لقاء ابن سلمان مع غولدبرغ

حين يتكلّم أمير الجهل!

عبدالحميد قدس

حسناً فعل جيفري جولدبرغ المقرّب من اسرائيل، ومدير تحرير مجلة (ذي اتلانتيك) حين اختار عنواناً صادماً لمقابلته مع ابن سلمان، أي بتوصيف مرشد الجمهورية الايرانية بهتلر. ولكن ما يلفت الانتباه أكثر هو رابط المقابلة على موقع المجلة، الذي وضع فيه ثنائية: إيران واسرائيل، لتنشق عنهما فوارق في السياسة والايديولوجيا والجيواستراتيجيا والتاريخ.

بدا ابن سلمان كطالب بليد في مواد كثيرة، ولعل الأبرز منها مادة التاريخ، التي أخفق في الاجابة على جميع اسئلتها تقريباً.

هو لا يتعمّد تقديم إجابات خاطئة، بل هي حصيلة المعرفة التاريخية الشحيحة.

هو لا يعرف أشياء كثيرة، والعشوائية في الاجابات لا تنم عن مجرد خلو الذاكرة من «العلم النافع»، لأنه يعدم معلومات صحيحة.

وحين يقدّم ابن سلمان رواية عن التاريخ، فإنها لا تتحول الى «رواية أخرى»، بل تنقلب الى «لا رواية»، لأننا لسنا أمام تفسير آخر للوقائع التاريخية، بل نحن أمام «لا وقائع» في مقابل «وقائع»، وليس «رواية» مقابل «رواية أخرى».

من غولدبرغ البداية
 
جيفري غولدبيرغ

لنبدأ بهوية غولدبرغ الذي اختار عنواناً لافتاً لمقابلته، وهي تشبيه هتلر بالمرشد الايراني الخامنئي، برغم من أنها ليست المرة الاولى التي يعتمد ابن سلمان هذا التشبيه. الغريب ان العنوان ليس متطابقاً مع رابط المقابلة، التي جمع فيها السعودية واسرائيل وايران، وكأنه يقول بأن ثمة جبهة موحّدة تجمع السعودية واسرائيل في مقابلة جبهة ايران.

حسناً لا مشاحة في الروابط، كما لا مشاحة في الأسماء، ولكن جولدبرغ ليس صحافياً عادياً، وليس محايداً على الإطلاق، فهو اليهودي الايرلندي الذي غادر الولايات المتحدة الى الكيان الاسرائيلي وكان في سن الثالثة عشرة، وأصبح مفتوناً بحب الكيان، وخدم في قوات الحرب الاسرائيلية كحارس للسجن خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى في سجن كتسيعوت، وهو معسكر اعتقال أقيم لاحتجاز المشاركين الفلسطينيين في الانتفاضة.

عمل جولدبرغ مراسلاً لصحيفة (واشنطن بوست) من الكيان الاسرائيلي، وعمل ككاتب عمود في صحيفة (جيروزاليم بوست)، وشغل بعد عودته الى الولايات المتحدة في منصب محرر مساهم في مجلة (نيويوركر)، واستقر به المقام في مجلة (ذي اتلانتيك) في العام 2007 والتي أصبح مدير تحريرها.

وصفه ديفيد روثكوبف، الرئيس التنفيذي ورئيس تحرير مجموعة فورين بوليسي بأنه «من المحافظين الجدد، وهو ليبرالي، صهيوني».

كان جولدبرغ يحرّض يهود أوروبا على الهجرة الى فلسطين المحتلة، بحجة انبعاث معاداة السامية والهجمات ضد اليهود.

في أكتوبر 2002 نشر جيفري جولدبرغ في مجلة (ذي نيويوركر) تقريراً مطوّلاً من جزئين حول زيارته الى لبنان، بهدف استطلاع واقع حزب الله في لبنان ونشاطاته، وأماكن انتشاره، ومراكزه، وكل ما يمت اليه بصلة. واختار عنواناً مثيراً: «هل يستعد الارهابيون في لبنان لحرب أكبر؟».

