خيارات قطر: استسلام مطلق، أو اجتياح عسكري!

رحل تيلرسون فهل تشتعل الحرب مع إيران؟

الشرق الأوسط وآفاق الصراع الدولي والإقليمي

فريد أيهم

بنهاية هذا الشهر (مارس ٢٠١٨) يرحل وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون من وزارته، بعد أن أقاله ترامب بشكل مهين وعبر تغريدة من تغريداته. وبهذا تكون قطر قد خسرت أكبر نصير لها في الإدارة الأمريكية، حيث كان لتيلرسون الفضل في تعديل موازين القوى الأمريكي الداخلي بشأن الأزمة الخليجية، ومنع اجتياح قطر عسكرياً من قبل السعودية والإمارات.

تداعيات إقالة تيلرسون على المنطقة يمكن رصدها في ثلاثة مواضيع أساسية:

  • في سوريا حيث يستعدّ الأمريكيون ـ فيما يبدو ـ لمواجهة سياسية قد تتطور الى عسكرية مع الروس والإيرانيين، وربما تتوسع لتشمل الكيان الصهيوني.
  • في ايران، حيث ان إقالة تيلرسون تعبّد الطريق للإدارة الأمريكية للمضي قدماً في المواجهة الكبرى مع ايران، والتي ستبدأ خلال أسابيع (أقل من شهرين) حين تعلن تلك الإدارة انسحابها من الاتفاق النووي المصدّق عليه من مجلس الأمن! وسنشهد ـ ربما بشكل حتمي ـ تصعيداً سياسياً، وتسخيناً عسكرياً كبيراً في المنطقة، بما فيها العراق وسوريا، حيث الوجود الأمريكي المغضوب عليه.
  • وأخيراً في قطر، ما يعني أن رحيل تيلرسون، سيرجح خيارات التشدد ليس في الإدارة الأمريكية وحدها التي هي متشددة، وانما أيضاً ترجيح خيارات التشدد السياسية في المنطقة التي يقامر فيها المحمدان (ابن زايد وابن سلمان)، سواء تعلق الأمر في الأزمة القطرية، او في الحرب العدوانية على اليمن، أو في المواجهة الأمريكية التي تشمل ساحات عديدة مع ايران.

ولهذا، فإن قطر برحيل تيلرسون، خسرت نصيرها الأول في الإدارة الأمريكية. وهي كانت تأمل رحيل ترامب من البيت الأبيض وليس حليفها. وبناء على الإقالة وتداعياتها، يُطرح تساؤل كبير بشأن أهمية عقد مؤتمر للقادة الخليجيين هذا الصيف لحل الأزمة القطرية، وهي المبادرة التي دعا اليها البيت الأبيض بناء على الحاح من تيلرسون ووزير الدفاع ماتيس، اللذين التقيا قبل أواخر يناير الماضي، وزيرا خارجية ودفاع قطر في اجتماع مشترك.

مستقبل اجتماع قادة الخليج في أمريكا

ماذا يعني هذا؟

 
وزراء خارجية ودفاع أمريكا وقطر (يناير ٢٠١٨):
هل سيستمر التعهد الأمريكي بحماية قطر بعد رحيل تيلرسون؟

الرياض التي ترفض في الأساس المصالحة مع قطر، يعضدها في ذلك أبو ظبي، والتي أعلنت انزعاجها وعدم رغبتها في هكذا مؤتمرات، مؤكدة على ان الحل موجود في الرياض فقط، وأن السبيل الوحيد لحل الأزمة معها هو تنازل قطر، وخضوعها للشروط التعجيزية التي وضعتها..

الرياض التي تأمل اسقاط نظام الحكم في الدوحة، والتي حولت الخلافات السياسية الى خلافات شخصية (او العكس)، والتي لا مانع لديها من استخدام القوة العسكرية لاجتياح قطر وتعيين من تريده من آل ثاني.. مستعدة اليوم، لاستكمال ما أجهضه تيلرسون من مشروع اجتياح في بدء الأزمة، ومن النقطة ذاتها التي توقف عندها المشروع.

