يوسف بن علوي في طهران

(حديث) السّلم و(فعل) الحرب في اليمن!

جنون إبن سلمان يكلّف الدولة خسائر باهظة

عمرالمالكي

الحديث يدور الآن حول حوارات سريّة سعودية بين أنصار الله (الحوثيين) مع الحكومة السعودية للبحث عن حل سياسي للحرب في اليمن. الحوار مباشر، وبدون حضور وربما حتى علم عبدربه هادي وما يسمى بالحكومة الشرعية اليمنية التي تقبع في فنادق الرياض. مكان اللقاء هو سلطنة عمان، التي لم تكن الرياض ترغب في أن يكون لها دور في الوساطة.

المعلومات هذه نشرتها رويترز، ونسبتها لمسؤولين ودبلوماسيين غربيين. لكن الرياض سارعت الى نفي حدوث هكذا لقاءات او مفاوضات. وحكومة هادي قالت ان لا علم لها؛ وأما محمد عبدالسلام، من جانب حكومة صنعاء، فقد أعلن استعداد بلاده للتفاوض في أي بلد من أجل البحث عن السلام، لكنه نفى ان تكون هناك مفاوضات (حالية) مع الحكومة السعودية.

بيد أن وصول وزير الخارجية العماني، يوسف بن علوي، الى طهران، زاد من احتمال وجود مفاوضات او على الأقل التمهيد لمفاوضات جديدة. خاصة وأن المتحدث باسم الخارجية الايرانية بهرام قاسمي، نفى بضرس قاطع وبشكل حاسم، ان زيارة الوزير العماني لا علاقة لها مطلقاً بالموضوع النووي الإيراني، ولا بزيارة وزير الدفاع الأمريكي ماتيس الى السلطنة، ما يوحي برسالة ما أمريكية الى طهران. لكن أحداً من المسؤولين الإيرانيين او غيرهم، لم ينفِ الأنباء التي طغت في كل وسائل الإعلام، بأن زيارة بن علوي لها علاقة بالملف اليمني.

لا يوجد في الأفق حتى الآن، نيّة لدى السلطات السعودية، في إيقاف الحرب، والبحث عن حلول سياسية للحرب العدوانية على اليمن. عادل الجبير، وزير الخارجية، كما محمد بن سلمان، وغيرهما يتحدثان عن ان لا حل إلا سلمياً للأزمة، لكن واقع الحال، يقول عكس ذلك تماماً.

وقد اعتادت الرياض على طرح تصريحات ناعمة ـ كما فعل ابن سلمان مؤخراً ـ كلما واجهت الرياض ضغوطاً سياسية او إعلامية تندد بحربها وتطالبها بإيقافها، فإذا ما مضت تلك الضغوط أو هدأت، واصلت الرياض مسيرتها.

هذه الفورة الجديدة التي تتحدث عن مفاوضات سلمية، لها علاقة بتعيين مبعوث جديد للأمم المتحدة بدلاً من إسماعيل ولد الشيخ أحمد؛ والقرار نصف الناعم الذي صدر مؤخراً عن مجلس الأمن بشأن فتح ميناء الحديدة بشكل دائم لمواجهة الكارثة الإنسانية في اليمن.

لكن الرياض، كما حلفائها في لندن وأمريكا، قد لا يبحثون حقاً عن حل سياسي للأزمة اليمنية، وانما لكسب المزيد من الوقت لاستمرار الحرب. هكذا عودتنا هذه الدول. أي ان ما يجري، يرجح ان يكون مجرد مناورة سياسية ليس إلاّ، ومن المبكّر التعويل على المؤشرات الإيجابية كثيراً، كفاتحة لإنهاء حرب العدوان السعودي، التي هي مكلفة أخلاقيا وسياسياً ومالياً واستراتيجياً.

لا شك ان السعودية تعاني من تكلفة استمرار الحرب على اليمن، وان كان تقدير هذه الكلفة يختلف من مصدر الى اخر.. بينما رأى باحثون اميركيون بارزون أنها لا تستطيع الاستمرار بنهجها الحالي.

وتدور التقديرات حول أن السعودية وقعت في المستنقع اليمني عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، وتفاقمت ورطتها في هذه الحرب.. ووسط جو من التشاؤم بمستقبل الحرب واثارها على الجانب السعودي خصوصا، توقع البعض إنهيار الاقتصاد السعودي في حين كانت هذه الحرب على اليمن هدية سعودية مفرحة لشـركـات السلاح العالمية.

