تناقضات محمد بن سلمان أحرجته فأخرجته عن طوره

لم يستطع الامير محمد بن سلمان ان يتحمل الضغط الذي مارسه عليه الاعلامي الصهيوني جيفري غولدبيرغ، في مجلة «ذا أتلانتيك» الأميركية، وهو يحاول ان يستخرج مواقف مؤيدة للكيان الصهيوني من خلال فتح موضوعات محرجة لآل سعود. وقد شعر إبن سلمان بالضيق من الحصار الذي وجد نفسه فيه، وهو يحاول الاجابة عن أسئلة، تحمل كلها إدانات صريحة له ولنظامه، وخصوصا حول الجرائم العدوانية الصريحة والمفجعة التي يرتكبها جيشه في اليمن، فصرخ في وجه الصحافي الاميركي: «نحن لم نأت إلى هنا، بصفتنا المملكة السعودية، لتُطرح علينا هذه الأسئلة. نريد أن تُطرح علينا أسئلة عن الاقتصاد وعن شراكاتنا وعن الاستثمار في أميركا. نحن لا نريد أن نقضي حياتنا في النقاش حول اليمن».

 
ابن سلمان: استخدمنا الوهابية بأمر أمريكا لمحاربة السوفييت

الا ان ابن سلمان كان اكثر ارتياحا مع محاوره في مجلة التايم بعد ايام، حيث ان الاسئلة كان متفقا عليها، وكانت بسيطة وسطحية، ولا تتضمن اي مواقف جديدة، اضافة الى انه كان يتلقى السؤال فيجيب كما يشاء، حتى ولو كان خارج اطار السؤال.

وفي كل حال، فإن ما يعنينا هو المواقف الجديدة التي صدرت عن ولي العهد السعودي، واهم من ذلك رؤيته للمستقبل، والحال التي يريد ان يرى السعودية عليها.

والواضح ان الأمير محمد بن سلمان لم يكن يخاطب الشعب السعودي في هاتين المقابلتين، بل كان يتوجه الى الرأي العام الأميركي، والى صناع القرار في الولايات المتحدة، ليساعدهم في اضفاء صفة الشرعية عليه، والحصول على لقب «شريك استراتيجي» كما يروج الاعلام السعودي، بمناسبة وغير مناسبة.

ومن الواضح أيضا، أن الأمير محمد بن سلمان اختار كلماته بعناية فائقة، وكان يتعمد العموميات، واستخدام الكلمات التي نقرأها يوميا في الصحف السعودية، والتي لا تعني شيئا في الواقع، او ربما هي تحالف الواقع.

لقد اضطر الامير محمد الى الطلب صراحة من محدثه الاميركي ان يقلب الصفحة، وهو يعرف انه يتحدث الى القارئ الاميركي، وان يتوقف عن طرح الاسئلة عن حرب اليمن وعن الاوضاع الداخلية، ليركز على الاستثمارات في اميركا، وما وهبه للادارة الاميركية في هذا الصدد، والمليارات التي حولها من قوت الشعب وثروة اجياله الى اميركا وصناديقها ومشاريعها.

ودعا ابن سلمان محاوره بغضب وانفعال، ان يكف عن الحديث عن حقوق الانسان، وعن الانتخابات والديمقراطية، والمشاركة الشعبية، والانتقال السياسي من النظام الملكي المتشدد الى نظام اكثر انفتاحاً من الناحية السياسية، واشاعة ثقافة الحرية والمساواة.. مستعيدا ـ أي ابن سلمان ـ ثقافته البدوية الوهابية حول الخصوصية السعودية، التي باتت قناعا شفافا حتى في الداخل السعودي، لا يكفي لتغطية الرغبة في الهيمنة والتسلط والدكتاتورية، ناهيك عن غرابتها في قاموس الثقافات العالمية والغربية خصوصا، بينما العالم يتحدث عن القرية الكونية وتفاعل الحضارات.

فلماذا وقع محمد بن سلمان في هذا الفخ الاعلامي؟

هل هو النقص في الاعداد كما جرت العادة؟ ام ان الصحافي الاميركي ورئيس تحرير مجلة ذا اتلانتيك، قد أوقع به؟

ولماذا لم تسعفه ثقافة تويتر، واساليب مدربه سعود القحطاني، ومنهجية الشتائم واطلاق الاتهامات، واستحضار ايران وعدائه لها، والهجوم على الاخوان المسلمين، والتلبس بثياب محاربة الارهاب والتنكر للوهابية السعودية؟.

الحقيقة ان محمد بن سلمان لم يكن محاورا ناجحا، ولم يجر إعداده جيداً لهذه المهمة التي تحتاج الى ثقافة وسعة اطلاع، الا انه كان مستعدا ليكون مروجا ناجحا، لمجموعة من الشعارات التي اعدت في المطبخ السياسي الذي يعمل معه، والعناوين السياسية التي تخلط ما بين الحقيقة والتضليل الاعلامي، بحسب المدرسة الاعلامية التي تتبناها الآلة الدعائية الصهيوأميركية في مرحلة الربيع العربي.