وعليه، فإن الإدارة الأمريكية التي طالما كانت تميل الى المحمدين في الرياض وأبو ظبي (ربما لأنهما كريمان في دفع أثمان ثقيلة للمواقف الأمريكية) لن تجد صعوبة في إعادة اشعال الضوء الأخضر للتصعيد العسكري ضد قطر وانهاء الأزمة بالحسم العسكري السعودي الإماراتي.

للتذكير فان تيلرسون وماتيس وقعا اتفاق حماية لقطر من أي عدوان خارجي. وللتذكير ايضاً، فإن قطر أعطت أمريكا قاعدة السيلية (مجاناً) ليس فقط لإغاظة الرياض، وإنما للإحتماء بها من عدوان آل سعود. فهل يمكن القول ان حكام قطر قد يخسروا الرهان، وان ما زرعوه حماية، قد ينتج خيانة وعدواناً؟

سيكون اجتماع الصيف القادم الذي دعا له البيت الأبيض امتحاناً عسيراً لقطر. هل سيعقد الاجتماع أم لا؟ هل ستفرض على قطر تسوية لا ترغب فيها تحت وطأة التهديد السعودي الإماراتي المدعوم أمريكياً بالتخلّي عنها إن لم تُذعِن؟

ملامح ما يمكن ان تسفر عنه التغيرات في الإدارة الأمريكية، من جهة تمظهر آثارها على قطر بشكل محدد، سيظهر في زيارة محمد بن سلمان لواشنطن في العشرين من مارس الجاري، إذ من المؤكد أن الإدارة الأمريكية ـ في غياب تيلرسون ـ ستكون أكثر التصاقاً بالموقف السعودي، سواء تجاه قطر أو القضايا الأخرى، كاليمن، .

لكن السؤال الذي يواجه محمد بن سلمان ومضيفيه في واشنطن هو: ما هي الأولويات الأمريكية والسعودية؟ هل هو الصراع مع قطر، أم مع ايران؟

الرأي الذي قال به وزيرا خارجية ودفاع أمريكا (تيلرسون وماتيس) في الدفاع عن قطر، وإيقاف الهجوم العسكري السعودي الاماراتي عليها، ومنع ترامب وزوج ابنته غارد كوشنر من المضي قدماً.. رأيهما كان يقول التالي، وقد استمرا عليه: إن الأزمة الخليجية، تضعف ابتداء حلفاء أمريكا؛ وتزيد من النفوذ الإيراني (الذي سموّه بغيضاً)؛ كما أنها تفتح شهية قوى أخرى للتدخل على حساب الدور الأمريكي وحلفائه (المقصود تركيا التي فعّلت قاعدتها العسكرية في قطر). وعليه كان من رأي تيلرسون عدم انحياز ترامب وزوج ابنته لصالح الرياض وأبو ظبي، والمطلوب ضبط عملية الصراع بحيث تستفيد منها واشنطن في ابتزاز طرفي النزاع، بحيث تكون لها قدرة أيضاً في منع أي قوى خارجية (تركيا وايران) من استثمار الأزمة الخليجية وتحقيق مكاسب داخل الحلف الأمريكي الخليجي.

ولطالما صرح المسؤولون الأمريكيون بأن النزاع الخليجي يعوّق استراتيجية مواجهة ايران، وأحياناً يضيفون بأنه ايضاً يؤدي الى تعويق تنفيذ استراتيجية مكافحة الإرهاب!

وفعلاً كان هذا هو النهج الأميركي منذ اخذ تيلرسون ـ ماتيس دفّة التوجيه لأزمة قطر من ترامب بداية الأزمة، وقد أعلن هو ذلك. لكن الوضع سيتغير برحيل تيلرسون نفسه، ولن يستطيع ماتيس وزير الدفاع أن يدافع عن هذه السياسة التي شاطرها تيلرسون.

