السعودية تطلب من عباس: انهاء الصراع مع إسرائيل بنسيان القدس واللاجئين، وفتح معركة (مخيمات) ضد حزب الله!

إبن سلمان يهدّد أبو مازن:

التنازل عن القدس أو التنحي!

محمد الأنصاري

غطرسة إبن سلمان لا حدود لها، فهو يبطش حيث يشاء وضد من يشاء، ولا يكترث لمن سبقه في ميدان السياسة، أو يكبره سناً، أو حتى ان يكون أخبر منه بشؤون العلاقات الدولية. لاشك أن ما يقوم به ليس من وحي تجربة، أو ابداع ذاتي، بل ورثه عن والده، وزاد عليه من «طيش» الشباب حتى بات ينظر الى الناس سواء، حليفاً كان أم خصماً، صديقاً كان أم عدواً، قريباً كان أم بعيداً. فالتمحوّر على الذات أنساه الأبعاد والمقاييس.

وفيما كان الغضب يعمّ الشارع العربي إزاء قرار ترمب الجائر بالاعتراف بالقدس عاصمة أبدية للكيان الاسرائيلي، قرّر محمد بن سلمان ومحمد بن زايد أن يكونا السوط الذي يهوّلا به ضد كل من يعترض على خطة كوشنر، صهر ترمب، المتعلقة بالصفقة الكبرى ومن بينها نقل السفارة الاميركية من تل أبيب الى القدس، والاعتراف بها عاصمة إسرائيلية.

ولأن إبن سلمان وابن زايد لا (يمونان) على سوى المقرّبين من واشنطن، وقد باتوا قلّة، فقد مارسا كل ما بوسعهما من نفوذ لثنيهم عن تبني مواقف معارضة لقرار ترمب. وكان في مقدّمة القلّة: محمود عباس (أبو مازن)، رئيس السلطة الفلسطينية، والملك الأردني عبد الله الثاني، بوصفه أبرز المعنيين تاريخياً وسياسياً بموضوع القدس والمسجد الأقصى. فماذا جرى على أبو مازن في زياراته الى الرياض، والتي تقترب الى حد كبير بما جرى على الحريري؟ مع فارق ضئيل، كون ابو مازن لم يعتقل ولم يرغم على تقديم الاستقالة، مع أنه خضع لذات التهديدات، بما في ذلك التلويح بإقالته واستبداله بغريمه، محمد دحلان.

في المعطيات، نشر موقع (ميدل إيست آي) في 23 ديسمبر الماضي تفاصيل الزيارة المفاجئة التي قام بها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الى الرياض فور عودته من قمة استانبول التي دعا اليها الرئيس التركي رجب طيب ارودغان بعد قرار ترمب نقل السفارة الاميركية الى القدس.

بعد وقت قصير من اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، وإعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه لن يقبل الولايات المتحدة كوسيط في عملية السلام، استدعته السعودية، يوم الثلاثاء (19 ديسمبر 2017)، في زيارة مفاجئة، هي الثانية خلال 40 يوماً.

في هذه الزيارة، طلب إبن سلمان من الرئيس الفلسطيني دعم خطة السلام التي ترعاها الولايات المتحدة، وقال له إن الأخيرة هي «الخيار الوحيد» فيما يتعلق بعملية السلام، وهي القادرة على التأثير على إسرائيل، والضغط عليها في أي عملية سلام، ولا أحد يستطيع أن يفعل ذلك غيرها، لا الاتحاد الأوروبي ولا روسيا ولا الصين».

وكان ابن سلمان قد أخبر الرئيس الفلسطيني في زيارة سابقة، مطلع ديسمبر الماضي، أن «واشنطن تستعد لاتفاق سلام، وقد لا تبدو هذه الصفقة جيدة في البداية، لكنها في النهاية ستكون جيدة»، وفقا للموقع، كما طلب من عباس في ذلك الوقت أن يبذل جهوده لضم فلسطينيي لبنان إلى المعسكر الموالي للسعودية، والابتعاد عن المعسكر الموالي لإيران الذي يقوده «حزب الله»، وإن هو لم يفعل ذلك فإن هناك من يستطيع، مشيراً إلى القيادي الفتحاوي المعارض محمد دحلان.

وأشار فلسطينيون إلى أن ولي العهد حاول استخدام «الدبلوماسية الناعمة» في الاجتماع مع عباس، لإقناعه بالعودة إلى عملية السلام التي ترعاها امريكا، واستقبال نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس في زيارته المرتقبة، لكن عباس كان واضحا مع ولي العهد، بأنه ملتزم تماماً بأي عملية سلام «هادفة».