بدأ رحلته من قرية رأس العين في وادي البقاع، وهي قرية خاضعة لسيطرة مشتركة بين الجيش السوري وحزب الله. كان الغرض من الزيارة مقابلة حسين الموسوي، المقرّب من حزب الله، والمؤسس لجماعة منشقة عن حركة أمل. ويعتقد بأن هناك كان يتم احتجاز الجاسوس الاميركي ويليام باكلي، رئيس فرع السي آي أيه في بيروت، قبل مقتله في العام 1985.

كان مهتماً بالحصول على معلومات عن القادة العسكريين في حزب الله المطلوبين أميركياً مثل عماد مغنية، ومصطفى بدر الدين وغيرهما. الطريف أنه سأل رئيس الوزراء اللبناني حينذاك رفيق الحريري عن عماد مغنية، فغضب الحريري من طلب المساعدة في العثور على مغنية ومن معه، وقال له: «إنهم ليسوا هنا، لقد أخبرت الأمريكيين مائة مرة، إنهم ليسوا هنا!».

يروي جولدبرغ تفاصيل عن مراكز حزب الله، ويصف المبنى الذي يقطنه أحد مسؤولي الحزب بقوله: «يقع مكتبه في طابق منخفض من مبنى سكني في الضاحية الجنوبية لبيروت..» ويضيف: «لدى حزب الله خمسة مكاتب رئيسية هناك، وكلها في مبانٍ سكنية، مما يساعد على خلق درع بين البيروقراطية والطائرات المقاتلة الإسرائيلية والقاذفات التي تطير بشكل دوري فوقها».

كان جولدبرغ مسكوناً بقياس مشاعر الكراهية ضد الكيان الاسرائيلي وسط جمهور حزب الله، وكأنه يقرأ حرباً مستقبلية.. هو لا يفصل بين اسرائيل والولايات المتحدة حين يتحدّث عن حزب الله، برغم من أن الأخير فصل على الاقل منذ ما قبل السنة التي زار فيها جولدبرغ لبنان بين امريكا بما هي شعب وحضارة، وبين اسرائيل الكيان المصطنع.

في الجزء الثاني من تقريره المطوّل، أسّس جولدبرغ لخرافة تسللت الى الاعلام الغربي منذاك وأصبحت بمثابة الحقيقة، وهي ضلوع حزب الله في تجارة المخدرات ولاسيما في أمريكا اللاتينية (باراغواي، الارجنتين، البرازيل)، وهي خرافة لا تزال تستحضر في التقارير الاعلامية حول الحزب.

مقابلة ابن سلمان

اما مقالة جولدبرغ عن محمد بن سلمان، فهي تتطلب اضاءة حذرة، فهو يتقن فن الترويج كما يتقن فن التزوير، والدعاية السوداء.

بدأ مقالته بنتيجة تقول أن محمد بن سلمان بتوجهه الاصلاحي صنع جحفلاً من الأعداء. ولكنه اختار صنفاً محدّداً من الاعداء: قادة داعش، والقاعدة، وحزب الله، وحماس، بالإضافة إلى المتمردين الحوثيين في اليمن، والقيادة الدينية والعسكرية لجمهورية إيران الإسلامية.

يرى جولدبرغ بأن ابن سلمان محمي بشكل جيد، ولا يبدو قلقاً من التهديدات القاتلة. ما يعنيه ليس اصلاحاته الاجتماعية، فتلك أمور داخلية تخص الشعب، ولكنه معني بانتزاع مواقف داعمة للكيان الاسرائيلي، وقد حصل جولدبرغ عليها، بل سجّل فتحاً صحفياً في هذا الصدد، إذ أعطى ابن سلمان موقفاً يوازي موقف بلفور، وحسب قوله: «أخبرني أنه يعترف بحق الشعب اليهودي في أن يكون له دولة قومية خاصة به إلى جانب دولة فلسطينية». ويعلّق: «لم يعترف أي زعيم عربي بهذا الحق».

