الهويريني الذي خان سيده السابق ابن نايف   الهويريني مع سيده الجديد قبل ان يستقل عنه برئاسة أمن الدولة!

من (المركزية) الى (المركزية الفردية)

الملك سلمان يعيد تشكيل السلطة

محمد الأنصاري

قرار الملك سلمان عزل محمد بن نايف من منصبه، وتعيين إبنه محمد بدلاً منه، يعد التطوّر الأبرز في عهد سلمان منذ توليه العرش في 23 يناير 2015.

انه القرار الثاني على هذا المستوى من الخطورة الذي يتخذه بعد إعفاء ولي العهد الأسبق مقرن بن عبد العزيز في 29 إبريل 2015.

وقد أفضى قرار سلمان، وبصورة حاسمة، الى إلغاء الثنائية التي حكمت معادلة السلطة منذ موت الملك عبد العزيز حتى عزل محمد بن نايف في 21 يونيو الماضي.

في التداعيات، لم يمرّ بهدوء قرار تنحيه محمد بن نايف من مناصبه كافة (ولي العهد، وزير الداخلية، رئيس مجلس الشؤون السياسية والأمنية)، وليس «بناء على طلبه» كما جرت العادة في أوامر على هذا المستوى. في 21 يونيو الماضي، أمسى محمد بن نايف مجرّداً من كل الصلاحيات، وتبدّل كل شيء من حوله على عجل، حتى رجال قصره تمّ إستبدالهم، فضلاً عن الفريق الذي كان يدير به وزارة الداخلية وملف الأمن في البلاد عموماً. إن قرار عزل محمد بن نايف وبعض رفاقه المقرّبين، أشاع قلقاً لدى مسؤولي مكافحة الارهاب في الولايات المتحدة الذين نظروا الى الشخصيات التي تحظى بثقتهم وقد توارت، وعليهم العمل على بناء علاقات جديدة، على حد (نيويورك تايمز).

بعد إسبوع من إعلان إعفائه من منصبه، بدأت وسائل إعلام غربية بالحديث عن إخضاع محمد بن نايف لـ «الإقامة الجبرية» و»المنع من السفر».

مسؤولون مقرّبون من محمد بن سلمان نفوا ذلك.

لم يحسم النفي الجدل حول وضع إبن نايف، بل ان أخذ أبعاداً أخرى، وبدأت الاشارات الى ما هو أبعد من مجرد تنحية إبن نايف، وإن فصلاً من صراع الأجنحة يتظهّر في الاعلام الغربي، كما تكشف عن ذلك الرواية الموحّدة التي وجدت طريقها الى عدّة صحف غربية. وبحسب (مون أوف أولاباما)، ثمة في العائلة المالكة من يريد أن يخبر عبر رواية واحدة نشرت في (رويترز، نيويورك تايمز، وول ستريت جورنال، تيليجراف..وغيرها) بأن محمد بن سلمان حصل على ولاية العهد بالقوة.

فقد نقلت «نيويورك تايمز» عن مصادر مخابراتية أمريكية بأن «مسئولون سعوديين اقتادوا ولي العهد السابق ـ محمد بن نايف ـ إلى غرفة منفردة وضغطوا عليه ليتخلى عن منصبه»، رفض إبن نايف التنازل عن منصبه فى البداية لكنه استسلم للضغوط بعدما أصيب بالإرهاق. في الوقت نفسه، تمّت دعوة أعضاء هيئة البيعة في قصر الملك في جدّة، وجرى الحديث معهم حول عدم آهلية إبن نايف لأن يصبح ملكاً بسبب ما يعانيه من مرض وإدمان على المخدرات عقب محاولة الاغتيال التي تعرض لها سنة 2009 وأصيب بشظايا على إثرها وخضع لعلاج بالعقاقير المخدّرة.

وعادت الصحيفة لتأكيد نبأ وضع إبن نايف تحت الاقامة الجبرية في قصره على البحر الأحمر بمدينة جدة، على الرغم من نفي فريق إبن سلمان ذلك. أضيف الى العامل الصحي في خلفية التنحية.. الخلاف السياسي، متمثلاً في اعتراض إبن نايف على مقاطعة قطر.

