ترضيات.. خلط أوراق

أوامر ملكية جديدة لم تبدّد قلق ابن سلمان

محمد الأنصاري

لا يمكن فصل سلسلة الأوامر الملكية المتعاقبة عن خطة إعادة تشكيل السلطة، تنتهي في نهاية المطاف بتتويج محمد بن سلمان ملكاً. في حقيقة الأمر، أن كل دفعة من الأوامر الملكية لا تشتمل على أمر التتويج يعني أن شروط التأهيل للوصول الى مرحلة التتويج لم تكتمل بعد، ولذلك يتم استحداث أو بالأحرى تحديث خطة التتويج.

 
إقالة رئيس هيئة الأركان عبدالرحمن البنيان: إنها لعنة اليمن!

هناك غضب وسط العديد من أجنحة العائلة المالكة يراد ترضيتها، وهناك فشل في أكثر من ملف إقليمي يراد الالتفاف عليه أو استيعاب آثاره ونتائجه قبل أن يصعب السيطرة عليه، وهناك سخط شعبي إزاء الرسوم المرتفعة على الكهرباء، والضريبة المضافة على المشتريات، ورفع الدعم عن المشتقات البترولية يراد تهدئته عبر تقديمات اجتماعية خادعة.

على أية حال، كان عام 2017 حاسماً وبالغ الخطورة لجهة استعجال ابن سلمان استبعاد خصومه في العائلة المالكة، ونزع كل مصادر القوة التي قد تشكّل تهديداً لسلطته في المستقبل.

ثلاث دلالات في الأوامر الملكية الجديدة:

الأول ـ استبعاد جناحي الملك فهد والملك عبد الله من التعيينات الجديدة بصورة كاملة، وكأن العملية مقصودة حتى لا يتطلع أي من أبناء هذين الملكين نحو العرش. فلم يعد يتولى أحد أبناء فهد وعبد الله منصباً رئيساً أو ثانوياً، وباتوا جميعاً خارج المعادلة.

الثاني ـ أن التعيينات المدنية الجديدة هي بمثابة ترضيات لعدد من الأمراء (مقرن، أحمد، تركي، طلال)، مع أنها مجرد مناصب شكلية الا ما ندر..

الثالث ـ المناصب العسكرية الجديدة تنطوي على أعادة تعويم للأمراء بعد أن تمّت تنحيتهم في أوامر ملكية سابقة. الايحاءات للتعيينات العسكرية الجديدة تتجه الى تحميل القادة العسكريين السابقين مسؤولية فشل الحرب على اليمن، ولكن حقيقة الأمر أن التعيينات هي جزء من عملية إعادة توزيع السلطة وفق مبدأ الترضيات الهادفة الى امتصاص الغضب وسط عدد من أجنحة العائلة المالكة.

ومن المعروف، أن الأوامر الملكية صدرت في 26 فبراير الماضي تقضي بإقالة عدد من القادة العسكريين من بينهم رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة وقائد قوات الدفاع الجوية. وشملت التغييرات إنهاء خدمات رئيس هيئة الأركان الفريق أول عبد الرحمن بن صالح البنيان، وحلّ محله الفريق الركن فياض بن حامد الرويلي بعد ترقيته، وتضمنت أيضاً إحالة قائد قوات الدفاع الجوي الفريق الركن محمد بن عوض سحيم إلى التقاعد، في حين عين الفريق الركن جار الله بن محمد العلوي قائداً لقوة الصواريخ الإستراتيجية.

 
الأمير تركي بن طلال، نائب امير عسير:
هل يقنع طلال وإبنه الوليد بهذه الحصة من الحكم؟!

وبموجب الأوامر الجديدة تمّ تعيين الفريق الركن تركي بن بندر بن عبد العزيز قائداً للقوات الجوية، وعيّن الأمير فهد بن تركي بن عبد العزيز قائدا للقوات المشتركة (وكان قائداً للقوات البرية)، وعين شقيقه فيصل بن تركي مستشاراً في الديوان الملكي برتبة وزير.

تجدر الإشارة الى أن ربط الإعفاءات والتعيينات بحرب اليمن يبدو غير منطقي، وإن المنطقي هو أن ثمة تغييرات تجري منذ عام تندرج في إطار إعادة تشكيل السلطة. فقائد القوات البرية السابق، فهد بن تركي، لم يدم في هذا المنصب سوى 10 أشهر تقريبا، إذ عُيّن في منصبه في 23 أبريل 2017، محل الفريق ركن عيد بن عواض الشلوي ضمن سلسلة أوامر ملكية شملت قطاعات متعددة ومن بينها إمارات المناطق والديوان الملكي والخارجية ومجلس الوزراء. وبحسب الأوامر الملكية الجديد فقد تمّ تعيينه فهد بن تركي قائداً للقوات المشتركة فيما عيّن اللواء الركن فهد بن عبد الله المطير قائداً للقوات البرية بدلاً عنه.

