هل السعودية رابحٌة؟

ترامب ينسحب من الإتفاق النووي

عمرالمالكي

الغى ترامب الاتفاق النووي مع ايران، خلافاً للعهود والمواثيق، وخلافاً لقرار مجلس الأمن بهذا الشأن، وخلافاً لمصالح حلفائه الأوروبيين الممتعضين من القرار.

ونميل بنحو كبير الى أن قرار ترامب ليس في صالح الولايات المتحدة نفسها، كما يقول ذلك امريكيون: مشرّعون، وصحفيون، وأكاديميون، وسياسيون، وحتى رؤساء امريكيون سابقون، مثل كارتر وأوباما.

ومن المؤكد بشكل واضح، أن الغاء الاتفاق النووي الإيراني، الذي سعت اليه السعودية والكيان الصهيوني، ليس في صالحهما. او لنقل ان مخاطر الغائه والمصالح المتأتية من ذلك، هي أكبر من المنفعة المتوقعة التي يجلبها.

فاذا كان الغرض من الغاء الاتفاق هو منع إيران من صناعة سلاح نووي كما يزعمون ويبررون؛ فإن الغاء الاتفاق يمكن ان يفتح الباب نحو صناعة السلاح النووي. ذلك ان المستهدف بنظر المحللين الاستراتيجيين، ليس البرنامج النووي الإيراني، بقدر ما هو النظام السياسي الإيراني نفسه. فإذا شعر بالخطر، فإنه سيتسلح بالنووي، الذي اعتبر وسيلة ردع كبيرة. وحتى الآن لم تنسحب ايران، ولكنها تمارس ضغطاً على أوروبا وروسيا والصين، فإذا لم تستطع هذه الدول حماية الاتفاق من القرارات الأمريكية (موضوع الحرب الاقتصادية) فإن ايران ستعود الى تخصيب اليورانيوم صناعياً، وربما الى حدّ اعلى لتتمكن من صناعة السلاح النووي. ولا أحد يجادل الآن بأن إيران غير قادرة، او أنها تخشى من فعل ذلك، فهذا امر مفروغ منه، ولكن الجدال هو في كيفية إعطاء ايران ضمانات ومحفزات لئلا تقوم بذلك.

إسرائيل التي تمتلك السلاح النووي، وتخشى من الردع النووي الإيراني، ومثلها السعودية التي تخشى ان يكون السلاح النووي الإيراني أداة سياسية لمزيد من اضعاف نفوذها في الشرق الأوسط، ماذا ستكسب ان ادّى الانسحاب من الاتفاق النووي الى هذه النتيجة؟

تقول الرياض انها ستحصل على قنبلتها النووية. ولكن القنابل النووية لا تباع في السوق. والرياض لا تستطيع ان تخصب اليورانيوم وليس لديها المقدرة العلمية والتكنولوجية والصناعية ولا القدرة في المواجهة السياسية لكي تحقق ما تريد. والدليل انها الى هذا اليوم، لم تستطع ان تقنع أمريكا حليفتها بأن تمنحها أدوات التخصيب لمفاعلات نووية مدنية تريد بناءها في المستقبل. بل ان إدارة أوباما كما إدارة ترامب، ومعها اللوبي الصهيوني، لا يؤيدون السماح للرياض القيام بأي تخصيب على أراضيها، وان عليها ان تشتري اليورانيوم المخصب بموافقة أمريكية من دولة خارجية.

اذا كان الهدف من الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، اقحام أمريكا في معركة بالنيابة عن الكيانين السعودي والصهيوني، وهو امرٌ طالبا به سابقاً، كما تشير وثائق ويكليكس، وتصريحات وزير الخارجية السابق جون كيري.. فإن ترامب، رغم رعونته، ورغم وجود بطلجية في ادارته متحمسين للحرب، فإن الحرب المباشرة لن تقع على الأرجح، حتى لو وعدت إسرائيل بالمشاركة فيها، وحتى لو قدمت الرياض المال والدم من اجل ذلك.

ولنفترض جدلاً ان حرباً وقعت، فشنّ الأمريكيون ـ ولأي سبب ـ حرباً على ايران؛ فحينها ستكون ساحة المعركة هي السعودية وإسرائيل وربما دولاً خليجية أخرى. وستطال الصواريخ الإيرانية الحقول النفطية السعودية، وقد تمنع تصدير النفط، وسترتفع أسعاره الى عنان السماء، ما يهدد الاقتصاد الغربي، بل العالمي برمته.

لكن اذا كان الهدف من الانسحاب من الاتفاق النووي، هو مجرد احتواء النفوذ الإيراني المتسارع، بحيث انه استطاع تقزيم النفوذ السعودي والأمريكي في المنطقة، واقترب من تهديد إسرائيل.. فحينها تكون المعركة مكررة، لما كان قبل الاتفاق النووي، وعنوانها: حصار ايران اقتصادياً، وتجويعها كما قال وزير الخارجية الأمريكي الجديد.

