مملكة البلوت

أقامت هيئة الرياضة بطولة الورق.

ومع انها بطولة عالمية، إلا ان المشاركين انحصروا في السعوديين، حيث شارك نحو اثنا عشر ألف شخص، وهو رقم هائل جداً.

وما أثارته هيئة الرياضة بشأن بطولة البلوت، أمران:

الأول له علاقة بحلّية اللعبة، حيث اعتبر مشايخ الوهابية الرسميين حرمتها، سواء كان المال حاضراً فتصبح جزءً من القمار، او بدون جوائز او مال، فهي حرام أيضاً لأنها برأيهم تجرّ الى القمار. وما قامت به هيئة الرياض، هو انقلاب على رأي المؤسسة الدينية الرسمية وفتاوى مشايخها، وما أكثر الفتاوى التي يضرب بها ال سعود عرض الحائط إن أرادوا.

الثاني، له علاقة بحضور إمام الحرم المكي السابق، الشيخ عادل الكلباني، حفل الإفتتاح، ومشاركته اللعب وتوزيع الورق، ثم قيامه خطيباً ناصحاً للجمهور بأن لا تثير اللعبة ضغائنهم.

التساؤل الذي طرحه الكثيرون ـ بعيداً عن حلّية اللعبة من حرمتها ـ هو: هل يليق بشيخ، وإمام حرم مكي سابق، أن يهبط الى هذا المستوى؟! واعتبر الكثيرون الصور التي ظهر بها الشيخ الكلباني صادمة لجمهوره، وخادشة لشخصه، كما أنها تمثّل تحدياً لأعضاء هيئة كبار العلماء الذين جزموا بالتحريم، في كثير من فتاواهم.

كتب الشيخ الكلباني مقالة في جريدة الرياض مدافعاً عن موقفه من الناحية الفقهية. وحين علّق أحدهم: (طحْتْ من عيني/ أي سقطت). رد الكلباني: (أبركها من ساعة). وحسب رأي الكلباني فإن (المجتمع الذي يرى الضحك نذير شؤم، فيتعوّذ بالله منه، لا بدّ أن يقاوم الفرح ويحرّم الإستجمام). وانبرى الداعية خضر بن سند، فدافع عن الكلباني موضحاً ان الأصل في الألعاب والترويح عن النفس الجواز، ولا ينبغي التحريم الا بدليل قاطع.

لكن كثيراً من المعلقين وهم يشاهدون صورة الكلباني وهو يلعب الورق، سخروا منه ومن النظام. فالمعارض الساخر غانم الدوسري علق على الصورة: (راحت فيها إيران! تسريب صورة لعلماء سعوديين أثناء تخصيبهم لليورانيوم)! وزاد: (هذا جزء من استعدادات الدب الداشر لخوض الحرب مع ايران بعد عشر سنوات).

وعلق آخر: (عادل الكلباني من إمامة الحرم الى إمامة البلوت. إنها الوهابية بحلّتها الجديدة). وموقع شؤون عربية علق ساخراً: (الكلباني في دورة البلوت وفق الضوابط الشرعية). ووصف أحدهم الكلباني بالسفيه الذي (يشرّع القمار في أرض رسول الله)؛ وأضاف: (هذا مصير من يَكِلُ وعيه ودينه لشرذمة من المرتزقة وعبيد الحاكم). وشرح معترض رأيه فقال: (عندما يكون شيخ الدين دُمية تحركه أيدي الحاكم، ويفتي بالتحليل والتحريم كيفما أراد مليكه، فإننا نتحدث عن الوهابية).

في المقابل، فإن الداعية عبدالعزيز الموسى ضرب من تحت الحزام، ليسجّل موقفاً سياسياً لصالح النظام، فقال: (الله على أيام الصحوة. كان البلوت فيها قمار. واليوم المشايخ يوزّعون الورق. دنيا غَبْرَةْ، وبَخْتْ مايل يا صحَوي).

أما الإعلامي عبدالرحمن الراشد، مدير قناة العربية السابق، فأدهشه الإقبال الجماهيري الهائل على لعبة البلوت، واستنتج ان المجتمع السعودي (حيوي)، وانه عاش مغلقاً عليه في الاستراحات او الهروب الى الحياة الى الخارج. ايضاً الكاتب وائل القاسم، لاحظ التفاعل الكبير مع بطولة البلوت رغم صدور فتاوى تحرمها واستنتج (أن الشعب لم يعد يلتفت للفتاوى المصادمة للحياة، وأن طوفان التغيير والوعي المتصاعد، سيحجر المتنطّعين في زوايا ضيّقة). ومثلهما تركي الحمد الذي قال ان الاقبال الجماهيري على البلوت، دون اكتراث بفتاوى من حرّمها، كما حُرّمت الشطرنج من قبل وكل أنواع الترفيه، يؤكد من وجهة نظره على (انه ليس كل فتوى معبّرة عن موقف الدين الحقيقي).

واعتبر الإعلامي راجح الحارثي مشاركة الشيخ الكلباني في لعبة البلوت (خطوة جريئة). والصحفي صالح الفهيد لاحظ أن الشيخ بحضوره مركز العاب البلوت، اصبح النجم، وخطف الأضواء من نجوم الكرة السابقين، وصورته وهو يوزّع الورق لم تكن صورة عادية، وهي محمّلة بالدلالات لمن يريد أن يقرأ المشهد السعودي وتحولاته الدراماتيكية، حسب قوله.

وعموماً، ما كان الشيخ الكلباني ليجرؤ على الظهور في بطولة (البلوت/ الكوتشينة) لو لم يكن الحاكم بأمره ابن سلمان وراء ذلك.

الصفحة السابقة