وكالة (رويترز) تبنت الرواية نفسها، وذكرت تفاصيل نقلاً عن مصدر مقرّب من محمد بن نايف، بأن الملك طلب منه التنحي لصالح إبنه محمد. والسبب: الإدمان على العقاقير المسكّنة للألم. الملك خاطبه: «أريدك أن تتنحى، لم تكن تستمع للنصيحة بتلقي العلاج عن إدمانك الذي يؤثر بشكل خطير على قراراتك» بحسب مصدر مقرّب من محمد بن نايف.

بعد يومين، عادت «رويترز» الى تحديث الموضوع، وحاولت الاتصال بمقرّبين من محمد بن نايف، بعد أن باءت محاولات الاتصال به مباشرة بالفشل، ونقلت عن مصادر مقرّبة منه قولهم بأنه لن يعلّق على ما ينشر وإنه باقٍ في قصرة في جدّة منذ إزاحته في حزيران الماضي. المصادر أقرّت بإدمان محمد بن نايف على المورفين، ولكنها قالت بأن ذلك إستخدم «ذريعة» للتعجيل في ترفيع محمد بن سلمان، إبن الملك كيما يكون وريثه في العرش.

«وول ستريت جورنال» انفردت بخبر مقطع فيديو للملك سلمان يعلن فيه تنحيه عن العرش لصالح إبنه، نقلاً عن عدد من الأشخاص المقرّبين من الديوان الملكي، وأن المقطع سوف يكشف النقاب عنه فور موت الملك أو في بيان عام بالتنحي. ولكن مسؤولا في الديوان الملكي قال: «في أي بلد يتخلى فيه قائده في أيامه الأخيرة لأسباب صحية هو بلد بلا كرامة ولا اعتبار».

تنبه موقع (ستراتفور) الى سر التطابق والتزامن في رواية «رويترز» و»نيويورك تايمز» و»وول ستريت جورنال» و»تيلجراف» حول عزل محمد بن نايف، وما جرى في الليلة التي أرغم فيها على توقيع خطاب إعفائه. ما يلفت أنها جميعاً ترجع في رواية الحادثة ذاتها تلك الليلة الى «مصادر سعودية». وفق تحليل الموقع، فإن «أوجه الشبه بين هذه التقارير تفيد بأن القصة حقيقية، وأن توقيت نشرها يؤشّر الى أن أعضاء في العائلة المالكة وقادة في الحكومة كانوا يقصدون نشر هذه التفاصيل على نطاق واسع».

 
اثنان عُزلا.. والدور ينتظر وزير الحرس متعب (وسط)

ويعلّق الموقع بأن من غير المعتاد أن تقوم الأسرة المالكة في السعودية بنشر «غسيلها الوسخ» ـ ناهيك عن مثل هذه الطريقة المنسقة. إن التعاقب السريع للتقارير المفصّلة عن كل شيء حول تنحية ولي العهد عن العرش يؤكد قوة ولي العهد الجديد إبن سلمان. وهناك بعض الخوف في الرياض على حكمه الوشيك. ولكن بفضل التقارير هذه، يمكننا أن نرى الآن أكثر قليلا الطريق الذي يسلكه ولي العهد الجديد.

من مجمل التفاصيل الواردة في الرواية الموحّدة أن إبن نايف لم يكن في وارد التنحي وأنه إرغم تحت التهديد على التنحي، وأن صانع اللعبة الحقيقي هو محمد بن سلمان، الذي ربما لم يكن «الطبّاخ» الوحيد فيها.

من جهة ثانية، فإن الرواية بمجمل تفاصيلها تشي بوهن شديد لابن نايف، الى القدر الذي سيق الى «مصيدة» ذات ليلة ويتحوّل الى «رهينة» بيد إبن سلمان، وأن يخضع لعملية «ترويع» مكثّفة طيلة ساعات الليل الى حين بلوغه حد الارهاق، وتالياً الاستسلام لقدره. فهل كانت التقارير المسرّبة هي في الأصل مصمّمة لناحية تصويره على هذا النحو، كما يذهب موقع (ستراتفور)؟.