إن إجراء التغييرات قبل سفر ابن سلمان للخارج، لا سيما في المؤسستين الأمنية والعسكرية، هو تدبير استباقي لاحتواء أي تخطيط انقلابي قد يفكر فيه الأمراء المستبعدين عبر رجالهم.

فإلى جانب المؤسسة العسكرية، فقد شملت التغييرات وزارة الداخلية، حيث تمّ تعيين محمد بن مهنا المهنا وكيلاً لوزارة الداخلية للشؤون الأمنية، وكذلك تعيين الأمير بندر بن عبد الله المشاري آل سعود مساعداً لوزير الداخلية للشؤون التقنية، فيما تمّ اعفاء حمد بن خلف الخلف وكيل وزارة الداخلية للشؤون الأمنية من منصبه، وكذلك إعفاء أحمد السالم نائب وزير الداخلية من منصبه. وقد تعرّض الأخير لحملة تشهير واسعة النطاق واتهامه بالفساد وتلقي رشاوي مقابل توظيف غير اللائقين، والتلاعب في أموال المشاريع الخاصة بوزارة الداخلية.

تغييرات أخرى جرت أيضاً لأمراء المناطق ونوابهم، حيث تمّ إعفاء الأمير فهد بن بدر بن عبد العزيز من منصبه بصفته أميراً لمنطقة الجوف (بناء على طلبه)، وتعيين الأمير بدر بن سلطان بن عبد العزيز خلفا له بمرتبة وزير، في حين تمّ تعيين فيصل بن مقرن بن عبد العزيز نائبا لأمير منطقة حائل.

 
الأمير فيصل بن مقرن نائباً لأمير حائل،
تعويضاً عن مقتل شقيقه منصور، نائب امير عسير في حادث طائرة

لا يمكن قراءة الأوامر الملكية خارج سياقاتها السياسية والعسكرية والأمنية. على مستوى التعيينات العسكرية إن الانطباع الذي يراد تعميمه هو تحميل قادة عسكريين مسؤولية التعثر والاخفاق والفشل في حسم المعركة، في ظل تصاعد الانتقادات في المحافل الدولية وحتى في الاعلام الغربي للوحشية السعودية باستخدام أسلحة محرّمة دولياً، وارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

إن دفعة التغييرات الأخيرة جاءت قبل أيام من جولة محمد بن سلمان الخارجية الى بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا، حيث كانت الاستعدادات مبكرة للخروج في مظاهرات غاضبة لمنع دخوله الى هذه الدول التي تشهد انتقادات متصاعدة لتورّطها في تزويد النظام السعودي بالأسلحة الفتّاكة. قد تحمل التغييرات في المؤسسة العسكرية إشارة الى حالة احباط لدى القيادة السياسية ومحاولة تحميل المسؤوليات للقادة العسكريين الذين تم ّ اعفاؤهم.. وقد تؤسس التغييرات لمرحلة جديدة يكون فيها محمد بن سلمان ملكاً متوّجاً، لاسيما بعد عودته من جولته الأميركية والأوروبية، التي تهدف تسويق مشروعه (رؤية السعودية 2030)، وتكون منصة إطلاق لمشروعه السياسي أيضاً.

صحيفة «التايمز» نشرت في 27 فبراير الماضي تقريراً لمراسلها في الشرق الأوسط ريتشارد سبنسر قال فيه إن التغييرات وما تضمنته من عزل لقادة عسكريين كبار هي محاولة لتعزيز موقع الأمير محمد بن سلمان في الداخل، إذ شعر بالتهديد منذ اعتقاله عددا من الأمراء ورجال الأعمال بتهم تتعلق بالفساد في نوفمبر الماضي.

لفت سبنسر الى أن التعيينات الجديدة في مواقع حسّاسة داخل القوات المسلّحة قد تمنح ابن سلمان ثقة إضافية قبل مغادرته البلاد في أول زيارة خارجية منذ تسلّمه منصب ولي العهد.