 
حائط المبكى الوهابي

ويبدو ان اجاباته الملتبسة والمختصرة، لم تقنع محرر صحيفة ذا اتلانتيك، الذي كان يسأله عن حقائق هي في صلب القناعة الاميركية، والمعلومات التي باتت معروفة على الصعيد الاعلامي والسياسي، والتي تجنبها في مرحلة لاحقة صحافي مجلة التايم.

وقد اضطر غولدبيرغ الى التصريح بذلك امام الامير السعودي، مستنكرا تجاهله حقيقة الوهابية، وحقيقة الدعم السعودي لمساجد الفتنة والتحريض المذهبي في العالم، وانكاره المستغرب للدعم الذي قدمه نظامه، وشخصيات سعودية عملت باسمه وتحت مظلته، للجماعات الارهابية بمختلف تلاوينها منذ اكثر من أربعة عقود، بدءا من قاعدة بن لادن، الى بوكو حرام، الى عسكر طيبة، وجيش الاسلام في سوريا، وصولا الى داعش.

وخرج الامير الشاب بتجربته المحدودة مع الاعلام عن النص مرارا ليتهم الولايات المتحدة بدعم الارهاب، ويختبئ خلف التحالف معها، لكي يبرر اطلاق ابواق التحريض على الجهاد في افغانستان لمحاربة الشيوعية حسب قوله، زاعما انها كانت تهدد مملكته، وصولا الى الحديث عن محور الشر، الذي يذكر القارئ بشعارات جورج بوش الابن، ومن بعده رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وقد وقع ابن سلمان هنا في مأزق إقراره بأن النظام السعودي اطلق وحش الوهابية، وساعد في تفريخ جينات الارهاب ومنظماته المختلفة، في خدمة الاستراتيجية الاميركية لمحاربة الشيوعية وإيران وكل أعداء أمريكا وسياساتها. وهذه حقيقة يعرفها كل مدوني تاريخ الارهاب في المنطقة، الذين يعرفون دور عشرات الاف المساجد والدعاة في تحريض جيلين او اكثر من الشباب السعوديين، ودفعهم للالتحاق بالقاعدة لمحاربة الشيوعية من منطلقات عقائدية تؤمن بها الوهابية، الى جانب منظمات عقائدية اخرى ممن اشار اليها ولي العهد السعودي. وهو محق في قوله انها مسألة سياسية محض، ولا علاقة لها بالاسلام والعقيدة الدينية، ولا بمصالح الامة، التي اتخذت جميعا مادة لترويج الارهاب، ودفع المقاتلين للالتحاق بميادين القتال تحت مسمى الجهاد.

وقد تكرر الامر بشكل علني أكبر في العدوان على سوريا والعراق بعد ٢٠١١، حيث سجل مشاركة نحو عشرة آلاف سعودي، انتحاريين ومقاتلين وموجهين شرعيين وممولين.. كانوا يخرجون علنا ليفصحوا عن هويتهم، وكانوا يعودون علنا الى بلدهم دون اي حرج او مساءلة.

ولا تزال حية ومسموعة المواقف والتصريحات والدعوات للقتال والجهاد في سوريا، من مئات الدعاة السعوديين، والتي كانت تنقلها وسائل اعلام سعودية وتبث من الاراضي السعودية، عطفا عن عشرات فتاوى التكفير، والدعوة للجهاد بالمال والنفس والكلمة والفتوى.

كل ذلك كان في السعودية ومن السعودية، وبتغطية كاملة من اجهزة الدولة، وهي تتعاضد وتتكامل مع المواقف الرسمية التي صدرت عن امراء ومسؤولين، ليس آخرهم وزير خارجية محمد بن سلمان نفسه، الذي كان ينام على تغريدة ويستفيق على مثلها في وجبة يومية، تدعو لرحيل الرئيس السوري سلما او حربا.

وليس مستبعدا ان نسمع بعد مدة، اعترافا مماثلا من محمد بن سلمان، بأنه كان يفعل ذلك ضمن استراتيجية أميركية، ولمحاربة عدو مشترك كان يهدد السعودية، كما فعل في تبريره دعم القاعدة وبن لادن في افغانستان.

 
حرق صور سلمان وابنه في الأراضي المحتلة

ولم يجد الامير السعودي بدا في نهاية الامر من الكشف عن حقيقة سياسته ومنهجه الاستراتيجي، بالاعتراف باسرائيل والدعوة الى التحالف معها، وبناء شبكة المصالح التي تربط بين النظامين الصهيوني والسعودي.. وذلك لكي يحرف النقاش، ويبتعد به عن ممارسات نظامه في الداخل، وضد الشعب اليمني وشعوب المنطقة في الخارج.