في المقابل، تومىء الروايات الى امتلاء يد بن سلمان من الوضع، فضلاً عن الضمانة التي يمسك بها كونه إبنه الملك. بدا واضحاً في السنتين الأخيرتين نزوع إبن سلمان نحو مركزة السلطة وجمع خيوطها من خلال تولي مناصب عدّة ونافذة (وزير الدفاع، ولي العهد، رئيس مجلسي: الشؤون السياسية والأمنية، والشؤون الاقتصادية والتنمية..الخ).

على أية حال، فإن عزل إبن نايف وتعيين إبن سلمان خلفاً له لا يحسم أمر العرش. فقد ظهر حتى الآن معارضة ثلاثة من الأمراء، في الحد الادنى، على مبايعة محمد بن سلمان وهم: الأمير أحمد بن عبد العزيز (أحد السديريين السبعة وأصغرهم سناً) وزير الداخلية الأسبق، وعبد العزيز بن عبد الله، نجل الملك السابق وموفده الخاص، ومحمد بن سعد بن عبد العزيز، نائب أمير الرياض سابقاً. في الوقت نفسه، يصعب الركون بالمطلق الى دعوى تصويت بقية أعضاء هيئة البيعة المؤلف من 34 عضواً لصالح إبن سلمان، إذ تبدو رغبة الملك وحدها الدافع وراء التصويت وليس الثقة أو القناعة بآهلية إبن سلمان لتولي العرش.

من جهة ثانية، تنبىء المعلومات شبه المؤكّدة بوضع محمد بن نايف تحت «الاقامة الجبرية» عن قلق من ردود فعل مضادة على «انقلاب القصر» الذي قام به إبن سلمان. وأيضاً، فإن استحداث جهاز «رئاسة أمن الدولة» وربطه بالملك، مشمولاً بهيئات حيوية مثل (مديرية المباحث العامة، قوات الطوارىء الخاصة، الادعاء العام، القوات الخاصة، طيران الأمن، مركز المعلومات الموحدة)، بما ينزع عن «الداخلية» مصادر القوة والنفوذ في المجال العام.. ان هذا يأتي في سياق تعديل جوهري في موازين القوى لصالح ولي العهد، محمد بن سلمان، الملك القادم.

لاريب إن وضع إبن نايف تحت «الاقامة الجبرية» وتفتيت «الداخلية» يكشف عن القوة والنفوذ والشعبية التي كان يتمتع بها والتي كان أحد تظهيراتها وسماً على تويتر بعنوان «إلا الإساءة لمحمد بن نايف» في رد فعل على تقارير رويترز، ونيويورك تايمز، وول ستريت جورنال حول الإدمان، منسوباً الى مصادر في الديوان الملكي. فالتدابير السريعة والمتوالية ضد إبن نايف ووزارة الداخلية ترجع الى القلق من احتمال وقوع انقلاب مضاد على «انقلاب القصر». إن التعجيل في تدابير نقل السلطة من الملك إلى نجله بقدر ما يبطن نية تحصين موقع الملك القادم من أي أخطار داخلية بدرجة أساسية، فإنه في الوقت نفسه يعكس حجم التحديات التي يواجهها الآن وفي المستقبل في ظل أوضاع اقتصادية وسياسية وأمنية محلية وإقليمية متقلبة.

رحيل أعضاء الجيل الثاني من الامراء أنهى ثنائية السلطة التي حكمت المملكة السعودية منذ 1953 ـ 2015، أي منذ موت الملك عبد العزيز وحتى موت الملك عبد الله. ويعد سلمان الملك الوحيد الذي لا يقاسمه ولي عهد من الجيل الثاني، وجعله ذلك صانع القرار الوحيد في المملكة، وعليه لم يشعر البته بأي ضغط من داخل العائلة المالكة، سوى ما يرتبط ببناء تحالفات بين الأجنحة.

في النتائج، إن الأحادية السياسية سوف تكون سمة الحكم السعودي في المرحلة المقبلة، دون أن يعني ذلك استقراراً في الدولة ولا سلاسة في انتقال السلطة، فالخاسرون في التغييرات يتكاثرون إلى قدر يصعب التكهن بما سوف تكون عليه ردود أفعالهم في حال موت الملك، وربما قبل ذلك أيضاً.

كان لزاماً أن تعقب تنحية محمد بن نايف إعادة تشكيل السلطة مجدداً.

