جامعة «وريك» ببريطانيا عام 2000. وكذلك الحال بالنسبة لمستشار الأمن الوطني، محمد صالح الغفيلي، الحاصل على الماجستير في الاقتصاد من جامعة غرب ألينوي في الولايات المتحدة، ووكيل مساعد في وزارة المالية للتعاون الاقتصادي، ونائب رئيس مجلس الإدارة في الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطقة التقنية، ورئيس مجلس إدارة «الشركة العربية للإستثمارات الصناعية».

 
احمد بن فهد بن سلمان ـ نائب امير المنطقة الشرقية

في الدلالات، هناك ثمة مسعى جاداً لناحية تحقيق الانسجام في فريق العمل الحكومي، وفي إطار تطبيق برنامج التحوّل الوطني ورؤية السعودية 2030، الأمر الذي يتطلب تغليب التخصصات الاقتصادية في كل مرافق الدولة.

  • ومما يميّز الأوامر الملكية الأخيرة، أنها تأتي في إطار ترميم الشراكة السعودية الاميركية، وامتثالاً لشروط الصفقة التي عقدها محمد بن سلمان وترامب في زيارته الى واشنطن في 14 آذار الماضي. كانت الصفقة في نسختها الأولى تتمحور حول مناصفة النفط السعودي والإماراتي مع واشنطن، لقاء حرب إقليمية شاملة لتقويض المحور الايراني. كان الثمن باهظاً، فجرى تعديل على صيغة الصفقة، بحيث تقتصر الحرب على اليمن وسوريا في مقابل ثلث النفط وامتيازات أخرى تتعلق بتجارة ترامب.

وفي الدلالات، ينطوي تعيين نجل الملك الطيّار الحربي الأمير خالد بن سلمان، سفيراً في واشنطن بدلاً من الأمير عبدالله بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن سعود آل سعود، على أهمية بالغة. فبرغم صغر سنه، فإن ثمة دوراً وظيفياً سوف يلعبه في المرحلة المقبلة، بناء على متغيّرات عديدة:

الأول، أن القناة بين الرياض وواشنطن أصبحت عائلية، وبات بإمكان آل سلمان وفريق ترامب التنسيق على نطاق محكم بصورة كاملة. في ملف العلاقات السعودية الأميركية، فإن التغييرات الجديدة تلمح الى مرحلة من التنسيق الفعّال بين الرياض وواشنطن، لن تقتصر على مجرد وجود نجل الملك في واشنطن، ولكن أيضاً في ملفات النفط والأمن والدفاع والتي سوف تكون حاضرة بقوة في المداولات بين ترامب وآل سلمان. الملفات الثلاثة باتت تحت سيطرة آل سلمان بصورة شبه كاملة بعد تصعيد نائب وزير الطاقة نجل الملك، عبد العزيز بن سلمان، ليكون بمرتبة وزير، ما يجعله مسؤولاً مباشراً عن إدارة ملف النفط في المرحلة المقبلة، بما تحمله من تحدّيات وصفقات تتعلق بعملية طرح أسهم شركة أرامكو في الأسواق العالمية.

 
أوامر ملكية بتعزيز سلطة ابن الملك للإطاحة بولي العهد محمد بن نايف

الثاني، أن طابع القناة له ملمح عسكري بارز. الجدير بالإشارة أن تعيين خالد بن سلمان جاء بعد أيام من زيارة وزير الدفاع الأميركي ماتيس الى الرياض التي وصلها في 18 نيسان الماضي في أول جولة شرق أوسطية له. يضاف اليه، فإن الأوامر الملكية شملت تعيين قائد جديد للقوات البرية من العائلة المالكة، ومن داخل الجناح السديري، وهو اللواء فهد بن تركي بن عبدالعزيز آل سعود الذي تمت ترقيته إلى رتبة فريق ركن، خلفاً للفريق ركن عيد بن عواض بن عيد الشلوي.