فهل كان الحصار السابق ـ المدعّم بقرارات مجلس الأمن ـ وبموافقة روسية وصينية، مفيداً وأدى الى نتيجة أم لا؟ ان كان الجواب سلبياً وهو كذلك، فلمَ نتوقع ان الحصار الجديد: أولاً، لن يؤدي الى صدام مسلح؛ وثانياً: سيكون أكثر إيلاماً، مع ان دولاً أخرى كبيرة لن تشارك فيه (على الأقل الصين وروسيا)، ولن يكون هذا الحصار سوى امريكي بالدرجة الأولى، وخارج نطاق القرارات الدولية؟

حتى لو لم ينجح الحصار الأمريكي بنسبة كبيرة، فإن ما يؤمله الصهاينة وآل سعود، كلٌّ لغرضه، هو احتواء الزخم الإيراني، واضعافه، وليس بالضرورة ابطاله. حينها يكون السؤال: هل من الصالح، تعريض امن المنطقة لمثل هذه الزلازل والتي قد تقود الى حروب جديدة، من اجل (احتمال ضعيف) من أن الحصار سيشغل ايران عن إسرائيل وامريكا، ويسمح بتمدد نفوذهما ومعهما السعودية؟

على صعيد آخر، قيل ان الانسحاب من الاتفاق النووي، سيؤدي الى انتاج اتفاق نووي آخر حسب مقاس ترامب، وفوقه ستوقف ايران انتاج صواريخها الباليستية، وتحت الضغط ستتقلص وترتد على ذاتها، تاركة الساحة لإسرائيل والسعودية لتعبث بها!

هذا منتج خيالي، لا علاقة له بالسياسة ولا بالإستراتيجيا.

هذا وهم يستحيل أن يتحقق.

فإيران لن تقبل الحديث عن أي اتفاق نووي جديد مع أمريكا.

والصواريخ الباليستية، ليست محرمة في القانون الدولي، الا على ايران! في حين انها تمثل سلاح الفقراء ممن لا يمتلكون الطائرات الحربية الحديثة لمواجهة العدوان الإسرائيلي الأمريكي السعودي.

والانسحاب من مناطق النفوذ، في منطقة تعبث بها في الوقت الراهن كل قوى الشرّ بما فيها أمريكا وإسرائيل، أمرٌ لا يقوم به عاقل، فضلاً عن ان يصدر من عقل استراتيجي مثل ايران.

ولا يخفى، ان هناك في ايران من بين المسؤولين، من فرح بالانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، مصداقاً لنبوءته بأن أمريكا لا يمكن الوثوق بها وبوعودها ولا حتى بتوقيعها على الاتفاقيات. وبقناعة ايضاً بأن الشعب الإيراني يُبدع تحت الضغط والحصار، كما فعل من قبل، في كل الجوانب العلمية والتصنيعية والتكنولوجية. وبالتالي يمثل الانسحاب الأمريكي فرصة لإيران، اكثر مما هو عقوبة بنظر خصومها.

لهذا، كان من رأي رئيس الاستخبارات السابق، تركي الفيصل، ان ليس من صالح الرياض ان تنسحب واشنطن من الاتفاق النووي، من جهة حساب الأرباح والخسائر. وهناك رأي مماثل بين المؤسسة الصهيونية نفسها من يرى الأمر عينه.

لكن محمد بن سلمان له وجهة نظر أخرى، وحسابات أخرى، فهو وان كان توّاقاً لحربٍ أمريكية إيرانية، مهما تكن الخسائر السعودية المالية والبشرية، فإنه في المدى التكتيكي قد يحقق أهدافاً أخرى أقلّ تواضعاً. من بينها:

■ ان الانسحاب من الاتفاق النووي، يعيد حصار ايران سياسياً واقتصادياً، ولو بشكل محدود، ما قد ينجم عنه، متنفس للسياسة السعودية التي دأبت على تقديم الخسائر منذ عقود لصالح ايران.

■ ان الانسحاب سيؤدي الى ارتفاع سعر برميل النفط؛ كما حدث في كل الحروب والأزمات السابقة في المنطقة، ما ينقذ الرياض من أزمتها المالية الصعبة؛ خاصة وأن إدارة ترامب لا تؤيد سعراً مرتفعاً لبرميل النفط، وقد حذر ترامب نفسه من ذلك. الرياض تريد لانجاح رؤية ابن سلمان، ان يصل سعر البرميل الى نحو ٩٥ دولاراً. وهذا في الظرف الطبيعي لا يتحقق. الحرب او حتى التوتر الشديد في المنطقة، قد يدفع بالأسعار باتجاه اعلى، وقد يصل الى ما تبتغيه الرياض.

