٢٠١٨.. صراع إيراني سعودي يتواصل

الفيروس الإيراني لازال كامناً في المخ السعودي!

محمدالسباعي

شبه مؤكد، ان عام ٢٠١٨، سيكون ايضاً عاماً جديداً مفتوحاً في الصراع بين السعودية وايران.

وفي حين تنشغل ايران بملفات عديدة إقليمية ودولية، فإن الرياض لا يشغلها عن الملف الإيراني أي ملف آخر. بل هو الملف الذي تتولّد منه وعنه ومن أجله كل الملفات الأخرى، بحيث يتم الربط بينها جميعاً وبين الجذر، وهو الملف الإيراني.

الملف الإيراني، او الصراع مع ايران، بلغ حدّ الهوس لدى الأمراء السعوديين ونخبتهم النجدية. لا يوجد في الكون قضية الا وايران حاضرة فيها. ورغم ان الكثير من المواطنين يتندّرون من تحوّل ايران الى هاجس او فوبيا لدى السلطات، الا انهم يعيشون ـ رغماً عنهم ـ هذا الصراع بتفاصيله الذي لا تمل الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي من رفده يومياً بعشرات المقالات والأخبار والحكايات والأقاويل والإشاعات.

ايران بهذا المعنى، هي العنصر الفاعل الأول في السياسة الخارجية السعودية، وليس فقط موضوعها. هي ـ أي ايران ـ المحرّض الأساس على الحراك والفعل في السياسة الخارجية السعودية.

وايران بهذا المعنى، هي معركة الحياة والموت، المعركة الوجودية للنظام السعودي.

التاريخ ينبئنا بأن العلاقات السعودية الإيرانية كانت دوماً مؤقتة. يمكن ان تتحسّن شهراً او سنة، لتعود الى الانفجار لسنوات وسنوات.

الحجّة السعودية تقول بأنه لا يمكن التعايش مع ايران، بنظامها الحالي. وهذا ما تروجه النخبة النجدية الحاكمة.

وهذا يعني في السياسة، أن السعودية تتنطّح لمهمة اسقاط النظام القائم في طهران، وإبقاء الحرب مفتوحة معه الى أن يسقط.

لكن.. اليس من العقل والحكمة، التساؤل: هل تستطيع السعودية اسقاط النظام في ايران، بقواها الذاتية؟

الجواب السعودي: لا.. ولكن ـ كما قال الملك عبدالله وغيره ـ يمكن للسعودية التحريض على حرب أمريكية او إسرائيلية او الاثنين معاً لاشعال حرب مع ايران، وتكون مسألة تمويلها سعودية، كما اقترحت الرياض ذات مرة.

السؤال التالي: ماذا اذا كانت الحرب الامريكية غير ممكنة الوقوع، لأي سبب كان؟ وماذا اذا كانت إسرائيل مترددة ليس فقط في مهاجمة ايران مباشرة، بل حتى في شن حرب على لبنان المجاور؟

الحل السعودي هو: يجب إبقاء ايران كخطر اولي ووجودي. يجب محاصرة ايران بالاحلاف العسكرية وغيرها (الحلف الإسلامي لمكافحة الإرهاب مثلا والذي ولد ميتاً). يجب تفجير الصراع الطائفي الشيعي السني، والصراع العربي الفارسي لوضع كوابح امام ايران. كذلك يجب تقوية العلاقات السعودية الصهيونية الى حد بيع قضية فلسطين في صفقة قرن كاذبة، حتى لا تستطيع ايران استثمار الورقة الفلسطينية، كما يقول ابن النظام أنور عشقي.

كلّ حربٍ مبررة سعودياً مادامت ايران طرفاً فيها، او لها صلة بها، او متأثرة بها.

حرب النفط واغراق اسواقه سعودياً، كان لهذا الغرض، فارتدّ السلاح على آل سعود وأفسد اقتصادهم أكثر.

حرب قطر لها مبرراتها الخاصة بالسعودية، ومع هذا جرى ربطها بإيران.

حرب اليمن فعلٌ سعودي محض، ولكن المُلام هو ايران. ورغم ان اليمن محاصر بالجوع والكوليرا والقصف بالقنابل العنقودية وصواريخ الطائرات الامريكية والبريطانية.. الا ان ايران هي المتهمة بنقل الصواريخ الباليستية الى اليمن لتضرب العمق السعودي.