وفي معلومات متقاطعة، تأتي هذه التعيينات بطلب من الجانب الأميركي في سياق التحضيرات لفصل جديد من الحرب على اليمن، في ظل أحاديث عن قرب معركة الحديدة، والمواقيت التي جرى حسمها خلال زيارة ماتيس للرياض بخصوص ملف اليمن. استراتيجية ما تيس في الشرق الأوسط تستوعب تطلعات محمد بن سلمان في المواجهة مع ايران. يضاف الى هذا فإن (لا ديمقراطية) ترامب اي عدم اهتمامه بهذا الموضوع، هي مبعث اطمئنان لدى القيادة السعودية، على العكس من أوباما الذي طالما حاول تصويب مسار العلاقة المأزومة بين المجتمع والسلطة في الخليج، بالتركيز على حلول لمشكلات الشباب، بدلاً من الانشغال بوهم الدور الايراني في أزمات المنطقة.

الثالث، ان تعيين شقيق محمد بن سلمان ـ خالد ـ وهو عسكري للتوّ قد تخرّج كطيّار حربي، وعمره لا يتجاوز السابعة والعشرين.. تعيينه سفيراً في واشنطن، بلا خبرة سياسية ولا إدارية ـ شأنه شأن محمد بن سلمان نفسه، يستهدف بشكل مركزي أيضاً، توثيق العلاقة بين محمد بن سلمان والإدارة الأمريكية التي كانت ترى في ولي العهد محمد بن نايف رجلها الأساس في الحكم. ولأن محمد بن سلمان يريد اقصاء محمد بن نايف، فعليه اولاً وآخراً إقناع واشنطن بذلك. الأمر الذي الذي يريده محمد بن سلمان وأبوه الملك هو أن لا تمانع واشنطن من وصول ابن سلمان لولاية العهد، مع تعهد بأن يبقى محمد بن نايف وزيراً للداخلية. وسيعمل خالد بن سلمان، على توثيق العلاقة مع ادارة ترامب، وإقناعها بأن شقيقه سيكون أفضل في خدمة المصالح الأمريكية في السعودية. ولا شك أن عادل الجبير، وزير الخارجية الحالي، سوف يفقد هو الآخر جزءاً جوهرياً من المهمات المنوطة به على مستوى العلاقات السعودية الأميركية، التي سوف تكون أولوية قصوى في النشاط السياسي السعودي في المرحلة المقبلة.

 
مفتاح العرش.. رضا واشنطن!

الرابع، يضاف الى ذلك، فإن استحداث مركز الأمن الوطني التابع للديوان الملكي، ووظيفة مستشار للأمن الوطني مقرّب من بن سلمان، وهو محمد بن صالح الغفيلي، يعني إلحاق قرار وزارة الداخلية بالديوان الملكي، أي إلحاق ولي العهد محمد بن نايف بالقرار الأمني للمركز الذي يسيطر عليه محمد بن سلمان، مع أن مستشار الأمن الوطني نظرياً هو عضو في مجلس الشؤون السياسية والأمنية، ولكن مرجعيته النهائية تبقى بيد الملك، أي محمد بن سلمان. وللتوضيح: هناك (المجلس السياسي والأمني) الأعلى الذي يرأسه محمد بن نايف، وقد خسر المجال السياسي لصالح محمد بن سلمان، وها هو الآن في طريقه الى خسارة القرار الأمني.

وفي توصيفه لأهمية مركز الأمن الوطني، يقول العميد ركن متقاعد علي التواتي في مقابلة مع موقع (العربية.نت) في 23 إبريل الماضي، إنه «خطوة في الطريق الصحيح ضمن مهمة سعي المملكة إلى تطوير آلية صناعة القرار الأمني على النحو الذي يواكب التحولات التي تشهدها المنطقة»، ويضيف «أن من مهام المركز المرتقبة تجميع تقارير أجهزة الأمن المختلفة وتحليلها ومقارنتها ببعضها، وذلك لمحاولة الوصول إلى أقصى درجة من المصداقية». وإن «مهام هذا المركز بعد تجميع تقارير الأجهزة الأمنية، بناء القرارات أو توقع ما يمكن أن ينتهي إليه سيناريو معين، فضلاً عن وضع خطط واستراتيجيات لتصحيح الأوضاع».