والرياض لا تؤمل فقط على سعر مرتفع، بل تتمنى ابعاد ايران من مزاحم في سوق النفط، والسيطرة على حصتها ضمن أوبك. وبالتالي ستتضاعف إيراداتها، والحجة انها تغطي النقص في السوق. والرياض تؤمل ان تتمدد العقوبات الأمريكية والتهديدات الى حلفائها بعدم شراء النفط الإيراني.

■ وتريد الرياض من هذه الأزمة أيضاً، أن تبعد الأنظار عما تفعله في اليمن. ولهذا فهي لا ترتاح الا اذا رأت المنطقة مشتعلة. فقضية سوريا يجب ان تبقى الحرب الأهلية فيها الى ما لا نهاية. ليس فقط لاشغال ايران، وانما ابعاداً للرأي العام عما تقوم به هي في اليمن. وفي ظل الصراع الأمريكي مع ايران، والذي سيقرب من الحرب الباردة مع موسكو وبكين، تكون الرياض قد أمّنت الدعم الأمريكي والغربي، وأن لا ضغوط عليها لايقاف عدوانها على اليمن؛ اما لأن الرياض تشارك في حروب أمريكا الأخرى في المنطقة، او لأن الحرب نصف الباردة بين الكبار توفر مظلة حماية أخرى لمشاريع الرياض في اليمن.

وعليه، فإنه في ظاهر الأمر، فإن إسرائيل والسعودية نجحتا في جرّ ترامب الى معركتهما مع ايران. في حين ان ترامب نفسه، قد لا يعنيه من الانسحاب من الاتفاق اكثر من تنفيس أحقاده على عهد أوباما ومنجزاته.

لكن هذا الانسحاب الأمريكي يأتي في ظل ارهاصات تشكل عالم جديد ضاق ذرعاً بأمريكا ورعونتها؛ حتى أوروبا تشعر بذلك، وقد عبرت عنه ميركل اكثر من مرة. فإذا استطاع الأوروبيون بالتعاون مع روسيا والصين، الحفاظ على الاتفاق النووي (وهو أمرٌ صعب جداً) ولم يرضخوا للضغوط الأمريكية الاقتصادية والسياسية، فحينها يمكن القول بأن عالماً جديداً قد وُلد. ولأن الولادة صعبة، وقد لا تحدث، وقد يكون مجرد حمل كاذب، فإن احتمالات انفكاك الاتفاق النووي من قبل ايران تبدو اكثر رجحاناً.

ما يترتب على هذا التوتر الذي نراه في المنطقة، بفعل أمريكا والسعودية وإسرائيل، سواء في الشأن النووي الإيراني، او في الشأن السوري، او في الشأن الفلسطيني حيث نقل السفارة الأمريكية الى القدس، وما يصاحبها من صدامات وشهداء.. إنما يؤشر الى استمرار الإضطراب السياسي والأمني؛ واستمرار (حلب) الأمريكي لثروات المنطقة؛ ويعني ان هناك بؤر أخرى قد تتفجّر، وليس فقط أزمات وحروب لن تتوقف.

حرب اليمن في هذه الأجواء لن تعرف طريقاً نحو الحل السلمي، فالسعودي لا يريد حلاً سلمياً، لأنه بذلك يعلن هزيمته.

الصراع في سوريا، لا يراد له ان يهدأ حتى مع انتصارات حققها النظام وحلفاؤه هناك. فالأمريكي بالمرصاد وكذا الإسرائيلي. لا بد من استمرار نهر الدم وحفل التدمير للدولة السورية الى النهاية. العراق الذي قيل انه تخلص من داعش، قد يعيد الأمريكيون داعش اليه مرة أخرى، وقد يصبح العراق ساحة جديدة للصدام الأمريكي الإيراني.

ما يدهش هو ان منطقتنا يعبث بها أربعة مجانين، يبحثون عن مجد مزعوم، او يتهربون من أزمة ما، اتفقت ارادتهم على إبقاء النيران مشتعلة: ترامب، ونتنياهو، والمحمدين ابن سلمان وابن زايد!

والا ما هو المعنى من رنّة الفرح في السعودية للانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، مع علم الموالين ان الذي ايد ترامب هي إسرائيل والسعودية والامارات. وحتى لا ننسى، معهم البحرين بجلالة عظمتها!

ثم مالذي يجعل آل سعود واعلامهم يتباهون أكثر من نتنياهو بأن أميرهم الغرّ محمد بن سلمان، هو بطل الانسحاب من الاتفاق النووي، وانه هو من أقنع ترامب بذلك؟!

لقد خرجت زمرة آل سعود من عقالها فرحاً وطرباً بعيد الانسحاب من الاتفاق النووي، وهم ينتظرون حرب ترامب المباشرة مع ايران على أحر من الجمر. لكن بعد نحو يومين من اعلان الانسحاب انكتمت أنفاسهم مجدداً بسبب الضربة السورية الصاروخية في الجولان رداً على قوات الاحتلال الصهيوني.

الصفحة السابقة