فقد كان هناك فراغان رئاسيان: رئاسة هيئة البيعة، ورئاسة مجلس الشؤون السياسية والأمنية. وإن تجاوز الفراغين يشي بنزوع نحو احتكار السلطة بيد محمد بن سلمان، ما يجعل البلاد على محك خطير للغاية، إذ سوف يعاد انتاج مشوّه لتجربة المؤسس، أي عبد العزيز الذي كان يدير البلاد بطريقة فردية صارمة.

إن تصفية تركة إبن نايف في «الداخلية» عموماً بملفاتها عامة، استكملت في 20 يوليو الماضي باستحداث جهاز «رئاسة أمن الدولة»، يرتبط مباشرة بالملك، في سياق عملية تطهير شاملة لوزارة الداخلية، التي لطالما كانت تمسك بمنظومة من الهيئات شبه العسكرية والأمنية في المملكة. إن إلحاق عدد من الأجهزة الحيوية في الداخلية (المديرية العامة للمباحث، قوات الأمن الخاصة، قوات الطوارئ الخاصة وطيران الأمن، الإدارة العامة للشؤون الفنية، مركز المعلومات الوطني، إلى جانب مكافحة الإرهاب) بالملك، يقوّض مصادر القوة المتراكمة لدى وزارة الداخلية على مدى عقود، ويفقد وزيرها القدرة على لعب دور مؤثّر في صنع القرار الأمني والسياسي معاً، ومن جهة أخرى يعزّز من السلطة الشمولية للملك.

تجدر الاشارة الى أن محمد بن سلمان يجمع في الوقت الحالي بين رئاستي: مجلس الشؤون السياسية والأمنية ومجلس الشؤون الشؤون الاقتصادية والتنمية. وأن وزير الداخلية عبد العزيز بن سعود بن نايف، ورئيس رئاسة أمن الدولة، عبد العزيز الهويريني هما عضوان في مجلس الشؤون السياسية والأمنية، أي تحت رئاسة محمد بن سلمان.

 
دور أمريكي في عزل ابن نايف، وقبله عزل سعود لصالح فيصل

بدا واضحاً، أن التغييرات البيروقراطية تندك في صميم النزوع الاحتكاري للسلطة وتركيزها في يد محمد بن سلمان، بما يجعل موقع الملك هو مركز السلطة بكل مصادرها. ولاشك، أن «تفتيت» وزارة الداخلية بالطريقة التي تمّت بحسب الأوامر الملكية تنبىء عن مخطط لإضعاف مراكز القوى داخل العائلة المالكة، ونقل ملف الأمن بكامل حمولته الى سلطة الملك. ومن شأن تغيير من هذا القبيل أن يبعث برسالة تحذير الى الأمير متعب بن عبد الله، وزير الحرس الوطني، المرشح لأن يكون «الضحية» القادمة في خطة تقويض مصادر القوة داخل العائلة المالكة والتي قد تشكّل تهديداً مستقبلياً للملك القادم. ويتقدّم سيناريو إعادة تخفيض وزارة الحرس الوطني الى مؤسسة وإدماجها في وزارة الدفاع، التي يرأسها محمد بن سلمان، برغم عواقبها غير المحمودة.

كان تعيين الهويريني في منصب رئيس «رئاسة أمن الدولة» مع احتفاظه بمنصبه كمدير للمباحث العامة، مؤشراً على توافق مسبق بين محمد بن سلمان وفريق ترامب، ومعه فريق الاستخبارات. فشخصية الهويريني النافذة في أجهزة وزارة الداخلية، وسجله الحافل في التعامل مع الجماعات المسلحة، وثقة الأجهزة الاستخبارية الأميركية به، تجعله عنصر التسوية بين بيت سلمان وفريق ترامب.

وكان الهويريني ثقة الأمير نايف، وزير الداخلية الأسبق، ثم بصفته مستشاراً لوزير الداخلية السابق محمد بن نايف، ورئيساً لجهاز المباحث العامة، حلقة الوصل وتبادل المعلومات الاستخبارية مع الأجهزة الأمنية الأميركية (وكالة الاستخبارات المركزية، وهيئة التحقيقات الفيدرالية، وزارة الأمن الوطني).