في حال عاد ترامب لمواقفه السابقة في بدء الأزمة، وعبر عن مواقف شديدة الانحياز للمحمدين، وشديدة التحريض والتعريض بقطر، كما كان يفعل عبر تغريداته في تويتر، فهذا سيؤدي الى واحدٍ من أمرين:

الأول ـ أن تستسلم قطر لمطالب السعودية والامارات ـ وهو المرجّح، خاصة وأن اجتماع كامب ديفيد القادم، إنْ كُتب له النجاح في الانعقاد، فسيكون على أساس التنازل القطري، مع اخراج امريكي تجميلي قد لا يحفظ لقطر حتى ماء وجهها.

الثاني ـ أن تستكمل قطر ما ابتدأته، بإخراج الأزمة من إطارها الخليجي ـ الأمريكي، واستدعاء الجار الإيراني، والحليف التركي، لكي يلعبا دوراً في إعادة التوازن وتأمين الحماية.

لكن حتى هذا الخيار محفوف بالمخاطر، والحامي الأمريكي (المُفترض) والقابع في قاعدة السيلية، قد ينقضّ على حكم تميم، ويسهل عملية التخلّص منه، للتفرّغ للخطر الأكبر بنظر واشنطن، وهو مواجهة إيران، المطلوب رأسها أمريكيا واوروبيا وصهيونياً منذ عقود! وأما تركيا، فالعمل جارٍ على إعادة استيعاب نشوزها مجدداً ضمن المحور الأمريكي، وإبقائها ضمن الناتو، واعطاءها بعض المكاسب السياسية الهامشية، وذلك ايضاً يأتي في سياق تأهيل كل حلفاء أمريكا للمعركة القادمة أو الحرب الباردة التي بدت ارهاصاتها واضحة المعالم الآن.

خياران أمام قطر أحلاهما مرّ.

ويبدو ان إدارة ترامب مقتنعة بأنه يمكن إدارة الأزمة الخليجية، دون أن يؤثر ذلك على مشروع المواجهة الكبرى مع الحلف الإيراني الروسي في المنطقة، والذي يكاد يهمّش الدور الأمريكي الى ابعد الحدود.

لا مانع لدى الإدارة الأمريكية ـ فيما يبدو ـ إنْ جرى التخلّص من حكم آل ثاني في قطر (او على الأقل تميم وأبيه)، إن استدعى الأمر ذلك.

دور الرياض في المشروع الأمريكي الجديد
 
الإتفاق النووي الإيراني.. تفاؤل عمره عامان!

هذا الأمر لا ينطبق بالطبع على السعودية، فاسترضاؤها من خلال دعم مشروعها العدواني في صنعاء او الدوحة او غيرهما، أمرٌ ضروري ضمن المشروع الأمريكي القائم.

وكما يُراد أعاد ترميم وضع المنطقة امريكياً استعداداً لمواجهة من نوع ما مع ايران وروسيا، فإن السعودية بذاتها بحاجة الى ترميم وتأهيل كيما تستطيع أن تلعب دوراً محورياً مأمولاً في المشروع والاستراتيجية الأمريكية. وبنظر المراقبين فإن الرياض تحديداً، كما الكيان الصهيوني، وهما الأكثر تضرراً من نمو التأثير الإيراني في المنطقة، قد تراجعت قيمتهما الإستراتيجية بسبب عجزهما وفشلهما في خدمة المشروع الأمريكي والغربي عموماً، ولم يعد بإمكانهما لعب ذاك الدور المحوري والقيادي الذي كانا يلعبانه في العقود السابقة.