ويقول أحد الصحافيين الاميركيين، انه اطلع على كواليس اللقاء مع غولدبيرغ، الذي كان يحضره ايضا عدد من مرافقي الامير محمد بن سلمان، ومن بينهم اخوه الامير خالد السفير في واشنطن.. يقول ان الجميع توجسوا شراً، وانتابهم القلق عندما تعرض ولي العهد السعودي لهذه النقطة بإسهاب (العلاقة مع إسرائيل)، وخرج عن النص الملقن له، بالاختصار والتلميح دون التصريح.

ولهذا، فقد استدرك الامير السعودي الخطأ، واعطى افادة مختلفة عن السؤال ذاته في مقابلته مع مجلة التايم، بعكس الاجابات الاخرى التي عالجت الموضوعات نفسها بالاجابات ذاتها.

والواقع ان محمد بن سلمان قدم لاسرائيل اكثر من الاعتراف التقليدي، الذي تطالب به الدوائر الصهيونية، وتجاوز ما قدمه انور السادات في كامب ديفيد، بحسب بعض المحللين، الذين وصفوا تصريحه بأنه اشبه بوعد بلفور – 2؛ وحجتهم في ذلك مسألتان:

الأولى ـ ان محمد بن سلمان تحدث عن حق اليهود التاريخي بالارض الفلسطينية وليس بحق الدولة حسب، وتماهى مع المنطق الصهيوني بالكامل في هذا الخصوص.

والثانية ـ انه تحدث عن تحالف كامل مع إسرائيل، وأسقط منطق العداء نهائيا، وربط القضية بتسوية نزاع محدود على أرض الدولتين، الاسرائيلية والفلسطينية، دون ذكر لحق العودة، ومصير ثمانية ملايين لاجئ فلسطيني، جرى اقتلاعهم من ارضهم منذ سبعين عاماً، ولا عن القدس ومقدساتها التي تخص جميع المسلمين، ولا يمكن لاحد التنازل عنها تحت اي ظرف.

ولكن الامر لا يتعلق بما قاله الامير في مقابلته وحسب.. فقد استغلت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، تطرقه الى مسألة الاعتراف بالحق التاريخي لليهود في ارض فلسطين، ونشرت تقريراً موسعاً عن الخطة التي يعدها ولي العهد السعودي للتسوية في الشرق الأوسط. وهو ما يكذب ما زعمه في اليوم التالي مع التايم من ان موقف بلاده هو الوقوف خلف الفلسطينيين فيما يرونه لقضيتهم.

ونقلت صحيفة “اسرائيل هيوم” العبرية، عن نيويورك تايمز، أن محمد بن سلمان يعد خطة تسوية خاصة بالشرق الأوسط، تتضمن الاعتراف السعودي بالمستوطنات اليهودية بالضفة، وبالقدس المحتلة كعاصمة لإسرائيل. ووفقاً للصحيفة، فإن خطة بن سلمان جاءت بعد عدة زيارات سرية قام بها جاريد كوشنير صهر الرئيس الأمريكي للسعودية، وتم الإفصاح عن بعض بنودها خلال زيارة بن سلمان الأخيرة للولايات المتحدة.

وقالت الصحيفة إن «خطة بن سلمان تقوم على تفضيل المصالح الإسرائيلية، وأنها تعتبر ثورة في العلاقات بين إسرائيل والسعودية”. وأشارت، إلى أن ادارة الرئيس ترامب، ترى في ابن سلمان لاعباً مركزيا في الشرق الأوسط، وتدعم مكانته من أجل التوصل لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.. وهو المقصود بالعبارة التي وضعتها التايم على غلافها تحت صورته بأنه: (الرجل الذى يسعى لتغيير الشرق الأوسط). ومن البديهي انه ليس بمقدروه ان يفعل ذلك، الا ان ما يقدر عليه هو عقد مصالحة مع الكيان الصهيوني، مما سيسبب زلزالا في المنطقة وحروبا تغير صورتها.

 
مقابلة ابن سلمان مع غولدبيرغ

الصحافي غولدبيرغ الذي يحمل الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية، سبق له ان التحق بالجيش الاسرائيلي ضابطا عسكريا، ومارس بين عامي 89 و90 وظيفة حارس في سجن كتسيعوت، وهو معسكر اعتقال أقيم لاحتجاز المشاركين الفلسطينيين في الانتفاضة الفلسطينية الاولى، كما عمل كاتب عمود في صحيفة جيروساليم بوست الصهيونية.

وفي مقابلة مع موقع «متحف الهولوكوست» بالولايات المتحدة تفاخر غولدبيرغ بأنه شارك في قمع رماة الحجارة الفلسطينيين وتكسير ايديهم.. وكان دافعه للانضمام لجيش الاحتلال الإسرائيلي رغبته في أن يكون أحد هؤلاء اليهود المدافعين عن أنفسهم. ولفت إلى أن البندقية التي تسلمها وهو في العشرينات من عمره خلال خدمته في جيش الاحتلال، أشعرته بالسلطة القوية جدا.