ايران، بنظر السعودية هي سبب كل الشرور. حتى داعش تتحدث عنها الرياض وكأنها ربيبة ايران، وليست مخرجاً وهابياً محضاً.

حتى المقاتلين السعوديين في صفوف القاعدة وداعش، فإن ايران وراءهم، واغرتهم!

بل ان مفجري احداث سبتمبر من السعوديين، وراءهم ايران.

وحتى الدور التركي المتعاظم اقليمياً سببه ايران ايضاً بنظر السعودية.

عقدة السعودية من ايران والمتغلغلة في كل خلايا المخ، لا يمكن حلّها بسهولة. وقد قال محمد بن سلمان في مقابلة مع تركي الدخيل في العربية بأنه لا يمكن التعايش مع ايران، وانه سينقل الحرب اليها.. هكذا علناً.

السؤال الذي صار سخرية لدى المراقبين هو ان العالم كله تقريباً منفتح على ايران، ولدى الأخيرة علاقات دبلوماسية نشطة، وسفارات لكل الدول الكبرى عدا أمريكا في طهران. والعلاقات الاقتصادية والتجارية لم تتوقف مع تلك الدول.

لماذا إذن، استطاعت كل دول العالم ان تقيم علاقات مع ايران، في حين ان الرياض لا تستطيع فعل ذلك، او لا ترغب في ذلك، وتصر على استبدال العدو الوجودي الإسرائيلي بعدو إيراني يكاد يقتلها غيظاً؟!

لماذا كل الدول العربية تقريباً لديها علاقات مع ايران، في حين لا توجد حساسية الا لدى الامراء السعوديين، الذين يصرّون على ان من يقترب منهم، فإنه يجب ان يبتعد ويغلق سفارته في طهران (السودان مثلاً)، او لا يفتحها في الأساس (مصر مثلاً)؟!

لماذا لدى السعودية المرونة لأن تتعايش مع إسرائيل، وتنسق معها امنياً، ويعمل لوبيها في أمريكا مع اللوبي الصهيوني في التأثير على الإدارة الأمريكية، ولكنها لا تستطيع الا ان تواصل حربها الإعلامية والطائفية على ايران؟

إزاء الانسداد السعودي وعدم قدرته في تغيير ايران من الخارج، أي عبر الحروب واشعال الفتن، والتحريض على محاصرة ايران اقتصادياً، والتراجع عن الاتفاقية النووية كما تأمل.. فإن الرياض لا بدائل كثيرة لديها لم تقم بها حتى الآن.

منذ نحو ١٥ عاماً، رأت الرياض العمل على الداخل الإيراني:

أولا ـ تفجير الصراعات الداخلية على خلفية قومية وطائفية. وقد شهدنا بعضاً من العبث السعودي في بلوشستان وكردستان والأهواز. لكن الآمال السعودية الكبيرة لم يتحقق منها شيء، وإن كانت القناعة لدى النخبة النجدية الوهابية الحاكمة تقول بالإستمرار في هذا المنحى.

ثانياً ـ توثيق العلاقات مع القوى المعارضة، واهمها منظمة مجاهدي خلق التي تتخذ من باريس مقرا لها. وقد شبّك العلاقات معها الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية السابق، وصديق تسيبي ليفني، وهو الرجل الأكثر ايماناً بعلاقات سعودية إسرائيلية. هذه المنظمة الايرانية كانت الى وقت قريب موضوعة على قوائم الإرهاب الغربية، الأمريكية خصوصاً، ولكن جرى تحريرها من ذلك، واستخدامها فيما سمي بـ (الحرب الناعمة) ضد النظام في ايران. وبالطبع هناك قوى معارضة أخرى، وهي الشاهنشاهية (ابن الشاه السابق)، فضلا عن دعم السعودية لقوى مسلحة كردية وبلوشية.

ما تؤمله الرياض، انه مع مرور الزمن، يمكن ان ينتج شيء من كل هذا. الضغوطات الخارجية الغربية، إضافة الى المراهنات على القوى المعارضة الايرانية، قد تفتح افقاً في ظرف ما يحرر الرياض من فوبيا ايران.

