نتائج الانتخابات اللبنانية صفعة للرياض

السعودية تُخيّب آمال أنصارها

الخطوة الاولى البديهية لتيار المستقبل لاستعادة مكانته السياسية، والعودة الى رئاسة الوزراء، هي بترسيخ سياسة التفاهم والوفاق مع المقاومة وفريقها القوي، واعادة تعريف سياسة النأي بالنفس التي
انتهجها، بحيث تصبح نأيا بنفسه عن السياسات السعودية المتراجعة والمرتبكة

محمد الأنصاري

فور صدور نتائج الانتخابات اللبنانية التي جرت في السابع من مايو الحالي، ظهرت ملامح الصدمة على السعوديين، كما عبروا عنها في وسائل اعلامهم، وتوزعت تعليقاتهم بين التهكم على الديمقراطية وخصوصا في لبنان، والدعوة الى معاقبة اللبنانيين وطردهم من الخليج بسبب خياراتهم التي لا تروق للنظام السعودي.

والدعوة الى طرد اللبنانيين من السعودية ودول الخليج الاخرى ليست جديدة، بل هي تتكرر مع كل خيبة سياسية وفشل في لبنان، في مؤشر على ارتفاع النزعة العنصرية في هذه المملكة، ولدى جمهور النظام خصوصا، وتعويضا عن العجز في تحليل الاسباب الحقيقية لهذا الفشل، ولتراجع النفوذ السعودي التقليدي في عموم المنطقة، وفي لبنان على وجه الخصوص.

هنا سنحاول القاء نظرة تحليلية سريعة للاجابة على هذا السؤال: ما هي اسباب هزيمة حلفاء السعودية في الساحة اللبنانية؟

مظاهر الخسارة
  
 
الخرزة الزرقا كانت نحساً لتيار المستقبل!
 

كيف يمكن اثبات ان السعودية خسرت فعلا معركتها في الانتخابات اللبنانية؟ ولماذا خسرت اداتها الرئيسية تيار المستقبل؟ وهل اقتصرت خسارة السعودية على فقدان تيار المستقبل، الكتلة الوازنة التي كان يحوز عليها في الانتخبات السابقة، وحسب؟ وما هي التداعيات المحلية والاقليمية لهزيمة السعوديين في لبنان؟ واخيرا هل يمكن ان تعوض السعودية خسارتها في الشارع السني بتيار حزب القوات اللبنانية الماروني؟

هناك ما يشبه الاتفاق في الاوساط اللبنانية على ان الانتخابات النيابية الاخيرة عززت جراح السعوديين، وفشلهم الذي بدأ منذ انتخاب رئيس الجمهورية ميشال عون، بالضد من رغبة السعوديين الذين جاهروا في العداء له، ورفض انتخابه لمدة فاقت السنتين.. وانتهى بتراجع مكانة تيار المستقبل الذي يقوده آل الحريري الذين يحملون الجنسية المزدوجة اللبنانية والسعودية.

وقد أجمعت وسائل الاعلام اللبنانية والدولية على القول ان تيار المستقبل المحسوب على السعودية قد خسر الانتخابات النيابية الاخيرة، وان هذه الخسارة تعكس التراجع الكبير في الدور السعودي التقليدي في لبنان والمستمر منذ عدة عقود.

وتراوحت التقديرات في اوساط المراقبين لرد فعل السعوديين على هذه الهزيمة بين الانسحاب من الساحة اللبنانية، بعد ان فقدت المملكة اهم اوراقها، وبين الاكتفاء بدور العامل المربك والمعرقل لنهوض الحكم اللبناني بمسؤولياته، وابقاء لبنان في دائرة الازمة الامنية والفشل الاقتصادي.

وفي تعليقها على نتائج الانتخابات في لبنان رأت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركيّة، أنّ حصيلة الإنتخابات الأولى منذ تسع سنوات في لبنان، والنتيجة التي حققها حزب الله، هي في الواقع جرس إنذار للولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول العربية.. ولا شك ان في مقدمة هذه الدول تأتي السعودية.

وأضافت أنه على الرغم من أنّ عدد المقاعد التي يسيطر عليها «حزب الله» في البرلمان اللبناني لم تتغيّر عدديا كثيرا، إلا أنّ اللافت هو الإنتصارات التي حققها حلفاؤه السياسيون الذين يدعمون احتفاظه بالسلاح، الأمر الذي يزيد حظوظ الحزب في لعب دور رئيسي في الحكومة المقبلة، وتضاؤل آفاق التشريع التي يمكن أن تغيّر من وضعيّته، بحسب الصحيفة.