وبالنسبة للرياض، فإن مكانتها الاستراتيجية في عيون الأميركي قد تراجعت لأسباب عديدة:

  • فهي أولاً كانت ضمن محور منتصر (على الاتحاد السوفياتي) وكانت شريكاً في الإنتصار، كونها وفّرت أيديولوجية مقاومة للشيوعية، ولأنها استثمرت ـ بناء على دورها الوظيفي ـ أموالاً طائلة في (مكافحة الشيوعية)، وهو الشعار الذي مكنها من احتلال موقع متقدم، كونها ليس فقط تمتلك الأموال وتدفع بسخاء، وإنما أيضاً لاحتضانها الأماكن المقدسة للمسلمين، وهؤلاء الأخيرون تجري على ساحتهما الجزء الأكبر من المواجهة (الباردة والساخنة) مع الاتحاد السوفياتي (الشيوعي!).
  • الرياض كما تل أبيب، من ناحية ثانية، عُدّا من المنتصرين، كونهما جزء من محور غربي منتصر. وبتراجع الأصل (الأمريكي) في المنطقة، تراجعت وخمدت الفروع أيضاً، وهي التي كانت تلعب دوراً وظيفياً ليس إلاّ. وتراجع النفوذ الأمريكي والغربي في المنطقة، رغم تفكك الاتحاد السوفياتي، ليس له إلا سبب واحد لا غير، وهو نهوض القوة الإيرانية في المنطقة منذ أواخر السبعينيات، ونجاحها في اجتياز كل المعوقات والحروب الأمريكية ضدها.
  • في جانب ثالث، فإن القوة الإيرانية المتنامية، أظهرت أنها وحلفاءها يمثلون القوة الوحيدة المضادة للمشروع الأميركي الإسرائيلي السعودي في المنطقة. وقد تغذّت على أخطاء الحلف الأمريكي، وأخطاء السياسة الخارجية السعودية، فأضعفت النفوذ السعودي بشكل غير مسبوق تاريخياً، ولازالت الانتكاسات السعودية تترى الى الآن. وهذا يدلنا على سر العداء المستوطن في ذهن القيادة السعودية لكل ما له صلة بإيران. وحتى بالنسبة للكيان الصهيوني، فلأول مرة يأمن كل الأنظمة العربية، التي تم تحييدها باتفاقات كما جيرانه (عدا لبنان وسوريا)، او عبر انخفاض منسوب الاهتمام بالقضية الفلسطينية، واستبدال النظام الخليجي الرسمي (العدو) الإيراني، بدلاً من (العدو) الصهيوني!

لكن هذا الكيان، يستشعر الخطر الوجودي ـ كما الكيان السعودي ـ بالنظر الى هزائمه في لبنان وغزة وسوريا، ولأول مرة يشعر بأنه غير قادر على شن حروب معتادة تصب في النهاية في مصلحته ومصلحة الحلف الأمريكي الغربي السعودي. هو اليوم لا يجرؤ على شن حرب شاملة على سوريا او لبنان او ايران، اللهم إلا أن يكون جزءً من حرب أمريكية أوسع تشارك فيها السعودية أيضاً. كان المأمول صهيونياً ـ كما آل سعود ـ ان تشن أمريكا حرباً بالنيابة عنهم ضد ايران، ويكون الصهاينة وآل سعود مساهمين فيها (مالاً وقواعد وتجهيزات) ولكن ليس بالدم!

  • انبعاث الدور الروسي، المتحالف مع ايران، وقوى أخرى، أضعف حلفاء أمريكا في المنطقة (وبينها السعودية)، وأوجد فرصاً لقيام (شرق أوسط جديد). وهو شرق أوسط جديد يختلف عن ذاك الأمريكي الذي بشّرت به غونداليزا رايس، وهو ما أكده مرشد الثورة الإيرانية، من أن الشرق الأوسط الجديد، لن يكون شرق أوسط أمريكي، وستلعب فيه ايران دوراً محورياً. وإزاء هذا التغيّر، وبروز ملامح الحرب الباردة، وجدت أمريكا ان حلفاءها (السعوديين والصهاينة، وغيرهم) غير قادرين من الناحية العملية على خوضها بالنيابة عنهم. وبدا أن الأوروبيين ـ عدا بريطانيا ربما ـ أقلّ حماسة الآن لمواجهة مع روسيا وإيران في حرب باردة جديدة. لكن إدارة ترامب تريد هذه الحرب، والتغييرات التي حدثت في طاقم الإدارة الأمريكي، يشي بهذا.
هل الرياض جاهزة للحرب؟

الحرب الباردة، قد تكون ساحتها الأساس، أو بدايتها في الشرق الأوسط، ولكن نهايتها غير معلومة.