وأضاف أحد المسؤولين أن «عباس ترك الباب موارباً، فأخبر ولي العهد ـ السعودي ـ بأنه إذا كانت أمريكا مستعدة لإعلان السلام على أساس حل الدولتين على حدود 67 بما فيها القدس الشرقية عاصمة لفلسطين، فنحن على استعداد للقبول فوراً، ولكن إذا أرادوا سحبنا إلى النسخة الإسرائيلية من السلام، فلن نستطيع».

وأكّد مسؤولون أن عباس كان على بينةٍ من تفاصيل الخطة الجديدة، ويراها نسخة من رؤية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: دويلة على نصف الضفة الغربية وقطاع غزة، دون القدس ودون اللاجئين ودون سيطرة على الحدود او حق في المياه، لافتين إلى أنه «لن يقبل أي صفقة جزئية، ولن يقبل إلا بالاتفاق القائم على حدود 1967».

ويقول الموقع بأن عباّس تعرض لضغوط وتحذيرات كثيرة، من أجل التراجع عن موقفه، والكف عن انتقاد ترامب ومهاجمته، خلال لقاءات مع ولي عهد الإمارات محمد بن زايد، وكذلك أمير قطر الشيخ تميم آل ثاني، لكن دون جدوى، ما اضطر إدارة ترامب إلى وضع قائمة من ثماني عقوبات بحسب ما ذكرته مصادر مطلعة، لموقع «ديبكا» الاستخباري الإسرائيلي في 24 ديسمبر الماضي، قرّر البيت الأبيض فرضها على السلطة الفلسطينية، بسبب تعنت عباس في قضية القدس، وعدم قبوله بأي نصائح من عواصم القرار الخليجية وعدم موافقته على خطة السلام الأمريكية الجديدة.

العقوبات الأمريكية هي:

أولاً: لن تُعرض خطة السلام الأمريكية على السلطة في رام الله، بل فقط على إسرائيل والحكومات العربية ذات الصلة.

ثانياً: تعليق العلاقة مع الفلسطينيين، ليس فقط على المستويات العليا ولكن في التعاملات اليومية.

ثالثاً: أبلغت الإدارة الفلسطينيين والأطراف العربية الأخرى بوقف تقديم استفسارات بشأن المسائل السياسية والاقتصادية إلى القنصلية الأمريكية في القدس، لأنها لن تستجيب.

رابعاً: ستعيد الولايات المتحدة النظر في وضع مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن بهدف إغلاقه.

خامساً: لن تتم دعوة المسؤولين الفلسطينيين إلى واشنطن من قبل الحكومة الأمريكية.

سادساً: لن يكون المسؤولون الفلسطينيون موضع ترحيب في البيت الأبيض أو مجلس الأمن القومي.

سابعاً: ستعيد إدارة ترمب النظر في تخصيص أموال المساعدات، لا سيما أن معظمها لمشاريع اقتصادية محدّدة، وستوقف مساهماتها في (الأونروا).

ثامناً: طلبت الإدارة الأمريكية من حكومات السعودية والإمارات وقطر، تجميد أو تقليل معوناتها الاقتصادية للسلطة الفلسطينية.

وتقول المصادر لـ»ديبكا» إن المسؤولين الفلسطينيين في رام الله أصيبوا بصدمة شديدة بسبب الأنباء عن القطع المفاجئ للمصادر الرئيسية لإيرادات السلطة الفلسطينية، حتى أمير قطر، الذي زاره عباس كملجأ أخير لإنقاذه، رفض إعطاءه المال المطلوب.

وفي افتتاحية (يديعوت احرونوت) بعنوان (معجزة في رام الله.. هدية ترامب لأبو مازن) في 27 ديسمبر الماضي للكاتب اليكس فيشمان المقرّب من الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، ذكر بأنه في 6 نوفمبر الماضي استدعي عباس على نحو مفاجيء للقاء في السعودية مع الملك سلمان وابنه، وفي اطاره كشفا أمامه النقاب عن أجزاء من «الصفقة الكبرى» لترامب للتسوية في الشرق الاوسط. وحسب الخطة، فإن العاصمة الفلسطينية لن تكون في القدس الشرقية بل في أبو ديس. أبو مازن خرج مهموماً. وإن كان في العلن أعلن بأنه على تنسيق مع السعوديين، إلا أنه في داخله لم يعرف الى أين يأخذ بالعار: كيف يمكنه أن يسوّق للجمهور الفلسطيني ضياع العاصمة في شرقي القدس؟ فهل سيكون هو الزعيم الذي يدخل التاريخ كمن تنازل عن عاصمة فلسطينية في القدس؟.

حين عاد الى رام الله عقد أبو مازن جلسة سريّة للجنة المركزية لفتح، وعرض على الحاضرين الخطة الامريكية. ولاحقاً سرّب رجاله باقي تفاصيل الحديث الذي دار في السعودية لزعيم حماس اسماعيل هنية، الذي كشف النقاب عن أجزاء أخرى من الخطة، والتي تتضمن تنازلاً عن حق العودة، الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية، والاعتراف بجزء من المستوطنات.