فهل اراد محمد بن سلمان ان يقدم له هدية بالمبادرة الى اعلان حماسته وتأييده لحق الصهاينة في إقامة دولة لهم على ارض فلسطين، وحقهم بالعيش في سلام؟ وهل اراد ان يطمئنه اكثر بفتح باب التعاون والمصالح المشتركة مع الكيان الصهيوني الغاصب؟ ام انها كانت رسائل للمستثمرين اليهود والكونعرس الاميركي ولزعماء الكيان الصهيوني، بأنه آن الاوان للبدء في تنفيذ صفقة القرن الاميركية، وانه مستعد للسير فيها ضمن الاستراتيجية الصهيونية؟

اسئلة كثيرة ومحيرة وصادمة لم يستطع حتى المطبلون في الصحافة السعودية استيعابها في اللحظة الاولى.. فلم يبرزوا الخبر ولا المقابلة. وقد كان لافتا ان صحيفة الحياة التي نشرت تفاصيل اللقاء مع ذا اتلانتيك، لم تجد ضرورة لوضع عنوان له على صفحتها الاولى، ولم تجد فيه ما يستحق الاحتفاء والاشادة. وحتى في نسختها السعودية اكتفت بعنوان على ثمانية اعمدة يتحدث عن زيارة محمد بن سلمان لشركة “فيرجن غالاكتيك”، وميناء “موهافي” للطيران، وقالت ان ولي العهد يبحث مجالات الشراكة السعودية – الأميركية في الخدمات الفضائية.. وهو خبر قديم نسبيا. ومثلها فعلت الصحيفة الدولية الاخرى “الشرق الاوسط”، وبقية الصحف المحلية شبه الرسمية، التي أغرتها صورة الامير محمد مع ريتشارد برانسون، رئيس مجلس ادارة شركة فيرجن غالاكتيك، والحديث عن احلام الفضاء والترفيه.

فلماذا اخفت الصحافة السعودية تصريحات الأمير محمد بن سلمان لمجلة “ذا أتلانتيك” ولم تنشرها كاملة؟

مثلث الشر

برأي ولي العهد السعودي فإن جماعة “الإخوان المسلمين” ترغب في استخدام النظام الديمقراطي من أجل الاستيلاء على السلطة، ومن ثم إعادة نظام الخلافة تحت قيادة متطرفة في شتى أنحاء العالم، لتتحول إلى إمبراطورية عالمية حقيقية متطرفة يحكمها مرشد الجماعة، مؤكداً أنهم جزء من “مثلث الشر”، وضلعاه الاخران هما: النظام الإيراني والجماعات الإرهابية (داعش والقاعدة).

خلطة عجيبة غريبة، وتوافق لا يمكن افتراضه وتصديقه حتى في قصص الاطفال والفانتازيا والافلام البوليسية.. فكيف يجتمع ثلاثة اطراف كل منهم يحلم بامبراطورية عالمية، دون ان تتضارب مصالحهم مع بعضهم البعض؟ وكيف يمكن صياغة هذه المعادلة، في ظل ما يعرفه غولدبيرغ اكثر من محمد بن سلمان، فيما يتعلق بالخلافات الفقهية والعقائدية بين هذه الأطراف؟ بل من يستطيع ان يصدق هذه المقولة في ظل الممارسات الواقعية، والمجازر الرهيبة التي ارتكبها داعش والنصرة الارهابيان، وقبلهما تنظيم القاعدة ومشتقاته الارهابية، من مجازر بحق السنة والشيعة على السواء، في العراق وسوريا ومصر والسعودية، كما في افغانستان وباكستان ونيجيريا وفي كل مكان؟

 
الصهيوني جيفري غولدبيرغ

ان استعارة تسمية “مثلث الشر”، محاولة لدغدغة مشاعر المحافظين الجدد، واللوبي الصهيوني، الا انها استعارة ساذجة وناقصة، لان الاصل في التسمية الاميركية قامت على أسس سياسية، ومن منطلق العداء للسياسة الاميركية.

ومحور الشر، عبارة ترددت أولاً على لسان الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن في خطاب ألقاه بتاريخ 29 يناير 2002 ليصف به حكومات كل من: العراق، وإيران، وكوريا الشمالية. وقد استخدم هذه العبارة بحسب ما ذكر لأنه يعتقد بأن تلك الدول تدعم الإرهاب، وتسعى لشراء أسلحة الدمار الشامل. ولانها لم تكن فكرة ناضجة ويمكن البناء عليها، عاد السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة جون بولتون، مستشار الامن القومي اليوم، وفي 6 مايو من عام 2002، في خطاب له لتوصيف بعض البلدان بعبارة «ما وراء محور الشر»، مشيراً إلى كل من: ليبيا، وسوريا، وكوبا. بينما أشارت وزيرة خارجية الولايات المتحدة كوندوليزا رايس في يناير 2005 إلى كل من: كوبا، وروسيا البيضاء، وزيمبابوي، وميانمار، بعبارة ركائز الاستبداد.