في كل الاسئلة التي طرحها جولدبرغ على ابن سلمان، ثمة حضور لسؤال اسرائيل في كل جولاته، الى جانب ـ بطبيعة الحال ـ التحريض على ايران. هو يعترف بذلك بقوله: «حاولت أن أركز مع الأمير محمد على بعض المشاكل الأكثر تحدياً في هذه اللحظة، بما في ذلك الحرب الباردة مع إيران.. علاقة السعودية مع إسرائيل والفلسطينيين». استثنى ملف الفساد وبرّر ذلك: «يعود ذلك جزئياً إلى أنه مفهوم يصعب تحديده في بلد ينسب لأسرته الحاكمة». ثم يذكر ما ورد في الصحف الاميركية حول شراء يخت «يُزعم أن قيمته نصف مليار دولار». ونقل ما قاله ابن سلمان لسي بي إس: «إن حياتي الشخصية هي شيء أود أن أحتفظ بها لنفسي ولا أحاول جذب الانتباه إليها.. وبالنسبة لنفقاتي الخاصة، فأنا شخص غني ولست شخصاً فقيراً. أنا لست غاندي أو مانديلا».

 
مقابلة ابن سلمان بالصهيوني غولدبيرغ في (ذا اتلانتك).

يقول جولدبرغ: «يتجنّب الأمير محمد الأسئلة التي لا يحبها، لكنه لا يزال مباشراً بشكل غير عادي بالنسبة إلى زعيم سعودي». ثم أطراه بطريقة حاذقة وقال بأنه من «جيل جديد ملكي محبط من قبل أقارب لا يفعلون شيئاً، وسياسات قبلية رجعية وخوفاً من التطرف الشيعي والسني».

حسناً، لا يخطر على بال جولدبرغ مناقشة فضلاً عن نقد الأنظمة الملكية المستبدة والشمولية ولا التطرّف الديني الوهابي، ويختار عبارات غائمة وغامضة. بل يذهب الى المقارنة بين النظامين الملكيين الاردني والسعودي ويقول بأن: «أحد الاختلافات هو أن المملكة السعودية هي محور الشرق الأوسط، والأردن ليس كذلك، وإذا حقّق الأمير محمد فعلياً ما يقول إنه يريد تحقيقه، فإن الشرق الأوسط سيكون مكاناً مختلفاً).

كان ابن سلمان الشخص المتصالح مع جولدبرغ في مواقفه، فقد قسّم الشرق الأوسط الى معسكرين متحاربين: معسكر أسماه «مثلث الشر»، ويتألف من إيران، والإخوان المسلمين، والجماعات السنية الإرهابية. والآخر: التحالف من الدول المعتدلة ـ كما وصفت نفسها، وتشمل الأردن، ومصر، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، وعمان.

هو تقسيم لا يختلف عن تقسيم جولدبرغ نفسه الذي يجد في ابن سلمان الشخص الذي يمكن من خلاله تمرير أفكاره أو انتزاع المواقف التي يشاء. الفارق أن جولدبرغ أخرج كل الشرور الكامنة في داخل ابن سلمان، منها إعادة تكرار تشبيه المرشد الاعلى علي الخامنئي بالزعيم الالماني أدولف هتلر، وهذا توصيف يلقى صدى لليهود والصهاينة أيضاً على أساس ما فعله هتلر من محارق لليهود.

يكشف جولدبرغ أن اللهجة التصعيدية التي طبعت إجابات ابن سلمان حيال ايران تلاشت تماماً حين السؤال عن الكيان الاسرائيلي، وبحسب قوله: «وهي ـ أي اسرائيل ـ دولة لا يتحدث الأمير محمد عنها كلمة سيئة». ويضيف: «في الواقع، عندما سألته ما إذا كان يعتقد أن الشعب اليهودي له حق في دولة قومية في جزء من موطن أجداده على الأقل، قال: «أعتقد أن لكل شعب، في أي مكان، الحق في العيش في سلام». وأضاف»أعتقد أن الفلسطينيين والإسرائيليين لهم الحق في امتلاك أرضهم الخاصة». وينقل جولدبرغ عن المبعوث الأمريكي السابق دينيس روس، وهو مهندس كثير من المؤامرات في الشرق الأوسط، قوله أنه: «تحدث مع القادة العرب المعتدلين عن حقيقة وجود إسرائيل، لكنهم لم يعترفوا بأي نوع من «الحق» لليهودية بأنها كانت أرض الأجداد، وهذا خطً أحمر لم يعبّر عنه أي زعيم حتى الآن». حتى جاء ابن سلمان وأعطى المحتل الاسرائيلي الحق في احتلال فلسطين المحتلة.