كل هذا يعني، ان تأسيس مركز الأمن الوطني، له غرض واحد، تطويق ولي العهد وزير الداخلية محمد بن نايف، تمهيداً لإزاحته من ولاية العهد. ودون أدنى شك، سيفضي استحداث مركز الأمن الوطني حكماً الى تآكل سلطة محمد بن نايف، رئيس مجلس الشؤون السياسية والأمنية.

 
وزير الخدمة خالد العرج: إقالة ومحاسبة لتوظيفه إبنه!

هناك قرار آخر أمني يستهدف سيطرة محمد بن سلمان على القرار الأمني الخارجي اضافة الى الداخلي. فقد تم تعيين اللواء أحمد عسيري، الناطق السابق بإسم التحالف الدولي ضد اليمن، والمستشار الخاص لوزير الدفاع محمد بن سلمان، في منصب نائب رئيس الاستخبارات العامة، في سياق استكمال عملية الامساك التام بالملف الأمني. فقد كان الأمير بندر بن سلطان يمسك بملفي الأمن الوطني والاستخبارات العامة في عهد الملك عبد الله، قبل أن يقوم الملك سلمان بإلغاء مجلس الأمن الوطني، من بين هيئات ومجالس أخرى تم إلغاؤها في بداية عهد الملك سلمان، وإعفاء الأمير بندر بن سلطان من منصبه. الآن يعاد المركز الوطني للسيطرة على الأمن الداخلي، ويتم الدفع بأحد أهم رجال محمد بن سلمان، وهو العسكري اللواء عسيري، ليسيطر على جهاز الإستخبارات المهتم بشؤون الخارج والتنسيق مع اجهزة الإستخبارات الدولية.

  • في ملف البدلات والمكافآت نحن أمام سؤال جوهري: ماهي مصادر تمويل هذا الاستحقاق الضخم؟ حتى الآن لم تقدّم وزارة المالية أو الوزارات ذات الصلة (التخطيط، العمل، الخدمة المدنية) معطيات بهذا الخصوص. ثمة ما يؤكد الحاجة الى إجابات حاسمة، ففي تجارب سابقة كانت تعلن فيها الحكومة عن تقديمات إجتماعية دون توافر المصادر المالية الكافية، كما حصل في آذار 2011 حين أعلن الملك عبد الله عن تقديمات إجتماعية بقيمة (110 مليار ريال) أي ما يعادل 29.3 مليار دولار أميركي في ظل شكوك حول إمكانية توفيرها.

يذهب سيمون كير في صحيفة (فايننشال تايمز) في 23 أبريل الماضي، في سياق التشكيك نفسه إزاء قرار الملك سلمان بإعادة العلاوات والبدلات لموظفي الخدمة المدنية والقطاع العسكري بعد ستة شهور من إلغائها، فقال بأنه «يشي بحدود الاصلاحات في المملكة، حيث يجب أن ينظر الى الأسرة المالكة على أنها توفّر ـ التقديمات ـ للشعب مقابل الولاء للدولة».

كان قرار إلغاء العلاوات والبدلات قد تسبب في إلحاق ضرر فادح بصورة محمد بن سلمان الذي يقود برنامج الاصلاح الاقتصادي. خبراء اقتصاديون محليّون شككّوا في سرعة تعويض الحكومة السعودية لخسائرها نتيجة انهيار أسعار النفط، الأمر الذي لا يمكّن تعويضه على هذا النحو من السرعة. وبحسب الأرقام الرسمية، فإن مقدار الأموال التي حصدتها الحكومة نتيجة وقف التقديمات الاجتماعية تتراوح بين 36 ـ 40 مليار ريال (12 مليار دولار).

