توتر وتوقف في مواقف مثقفي السعودية والخليج!

عبد الوهاب فقي

وازاء هذه التعمية او التقيّة، انتقد المعارض سعود السبعاني ابن سعيّد وتساءل: (هل سمعتم او شاهدتم إخونجي سعودي واحد فقط، كان جريئاً او شجاعاً أو صريحاً مع نفسه قبل الجمهور فيعترف على الملأ بأن المباحث أرغمته على عدم التغريد؟).

الكتاب أصحاب الرأي في المملكة والخليج منقسمون على أنفسهم بسبب الأزمة القطرية السعودية. أكثرهم لا يريد أن يُحشر بين موقفين لا يحسد عليهما. خاصة وأن كلا البلدين متهمين بدعم الإرهاب، وأن ليس كل ما تقوله قطر صحيحاً، فاثارتها للفتنة صحيح، لكن ليست هي الرياض من يحاكم قطر، فهي أسوأ من قطر في كثير من النواحي.

ثم ان معالجة الرياض للأزمة مع قطر، لم تكن لتستهوي الكثيرين في السعودية ودول الخليج الأخرى. وادارة الأزمة سعودياً بالإكراه للدول والأفراد على تبني موقفها الفاضح في خطئه لم ينتج تعاطفاً بل على العكس انتج اشمئزازاً حقيقياً.

في مواقف بعض المثقفين السعوديين قال تركي الحمد: ان ترتمي قطر في حضن السعودي، خير من حضن الترك والفرس، وان ترعى الجِمَال في نجد خير من رعي الخنازير في ارياف أزمير. رد الاعلامي القطري عبدالله العذبة بالتالي: خير للرياض ان تعامل دول الخليج الأخرى باخوة، وكشركاء لا أتباع، فهذا خير من ان ترعى خنازير وبقر أبو إيفانكا لخلق المزيد من (جوبز، جوبز، جوبز).

وعاد تركي الحمد ليصطفّ مجدداً مع النظام رغم اخطائه بحجة ان الدولة بأكملها في خطر! كتب معرضاً بقطر: (عندما تمتلك شقة في عمارة ما، فإن لك الحق في ان تمارس حريتك في شقتك كما تشاء، ولكن تذكر ان لك جيراناً وليس جزء من حريتك إزعاجهم أو الإضرار بهم). رد عليه مغرد معرضاً بالسعودية وحلفها: (حين يريد مجموعة من السكان فرض وصاية على أحد ساكنيها، واجباره على من يستضيف في منزله، ومن يطرد، فهذه ليست حرية كذلك). ورد آخر ضد الجار الشقي: (وليس لك حق كجار ان تتدخل في شؤون بيت جارك، وتتلصص عليهم، وتقول لا تستضيف فلان، واطرد فلان. خلّكْ محترم يا جار، اللي بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة).

ورمى تركي الحمد بفقاعة أخرى، وقال بأن لعبة السياسة ليست بين السعودية وقطر، بل بين السعودية من جهة وتركيا وايران من جهة اخرى، وما قطر الا ورقة سياسية. واضاف بان تركيا وايران استغلتا الجوع القطري للهيمنة فأدخلتها ضمن اوراقها السياسية ضد السعودية. واكمل بان قطر لا تمتلك امكانيات القوة وتبحث عن دور وهيمنة.

كأنه يريد تبرير العدوان السعودي بأن المعركة ضد قطر هو لمحاربة ايران وتركيا. تماماً مثلما فعل آل سعود في اليمن وفي سوريا وفي العراق ايضاً. والنتيجة تدميرها كل هذه البلدان، وخسارة للرياض.

بعدها كتب تركي الحمد مؤيداً فتح معركة جديدة ليس فقط مع ايران بل مع تركيا وقال: (في يد السعودية اوراق سياسية عديدة يمكن ان تستخدمها ضد ايران وتركيا: كورقة الاقليات والمعارضة في ايران، والورقة الكردية في تركيا). وزاد بلحن طائفي مكررا كلام محمد بن سلمان في مقابلته الأخيرة مع داوود الشريان، بأنه يتمنى التوصل الى تفاهم مع ايران، ولكن هناك عقدة المهدي المنتظر، فكيف التفاهم معه؟ وهو نفس سؤال محمد بن سلمان!

سأله احدهم: (كيف تتحدث عن الحوار والفهم المشترك، وفي نفس الوقت تسخر من معتقد الطرف الآخر؟). آخر سأله عن التناقض، فكيف تدعو قطر الى عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، ثم تريد ان تتدخل في تركيا وايران، ثم الا توجد ربع ورقة ضد اسرائيل؟! اما الدكتور المطرودي فرد: (أليس موقفنا من ايران هو نفس موقف الغرب من المسلمين؟ أليس لدينا معتقدات دينية مهيمنة تمنع من أي حوار حقيقي؟).

الاعلامي وائل القاسم قال ان ازمة قطر تحتاج الى معالجة حكيمة، تأجيج الأزمة خطأ يحرق الأخضر واليابس. اما الاعلامي التونسي محمد الهاشمي الحامدي، فاعلن انحيازه الى جانب قطر، ليحصل على الأرز القطري، بعد ان خسر الرز السعودي. المعارض السعودي في المنفى عماد الحوّاس، قال صادقاً ان الغرب يعلم ان المحظورات التي ارتكبتها قطر لم تفعلها وحدها بل معها المحاصرون لها. ومهنا حمد المهنا من الكويت يعتقد جازماً انه لو قامت حرب بين قطر والسعودية، لأفتى مشايخ الأخيرة بوجوب قتل اهل قطر، ولوصفوهم بأنهم اشد على الإسلام من اليهود والنصارى.