ويرى عدد من الخبراء ان الخسائر غير المنظورة تفوق ما يمكن الكشف عنه او احصاؤه على الصعيدين العسكري والاقتصادي. ويحصر الخبراء هذه الخسائر في التشوهات التي تصيب الاقتصاد والمجتمع السعوديين جراء تحولهما الى اقتصاد حربي، ومجتمع يندفع للعدوان واستسهال اراقة الدماء والقتل، وهروب الرساميل الوطنية بحثا عن ملاذات امنة في الخارج، وابتعاد الرساميل الاجنبية عن الاستثمار في المنطقة، وخصوصا في الدول المنخرطة في الحرب (السعودية والإمارات)، وازدياد الدين العام وخصوصا الدين الخارجي، وتضخم فاتورة الاستيراد العسكري.

ويقول الباحث الاقتصادي، عبد الحافظ الصاوي، لـ «الخليج أونلاين»، إن ما حدث في اليمن أثّر في مناخ الاستثمار في السعودية ودول اخرى. ويضيف: ان احتياطيات النقد الأجنبي لدى مؤسسة النقد السعودي تراجعت الى ما دون حاجز الـ 500 مليار دولار، في نهاية أغسطس 2017، إضافة لإقدام السعودية على الاستدانة الخارجية عبر إصدار سندات بنحو 12.5 مليار دولار بالسوق الدولية.

وأعلنت وزارة المالية السعودية، في أغسطس الماضي، أن الدين العام للدولة بلغ 91 مليار دولار، تضاف إليهم صكوك محلية طرحتها المملكة خلال سبتمبر وأكتوبر الماضيين، بقيمة 9.9 مليارات دولار، وسندات دولية بقيمة 12.5 مليار دولار، ليقفز بذلك حجم الدين السعودي إلى 113.4 مليار دولار.

من جهة أخرى، يرى الصاوي أن الحرب خلقت حالة من ارتفاع تكلفة شراء السلاح من قبل جميع أطراف الصراع في اليمن. وهذا الجانب يحتاج الى دراسات معمقة لقياس اثره المستقبلي على مجمل النمو الاقتصادي، وحركة الاستثمار الداخلي.

وسنكتفي في هذا المقال برسم صورة عن الخسائر السعودية المباشرة على الصعيد الاقتصادي والعسكري، بحسب ما امكن نشره من معلومات، في غياب المعلومات الرسمية من المصادر السعودية. اذ ليس من المتوقع ان تصدر السلطات السعودية اي ارقام عن الكلفة الباهظة التي تتكبدها بسبب هذه الحرب العدوانية، غير المبررة بحسب كل المعايير، التي دخلت عامها الرابع على الشعب اليمني الشقيق.

قناة العربية السعودية، بثت في 2 أبريل 2015، أي بعد 8 أيام فقط على انطلاق عملية «عاصفة الحزم»، تقريرا أشار إلى أن المملكة قد تنفق نحو 175 مليون دولار شهريا على الضربات الجوية في اليمن. أما صحيفة «الرياض» السعودية، فقدرت أيضا تكلفة تشغيل الطائرات السعودية المشاركة بالحرب بنحو 230 مليون دولار شهريا.

وعلى الصعيد العالمي قدرت مجلة «فوربس» الأميركية، بعد 6 أشهر من اندلاع الحرب، إن تكلفة الأشهر الستة بلغت نحو 725 مليار دولار، أي إن التكلفة الشهرية تصل لـ120 مليار دولار. فيما قدر موقع دويتشيه فيليه الألماني تكلفة تشغيل الطائرات السعودية المشاركة بالحرب، ويبلغ عددها 100 طائرة، بمبلغ 175 مليون دولار شهريا.

ونشر موقع «المونيتور» الأميركي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، مقالاً للسياسي الأميركي بروس ريدل، حول الصراع الدائر في اليمن، رأى أن الحرب تعتبر مكلفة بالنسبة للسعوديين. وبحسب دراسة جديدة لجامعة هارفرد، قد تكون كلفة الحرب على السعودية في اليمن تبلغ 200 مليون دولار (في اليوم).

من جهتها كشفت مجلة «فورين بوليسي» عن جانب من تكاليف الحرب السعودية على اليمن، حيث جاء في تقرير لها بأن تكاليف بارجتین حربيتین تتبعهما ست فرقاطات، تم استئجارها من قبل السعودية تبلغ 300 مليون دولار يوميا، هذا فضلا عن تكاليف الجنود الذين علی متنها ویصل عددهم الى 6000 جندي، بعدتهم وعتادهم و 450 طائرة بطياريها ومدافعها وصواريخها بعيدة المدى، وهذا یعني أن اجمالي تكاليف البارجتين مع توابعها بلغت 54 مليار دولار خلال الأشهر الستة الماضیة.