ولعل ردة فعل جيفري غولدبيرغ كانت مفاجئة للامير السعودي، فقد تساءل مستنكرا: “مثلث الشر”؟ فهو أيضا لم يصدق التسمية.. ليجيب الأمير محمد بن سلمان: “صحيح، سأشرح ذلك بعد لحظات”. وقال محمد بن سلمان: “انهم في هذا المثلث يسعون إلى ترويج فكرة أن واجبنا كمسلمين هو إعادة تأسيس الخلافة، ويدّعون أن واجب المسلمين هو بناء إمبراطورية بالقوة وفقاً لفهمهم وأطماعهم، لكن الله - سبحانه - لم يأمرنا بذلك، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يأمرنا بالقيام بذلك”.

فكان اضحا ان محمد بن سلمان يتبنى شعاراً سطحياً لا يحسن الدفاع عنه، بل يرغب في ترويجه، كما يفعل ممثله سعود القحطاني على تويتر.. فهو ليس على علم بأهداف الدين، ولا بحقيقة ما تريده ايران، او الجماعات الاخرى.

وكان ذلك واضحا في تكرار محمد بن سلمان تعابير لا رابط بينها متهما التشيع بالتطرف، ولافتا الى ان التطرف يتمثل بولاية الفقيه، وبالاعتقاد بظهور الامام المهدي في آخر الزمان!

وقد سبق للامير السعودي ان تفوه بهذه التعابير المهينة للطائفة الشيعية، متحدثا بما لا يعرف ولا يفقه فيه شيئا، اذ ان فكرة المهدوية منصوص عليها في السنة النبوية، وهي جزء من عقيدة كل المسلمين على اختلاف مذاهبهم.. كما انها فكرة خلاصية لها ما يقابلها في الاديان السماوية الاخرى. وهي لا تحشر في باب التطرف او التعصب، بل من قبيل الايمان بالعدل الالهي الذي سيبعث للبشرية مخلصا يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.

وايران لا تقاتل من اجل ذلك اليوم، ولا الولايات المتحدة واسرائيل تقاتلانها من اجل ذلك.. والمسألة ليست مطروحة على اي مستوى في الدوائر السياسية والفكرية والفقهية. الا ان محمد بن سلمان دأب على الحديث عنها في اكثر من مناسبة منذ فترة غير قصيرة؛ وهو ما يراه المحللون محاولة منه لدغدغة مشاعر غلاة المذهب الوهابي في السعودية. انه يريد ان يقول لهم بان ابعادهم عن مراكز القرار والواجهة السياسية، هو لضرورة مرحلية، وانه لا يزال يتبنى احد الاسس العقدية للوهابية، والذي تستخدمه في اطار منهج التكفير للشيعة.

الاخوان والديمقراطية
 
البزنس، وايران، وإسرائيل محاور زيارة ابن سلمان لأمريكا

اما حديث محمد بن سلمان عن الاخوان المسلمين، ودواعي وضعه لهم في محور الشر الوهابي، فكانت اكثر سذاجة، واكثر احراجا وافتضاحا لممثل اسوأ الانظمة الدكتاتورية في العالم اليوم.

فالامير غاضب على الاخوان، لأنهم برأيه يرغبون في استخدام النظام الديموقراطي من أجل حكم الدول، ثم الانقلاب على الديمقراطية، والتحول الى إمبراطورية حقيقية متطرفة “يحكمها مرشدهم”.

حسنا لن نناقش الامير في صحة فهمه وتصوره للمسألة! ولكن ما علاقة امير وهابي في مملكة وراثية، ليس فيها قانون ولا دستور ولا انظمة، في الدفاع عن الديمقراطية؟!

ما علاقة وريث عرش يمتلك بحكم جيناته والحيوانات المنوية لابيه وجده، بلادا ومقدسات وثروة طائلة، يتصرف بها بعبث الوريث المستهتر، بالقلق على مصير الانتخابات والشرعية الدستورية؟!

وماذا عن الملكية المطلقة؟ يسأله غولدبيرغ، فيرد الامير بأنها لا تُعد تهديداً لأي بلد. ويذكره بأن الملكية الفرنسية ساعدت على إنشاء الولايات المتحدة من خلال دعمها لها. ويضيف إن «الملكية المطلقة» في السعودية ليست عدوة للولايات المتحدة؛ إنها حليفة لوقت طويل جداً.

لا يلتفت الامير السعودي الى حقوق شعبه بالحرية والديمقراطية والمشاركة السياسية، وهو المقصود برفض الملكية المطلقة.. بل كل همه ان يقنع الاميركي بأن هذه المملكة الدكتاتورية السعودية لا تهدد إسرائيل، ولا تهدد المصالح الأميركية، بل وهي حليفة دائمة لاميركا!

ويسأله غولدبيرغ: هل من الممكن أن تتحرك نحو نظام يصوت فيه الناس لممثليهم؟ إذ عندما تبدأ في السماح للأشخاص باختيار من يمثلهم، هذا هو التغيير.