وبرأي نيويورك تايمز، فإنّ الضربة الأكبر من الإنتخابات كانت لـ»تيار المستقبل» الذي يرأسه الرئيس سعد الحريري، الذي تراجعت كتلته من 33 مقعدًا الى اقل من 20.

ومن الواضح أنّ تيار الحريري خسرَ على الأرض، مقابل المنافسين السنّة، ولم يعد له من امل للحفاظ على منصبه برئاسة الحكومة الا الاعتماد على دعم رئيس الجمهورية، ورضى ضمني من حزب الله.

أزمة تيار المستقبل

لقد حاول سعد الحريري المكابرة في الايام الاولى بعد صدور النتائج، والزعم بأنه لم يخسر الكثير، وراح بعض الكتاب يروجون لفكرة انه كان يتوقع النتائج التي حصل عليها، ولم يتفاجأ بها.. الا ان الوقت لم يطل حتى انفجرت الازمة الداخلية بكل قوتها وخرجت للعلن، مع اعلان الحريري حملة تطهير واسعة داخل تياره، طالت اعلى القيادات الحزبية، وهو ما وصفته صحيفة الاخبار اللبنانية بقولها إن تيار المستقبل وجد نفسه وبشكل مفاجئ أمام انقلاب شبيه بذاك الذي نفذه الأمير محمد بن سلمان في الرياض، لكن هذه المرة كان بطل الحدث رئيس الوزراء اللبناني وزعيم التيار سعد الحريري الذي أطلق حملة إقالات واسعة طالت رؤوسا كبيرة كانت بجانب الحريري نفسه، بالإضافة الى كوادر أخرى كانت سببا في إخفاقه في الانتخابات.

وشمل الانقلاب الابيض الذي نفذه الحريري مسؤولين وكوادر في منسقيات بيروت والبقاعين الغربي والأوسط والكورة وزغرتا في الشمال اللبناني، بالإضافة الى مدير مكتبه نادر الحريري! وهو ابن عمته بهية التي كانت الاكثر قربا من والده المرحوم رفيق الحريري.

وأعلن «تيار المستقبل» إعفاء المنسق العامّ للانتخابات وسام الحريري من مسؤولياته، وكذلك مدير دائرة المتابعة في مكتب الرئيس ماهر أبو الخدود، بعد الاطلاع على مجريات الحراك الانتخابي في الدوائر كافة.

وكان الحريري قد اضطر الى التخلي عن احد ابرز رموز الحريرية والدور السعودي النشط في لبنان، خلال السنوات الماضية، فؤاد السنيورة، الذي اضطر الى عدم الترشح بعد فقدان اي امل له بالفوز.

أما في بيروت الثانية عرين آل الحريري، فهناك وقعت الكارثة:

 
فوز حزب الله في الانتخابات اللبنانية

أولاً، لأن مرشح حزب الله أمين شري حصل على أصوات تفضيلية أكثر من تلك التي صوتت للحريري.

ثانياً، لأن لائحة الحريري لم تحصد أكثر من 6 مقاعد من 11، بينهم واحد للحزب التقدمي الإشتراكي، بينما حصلت لائحة تحالف حزب الله على 4 مقاعد، اضافة الى مقعد لرئيس حزب الحوار الوطني فؤاد مخزومي، الخصم اللدود لآل الحريري.

كما خسر الحريري اغلب مقاعد تياره في عاصمة لبنان الشمالي وهي خزان تيار المستقبل، كما كانت توصف، بينما استطاع حزب الله ان يوصل اثنين من حلفائه الى مجلس النواب عن هذه الدائرة.

واذا اضفنا خسارته في مسقط رأسه صيدا في مواجهة حليف حزب الله اسامة سعد، الذي يعتبر من ألد اعداء السياسات السعودية في لبنان، الى ادائه الضعيف في زحلة التي كانت بيضة القبان في انتخابات 2009، ورجحت كفة التوازن لتحالف 14 آذار الذي يقوده المستقبل، كما في الكورة، تكون الصورة القاتمة لفت اجواء التيار الذي بات يعد خسائره، دون قدرة على التعويض.

