دولة النحس

محمد بن سلمان يرافقه النحس في حلّه وترحاله، مع امكانية أن يصبح النحس ملكاً!

في الميثولوجيا الأغريقية قصة الملك ميداس الذي يرمز الى البركة وفأل الخير، إذ لا تكاد تلامس يده شيئاً إلا أحالته ذهباً، ولذلك يقال عن الشخص الذي يجري على يديه الخير والبركة أينما حلّ بأن لديه لمسة ميداس.

في الواقع السياسي السعودي، ثمة قصة مناقضة تماماً، هي قصة الملك حمودي بن سلمان، الذي يلاحقه النحس في حلّه وترحاله، فلا يكاد يتبنى مبادرة الا وجعلت المكان الذي تطبق فيه كالرميم، ولم يخض مغامرة الا غاص في أوحالها، وعلق في حبائلها، وأوصدت أبواب الخروج منها. ومن فرط غروره واعتداده بنفسه، أن المغامرة الخاسرة كما يراها القاصى والداني لا تردعه عن الإيغال فيها، والسير بها حتى النهاية وإن كلّف البلاد والعباد أثماناً باهظة.

بدأ بالحرب على اليمن، بدعوى استعادة الشرعية وطرد الحوثيين من العاصمة، وتأمين الحدود السعودية، فلا عادت الشرعية ولا خرج الحوثيون من العاصمة ولم تأمنّت الحدود، بل خرجت من سيطرة القوات السعودية، ولجأ ابن سلمان الى المرتزقة من بلدان العالم، الفقيرة غالباً، للقتال بالنيابة عن أصحاب الدماء الزرقاء. وزاد على ذلك أن انتشرت «القاعدة» في مناطق مختلفة من اليمن، وهي اليوم تقاتل الى جانب قوى العدوان الذي تقوده السعودية.

ومن يسأل اليوم عن مصير الحرب، كمن يسأل عن كفاءة إبن سلمان في إدارة المعارك، فلا هو بالذي يعرف معنى الانتصار العسكري، ولا يعرف حتى سبل الخروج من الحروب بأقل الخسائر. وفوق هذا وذاك، أن التعويل على الولايات المتحدة، في ظل إدارة التاجر الطائش ترامب، بات موضع شكوك، لأسباب عديدة منها أن واشنطن ليست مستعجلة لإنهاء الحرب كما هو الحال بالنسبة للسعودية التي تنظر الى ترامب منقذاً لها من الورطة.

إنها الورطة التي يجني منها ترامب ومصانع السلاح في الولايات المتحدة ربحاً صافياً عن طريق ابرام المزيد من صفقات الأسلحة، وبيع التقنية الاستخبارية والعسكرية، وتوفير الخدمات المعلوماتية المرتبطة بالمعارك.

بكلمة أخرى، أن إيقاف الحرب لا يشكل أولوية بالنسبة للولايات المتحدة، وأن نتائجها تقلق لناحية واحدة أنها تسهم في تقوية النفوذ الإيراني فحسب، وهو ما تحاول واشنطن منع حصوله.

في كل الأحوال، أن مبادرة الحرب التي تبناها إبن سلمان في مارس 2015 أرست معالم النحس في عهد يراد له، زعماً، أن يكون مختلفاً. ترافق مع هذا النحس تشكيل التحالف العربي الذي قادته السعودية وتبيّن من بين ما يربو عن إثني عشر دولة عضو في التحالف أن الدولتين الفاعلتين فيه هما السعودية والامارات وأما البقية فدورها تجميلي وثانوي للغاية.

قصة نحس أخرى في منتصف ديسمبر 2015، حين أعلن فجراً عن التحالف العسكري الإسلامي ضد الإرهاب وضمّ، زعماً، ما يربو عن ثلاثين دولة، بعضها لم يعلم عن عضويته الا من خلال البيان السعودي. وفي نهاية المطاف، وبعد لقاءات ثنائية وعامة، ومناورات مشتركة، واستعراضات عسكرية، وبيانات تهويلية، وإذا بالتحالف يتبدد كما لو أنه «فص ملح وذاب»، بعد قمة الرياض التي حضرها ترامب في 20 يونيو الماضي.

لاحق النحس إبن سلمان حتى في رؤيته العمياء السعودية 2030، والتي تفتقر الى معطيات واقعية عن الاقتصاد السعودي وسبل مقاربة المشكلات التي يعاني منها. استثمارات ومشاريع اقتصادية عملاقة، ولم يعلم الناس كيف يمكن لها أن تتم. فقد خبروا شيئاً واحداً، أن الوعود بالتغيير الاقتصادي الثوري تمرّ عبر جيوب المواطنين من خلال فرض ضرائب جديدة ومرتفعة ورفع ما هو قائم بمعدلات قياسية.

قال عن ارامكو وعلى مستوى القيمة السوقية ما لا نصيب له في الحقائق والارقام الاقتصادية العالمية، كيف وكان يعتقد بأن كل ما يصدر عنه يصبح وحياً منزلاً، وتفاجأ بأن الارقام التي يطلقها تخضع لفحص الخبراء والشركات المنافسة، التي ألجمته بأرقام محكمة، إن لجهة القيمة الحقيقية لنسبة الـ 5 % من شركة أرامكو والتي لم تقدّر بـ تريليوني دولار كما صرح بذلك للإعلام، بل تقل بنسبة الربع عما قدّره، ولا الاحتياطي النقدي الذي يراد توظيفه في مشاريع استثمارية مصون من التناقص بفعل انهيار أسعار النفط، والعجز المتواصل في الموازنة ومتطلبات الانفاق على الحرب في اليمن والحروب الأخرى التي يخوضها سلمان وإينه غير المبجّل في أماكن أخرى.

460 مليار هي حجم الأموال التي حصدها ترامب في زيارة واحدة الى المملكة والتي خلقت بحسب تعبيره “وظائف، وظائف، وظائف» في بلاده، بينما تخلق بطالة وفقر وتخلف في المملكة، إذ يراد لهذه الأموال أن تستثمر في الولايات المتحدة لا خارجها. هي في الحقيقة الثمن الذي قبضه ترامب لقاء تأييده قرار سلمان بتنحية محمد بن نايف بصورة كاملة وتعيين محمد بن سلمان خلفاً له.

ما يلفت حقاً، أنه بعد تنحية محمد بن نايف، لا حديث عن تطوير للجهاز البيروقراطي للدولة، ولا تعبئة الفراغ الناجم عن غياب إبن نايف على رأس مجلس الشؤون السياسية والأمنية والمعني بملفات استراتيجية وحيوية تتعلق بمكافحة الارهاب وضبط الأمن الوطني. وحتى الرؤية العمياء لا تحظى بالأهمية ذاتها التي كانت تحظى بها في الشهور الماضية، وكأن الأدوات التي أريد لها أن تسوّق إبن سلمان للعرش قد استنفذت أغراضها، وليس هناك حاجة للتذكير بها، خصوصاً وأنها تحمل في طياتها أسئلة الجدوى والجدارة. والأهم من ذلك كله، أن من يقف وراءها لابد أنه توقف عند سر النحس الذي يرافق كل مغامرة يخوضها إبن سلمان..فكيف به وهو ملك، فحينئذ يصبح النحس ملكاً.

الصفحة السابقة