أغدق ابن سلمان على جولدبرغ من المواقف المجانية مالا يتخيّله أشد الصهاينة تطرّفاً. وأسرف في الكذب حتى أصبح لزاماً التحقق من إكماله المرحلة الثانوية.

المشجبان الإيراني والإخواني!

يربط ابن سلمان كل ما جرى من ويلات على المجتمع، وحتى القيود المفروضة على النساء، بالثورة الايرانية. يقول: «قبل العام 1979 كان هناك عادات ووصاية مجتمعية، لكن لم تكن هناك قوانين وصاية في المملكة السعودية»، مشيراً إلى سنة مفصلية في التاريخ السعودي، حيث الثورة الإيرانية، وحصار المسجد الحرام في مكة من قبل الجماعة السلفية المحتسبة بقيادة جهيمان العتيبي، وأن ذلك تسبب في رد فعل متحفظ في المملكة.

هو لا يعارض النظام الايراني من منطلق سياسي، بل هو يصدر عن موقف مذهبي متشدّد. فحين يقول بأن النظام الايراني يريد نشر ايديولوجيته المتطرفة ثم يضيف توضيحاً: «إيديولوجيته الشيعية المتطرفة. إنه يعتقد أنه إذا نشرها، سيعود الإمام الغائب وسيحكم العالم كله من إيران وينشر الإسلام حتى إلى أمريكا».

هنا لا نكون أمام موقف سياسي، بل موقف عقدي يمس المواطنين الشيعة في المملكة، لأنهم أيضاً معنيون بهذه الايديولوجية التي يسميها بالمتطرفة وبمشروعها الكوني، بحسب تصويره لها.

حين سأله غولدبرغ عن سبب المشكلة مع ايران وهل هي دينية، نفى ذلك: وقال أن الشيعة يعيشون بصورة طبيعية في المملكة السعودية، وأضاف: «ليس لدينا مشكلة مع الشيعة. لدينا مشكلة مع إيديولوجية النظام الإيراني. مشكلتنا هي أننا لا نعتقد أن لديهم الحق في التدخل في شؤوننا». وهذا قفز على الواقع؛ إذ إن التقارير الحقوقية بما في ذلك التي تصدر عن وزارتي الخارجية الاميركية والبريطانية، وتقارير المنظمات الدولية مثل العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش جميعاً.. تتحدث عن سياسة تمييز طائفي مفروضة على الشيعة منذ الاعلان عن قيام المملكة السعودية العام 1932، فكيف ليس هناك مشكلة مع الشيعة؟ وكيف لا تكون إيديولوجية وقبل قليل كان يتحدث عن الايديولوجية الشيعية المتطرّفة، وعقيدة المهدوية وغزو العالم؟ّ

في المقابل، حين يُسأل إبن سلمان عن توظيف أموال النفط قبل العام 1979 وما بعدها في نشر الإيديولوجية الوهابية، فإنه يلجأ الى الانكار التام، إذ نفى أن يكون هناك شيء إسمه الوهابية، وطالب السائل تعريفها له: «نحن لسنا على دراية بها. نحن لا نعرف عن ذلك». فاحتار غولدبيرغ وقال: «ماذا تقصد أنك لا تعرفها؟». فردّ ابن سلمان بسؤال: ما هي الوهابية؟ فأجابه غولدبرغ: «أنت ولي عهد المملكة السعودية، أنت تعرف ما هي الوهابية». فرد ابن سلمان: لا أحد يستطيع تحديد هذه الوهابية.. فاضطر غولدبرغ الى تعريفها له: «إنها حركة أسّسها ابن عبد الوهاب في القرن الثامن عشر الميلادي، ذات طبيعة أصولية متطرفة، وتفسير متشدد على النمط السلفي». فعلّق ابن سلمان:

«لا أحد يستطيع تحديد الوهابية، لا توجد وهابية، نحن لا نعتقد أن لدينا وهابية. نعتقد أن لدينا، في المملكة السعودية، سنّة وشيعة. نعتقد أن لدينا داخل الإسلام السني أربع مدارس فكرية، ولدينا العلماء [السلطة الدينية] ولجنة الافتاء [التي تصدر أحكاماً دينية]. نعم، في المملكة السعودية من الواضح أن قوانيننا مستمدة من الإسلام والقرآن، لكن لدينا أربع مدارس - حنبلي، حنفي، شافعي، المالكي- ولديهم تفسيرهم الخاص.

 
غولدبيرغ مروّج أكاذيب صهيونية

أول دولة سعودية، لماذا تمّ تأسيسها؟ بعد النبي محمد والخلفاء الأربعة الأوائل، عاد شعب شبه الجزيرة العربية ليقاتل بعضه البعض كما فعل منذ آلاف السنين. لكن عائلتنا، قبل 600 سنة، أنشأت مدينة من الصفر تسمى الدرعية، ومع هذه المدينة جاءت الدولة السعودية الأولى. أصبح الجزء الاقتصادي الأقوى في شبه الجزيرة. لقد ساعدوا في تغيير الواقع. معظم المدن الأخرى، تقاتلت على التجارة، واختطفت التجارة، ولكن عائلتنا قالت إلى قبيلتين أخريين، «بدلاً من مهاجمة طرق التجارة، لماذا لا نوظفكم كحراس لهذه المنطقة؟» لذلك نمت التجارة، والمدينة نمت. هذه كانت الطريقة. بعد ثلاثمائة سنة، هذا لا يزال الطريق. كانت الفكرة دوماً هي أنك تحتاج إلى جميع العقول العظيمة في شبه الجزيرة العربية - الجنرالات، وقادة القبائل، والعلماء - الذين يعملون معك. أحدهم كان محمد بن عبد الوهاب. مشروعنا قائم على الناس، على المصالح الاقتصادية، وليس على المصالح الإيديولوجية التوسعية. بالطبع لدينا أشياء مشتركة. جميعنا مسلمون، جميعنا يتحدث العربية، وكلنا لدينا نفس الثقافة ونفس الاهتمام. عندما يتحدث الناس عن الوهابية، فهم لا يعرفون بالضبط ما الذي يتحدثون عنه. عائلة عبد الوهاب، عائلة الشيخ، معروفة اليوم، لكن هناك عشرات الآلاف من العائلات المهمة في المملكة السعودية اليوم. وستجد شيعي في مجلس الوزراء، وستجد شيعة في الحكومة، وأهم جامعة في السعودية يرأسها شيعي. لذا فنحن نعتقد أننا خليط من المدارس والطوائف الإسلامية».

إنها سردية فريدة من نوعها يقدّمها ابن سلمان، ليس حول تاريخ عائلته المزور، ولا تاريخ الجزيرة العربية، ولكن حول واقع الدولة السعودية، وكيف نشأت وما هي العوامل المؤسسة لها، والنمط العلائقي الذي ساد منذ ما قبل نشأة الدولة السعودية الاولى وما بعدها، ودور الايديولوجيا وليس مجرد المصالح التجارية كناظم للعلاقة، وخصوصاً في أصل نشأة التحالف التاريخي بين آل سعود وآل الشيخ والمؤسس للدولة السعودية عبر أطوارها الثلاثة.