وفي واقع الحال، فإن هزيمة التيار الازرق (تيار الخرزة الزرقا) كانت اكبر بكثير مما اعلن، اذا ما دققنا في هوية الاسماء التي زعم الحريري انه فاز بها.. ومثال ذلك في البقاع الغربي، حيث إعتاد التيار الأزرق على حسم النتيجة بإشارة من إصبع رئيسه، فتوزعت المقاعد مناصفة، 3 للائحة المستقبل و3 للائحة تحالف عبد الرحيم مراد مع حزب الله والتيار الوطني الحر. وبين الثلاثة الذين فازوا على لائحة المستقبل، هناك نائب أبرم وعداً مسبقاً مع القوات بالإنضمام الى تكتّلها مقابل حصوله على أصواتها، وهو هنري شديد، وهناك آخر للحزب التقدّمي الإشتراكي وهو وائل أبو فاعور. اما المرشح السني الذي فاز على اللائحة، فلم يكن النائب زياد القادري، بل محمد القرعاوي، احد ابرز المحسوبين على سوريا والذي ترشح عام 2009 في مواجهة تيار المستقبل.

ما هي أسباب هزيمة الحريرية

اذا كان تيار المستقبل قد اكتفى حتى الان بحملة الاقالات مقتفيا اثر ولي العهد السعودي، باستبعاد الخصوم والمنافسين بالاعتقالات والاتهامات وتحميل الاخرين مسؤولية الفشل، فإن الازمة الحقيقية تتطلب مراجعة شاملة، تبدأ بالخطاب السياسي ولا تنتهي بالمشاريع الإنمائية والإقتصادية، وصولا الى علاقته الملتبسة بالنظام السعودي وخطابه المذهبي.

وابرز اسباب تراجع شعبية الحريري، يمكن تلمسها في الصرخات والمواقف التي عبر عنها عدد كبير من انصار التيار، سواء قبل الانتخابات او بعدها، حيث واجه الكثيرون سعد الحريري اثناء جولته الانتخابية على المناطق اللبنانية، بمواقف عدائية رافضه لسياساته وخصوصا:

أ – رفض الخطاب المذهبي والتحريض الفتنوي الذي مارسه تيار المستقبل، تماهيا مع السياسات السعودية، في الداخل اللبناني في مواجهة حزب الله والذي انعكس توترا مذهبيا وصدامات ظلت محدودة فقط بسبب اصرار المقاومة على تجنيب الساحة اللبنانية ترددات صراعات المنطقة.

ب – تحميله مسؤولية الاستقطاب الحاد على خلفية الموقف من الاحداث في سوريا، والذي جعل قطاعات واسعة من ابناء المناطق الحدودية في البقاع والشمال، يخسرون علاقاتهم التاريخية مع جيرانهم السوريين، حيث كانت المدن السورية الرئة التي يتنفس منها اللبنانيون في تلك المناطق.

ج – شعور الغالبية العظمى من ابناء الطائفة السنية بأن تيار المستقبل دفع وسهل عمليات التيار السلفي الوهابي الذي اختطف عددا كبيرا من ابنائهم، وزجهم في اتون حروب المنطقة، وتحولوا الى انتحاريين يقتلون انفسهم وغيرهم دون اي هدف مقنع.

د – متاجرة تيار المستقبل بأهالي هذه المناطق وحرمانهم من الخدمات واي مشاريع تنموية، بحيث تحولت الى احزمة فقر هي الاكثر حرمانا في لبنان.

هـ - ظهور اخبار الرشاوى والمتاجرة بأصوات الناخبين الى العلن، وما رافقها من اختلاس اموال، وهو ما اصبح متاحا على شبكات التواصل الاجتماعي بالصوت والصورة.. بحيث ظهرت صورة التيار كمؤسسة فاسدة، يسعى القيمون عليه لنهب الاموال او رشوة الناس لشراء ولائهم.

دور السعودية في هزيمة المستقبل
 
السعودية غادرت الحريري وهو لم يغادرها!

خلف هذه المشاعر وردود الفعل الشعبية، تكمن الأسباب الحقيقية لخسارة تيار المستقبل وزعيمه سعد الحريري التي لا يجرؤ الكثيرون على قولها.. وهي التي تجعل مصير تيار المستَقبل غامضا ومحفوفا بالمخاطر.. ويتوقع الكثيرون ان تؤدي الإقالات فيه الى نتائج عكسية.