الاحتجاجات في ايران

حين اشتعلت الاحتجاجات في ايران قال الأمراء السعوديون: ها هو الفرج قد أتى!

عشرات الهاشتاقات السعودية ظهرت لتمجيد ما جرى، والنفخ فيه، ولكنه باللغة العربية، حيث لا يمكن له ان يصل الى المتلقي الإيراني!

كان السعوديون ـ حسب تويتر ـ اكثر من غرّد بين شعوب العالم عن تلك الاحتجاجات.

الآمال السعودية كانت أكبر من الحدث ذاته، ولكن جيش الذباب الالكتروني صنع نصراً مؤزّراً على مواقع التواصل الاجتماعي، وتمّ اسقاط النظام في طهران، وانتصرت السعودية، والحمد لله رب العالمين!

هذا ملخص المشاعر السعودية التي أحبطت بعد بضعة أيام من الاحتاجاجات الاجتماعية الاقتصادية.

منذ اللحظات الأولى، كان واضحاً للمراقب ان الدوائر الاستخبارية السعودية، تعمل مع المعارضة الايرانية، والتنسيق كان واضحاً اعلامياً وسياسياً، حتى في تبنّي هاشتاقات باللغة الفارسية.

ومنذ اللحظات الأولى، كان الجهد السعودي كما الأمريكي والإسرائيلي يعتمد على قاعدة واحدة واضحة، وهي: تحويل الاحتجاجات المجتمعية المطلبية، الى حراك سياسي ثوري ذي اهداف تتجاوز قدرة من خرجوا الى الشارع لتحقيقيها.

منذ البداية قالوا عن تلك الاحتجاجات انها ثورة. هذا امرٌ لا يقوله واع بالشأن السياسي مطلقاً. ولكنها الآمال التي صبّت في قوالب إعلامية رغبوية.

ولأنها ثورة، فهي تعدّت الشأن المحلي، وبالتالي حقّ للدول ان تتدخل في ذلك الشأن، وهذا ما فعله ترامب بتصريحاته، وهو ما أدى الى مناقشة الموضوع في مجلس الأمن، بشكل انعكس سلباً على أمريكا نفسها، بل وساهم في اخماد تلك الاحتجاجات.

ذات الاحتجاجات، بل أسوأ منها واشد، حدث في تونس، ولاتزال الاحتجاجات قائمة في اكثر المدن، والمواجهات ليست قليلة وكذا الحرائق. لكن ما جرى في تونس من شغب واحتجاج، وُضع في اطاره المحلي، ودوافعه الاقتصادية والاجتماعية معروفة. ولم يتدخل احد فينصح من الخارج كما فعل الاوروبيون والأمريكيون في ذات القضية بإيران.

المهم ان الاحتجاجات في ايران لم تتحول الى ثورة، كما تمنى الامراء السعوديون، وكما تمنى نتنياهو وترامب.

وتلك الاحتجاجات لم تتواصل وانما جرى التعاطي معها والاستفادة منها في تدعيم قوة النظام بطهران، كما تمت حلحلة أسباب المشكلة المتعلقة باستثمارات مواطنين في بنوك محلية.

لكن.. والى كتابة هذه السطور، لازال الاعلام السعودي التلفزيوني والفضائي والورقي يتحدث عن ثورة قائمة تمشي بخطى متسارعة لاسقاط النظام في طهران!

الاحتجاجات التي حدثت في ايران، فتحت آمال السعودية بتغيير في ايران داخلياً، يحقق لها ما عجزت هي عن تحقيقه. ولذا يمكن القول بأن تلك الاحتجاجات ستكون دافعاً للسعودية في مواصلة سياساتها داخل ايران.

الرياض وطهران.. صراع مستمر

سيكون عام ٢٠١٨ مثل الأعوام السابقة، من ابرز ملامحه استمرار الصراع بين ايران والسعودية.

مشكلة الرياض مع طهران، اكبر من مشكلتها مع أية دولة أخرى. فطهران ـ بنظر آل سعود ـ هي الدولة التي أضعفت النفوذ السعودي الإقليمي والإسلامي بشكل لم تفعله اية دولة أخرى من قبل، حتى مصر الناصرية حين كانت في اوج قوتها.