أيضاً، وفي ظل انخفاض مستوى الافصاح والشفافية عن ميزانية المملكة السعودية لعام 2017، كما لاحظ ذلك الخبير الأقتصادي عبد العزيز الدخيل في كتابه (الاقتصاد السعودي قبل الرؤية 2030 وبعدها) الصادر مؤخراً، تتضارب الأرقام بصورة حادة حول مداخيل النفط، وحول القيمة السوقية الحقيقية لنسبة 5 في المائة من شركة أرامكو التي ينوي محمد بن سلمان تخصيصها، وكذلك تتضارب الأرقام بشأن حجم الاحتياطي الثابت من النفط، وكذلك الاحتياطي النقدي الموجود غالباً في البنوك الأميركية، والذي هو مجموع فائض المداخيل من بيع النفط على سنوات طويلة.

 
علي التواتي، رئيس مركز الأمن الوطني

في آخر تقرير حول القيمة السوقية لشركة أرامكو، ذكرت صحيفة (وول ستريت جورنال) في 25 أبريل الماضي، بأن مسؤولين في الشركة نقلوا لرؤسائهم، بأن ثمة عقبة في خطط الشركة، إذ من المرجح أن تكون القيمة أقل بمقدار 500 مليار دولار عن القيمة المقترحة من قبل الحكومة سابقاً. وكان ولي ولي العهد قد قدّر قيمة 5 في المائة من شركة أرمكو بتريليوني دولار، فيما قدّره مسؤولون في الشركة بـ 1.5 تريليون، ما يبعث الشكوك حول الخطط المرسومة لطرح أسهم الشركة في الأسواق العالمية .

الخلاصة: في كل الأحوال، ومهما تكن النتائح، فإن الأوامر الملكية، شأن سابقاتها، تؤسس لأزمة مستقبلية داخل العائلة المالكة، وسوف تترك تأثيرات مهمة على وحدة ومصير الدولة.

فهناك ابتداءً اختزال للسلطة في أبناء الملك سلمان، في حين أن العائلة المالكة يزيد عددها على خمسة وثلاثين ألفاً من الأمراء والأميرات، بين أصحاب سمو، وأصحاب سمو ملكي (اي من نسل الملك عبدالعزيز). هذا يفرض تحولاً في انتقال السلطة من وضعه الأفقي (من الأخ لأخيه) الى العمودي (من الأب لإبنه). ولن تمر هذه العملية بسهولة.

وهناك ثانياً، قضية التوقيت في تنصيب محمد بن سلمان لولاية العهد، وإقصاء محمد بن نايف. فإذا تم الإقصاء قبل موت الملك سلمان، أصبح ابنه محمد ملكاً بلا منازع. أما اذا سبق الموت الإقصاء، فهذا يعني أن كل ما بناه الملك سلمان، وكل السلطات التي أعطاها لإبنائه ستكون في مهب الريح، ومن شبه المؤكد أن يخسروا مناصبهم، بمن فيهم محمد بن سلمان نفسه.

هذا ما جرى لأبناء الملك عبدالله، حيث لم يتبقَّ سوى متعب في وزارة الحرس الوطني، ولولا الخشية من انفلات زمام الأمر، لأقالوه. وقد قام سلمان بالإطاحة ببقية أبناء الملك عبدالله بمجرد أن اصبح ملكا. فقد طرد التويجري كمستشار، وطرد تركي بن عبدالله من امارة الرياض، وابنه الآخر مشعل بن عبدالله امير مكة، واختفى اسم عبدالعزيز بن عبدالله كنائب لوزير الخارجية؛ وهكذا. ولن يكون مصير آل سلمان ـ في حال مات الملك سلمان قبل أن يقيل محمد بن نايف ـ بأحسن حالاً من ابناء الملوك وولاة العهد السابقين: كأبناء فهد (خاصة محمد بن فهد، وعبدالعزيز بن فهد)، وأبناء سلطان ولي العهد الأسبق (خاصة خالد بن سلمان وبندر بن سلطان وسلمان بن سلطان، وغيرهم).

الصفحة السابقة