نلفت إلى أن جمهرة واسعة من المعارضين والناشطين على مواقع الاتصال الاجتماعي قد تنبّهوا الى إحجام محمد بن سلمان عن القيام بأي زيارة خارجية أو حتى المشاركة في مؤتمرات وقمم إقليمية ودولية برغم من أهميتها العالية، وقد غاب معه والده الملك، ما عكس مخاوف لدى الملك ونجله من أن تتم عملية انقلاب عليهما في حال السفر. ولا شك أن خوف ابن سلمان من السفر الى الخارج مرتبط بدرجة كبيرة بقرار إعفاء محمد بن نايف من ولاية العهد ووزارة الداخلية، وتالياً اعفاء الأمير متعب بن عبد الله، وزير الحرس الوطني. وعليه، فإن التعيينات الجديدة والاعفاءات تهدف الى خلق توازن ما داخل العائلة المالكة يجعله قادراً على التحرّك بثقة.

 
التايمز البريطانية: محمد بن سلمان يشعر بالتهديد
بعد اعتقاله الأمراء فأجرى التغييرات العسكرية

ومن الواضح، فإن إعادة بناء التحالفات داخل العائلة المالكة، عبر إدماج أبناء أمراء متضررين في مرحلة سابقة (أحمد، مقرن، تركي، طلال)، تهدف الى تمتين شبكة أمان السلطة داخل العائلة المالكة، في ظل تغييرات جذرية تشهدها البلاد على مستوى المجتمع والمؤسسات الدينية والأمنية والعسكرية..

شبكة «سي إن بي سي» الأمريكية نشرت في تقرير لها في 27 فبراير الماضي أسباب التغييرات التي أجرتها المملكة السعودية، لاسيما إقالة رئيس هيئة الأركان العامة للجيش وقادة الدفاع الجوي والقوتين الجوية والبرية. ونقلت الشبكة عن مصدر رسمي سعودي القول إن «هذه التعيينات جزء من حركة تبديل روتينية ضمن خطة تطوير وزارة الدفاع. كما أن بعض كبار الضباط الذين بلغوا سن التقاعد تركوا الخدمة، وآخرين تمّ ترقيتهم أو نقلهم إلى مواقع جديدة». لكن بعض المحللين، بحسب الشبكة الأمريكية، يرون أن التغييرات العسكرية جاءت «نتيجة للإحباط من الحرب التي دامت ثلاث سنوات في اليمن ضد جماعة أنصار الله».

وقال سيمون هندرسون، مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة بمعهد واشنطن، للشبكة الأمريكية إن «الجواب هو الحرب في اليمن، ولكن ما إذا كان هذا يعني أن هناك تغييراً في سياسة اليمن أو ما إذا كانوا سيصرّون على نفس النهج، لا أعرف».

لا شك أن الحرب على اليمن تقترب من وصف «فيتنام السعودية»، إذ أن الأهداف المرسومة لهذه الحرب لم تتحقق، بل على العكس بات الجيش واللجان الشعبية اليمنية قادرة على توجيه ضربات موجعة للداخل السعودي، وإن الصواريخ الباليستية أصبحت تصل الى العمق والى نقاط حسّاسة وحيوية.

تبعث تصريحات ابن سلمان ووزير خارجيته عادل الجبير السخرية حين الحديث عن تحقيق أهداف، أو عن إمكانية تحقيق نصر سريع وفي زمن قياسي، فالتحوّلات الدراماتيكية في الحرب اليمنية لاسيما في الشهور الأخيرة تكشف عن أن كفّة الحرب تميل لصالح أنصار الله، بعد أن فشل النظام السعودي في إقناع إدارة ترامب وبعض الدول الأوربية مثل بريطانيا وألمانيا لتقديم المساعدات العسكرية اللازمة لتغيير المعادلة العسكرية، بل هناك اليوم خلاف حاد بين الرياض وبرلين على خلفية رفض الأخيرة بيعها دبابات ليوبارد ومدافع لاستخدامها ضد اليمنيين.

رهان محمد بن سلمان على حرب اليمن كان كبيراً على أمل الحصول على مكافأة العرش. صحيح أن الحرب نفسها بدأت بعد تولّيه منصب وزير الدفاع، ولو حقّق العدوان على اليمن أهدافه سوف يكون التغيير في الجهاز الحكومي أسرع من الوتيرة التي هي عليها الآن، برغم سرعتها غير المألوفة بالقياس الى الزمن السياسي السعودي. ويبقى السؤال، هل تنتهي الحرب بتتويج محمد بن سلمان ملكاً؟

الصفحة السابقة