قد يعني هذا، ان مشكلة الرياض مع طهران، تتعلق بمناطق النفوذ، او ان الذي بينهما هو صراع نفوذ لقوتين كبيرتين في المنطقة، ستشاركهما فيه قريباً تركيا اردوغان!، وستكون حصة الأخيرة من الهجوم السعودي غير قليلة أيضاً.

اذا كان التوصيف صحيحاً، فلمَ لم يجرِ أي تفاهم سعودي إيراني لحلحلة المشاكل بين البلدين، او لتقاسم النفوذ، او لرسم خطوط عامة توضح مناطق الاشتباك؟

الجواب هو ان السعودية لا تريد ذلك.

السعودية تعتقد بأن هناك اعتداءً صريحاً على نفوذها، سواء الذي بيدها او الذي تعتقد انها جديرة به كما في العراق وسوريا!

والسعودية ترى ان الحلول بسيطة: ان تنسحب ايران من مناطق نفوذها، او تسلمها للسعودية. والرياض هنا تتحدث وكأنها الوريث الوحيد لدول وأنظمة قائمة، وكأنها بلا والي الا ان يكون سعودياً. فهي تتحدث عن العراق وسوريا كما اليمن وقطر وكأنها تمتلك هذه الدول، وكأن ليس فيها أنظمة قائمة، وكأنها الوكيل الوحيد عن العالم العربي.

تتصارع السعودية مع ايران على العراق مثلاً، دون ان تنظر الى ان في العراق حكم منتخب، وقوى سياسية، وعالم يموج من الأحزاب والرؤى، وفوق هذا يعتقد الأمراء انهم أصحاب حق في العراق، وان ارسلوا دواعشهم وقواعدهم اليه. العراق بنظر السعودية ـ كما سوريا ـ ليس لها والٍ الا آل سعود! ولا أحد يحق له ان ينسق مع حكومتي البلدين الا بأمر وتحت نظر وبموافقة منها!

هذا كثير في السياسة لا يقبله احد. لا أصحاب الشأن الأصليين: الحكومتان العراقية والسورية، وغيرهما، ولا ايران نفسها. فمن يريد ان يدعم نفوذه فان هناك أبواباً رسمية تستطيع الدول من خلالها ان تستثمر وتنمي وتطور من نفوذها.

مسألة أخرى تجعل من المستحيل في المدى المنظور تحسين العلاقة بين البلدين: ايران والسعودية. الا وهو: ضعف السعودية نفسها.

ذلك أن أية حوارات سياسية بين طهران والرياض، تجعل من الأخيرة في مقعد أدنى وأضعف من أن تملي شروطها ورغباتها. لهذا هي لا تريد ان تفاوض الا من موقع القوة، او النديّة.

لكن الرياض ليست نداً لطهران، الآن. ربحت مشاريع الأخيرة في معظم الدول التي لها نفوذ فيها: العراق، سوريا، ولبنان، وأفغانستان، وحتى في اليمن، وفي الاتحاد الاوروبي، ومع الصين وروسيا، وغيرهما.

مشاريع ايران في معظمها رابحة، في حين ان مشاريع الرياض بل اوهامها منتكسة على اكثر من صعيد.

وبالتالي ـ يقول السعوديون ـ لا بد من تحسين الوضع على الأرض، ان كان لا بد من تفاوض مع طهران.

لكن الأولوية ليست للحوار، فالسعوديون ليسوا متوهمين لما يمكن لهم ان ينجزوه في مواجهة ايران وحتى تركيا، بمساعدة ترامب او نتنياهو.

بيد انهم يعتقدون ان اعتماد سياسة (تخريب مشاريع الآخرين) هي الأجدر والأصح. فطالما لا تستطيع ان تملي رغباتك او مشروعك المتوهم ـ إن وجد، فإن بإمكانك قلب الطاولة على الجميع وتخريب الملعب، كما يقال.

هذا ما تفعله السعودية بالتحديد: التخريب ليس إلاّ.

لكن التخريب قد يعوّق انتصارات الخصم لفترة، ولكنه لا يمنعها كما تدل على ذلك التجربة، التي لا يريد أمراء آل سعود قراءتها جيداً.



الصفحة السابقة