فالعين الغربية مركزة على موسكو بقدر ما هي على طهران. وهي تتحيّن الفرصة للمواجهة في سوريا بقدر ما هي في أوكرانيا ـ خاصرة روسيا.

والغاية في النهاية: إحداث تحوّل استراتيجي لصالح الولايات المتحدة قبل أي دولة أخرى، وتحطيم الصين اقتصادياً. أي ان هدف ترامب وادارته، ليس تحقيق منفعة تكتيكية، وإنما (دفاعا) عن مصلحة استراتيجية، وهي إبقاء الولايات المتحدة، الدولة الأعظم والأقوى اقتصاداً وعسكراَ في العالم؛ فوضعها الحالي الى انحدار، لصالح الصين تحديداً، ولذا فالمستهدف من الحرب الباردة في نهاية الأمر هي الصين، مروراً بروسيا، ومعهما او قبلهما إيران.

السعودية وجدت نفسها بعد تفكك الاتحاد السوفياتي بدون دور محوري، ضعيفة آفلة، وحين استبدلت الاستراتيجيات الغربية ووضع أعداءٌ جدد على خارطة الإستهداف، رأت الرياض انها غير قادرة على التجاوب معها.

فلا هي مع الديمقراطية وترويجها، لأنها ليست النموذج، ولا هي على استعداد لتبنيها.

 
صقور الحرب، ويظهر المتطرف بومبايو وزير الخارجية الجديد، شديد العنصرية ضد المسلمين

وحين أصبح العدو هو (الأصولية الإسلامية)، وحُصر الاستهداف لإيران منذ انتصار ثورتها، كانت الرياض هي الأخرى، وبنظر الغرب (دولة أصولية ومتخلفة ايضاً)، فحولتها الرياض الى معركة (مذهبية طائفية) بما يتناسب مع وضعها، ومع قبول الغرب بذلك في تحجيم ايران وحصارها في جواب متعددة.

لكن الطامة الكبرى، بالنسبة للسعودية، ما جرى بعد احداث سبتمبر ٢٠٠١، فقد تضاءل ـ بنظر الغرب ـ الخطر (الأصولي الإيراني الشيعي)، وظهر مكانه خطر أكثر شراسة (أصوليٌ وهابي قاعدي داعشي). فهل تستطيع الرياض ان تتبنّى محاربة أيديولوجيتها التي أنتجت هذا الخطر بالنسبة للغرب؟

لم تستطع الرياض ذلك، ولا أن تغير دورها، من مكافحة الشيوعية، الى مكافحة ايران الشيعية، وانتهاءً بمكافحة الذات الوهابية نفسها.

فضلاً عن هذا، لم تقبل الرياض، كما الشواهد من مصر وتونس وغيرهما، ربيعاً ديمقراطياً عربياً على الطريقة الأمريكية، وتبنّت سياسة (الثورات المضادة) ونجحت فيها، بعد أن قسّمت الثورات الى (ثورات حلال ضد الخصوم/ سوريا وليبيا مثلاً) وثورات حرام وهي تلك التي تحدث في ديار الحلفاء (مصر، تونس، والبحرين كأمثلة). ويبدو ان الغرب قبل بهذا المنطق، وسايره الى الآن.