الاعلامي السلطوي السعودي احمد عدنان هدد: (الرد على القاعدة التركية في قطر سيكون مذهلاً)، فسأله الدكتور المعارض حمزة الحسن: كيف؟ هل باحتلال قطر؟ سواء كان مذهلا ام مزلزلا فقد (سمعتُ هكذا خطاب قبل العدوان على اليمن. رحم الله نظاماً عرف قدر نفسه).

اعلاميا، فالكاتب عبده خال يفسخ اتفاقيته مع دار نشر قطرية ويقول: المثقف ليس ظهيراً للإرهاب!؛ في حين دعا شاعر من نجد من قبيلة مطير الى ان يحكم تميم نجد، ويزرع فيها علم بلاده، واحتقر محمد بن سلمان فقال:

لَعَلْ تميمْ يُعطى العزّ والرّزْ

وياخِذ جميعْ الديارْ وْكِلْ ما فيه

إلاّ ويا عسى بَيْرَقه في نجدْ يِرْتَزْ

ألا وَيْشْ يدري المهَبّلْ وَيشْ يدريه

(والمهبل هو محمد بن سلمان).

الاعلامي خالد المطرفي، والموظف في مباحث الداخلية، قال كذبة تاريخية: (للتاريخ: كثير منا لا يعلم ان الملك سعود منح اراضي من السعودية لقطر اكبر من ربع مساحتها، يا ناكرين المعروف والجميل)، يقصد القطريين. رد عليه موقع الملك سعود الرسمي والذي يديره أبناؤه الأمراء، فقالوا لا تكذب يا مطرفي.

أحمد العواجي قال ان حكومة قطر تتجرّع اليوم نفس الكأس التي سقت بها غيرها، وصدق الله: (ولا يحيقُ المكرُ السيّءُ إلا بأهله). وعلق على الاعلام السعودي وتهافت المغردين فقال: (ضوضاء الفتنة، وجَلَبَةْ الغوغاء، تحجب أصوات العقلاء، حتى إذا هدأت الفوضى وسكنت الأجواء، لم يبقَ إلا الأطلال، وصدى أصواتهم فقط، نسمعه ونحن نعضّ اصابع الندم).

الصحفي الموالي محمد آل الشيخ شتم والد امير قطر تميم فقال: (حمد بن خليفة كان يعمل ومعه اصحاب اللحى المزوّرة على اسقاط المملكة. دولته القَطْبَةْ كانت مجرد مُلحق طرَفي للمملكة ابان الدولة السعودية الثانية)، في اشارة الى ضرورة احتلال قطر وضمها الى السعودية!

الكاتب الإقتصادي الدكتور حمزة السالم استغرب صدور قرار الهجوم الاعلامي على قطر وقال: (لو انها اليمن ما يخالف. قطر أغنى دولة في العالم، تكبّ فلوس على مواطنيها)؛ وانتقد الاعلام السعودي فقارنه بقناة الجزيرة التي (شرشحتنا، أين ما ضربت اصابت، ونحن ما عندنا الا قصّاصين في التلفاز يتنبأون بسقوط قطر. وضع اعلامنا لا يُحسد عليه).

وأتحفنا الإماراتي الدكتور خالد القاسمي حين أقسم بالله بأن (القوات السعودية والإماراتية قادرة على القضاء على دولة ملالي طهران في ظرف اربع وعشرين ساعة). قارن هذا بتغريدة النوفلي العُماني: (عدوٌ عاقل خير من صديق جاهل. لولا العلاقة الطيبة التي تربط قطر بإيران لأصبح الشعب القطري مع الحصار نسخة من شعب غزة، سجيناً ينتظر المعونات من الخارج). وأما الإعلامي البحريني عادل مرزوق فغرد: (من كُثْرِ ما سمعت ان قطر دولة للإسلام السياسي، كدتُ اظن ان السعودية والإمارات والبحرين دولاً شيوعية من بقايا الاتحاد السوفياتي).

هذا كله لا يعني شيئاً للموظف الكبير في وزارة الخارجية السعودية أسامة أحمد نَقْلِي، الذي استخدم الآيات الكريمة لصالح آل سعود ضد قطر: (وإن تدعوهم الى الهدى لا يسمعوا، وتراهم ينظرون اليك وهم لا يُبصرون). السعودية تقدم الهدى والقطريون لا يستجيبون ولا يُبصرون!

بدر بن طلال الرشيد ربط ازمة قطر برؤية ابن سلمان ٢٠٣٠، فقال ان الرؤية تضمنت: تحرير صنعاء خلال ايام، وانشاء تحالف اسلامي، وجسر بين مصر والسعودية، وأخيراً تأديب قطر.. ولكن هذه (كلها فقاعات اعلامية). وأخيراً.. مع أبيات من الشاعرة الشعبية سارة السبيعي ضد محمد بن سلمان:

لا شِفِتْ بِنْ سلمانْ شِفْتْ المَخَابيلْ

الضحكةْ اللي ما وراها مَسَرّةْ

ضِحكَةْ خِبِلْ وسارحنْ بالمخابيلْ

داشرْ، وهذا الثورْ كِلْ مِنْ يِجِرَّهْ

يِنطحْ جميع الناس، ينطحْ وبالحَيْلْ

ما لَهْ قرونٍ، كانْ طافِ المَجَرّةْ

لا بوه لا بو بِلْشَتِنْ فيهْ يا ليلْ

لو طالْ وقْتَه حالِنا فيْ مَضَرَّةْ

ما سَرِّحَهْ بَارْبَعْ تيوسـ(ـن) وقَندِيلْ

واليومْ صرنا تحتْ حُكمَهْ بْجَرَّهْ

ياللهْ خارِجْنا ترانا بْتَضْليلْ

بِيْجِيبْ فينا العيد مليونْ مَرّةْ

الصفحة السابقة