ويرى عدد من المعنيين في داخل تيار المستقبل، ان السعودية تآمرت على الحريري، ولم تعد معنية بالحفاظ عليه واعتماده ممثلا لها في لبنان. ويبرر هؤلاء رؤيتهم بأن محمد بن سلمان لم يشفع للحريري تماما بعد اطلاق سراحه، وهو اضطر الى ذلك بضغط دولي ولبناني معروف، اثناء أزمة احتجازه واجباره على الاستقالة في نوفمبر الماضي.

وخلال تلك الازمة وبعدها، مارست السعودية دورا تخريبيا في الساحة «السنية»، في محاولة لتطويع سعد الحريري واعادته راضخا الى بيت الطاعة، تحت عباءة محمد بن سلمان، بعد ان ظهر انه خرج منتصرا عليه ورغما عن ارادته، وعاد الى بيروت متراجعا عن استقالته، بما يؤكد ان ولي العهد السعودي هو الذي اجبره عليها.

وعملت السعودية في الاشهر السابقة للانتخابات على تشجيع اصوات متمردة على الحريري، راحت تتمادى بخطابها التصعيدي الذي تردده الصحافة السعودية ضد ايران والمقاومة، لاحراج الحريري، متهمة اياه بعقد صفقة مع الرئيس ميشال عون والتيار الوطني وحزب الله، تؤمن له البقاء في رئاسة الحكومة مقابل تنازلات بخصوص سلاح المقاومة.

كما شجعت السعودية وبشكل علني رئيس حزب القوات اللبنانية الذي يتهمه الحريري بأنه كان وراء اعتقاله والتحريض عليه لدى القصر الملكي السعودي.

وقد بدا واضحا ان السياسة السعودية المرتبكة، انعكست على اداء ادواتها في الساحة اللبنانية، اذ لم تكن هناك استراتيجية واضحة لدى السعودية في لبنان، بل مجرد ردات فعل وتسعير الخطاب التحريضي واشاعة اجواء التوتر والاقتتال.. وهي سياسة اكد الشارع السني انه لم يعد راغبا فيها، بعد ان عانى سنوات من نتائجها السلبية عليه تحديدا.

لقد شكلت الطائفة السنية في لبنان، ومنذ انشاء الدولة، حاضنة رئيسية للمد القومي العربي، ولخط المقاومة بكل اشكالها، وكانت بيروت وصيدا، والاطراف الجنوبية والبقاعية خصوصا، من ابرز حواضن المقاومة الاسلامية التي قادها حزب الله على مدى العقود الاربعة الماضية، لتحرير الجنوب والتصدي للعدوان الاسرائيلي، كما انها كانت ولا تزال تشعر بعطف شديد على المقاومة الفلسطينية وتعادي الكيان الصهيوني.

هذه المشاعر المتأصلة في اوسع شرائح هذه الطائفة، صدمت بقوة من السياسات التي دفعتها اليها السعودية والتيارات الوهابية التكفيرية، وشعرت انها تتناقض تماما مع ما اتصفت به من تسامح واحتضان للدولة اللبنانية، باعتبارها الطائفة التي مارست السلطة منذ الاستقلال الى جانب المارونية السياسية.

لقد كانت السياسات السعودية غريبة على تربية وقيم معظم اللبنانيين، وخصوصا ابناء الطائفة السنية، التي اضطرت الى مسايرة الاتجاهات التكفيرية والسير بركابها ردحا من الزمن تحت وطأة التحريض وأوهام الوعود والمساعدات الزائفة.. الا انها وقد رأت كيف تتلاعب السعودية بها وبزعمائها، وتجبرهم على التنقل بين المواقف المتناقضة بشكل بهلواني، كما فعل الحريري نفسه، وتبني محمد بن سلمان لسمير جعجع قاتل الزعيم السني الرئيس رشيد كرامي، وتنصيبه زعيما لتحالف هم وقوده وادواته.. اعربت عن رفضها لهذه السياسات، وهو ما تمثل اما بالعزوف عن الاقتراع، حيث كانت نسبة المقترعين من هذه الطائفة هي الادنى في جميع المناطق، او بالتصويت لخصوم الحريري والسعودية في لبنان، حيث فاز جميع الرموز المؤيدين للمقاومة والرافضين لهيمنة السعودية.