أما وجود وزير شيعي، أو مشاركة الشيعة في الحكومة، أو أن شيعياً يرأس أكبر جامعة سعودية، فتلك أكاذيب أبريل يجوز فيها ما لايجوز في غيره من الشهور، فلم يتول قط شيعي منصباً وزارياً منذ اعلان المملكة سنة 1932 ولا حتى نائب وزير او وكيل وزارة وليس هناك مشاركة شيعية في الحكومة على الإطلاق، ورئيس الجامعة المزعوم هو منتدب مؤقت لمرحلة التأسيس وليس مديراً ثابتاً.

وحين سئل ابن سلمان عن تمويل المتطرّفين قبل العام 1979، أجاب ابن سلمان بطريقة تنضح غباءً، فبدلاً من مجرد الاقرار بتمويل المتطرّفين، زاد عليها ارتهان القرار السعودي للولايات المتحدة، التي كانت تأمر فيطيع آل سعود ويدفعوا الاموال. يقول ابن سلمان:

«عندما تتحدث عن التمويل قبل العام 1979، فأنت تتحدث عن الحرب الباردة. لقد انتشرت الشيوعية في كل مكان، مهدّدة الولايات المتحدة وأوروبا وكذلك نحن. تحولت مصر في ذلك الوقت إلى هذا النوع من النظام (يقصد الشيوعي!). لقد عملنا مع أي شخص يمكن أن نستخدمه للتخلص من الشيوعية. وكان من بين هؤلاء الإخوان المسلمين. قمنا بتمويلهم في المملكة السعودية. وقد موّلتهم الولايات المتحدة الأمريكية».

وحين سئل هل كان ذلك خطئاً؟ أجاب ابن سلمان: «إذا عدنا في الزمن، سنفعل الشيء نفسه. سوف نستخدم هؤلاء الناس مرة أخرى. لأننا كنا نواجه خطرًا أكبر - التخلص من الشيوعية». ماذا يعني ذلك؟ ببساطة إن شيطنة الاخوان المسلمين لا مبرر له الا أن تكون انتهازية ولا مبدئية من النظام السعودي.

نتوقف هنا عند كذبة فاضحة وضعها ابن سلمان في سياق شيطنة الاخوان المسلمين، فهو من جهة أوحى بأن بلاده آوت ونصرت الجماعة، مع أنه ثبّت معلومة أكيدة أن السعودية وظّفت الاخوان المسلمين في حربها ليس ضد الشيوعية، والتي جاءت عقب زيارة الملك سعود الى واشنطن ولقاء ايزنهاور حيث تمّ الاتفاق على خطة التخلّص من عبد الناصر عن طريق تصميم مشروع إسلامي مناهض للقومية العربية. ثم لقاء سعيد رمضان القيادي الاخواني المقيم في سويسرا مع ايزنهاور في العام 1953 وتمّ الاتفاق على منهاهضة الشيوعية. يعلّق ابن سلمان: «هذا ما أرادت أميركا منا أن نفعله». ثم يروي حادثة عجيبة لم تقع على الاطلاق:

«كان لدينا ملك دفع ثمن حياته في مواجهة هؤلاء الناس، الملك فيصل، أحد أعظم ملوك المملكة». إن تحميل الاخوان المسلمين مسؤولية قتل فيصل من العجائب، برغم من معرفة القاصي والداني ومن كان شاهداً في مجلس فيصل على قتله (وزير النفط الكويتي عبد المطلب الكاظمي، ووزير النفط السعودي الشيخ أحمد زكي يماني) بسلاح ابن أخيه فيصل بن مساعد، الذي أعدم بتهمة قتل الملك فيصل.

سوف نتجاوز عن رؤيته حول الحرب مع ايران وتوقعاته في السنوات القادمة، وحتى كلامه عن العدوان على اليمن وردوده على الانتقادات حول الكوارث الانسانية التي تسبب بها بسبب رعونة السياسة السعودية، لأن الاجابات التي يقدّمها متهافتة، وذات طابع بهلواني وغير حقيقي. وحتى الكلام عن المساواة بين الرجل والمرأة، فما قاله ابن سلمان هي تخاريف وفرقعات اعلامية فارغة، بلا مضمون حقيقي.