وفي المجمل يمكن تأكيد التالي حول الدور السعودي القادم في المشروع الأمريكي:

  • الرياض جاهزة ومؤهلة وراغبة في لعب دور محوري ضد إيران. وهي تتمنّى أن تقوم حرب أمريكية غربية ضدها. بل انها أعلنت استعدادها للمشاركة فيها بالمال، كما أوضحت ذلك وثائق ويكيليكس. وقد حرّض الملك عبدالله الإدارة الامريكية بضرب ما أسماه (رأس الأفعى) الإيرانية. بل ان الرياض مستعدة لتمويل حرب إسرائيلية، او هجوم إسرائيلي على إيران، خاصة وأن تهديدات نتنياهو في السنوات الماضية كانت كثيرة، ولكن حين حان الامتحان، اعلن صراحة بأن الكيان الصهيوني لا يحارب بالنيابة عن الآخرين، ولا يقبل بالمال بديلاً عن الدم، أي ضرورة المشاركة الفعلية بقوات مسلحة. وعليه فإنه في أي استراتيجية مواجهة بين أمريكا وايران، ليس فقط ستقبل بها الرياض، بل هذا ما كانت ترغب فيه وتحرض من أجله ـ هي وإسرائيل ـ منذ بداية عهد أوباما. ولا داعي للتذكير كثيراً بتصريحات وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، التي تفيد بأن الرياض طلبت منه حرباً ضد طهران، وليس توقيع اتفاق نووي معها.
  • الرياض أيضاً جاهزة للمساهمة في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، فهذا يعني عدم تخلي الرياض عن حربها الفاشلة في اليمن، وتغطية سياسية غربية لاستمرارها فيها. والمساهمة السعودية تعني ايضاً انها مستفيد أساس في إضعاف النفوذ الإيراني، إذ لن يكون هناك دور سعودي قيادي في المنطقة طالما ايران قوية. هذه وجهة نظر السعودية، التي ترى أيضاً أن النفوذ التركي يزيد من تهميش السعودية اقليمياً. وتعني المساهمة السعودية في استراتيجية ترامب لمواجهة ايران، عبئاً مالياً ضخماً، ولكنها مستعدة لبذله، كما أنها مستعدة أيضاً للتنازل في مواضيع أخرى: العلاقة التطبيعية مع إسرائيل والتنسيق الحميمي معها بشأن دور الدولتين القادم، ان على صعيد سوريا ولبنان وقضية فلسطين، او على صعيد المواجهة المباشرة مع ايران.
  • ما لا جاهزة له الرياض، هو المشاركة العسكرية الفعلية، أي العطاء بالدم في المعركة. ولا نظن أن الأمريكيين سيصرّون على مشاركة الجيش السعودي في أي معركة قد تتطلبها مواجهة بالدم. فقد ثبت بالتجربة في اليمن، ان الجيش السعودي لا يمكن الاعتماد عليه، اللهم الا في مجال القوة الجوية (شرط ان تكون تحت إمرة القيادة العسكرية الأمريكية وتوجيهها). بل ان الدراسات الغربية، تقول بأن العسكر الإماراتي أثبت جدية وفعالية وقدرة على القتال اكثر بكثير من الجيش السعودي نفسه. الجيش السعودي ليس للمهمات الصعبة، لكن مهمة بمثل السيطرة على البحرين، او حتى احتلال قطر، فهذه يمكن اسنادها اليه، كجائزة ترضية.
  • وما لا جاهزة له السعودية، هو أن أي مواجهة أمريكية إسرائيلية عسكرية ضد إيران، لا بد أن تشارك فيها السعودية وتُستخدم فيها أجواؤها وأراضيها للهجوم. وهذا يجعل السعودية مسرح عمليات ومسرح حرب، أي أنها تحديداً في مرمى الصورايخ الإيرانية، ومنشآتها النفطية ستكون في قائمة الإستهداف. وإزاء هذا العجز، سبق أن طلبت السعودية من إدارة ترامب توفير مظلة حماية لمنشآتها النفطية، وقد فوجئوا بجواب العسكريين الأمريكيين بأنه لا توجد مظلّة حماية تمنع الصواريخ من الوصول، وأن شبكات الباتريوت غير قادرة على التصدي لأي هجوم بالصواريخ الإيرانية. من هنا يظهر ان الدخول الفعلي السعودي في حرب ـ متوقعة الى حد غير قليل ـ مع ايران، الى جانب إسرائيل وأمريكا، سيكلفها كثيراً، رغم ادعاء كثير من المحللين والمعلقين العسكريين السعوديين بأن الرياض بقوتها الجوية قادرة على تدمير ايران وإفنائها!
  • السؤال الذي يطرح في أي مواجهة عسكرية أمريكية مع ايران، هو هل الولايات المتحدة ومعها إسرائيل، قادرة على تحمّل تداعياتها؟ ماذا عن تأثير ضرب المنشآت النفطية في السعودية على مجمل الاقتصاد الغربي والعالمي؟ ماذا يمكن لإسرائيل أن تفعله اذا اشتعلت جبهات عدة وتساقطت عليها الصواريخ من كل مكان؟ قد يكون حالها كالسعودية أيضاً. وللعلم فإن القوات الأمريكية تجري مناورات مع الجيش الإسرائيلي لتأمين حماية جوية من الصواريخ باعتماد خمس منظومات دفاع جوي، من بينها: شبكة الباتريوت، والقبة الحديدية، وحيتس وغيرها. ولأول مرة يُعلن عن مناورات مشتركة، في نفس الوقت، بين أمريكا والسعودية، وربما ايضاً لتحقيق ذات الغاية، وهي تأمين الفضاء الجوي السعودي في حال اتخذ قرار حرب ضد ايران، على الأقل يحمي العاصمة الرياض، والمنشآت النفطية.