يجدر التوقّف هنا عند العامل الأميركي في التغييرات السعودية الأخيرة. برغم نفي البيت الأبيض أي دور له في «انقلاب القصر» الأخير في المملكة، فإن العامل الأميركي لم يغب البته في تاريخ صراع الأجنحة في المملكة السعودية، بل وفي انتقال السلطة أيضاً، حتى في المراحل التي كان فيها الانتقال سلساً.

لقد ترسّخت قناعة لدى الملوك السعوديين عموماً، بأن الاستعانة بالأميركي إلزامي لشرعنة المرشّح الأوفر حظاً داخل العائلة المالكة، أي ترجيح منافس على آخر. وهذا ما حصل في صراع سعود وفيصل، حين انحاز جون كينيدي (1961 ـ1963) ثم خلفه ليندون جونسون (1963 ـ 1969)، الى فيصل وحسم الصراع لصالحه بتنحية سعود عن السلطة.. تماما كما ينحاز الآن دونالد ترامب الى جانب محمد بن سلمان في مقابل منافسه محمد بن نايف.

وكانت قمة الرياض بمجمل فعالياتها (توقيع مذكرة التفاهم الاستراتيجي بين سلمان وترامب) والعرض السخي الذي قدّمه سلمان لضيفه (460 مليار دولار) قد أفضت الى تتويج ابن سلمان ولياً للعهد، وما كان لمثل هذا القرار أن يولد بسهولة بمجرد الاتكّال على تطوّرات داخلية خالصة.

بالعودة الى اللواء الهويريني، الذي كان المسؤول الثالث في وزارة الداخلية في عهد الأمير نايف، وقد تعرّض لمحاولة اغتيال في 4 ديسمبر 2003، من قبل «كتائب الحرمين الشريفين»، فقد كان مدرجاً على قائمة الشخصيات المستهدفة من قبل تنظيم القاعدة، بوصفه «عميلاً للصليبيين»، حسب بيان للكتائب. في النتائج، فإن الهويريني هو «الحصة الأميركية» في الكعكة الملكية. وتكشف مصادر أخرى بأن الهويريني خضع تحت تأثير عرض محمد بن سلمان لتولي منصب رفيع المستوى في مقابل التخلي عن إبن نايف، وهذا ما حصل فعلياً.

يؤشر تقريب الشخصيات المؤثرة في «الداخلية» إلى الرغبة في تحصين موقع الملك في المرحلة المقبلة، وتقويض فرص التحالفات المحتملة بين الأمراء الساخطين والشخصيات النافذة في المؤسسات الأمنية والعسكرية. إن نقل الهويريني من معسكر إبن نايف إلى معسكر إبن سلمان قد يثير سؤال الولاء، ولكن ثمّة تجارب كثيرة في صراع الأجنحة تفيد بأن هذا النوع من الانتقال يبدو مألوفاً، طالما أنها تدور ضمن قوانين لعبة السلطة.

على أية حال، فإن إخضاع الملف الأمني لسلطة الملك يشي بنزوع نحو مرحلة قاسية سوف تشهدها البلاد، سواء لجهة التعامل مع أي ظواهر تمرّد داخل العائلة المالكة، أو لجهة تفكيك «المعسكر الأمني» الذي تشكّل على قاعدة الولاء للأمير نايف وإبنه من بعده، أو حتى لجهة أي ظواهر احتجاج شعبية يمكن أن تنشأ في مرحلة مقبلة، ولا سيما بعد موت الملك سلمان.

وإلحاقاً بما سبق، يمكن ترتيب الوزارات السيادية (المشتملة على أذرع عسكرية) من حيث الولاءات:

الحرس الوطني: تأسس عام 1954 تطويراً لمكتب المجاهدين، وتعاقب عليها عدد من الأمراء وفي عام 1962 تولاها الأمير عبد الله بن عبد العزيز، الملك لاحقاً، وأصبحت حكراً عليه وأبنائه من بعده. وتعد المؤسسة العسكرية الأشد التصاقاً وولاء لقيادتها، أي الملك عبد الله، وأصبحت كياناً عسكرياً مستقلاً عن وزارة الدفاع. وفي 27 مايو 2013 صدر الأمر الملكي بتحويل رئاسة الحرس الوطني إلى وزارة وتعيين نجله الأمير متعب وزيراً للحرس الوطني.