نتخيل أن الامير تصبب وجهه عرقا، وراح يجيب بكلمات غير مفهومة.. يقول: «ما يمكنني فعله هو تشجيع قوة القانون. نود أن نشجع حرية التعبير بقدر ما نستطيع، ويمكننا تحسين حقوق المرأة – وفق ضوابطنا - وتحسين الاقتصاد».

إنه يسألك عن الانتخابات، فلماذا تهرب من الاجابة الصريحة التي يعرفها الاعلام الغربي كما يعرفها المثقفون العرب.

السعودية منبع الارهاب

حاول محمد بن سلمان ان يستعيد ما تكتبه الصحف السعودية، مرددا التعبيرات الاتهامية، بأن كل التنظيمات الارهابية خرجت من عباءة الاخوان المسلمين، الا ان جيفري غولدبيرغ، رأى ان الامر وصل الى تسخيف العقل ومعاندة الوقائع الصريحة، فذكره بأنه بعد العام 1979، بل قبل 1979 كذلك، كانت الفئة الأكثر تشددا في السعودية تأخذ أموال النفط، وتستخدمها من أجل تصدير الأيديولوجيا الوهابية، التي تعد الأكثر تعصباً وتطرفاً في الإسلام، والتي لا يمكن أن يُنظر إليها على أنها أيديولوجيا متوافقة مع فكر الإخوان.

رد محمد بن سلمان بأن انكر معرفته بشيء إسمه «الوهابية”!

فسأله الصحافي مذهولا: ماذا تقصد بأنك لا تعرف عنها شيئا؟ أنت ولي عهد المملكة السعودية. بالتأكيد أنك تعرف الوهابية.

 
أكاذيب ابن سلمان هل يصدقها العالم؟

وامام تجاهل الامير شرح غولدبيرغ معنى «الوهابية»: إنها حركة أسسها جدك بالمشاركة مع محمد بن عبدالوهاب في القرن الثامن عشر، وهي ذات طبيعة أصولية متطرفة وتفسير متشدد للسلفية، هو اصل الارهاب.

لم يكتف الأمير محمد بن سلمان بهذا الاسلوب المقزز، من انكار البديهيات والوقائع، بل راح يزور الحقائق، ويفتري على الواقع، نافيا كل ما يعرفه العالم ومنظماته السياسية والحقوقية والقانونية، من تمييز مذهبي مارسته العائلة السعودية الحاكمة بسيف الوهابية العنصرية، ضد كل اتباع الديانات والمذاهب الاسلامية طيلة عقود طويلة، ولا تزال، واقامت على اساس هذه العنصرية الدينية انظمتها وقوانينها ومحاكمها ومساجدها ومناهجها التعليمية.

وزعم محمد بن سلمان بأن ما لديه في السعودية مسلمون سُنّةً وكذلك مسلمون شِيعة. وليس هناك شيئ اسمه وهابية!

لم يزد محمد بن سلمان شيئا، ولم يقدم الدليل على ما يقول.. مما اعتبر ثغرة استدركها في مقابلته مع التايم. كان الغرض من نفي «الوهابية» كمسمى، هو الخشية من عزلها عن (الجسد السنّي) وأنها ليس فقط لا تمثل العالم السنّي، بل هي ليست جزءً منه، كما أقرّ بذلك العلماء المسلمون من كل بقاع العالم في مؤتمر لهم بالشيشان قبل أكثر من عام.

في لقائه مع مجلة التايم كان محمد بن سلمان اكثر راحة واستعدادا، فأعاد القول بأن: «لدينا أربع مدارس فكرية سنيّة، كما أن لدينا مدارس فكرية شيعية كثيرة، وهم يعيشون حياة طبيعية في السعودية. فهم يعيشون باعتبارهم سعوديين في السعودية». وهذا من الأكاذيب، حتى الأمثلة التي ضربها في هذا الشأن، من ان هناك عضواً شيعياً في مجلس الوزراء، وان مدير اكبر جامعة سعودية هو من الشيعة.

قضية التمييز الطائفي ضد الشيعة في السعودية ليست حالة جديدة، والعالم كله يعرفها، وهناك عشرات التقارير التي أصدرتها منظمات دولية وعربية وحتى وزارة الخارجية الأمريكية، تؤكد المرة تلو الأخرى على وجود تمييز طائفي منهجي ضد الشيعة منذ قيام الدولة الوهابية. والحقيقة ان التمييز يشمل الصوفية في الحجاز، والاسماعيلية في الجنوب، وكل أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى، لافتين الانتباه الى حقيقة ان اتباع نجد والوهابية يمثلون أقل من عشرين بالمائة من السكان فقط، لكنهم يسيطرون على كامل أجهزة الدولة ويستحوذون على منافعها، ويتولون مناصبها، ويقصون الاخرين عنها بحجج عنصرية وتكفيرية.