اللافت هو ما قاله عن حق اليهود في إقامة دولة لهم في فلسطين المحتلة. وقد بنى على هذا الموقف تشكيلة من الأكاذيب والافتئات على تاريخ الرسول صلى الله عليه وآله. كقوله: «ليس لدى بلدنا مشكلة مع اليهود. نبينا محمد تزوج امرأة يهودية. ليس كصديق فقط - تزوجها. نبيّنا، جيرانه كانوا يهوداً. ستجد الكثير من اليهود في المملكة السعودية قادمين من أمريكا، ومن أوروبا..».

حين وضعه غولدبرغ أمام مقارنة بين ايران واسرائيل وأيهما أقرب اليه، وأيهما سوف يختار: «هل يمكن أن تتخيل وضعاً يكون فيه لديك مصالح مشتركة مع إسرائيل؟» أجاب ابن سلمان: «إسرائيل اقتصاد كبير مقارنة بحجمها وهو اقتصاد متنام، وبالطبع هناك الكثير من المصالح التي نتقاسمها مع إسرائيل». ربط ذلك بالسلام «سيكون هناك الكثير من المصالح بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي ودول مثل مصر والأردن».

الطريف والباعث على الشفقة، أن ابن سلمان حين يُسأل عن دور الحرية في الابداع، وأن المملكة بسبب سجلها البائس في مجال حقوق الانسان لا يمكن أن تكون مكاناً للاعمال الإبداعية، أجاب بطريقة مثيرة للشفقة:

(في المملكة السعودية يمكنك القيام بكل ما تريد القيام به من الأعمال التجارية، في أي مجال عمل وأي نوع من المشاريع الذي ترغب في تطويره. أيضاً، هناك معيار مختلف لحرية التعبير. في المملكة السعودية لدينا ثلاثة خطوط حمر فقط - يمكن لأي شخص أن يكتب ما يريد أن يكتبه، ويتحدث عما يريد أن يتحدث عنه، ولكن لا يجب أن يصل إلى هذه الخطوط الثلاثة. هذا لا يعتمد على مصلحة الحكومة، ولكن على مصلحة الناس. الخط الأول هو الإسلام. لا يمكنك تشويه سمعة الإسلام. الخط الثاني - في أمريكا، يمكنك مهاجمة شخص وشركته أو وزير ووزارته. في المملكة السعودية لا بأس من مهاجمة وزارة أو شركة، ولكن ثقافة السعوديين، لا يحبّون مهاجمة شخص ما، ويودون ترك القضية الشخصية للخروج منه. هذا جزء من الثقافة السعودية. والخط الثالث هو الأمن القومي. نحن في منطقة لا تحيط بها المكسيك وكندا والمحيط الأطلسي والمحيط الهادئ. لدينا داعش والقاعدة وحماس وحزب الله والنظام الإيراني، وحتى القراصنة. لدينا قراصنة يخطفون السفن. أي شيء يمس الأمن القومي، لا يمكننا المخاطرة في المملكة السعودية. لا نريد أن نرى الأشياء التي تحدث في العراق تحدث في المملكة السعودية. ماعدا ذلك، يتمتع الناس بحرية القيام بكل ما يريدون القيام به. على سبيل المثال، لم نحظر Twitter أو اختراق وسائل الاتصال الاجتماعي تويتر، فيسبوك، سناب شات وغيرها وهي مفتوحة لجميع السعوديين. لدينا أعلى نسبة من الناس حول العالم باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي. في إيران يحجبون وسائل التواصل الاجتماعي وفي البلدان الأخرى يفعلون ذلك. يتمتع السعوديون بحرية الوصول إلى أي وسيلة إعلام في جميع أنحاء العالم).

أقل ما يقال عن المقابلة أنها «فضيحة»، واشتملت على مواقف مجانية حاول ابن سلمان بيعها على اللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة من أجل مراكمة دعم لمشروعه الوحيد وهو الوصول الى العرش. وهو على استعداد لفعل ما هو أكثر من ذلك إن تطلب «العرش».

الصفحة السابقة