وبرغم وظيفتها الأصلية في الدفاع عن أمن الدولة السعودية والعائلة المالكة، فإنها ـ وزارة الحرس الوطني ـ لا تزال تمثّل مصدر القوة الفعلية لهذا الجناح في معادلة العرش، وهي المؤسسة التي ضمنت وصول عبد الله الى العرش، رغم كونه الجناح ـ الفرد. عناصر وزارة الحرس الوطني أقرب ما تكون الى ما كان يعرف في العراق بـ «فدائيي صدّام»، إذ يخضعون تحت التأثير المعنوي والرمزي لقيادتهم المباشرة، وهذا ما يجعل مهمكة تفكيك «الحرس الوطني» أو تغيير أسس عقيدتها القتالية أمراً معقّداً. وقد يكون مخطط «تشتيت» قواها وإضعافها خياراً راجحاً، وهو ما عمل عليه الملك سلمان وإبنه إبان حرب اليمن.

وزارة الداخلية: تهيمن الوزارة على الهيئات شبه العسكرية كافة في البلاد. وبرغم من تناوب عدد من الأمراء على الوزارة، الا أن تولي الامير نايف في عام 1975 لها خلفاً للأمير فهد، الملك لاحقاً، جاء في مرحلة بالغة الحساسية، لا سيما في الثمانينات والتسعينيات والعقد الاول من الالفية الثالثة، والتي شهدت تحدّيات خطيرة بدءاً من حادثة حصار الحرم من قبل (الجماعة السلفية المحتسبة) بقيادة جهيمان العتيبي في نوفمبر 1979، وانتفاضة المحرم في المنطقة الشرقية في كانون أول من العام نفسه، وتداعيات الثورة الاسلامية في ايران والجهاد الافغاني في الثمانينات على الداخل، وعودة الافغان العرب في مطلع التسعينيات وتفجيرات الرياض 1995 والخبر 1996، ثم في المواجهات المسلّحة مع «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» منذ 2003.

في النتائج، إن الانخراط الكثيف لقوى «الداخلية» الامنية في عهد الامير نايف في مواجهة تنظيم القاعدة والنجاحات التي حقّقها في مجال مكافحة الارهاب، قد صعّدت من دوره ومكانته. حينذاك بدأت نعوت من قبيل «صقور نايف» نسبة لعناصر (قوات المهمات الخاصة) في قوات الطوارىء التابعة للداخلية، وهو ما لم نجده في وزارات أخرى. وربما هذا ما يجعل مهمة تفتيت «إمبراطورية» آل نايف مستعجلة وفي الوقت نفسه بالغة الصعوبة.

على أية حال، بعد تنحية محمد بن نايف، بات هناك امتحان جدّي لولاء رجال «الداخلية» من الأجيال القديمة بدرجة أساسية، وسوف يكشف عن حقيقة «الولاءات» التي تنعكس في مواقف فعلية في حلبة التجاذبات الداخلية.

وزارة الدفاع: منذ نهاية الستينيات، عملت العائلة المالكة على نزع «الفتيل السياسي» للجيش بوصفه العصب الأساسي في الوزارة. وقد ارتبطت الأخيرة بالأمير سلطان بن عبد العزيز منذ العام 1962، الذي واكب تطوّرها، وأشرف على مشاريعها العسكرية والمدنية، وحظيت بأهمية استثنائية على مستوى المخصصات المالية في الموازنة السنوية، منحها ذلك نفوذاً واسعاً في الشأن السياسي أيضاً، وثبّتها كقناة رئيسة موصلة الى العرش.

في تجربة وزارة الدفاع ما يكشف عن أن نفوذ آل سلطان لم يحدث فارقاً كبيراً بعد انتقال الوزارة الى الأمير سلمان وتالياً نجله. قد يعود ذلك الى تركيبة وزارة الدفاع ذات الطبيعة البيروقراطية، والى الوظائف المنوطة بالوزارة، حيث لم تخض حروباً عسكرية في الخارج يختبر فيها الجيش وولاؤه لقيادته.

الصفحة السابقة