ضعف الحريري وتردده

تيار المستقبل الذي مني بنكسة كبرى في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، قد يواجه التفكك جرَّاء الانقسامات التي يعيشها حاليا، وستساهِم التغييرات التي تجري حاليا لإعادة تنظيم صفوفه في تعميق هذه الانقسامات، وهنا تساهم السعودية بدور كبير في ذلك أيضا، من خلال وقف دعمه ماليا والضغط على الرئيس الحريري، لتبني سياسات معادية للشارع اللبناني، تلبية لحاجات سعودية على صعيد صراعاتها الاقليمية.

وهذا هو السبب الحقيقي لخسارة تيار المستقبل، وتراجع مكانته، وليس التَعديلات على قانون الانتخابات، واعتماد النسبية مثلما كرر القول أكثر من مرة في تبريراته لهذه الخسارة.

لقد ساهم الحريري نفسه في الوصول الى الوضع المأساوي الذي يعيشه، بسبب ضعفه وتردده في حسم خياراته السياسية. اذا انه بعد ان عاد الى لبنان من محنة اعتقاله واجباره على الاستقالة، وجد في استقباله حشدا رسميا وطنيا كبيرا، ساهم في الضغط على السعودية واجبارها على اطلاق سراحه. وليس خافيا ان هذا الحشد تأمن بالمواقف الحاسمة للسيد حسن نصرالله الامين العام لحزب الله، والرئيس ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، والذي ترجمه وزير الخارجية جبران باسيل بحركة ديبلوماسية ناجحة، اسفرت عن فك اسره واعادته الى لبنان رئيسا للوزراء.

كما وجد الحريري قاعدة شعبية متحمسة ومتضامنة معه في تيار المستقبل والطائفة السنية، رفضت اعتقاله، ونددت بما اعتبرته اعتداء عليه وعلى الطائفة من قبل محمد بن سلمان.

الا ان الحريري ضيع كل ذلك، ولم يحسن الاستفادة من هذه الاجواء الايجابية لترسيخ شعبيته وشخصيته الوطنية المستقلة، اذ سرعان ما عاد للتماهي بالخطاب السعودي الممجوج، بل تمادى في تطرفه للمزايدة على اطراف سعوديين اخرين في الساحة السنية، امثال اشرف ريفي في طرابلس، ما ادى الى اهتزاز الثقة الشعبية به، وخسارته مصداقيته الوطنية، وهو ما انعكس خسارة له ولاشرف ريفي معا، والذي فشل في الحصول على مقعد لنفسه في البرلمان.

انتفاضة وليس تمرد

ان ما تشهده القاعدة الحزبية والشعبية للحريرية السياسية في لبنان، ليس مجرد تمرد على سياسات مالية او ادارية للرئيس سعد الحريري، بل هي انتفاضة حقيقة على نهج سياسي كارثي، فرضته السعودية عليه وعلى تياره منذ عهد والده.. والادهى ان الحريري لم يستطع ان يلتقط اللحظة المناسبة للتخلص من عبء السياسات السعودية، التي تريد ان يبقى لبنان بأكمله رهينة لمغامرات صبيانية، في ما تعتقد انه مواجهة مع ايران في جميع الساحات العربية، او لبيعه للسياسات الاميركية والاسرائيلية في اطار التحالفات الجديدة التي تنسجها.

والحريري يعرف تماما ان هناك متغيرات حاسمة على الساحة اللبنانية تمثلت بنتائج الانتخابات التي احرز فيها محور المقاومة وانصارها تقدما بارزا وتفوقا لا يمكنه انكاره، كما ان هناك متغيرات اقليمية لا تصب في مصلحة المحور السعودي الاسرائيلي وخصوصا على الساحة السورية، شديدة التأثير في الاوضاع اللبنانية..

لذا فإن الخطوة الاولى البديهية لتيار المستقبل لاستعادة مكانته السياسية، والعودة الى رئاسة الوزراء، هي بترسيخ سياسة التفاهم والوفاق مع المقاومة وفريقها القوي، واعادة تعريف سياسة النأي بالنفس التي انتهجها، بحيث تصبح نأيا بنفسه عن السياسات السعودية المتراجعة والمرتبكة.

الصفحة السابقة