الاضطهاد الطائفي الوهابي لا يحتاج الى براهين لازدحامها وكثرتها. ما يتطلبه الامر هو مجرد استخدام محركات البحث على شبكة الانترنت، أو متابعة موضوع من الموضوعات الكثيرة، كأخبار السجون التي تعج بالمعتقلين الشيعة خصوصاً، بمن فيهم اطفال، ينتظرون تنفيذ أحكام الاعدام، لا لشيئ الا لانهم تظاهروا سلميا وطالبوا بإنصافهم، ووقف التمييز ضدهم، والغاء الاهانات والشتائم لابائهم واجدادهم، واتهامهم بالكفر والزندقة، من منابر الجمعة وفي الكتب المدرسية التي تفرض عليهم في مدارسهم.

فعن ماذا يتحدث ولي العهد، وهو حتى الان يرفض من خلال مجلس الشورى الذي يعينه والده، ان يصدر قانوناً يجرم التمييز الطائفي او الممارسات العنصرية ضد المذاهب الاخرى غير الوهابية.. بل ويرفض مجرد مناقشة الموضوع، رغم تكرار الدعوات منذ نحو خمسة عشر عاماً.

صناعة الوحش الوهابي واستخدامه
 
آل سعود يهاجمون الإخوان ويحملونهم أوزار الوهابية!

بعد الكثير من اللف والدوران، والاجابات الملتبسة، لم يجد الامير محمد بن سلمان بدا من الاعتراف، بأن مليارات الريالات السعودية تدفقت على الجماعات الارهابية، منذ ان كان اسامة بن لادن في الصومال والسودان الى حين انتقاله الى افغانستان، وقتاله بالاسلحة الاميركية الاحتلال السوفياتي والحكومة الموالية له في كابول.

ويقول ابن سلمان انه (عندما تتحدث عن التمويل، فلنتحدث عن الحرب الباردة. لقد انتشرت الشيوعية في كل مكان، مُهددةً الولايات المتحدة وأوروبا وكذلك نحن. ولقد عملنا مع أي شخص يمكن أن نستخدمه للتخلص من الشيوعية بنيّة حسنة. وكان من بين هؤلاء «الإخوان المسلمون». الذين تم تمويلهم في المملكة.. ومولتهم الولايات المتحدة الأميركية ايضاً).

ولا يعتبر ابن سلمان ذلك خطأً، بل هو يؤكد انه (لو عدنا بالزمن إلى الوراء، فسنقوم بالأمر نفسه). وبالفعل فقد عاد الزمن مرة اخرى بالنسبة للنظام السعودي، الذي تلقى الاوامر الاميركية لتجهيز كتائب الارهابيين من على منابر المساجد الوهابية في المملكة. عشرات الاف المساجد، ومئات الاف الدعاة والناشطين، يجهزون الاف الإرهابيين، ليخوضوا غمار الحرب في ليبيا وسوريا والعراق واليمن ولبنان، مسلحين بالعقيدة الوهابية ذاتها والمال السعودي.. لدرء الخطر الايراني هذه المرة، ومحاربة ولاية الفقيه ودولة الامام المنتظر، كما يعتقد محمد بن سلمان.

ويقول الامير السعودي: (حاولنا التحكم في حركاتهم وتقويمها. ولكن بعد ذلك جاء العام 1979؛ الذي فجَّر كل شيء. الثورة الإيرانية قامت بخلق نظام قائم على إيديولوجية الشر المحض. نظام لا يعمل من أجل الشعب، لكنه يخدم إيديولوجية متطرفة مُعينة).

وهكذا عاد الارهاب وتحت هذه الذريعة هذه المرة، بالدعم السعودي الذي عاث فسادا في المنطقة ووصلت شظاياه الى الولايات المتحدة.. ويؤكد له جيفري غولدبيرغ: (لقد قضيت أنا الكثير من الوقت في باكستان وأفغانستان في أواخر التسعينات، في أوائل العام 2000، وكان من المعروف أن المدارس الدينية كانت تحصل على المال من السعودية. يبدو أن ما تقوله هو أن الأمور خرجت عن سيطرة حكومتكم، او ان أُسرتكم، لم تُسيطر على الإنفاق والدعم الأيديولوجي، ثم عاد ذلك وألحق الضرر ليس بكم فحسب، بل بالأصدقاء والحلفاء كذلك). ويكمل غولدبيرغ: (مشروعكم الكبير، إن كنت قد فهمته بشكل صحيح، هو محاولة احتواء بعض الأمور التي أطلق لها بلدك العنان).

فأجاب الأمير ان (من فعل ذلك هو السعوديون والاميركيون على السواء. وذلك هو ما حتمت فعله المصلحة ليس لنا فحسب، بل لشركائنا أيضاً ومنهم أميركا التي تعلم ذلك).

اليمن يخرج الأمير عن طوره!

ينتقل غولدبيرغ الى موضوع اخر ويسأله: (بالحديث عن القرارات المؤلمة، هل تجعلون وضع اليمن أسوأ من خلال الأعمال العسكرية التي تتسبب في الكوارث الإنسانية؟ هُنالك الكثير من الانتقاد المُبرر لحملات القصف التي تقومون بها).