ملخص القول، فإن التحولات الإقليمية والدولية متسارعة، والصراع آخذ بالإشتداد في سياسة محاور واضحة، تعيدنا قسراً الى مجريات الحرب الباردة السابقة.

سيكون الضحية الأولى الذي يعلن بدء الصدام الإقليمي والدولي في المنطقة، هو انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي الإيراني في مايو القادم؛ ومن المحتم ان ترد عليه إيران بانسحاب مماثل، ليصار الى صراع مكشوف سياسي واقتصادي سيتطور الى الصدام العسكري المباشر، بعد ان خيضت الحروب بشكل غير مباشر.

الآن.. ينقل الروس في وسائل اعلامهم وبشكل مكرر بأن إسرائيل تستعد لحرب ضد ايران، او بشكل أدق قالوا: إسرائيل ستهاجم ايران. قد يبدو للوهلة الأولى ان المقصود هو مهاجمة إسرائيل الوجود الإيراني في سوريا. لكن الأرجح هو أمرٌ غير هذا، وهو الهجوم المباشر على الأراضي الإيرانية.

على صعيد آخر، وكما في كل الحروب، قد تكون قطر سيئة الحظ، فالتحوّل الدولي او استعدادا له، فرض تغييرات في شخصيات الإدارة الأمريكية. ولا شك ان رحيل وزير الخارجية تيلرسون ليس فقط يؤشر الى قرب المواجهة متعددة الأوجه في الشرق الأوسط، بل أنه قد يصيب بعض الحلفاء في مقتل، إنْ كان ذلك ضرورياً لكسب المعركة الكبرى.

قد تكون قطر الضحية القادمة، وقد يتم ـ وهذا مرجّح ـ تقديمها كقربان واسترضاء لدور سعودي يجري تأهيله أكثر، في معركة كسر عظم مع روسيا وإيران وتالياً الصين.

قد نكون متشائمين، ولكن قدر قطر ان يُضحّى بها كمحمية أمريكية، او بالأصح يُضحّى بنظام الحكم فيها، ما لم تخضع من جديد وبشكل استسلامي مهين، لمحمد بن سلمان، الشاب الطائش القابع في الرياض.

في المعارك الكبرى، فإن اللاعبين الصغار يجري دعسهم تحت الإقدام!

الصفحة السابقة