كما بلغت نفقات استخدام قمرین صناعيین عسكريین للساعة الواحدة ملیون دولار. وبعملية حسابية بسيطة نجد ان تكلفة نفقات القمرين في اليوم الواحد تبلغ 48 مليون دولار، وهذا يعني أنها بلغت 8 مليارات و640 مليون دولار في الأشهر الستة الماضیة.

ويكلف تحليل وعرض واستخراج المعلومات من الصور والبيانات التابعة للاقمار الصناعية العسكرية، خمسة ملايين دولار يوميا للقمر الواحد، مما يرفع الكلفة الى مليار و800 مليون دولار خلال الأشهر الستة الماضیة.

وتبلغ تكلفة استخدام طائرة الاواكس 250 الف دولار بالساعة اي 6 ملايين دولار يوميا و 180 مليون دولار شهریا، ومليار و80 مليون دولار في الأشهر الستة الماضیة.

وهكذا، فبحسابات بسيطة، فإن تكلفة الحرب العدوانية على اليمن قد تصل الى سبعة وثمانين مليار دولار حتى الان.

ولكن تكلفة الحرب لا تتوقّف على النفقات العسكرية فقط، فالسعودية قدّمت لليمن منذ بداية الحرب، حتى منتصف العام الجاري، مساعدات تبلغ قيمتها 8.2 مليار دولار، وفق وزارة الداخلية السعودية، مقسّمة على عدة مجالات؛ تصدَّرها ملفّ التطوير، الذي نال 2.9 مليار دولار، تلته المساعدات للحكومة اليمنية بـ 2.2 مليار دولار.

كما تشمل المساعدات 1.1 مليار دولار لليمنيين المقيمين داخل السعودية، في حين بلغت قيمة المساعدات الإنسانية الموجّهة للمتضرّرين من الحرب 847.5 مليون دولار، إضافة لإيداع نحو ملياري دولار في البنك المركزي اليمني.

ورفعت السعودية قيمة إنفاقها العسكري في العام 2015 إلى 82.2 مليار دولار، بعد أن كان قد بلغ في 2013 مبلغ 59.6 مليار دولار فقط.

ونشرت وكالة بلومبورغ الأميركية تقريرها السنوي تحت عنوان «دليل المتشائم» كشفت فيه عن حجم فزع المراقبين السعوديين الكبير ورسمهم صورة اقتصادية كارثية قاتمة للسعودية جراء استمرار حربها العدوانية على اليمن.

وشدد المراقبون على أنها ستكبدها فاتورة باهظة التكاليف، وتقود الرياض الى مربع ازمات اقتصادية خانقة، وفرار المستثمرين والأمراء من المملكة.. وسط تعاظم كبير لمظاهر السخط الشعبي لدى المواطنين السعوديين جراء تدهور مستويات المعيشة في بلد الذهب الأسود. وحتى خصخصة مؤسسات قطاع النفط، ومنها شركة “أرامكو”، ورفع الضرائب، وتخفيض قيمة العملة الوطنية؛ لن تمكنها من مواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية الحادة بسبب تكاليف الحرب على اليمن الباهظة.

و على مدى سنوات الحرب، تواجه السعودية صواريخ شبه يومية على حدها الجنوبي، أسقطت مئات الضحايا بين قتيل وجريح، فضلا عن فاتورة مالية متصاعدة، ودمار واسع في عشرات المدن والقرى في المناطق الحدودية.

وكشفت مصادر سعودية عن سقوط أكثر من أربعة وخمسين ألفاً وستمائة وخمسين مقذوفاً (حوثياً) على الحدود، تسببت بأضرار مادية وبشرية وبتهجير عدد من القاطنين في تلك المناطق، مع شل الحركة فيها بشكل شبه كامل.

واذا اضفنا الى هذه الخسائر والارقام ما تقدره المراجع الدولية من ان كلفة اعادة اعمار اليمن تقدر بأكثر من 100 مليار دولار، بعد ان تعرض لخسائر فادحة في بنيته التحتية، ناهيك من عشرات الاف الضحايا بين قتيل وجريح.. فإن الفاتورة تكبر وتكبر.

ان هذه الصورة التقريبة لنتائج الحرب تصغر امامها كل الاهداف التي يحلم بها النظام السعودي، ما يؤكد التوقعات بأن حرب اليمن هي اسوأ الحروب على الاطلاق، وان الجميع سيخرجون منها خاسرين ايا كانت نتائج هذه الحرب.. التي يتفق معظم المحللين الغربيين على انه من المستحيل ان يفوز بها النظام السعودي في اي حال.

الصفحة السابقة