الغريب ان الأمير محمد بن سلمان لا ينفي الاثار الاجرامية الكارثية للعدوان، ولكنه يحاول تبريره بالظروف القاهرة، ولا يركز على الحوثيين، ولا على الدور الايراني كما يفعل اعلامه المحلي، بل يضيف الى ما يسميه الانقلاب الذي بدأ في العام 2014 حسب قوله، محاربة تنظيم «القاعدة» الارهابي الذي استخدم هذه الخطوة لمصلحته الخاصة والترويج لأفكاره، بعد ان عاد هؤلاء من سورية والعراق، ثم بدأوا في خلق ملاذ في اليمن.

وبصرف النظر عن التضليل، وعدم صحة المعلومات، التي أوردها، اذ ان ارهابيي القاعدة في اليمن موجودون قبل احداث سوريا، وهم ممن جمعهم النظام السعودي، ودفع كلفة ايوائهم للنظام السابق وخصوصا لعلي محسن الاحمر، وهو ما تعلمه الولايات المتحدة، وقامت باستهدافهم في اليمن لسنوات خلت.. بصرف النظر عن ذلك، فإنه لسبب ما، لم يجد محمد بن سلمان ان حجة التدخل الايراني كافية لتبرير عدوانه.

ولأن ذريعة القاعدة لا تبرر هذا العنف الوحشي، وتدمير البنية التحتية بالكامل في اليمن، وارتكاب مئات المجازر ضد المدنيين، وتهجير منظمات الاغاثة باستهداف مراكزها ومستشفياتها، وفرض حصار ظالم على اكثر من خمسة وعشرين مليون يمني.. فقد اقر ولي العهد السعودي بأن ما يجري سيء وجريمة.. واضاف: (ما أريد قوله هنا، لجعل الأمر بسيطاً، هو أنه في بعض الأحيان في الشرق الأوسط، لا يكون لديك قرارات جيدة وقرارات سيئة. في بعض الأحيان يكون لديك قرارات سيئة وقرارات أسوأ. في بعض الأحيان يتعين علينا اختيار الخيار السيئ).

كان ذلك قبل ان ينفجر الأمير في وجه محدثه غاضبا مرتبكا: (نحن لا نريد المجيء إلى هنا، بصفتنا المملكة السعودية، لتُطرح علينا هذه الأسئلة. نريد أن تُطرح علينا أسئلة عن الاقتصاد وعن شراكاتنا وعن الاستثمار في أميركا، والتنمية في السعودية. نحن لا نريد أن نقضي حياتنا في النقاش حول اليمن. هنا لا يتعلق الأمر بمسألة الاختيار. بل يتعلق بمسألة الأمن والحياة بالنسبة لنا).

خاتمة

لا شك ان المسألة الاخطر التي تطرق اليها محمد بن سلمان هي ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، والتي اضاءت على الكثير من الخفايا في السياسة السعودية، التي تكاد تكون نسخة طبق الاصل عن السياسة الاسرائيلية، سواء من حيث الاهداف او اساليب العمل، والتعامل مع ضحايا العدوان في اليمن وفلسطين.

برأي مراقبين فإن هذا التماثل والتطابق في وجهات النظر الاسرائيلية والسعودية ليس مجرد توارد افكار، كما ان القول بأن خوفهما من “العدو” الايراني المشترك يجمعهما، لا يكفي لتفسير تبنيهما سياسات واحدة تجاه مختلف القضايا في المنطقة.. اذ ان كل ما يجمع بين اسرائيل وحلفائها من الدول الأوروبية، ليس كافيا لقيام تطابق كل في سياساتهما تجاه جميع القضايا.. وحتى الحلفاء في اي مكان لا يجمع بينهما ما يجمع اليوم بين محمد بن سلمان وبنيامين نتنياهو.. فالموقف السعودي يعكس وجهة النظر الاسرائيلية تجاه كل قضايا المنطقة، بما فيها تلك التي لا علاقة لايران بها.. بل ان النظام السعودي يتأهب ليكون شريكا فاعلا في صفقة القرن التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وهو ما تتهيب الدخول فيه اكثر القيادات الفلسطينية انبطاحا واستسلاما، وما تحاول ان تنأى بنفسها عنه جميع الدول العربية، بما فيها تلك التي وقعت اتفاقيات سلام مع اسرائيل.

وعلى الرغم من كل اساليب التضليل والتمويه التي يتبعها النظام السعودي، فإن حقيقة موقفه لم تعد خافية، على الشعب الفلسطيني قبل قياداته، وحيث صارت صورة الملك سلمان وابنه تحرق الى جانب العلم السعودي والعلم الاسرائيلي وصور بنيامين نتنياهو في المظاهرات الفلسطينية الغاضبة تنديدا بالاحتلال، والسياسات الاميركية التصفوية، التي باتت تهدد هوية القدس، وحق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين.

الصفحة السابقة