دولة الدُّميَة

هي دولة ليست كغيرها من الدول. لا تشبه سواها. وليس فيها ما تتقاسم به مع الآخرين. المشتركات قليلة، بل نادرة، إن على مستوى الأيديولوجيا، والحكم، والثقافة، والعادات، او على مستوى السلوك.

هي دولة صنعت لغايات الآخرين، وإن بدت مستقلة في ذاتها، ولذلك يصرّ الآخرون على الدفاع عنها. هم يريدونها بمواصفات هم اختاروها لها.

دولة بلا جديد، وإن أوهمت الآخرين بذلك، خصوصاَ هذه الأيام ـ حيث تعمل أوركسترا الدعاية من الرياض مروراً بلندن وصولاً الى واشنطن، وعبر عواصم غربية ينهال عليها المال السعودي كالمطر ـ على تظهير محمد بن سلمان بأنه الرجل المناسب في الزمن الأغبر، عفواً المناسب.

كثرة التغييرات التي يحدثها تغري، أكثر ما تغري، الحلفاء لأنها تحرّرهم من عقدة التحالف مع دول رجعية استبدادية. مع الرجعية يمكن النقاش في إمكانية خلاصه منها، برغم من أن التغييرات التي أحدثها ابن سلمان ليست بمستوى شروط التحولات الكبرى في المجتمعات.

لكنه من المؤكد، أن كل داعم للنظام السعودي سوف يحاول أن يواري سوأته حين يأتي الكلام عن طبيعة نظام الحكم الذي ارتضوه له، حتى لا يتهم بأنه من سدنة المستبدين.

السمة الاسبتدادية باتت راسخة في هوية وتكوين النظام السعودي، وقد يكون العام 2017 الأسوأ على مستوى حقوق الإنسان لكثرة ما اعتقل من الأطياف كافة، والانتهاكات المشينة لمعايير المحاكمات العادلة، حيث تصدر الاحكام العبثية بصورة اعتباطية، وعلى أساس اتهامات سخيفة وغير مسنودة بأدلة وبراهين.

تحت غطاء الانفتاح الثقافي والفني وهلوسات الترفيه بأشكالها الرثة.. تجري موجات من الانتهاكات لأبسط حقوق الإنسان، فالاعتقالات تطال كل صاحب رأي، والاحكام الجائرة تصدر وفق مزاجية وكيدية، وفوق ذلك كله، يجري توظيف الثروة الوطنية بكل مصادرها الطبيعية وغير الطبيعية، كيما تكون في خدمة الأميركي والأوروبي، طمعاً في وصول الملك «الدمية» بسلامة وسلاسة!

وبكل صراحة، لابد أن يقال، ويجب أن يقال دائماً، أن مشكلة المواطنين في مملكة القمع والصمت والقهر ليست في الرياض، وإن كانت هي الواجهة لكل ويلات هذا الشعب، وإنما هي في واشنطن ولندن وباريس وكل عواصم الدول الداعمة للنظام السعودي، وبدونها لن يقوى لا ابن سلمان ولا أبوه ولا جده على ارتكاب جريمة واحدة ضد مواطن، لمجرد أنه قال رأياً حراً في سياسة المملكة السعودية.

بل يمكن القول وبكل ثقة، أن ما جرى في العام 2017: الأزمة الخليجية مع قطر (5 يونيو) إعفاء محمد بن نايف (21 يونيو)، اعتقالات المئات من الإسلاميين المقرّبين من الإخوان المسلمين (10 سبتمبر)، اعتقال الأمراء متعب بن عبد الله واعفائه من منصبه وزيراً للحرس الوطني، والوليد بن طلال، وصالح كامل، والوليد بن إبراهيم وعشرات الأمراء والوزراء ووكلاء الوزارات والتجار (4 نوفمبر)، وغيرها من الوقائع الداخلية المرتبطة بإعادة تشكيل السلطة وتعزيز قوة ابن سلمان، وتالياً تعزيز النفوذ الأميركي في المملكة السعودية.. إنما كان بتخطيط ومباركة أميركية وبريطانية.

هذا يعني وبكل صراحة، أن الاستبداد السعودي ليس صناعة محلية خالصة، بل هناك دعم خارجي لهذه الصناعة، وإن مصيبتنا في نظام الحكم السعودي ليس لأنه يملك مصادر قوة ذاتية، بل لأن هناك من يوفّر له كل أسباب البقاء، لأن في بقائه دوام مصالحهم، ولأن بهكذا دمية تدوم النعم!

الصفحة السابقة