حشر الامريكيون والسعوديون قادة السلطة الفلسطينية الى الزاوية. وفي 4 ديسمبر تلقوا ضربة أخرى: «نيويورك تايمز» نشرت تسريبات عن خطة ترامب، وبموجبها فإن أبوديس ستكون هي العاصمة ومعظم المستوطنات ستبقى في مكانها. وخرج السعوديون والامريكيون في ذات اليوم في نفي جارف. ولو كان هذا التقرير يلقى تأكيداً من جهة رسمية ما، فقد كان أبو مازن سيفقد القليل من الثقة التي له في الشارع الفلسطيني. وعندها وقعت المعجزة: في 6 ديسمبر الماضي منح ترامب أبو مازن «سلّماً ذهبياً» ما كان يمكنه أن يحلم به.

ومن أجل قيادة السلطة الفلسطينية يقال إنها استفاقت بسرعة شديدة من الصدمة وفهمت الفضائل الكامنة في تصريح ترامب، الذي غيّر عملياً الوضع، وإن لم يلمّح بأن شرقي القدس لن تكون العاصمة الفلسطينية. من هذه اللحظة اختيرت استراتيجية فلسطينية واضحة: التسويق للعالم، ولا سيما الاسلامي، رواية بيع القدس لليهود. وقد نجح هذا.

لقد ترافق هذا النجاح وهجمة فظّة على نحو خاص ضد ترامب والادارة الامريكية، دعوة لتصفية خطة ترامب، إعلانا بأن الولايات المتحدة لا يمكنها بعد اليوم أن تكون وسيطاً وتوجه بصورة انفعالية لفرنسا، والصين وروسيا للتوسط بدلاً منها. وبالتوازي، برزت فرصة لأبو مازن ليعانق القطريين واردوغان ـ نكاية بمصر والسعودية: اذا لم تسيروا معي، فعندي بديل. وكانت ذروة استعراض القوة الفلسطينية في مجلس الامن، وفي قرار الجمعية العمومية للامم المتحدة.

لتعظيم الهجمة الاعلامية ولتجنيد الشارع الفلسطيني، أعلن مسؤولو السلطة ليس فقط عن شرخ مع الامريكيين، بل وأيضا عن تخلٍ عن اتفاقات اوسلو. وألهبت القيادة الشارع، وسمحت لحماس بخوض استعراضات قوة في الضفة. ولكن الاجتماع الطارىء الذي عقده أبو مازن لقادة فتح ومنظمة التحرير والذي أثار توقّعات بتغيير السياسة، انتهى بلا قرارات. كان هذا تلميح بأنه لا يعتزم حقاً إشعال الميدان. فهو يريد مواجهات بسيطرة رجاله، وألا يترك الميدان للشارع، وبالأساس ليس لحماس.

انتهى كلام الصحيفة الإسرائيلية؛ ولكن ثمة معطيان جديدان في السياق نفسه، الأول: استدعاء السلطة الفلسطينية سفيرها في واشنطن بدعوى التشاور، فيما يبدو أنه تنفيذ للبند الأول من العقوبات. الثاني هو التوبيخ الذي وجهّه محمد بن سلمان الى وفد محمود عباس على خلفية تسريبات اللقاء السابق التي كشف فيها تواطؤ السعودية مع ادارة ترامب والصهاينة على القدس، والتي اعتبرها إبن سلمان تشويهاً لسمعة المملكة، حيث إتهم أشخاصاً محدّدين بالوفد الفلسطيني بتسريب تلك المعلومات، مطالباً انه عند تنظيم زيارة تالية لعباس إلى الرياض فيجب عدم إصطحاب نفس اعضاء الوفد الذي رافقه في المرة الأولى . وقد استجاب عباس للأمر وأحضر معه في الزيارة الثانية شخصيتين فقط هما مدير المخابرات ماجد فرج ومسئول التنسيق المدني مع اسرائيل الوزير حسين الشيخ.

في كل الأحوال، فإن أبو مازن الذي وجد نفسه وحيداً الى جانب الملك الاردني دون حلفاء في معسكر واشنطن للدفاع عن طرحه السابق بحل الدولتين على أساس حدود 67، وأن القدس الشرقية تكون عاصمة للدولة الفلسطينية.. قد خرج من الرهان على الرياض وواشنطن خاسراً خسارة لا يتحمّلها الشارع الفلسطيني. ابن سلمان حشر ابو مازن في الزاوية، إما أن تقبل دولة عاصمتها أبوديس، أو تتنحى، وتدع محمد دحلان ليكمل المهمة.

الصفحة السابقة