نقل سفارة أمريكا للقدس ومواجهات مع الصهاينة

كتاب سعوديون يتصهينون تأييداً لإسرائيل!

توفيق العباد

حملة سعودية ممنهجة مضى عليها نحو عام، يشترك فيها جملة من الكتاب والإعلاميين وجيش من المغردين، ومدعومة بتصريحات المسؤولين: محمد بن سلمان، وعادل الجبير. كلها تندد بالفلسطينيين، وتصمهم بنكران الجميل والخيانة، والغباء، وتروج لعلاقات مع إسرائيل والمسارعة بفتح سفارة لها في الرياض. وفي المقابل شتائم لحماس الإرهابية، ولكل الفصائل الفلسطينية الأخرى، وتثبيط للعزائم، والتشكيك في أية مواقف إيجابية من أي طرف في العالم.

   
تركي الحمد: مقاومة غزّة ليست محقّة!

يترافق ذلك مع حملة عنصرية موجهة سهامها في معظمها الى من يسميهم جيش الذباب الالكتروني بـ (عرب الشمال)، وفي مقدمتهم الفلسطينيين.

لا يفصل آل سعود في مواجهتهم بين فلسطين القضية الحقة، وبين سلوك من ينتمي اليها.

المهم إيجاد مبرر للتخلي عن القضية، بل لا يقف الأمر عند التخلّي، الى اشهار العداء العلني.

آل سعود يضعون الأمر في اطاره الأوسع.

هناك محوران: محور امريكي صهيوني سعودي اماراتي، يقابل محور إيراني سوري، حزب الله، وحماس وقوى أخرى.

بنظر آل سعود، مادام الفلسطيني يستلم دعماً من ايران، اياً كان ذلك الدعم، سياسياً او مالياً او عسكرياً، فهو في الحلف الآخر، وحجة اعلام الرياض: تقفون مع ايران، اذن نحن نقف مع إسرائيل!

حين تخلت حماس عن محور سوريا وايران وحزب الله، بعد الحرب الأهلية التي عصفت بسوريا، لم تحتضنها السعودية، بل ابقتها في خانة الإرهاب.

هناك من يفهم التحول السريع في المواقف السعودية، بأن الاعتراف بإسرائيل، وتمرير صفقة القرن الترامبية، انما هو جزء من الثمن الواجب على ال سعود دفعه مقابل حماية عرشهم، وإيصال ابنهم محمد بن سلمان الى العرش.

محمد بن سلمان أظهر شيئاً من أحقاده على فلسطين في تصريحات عديدة: من بينها ما قاله لتجمع صهيوني في أمريكا بان الفلسطينيين اذا لم يقبلوا ما يعرض عليهم من مشاريع، فليخرسوا. وهو ـ أي ابن سلمان ـ القائل بأن إسرائيل لها حق في الأرض الفلسطينية، وهو قول لم يجرؤ أحد من قبل على قول مثله.

في اجتماع قمة الظهران، التي سماها سلمان (قمة فلسطين) امعاناً في النفاق، احتار كثير من المحللين: أيهما يمثل الموقف الرسمي السعودي: هل هو الملك سلمان الذي يزعم بأن مواقف بلاده ثابتة تجاه القضية الفلسطينية؛ أم هو محمد بن سلمان عرّاب بيع القدس، والحليف الجديد لإسرائيل؟

واضحٌ ان الملك سلمان أراد امتصاص النقمة العربية والإسلامية ضده وضد ابنه وضد عائلته لمواقفهم الجديدة التي لم يقبل بها حتى أكثر الحاشية ارتزاقاً والتصاقاً.

 
الكلباني: ترامب ناصر الإسلام!

لقد احرجوا من ردود الفعل العربية والإسلامية والفلسطينية، فجاء الملك ليخفف الوطأة عن ابنه ولي العهد، وليواصل هذا الأخير مسيرته المتصهينة من جديد.

وفعلاً لم يتغير شيء في المواقف السعودية بعد قمة الظهران.

نفس الشتائم لفلسطين ومن يدعمها، وذات التحدي الوقح لمشاعر المواطنين، بل يمكن القول ان عدد المتصهينين المسعودين زادوا في كتاباتهم، وما كان ذلك ليحدث لولا ان ما يكتبونه يمثل وجهة نظر النظام، ويستهدفون منه تعبيد الطريق لصلح مع إسرائيل سريع.

حسابات آل سعود، وولي عهدهم الغرّ، لم تكن دقيقة.

ظنّ محمد بن سلمان ان بلاده اذا اختارت التخلي عن فلسطين فسيتخلى عنها كل الحكومات العربية والإسلامية وحتى الشعوب بما فيها شعب المملكة.

لم يحدث هذا، حتى أبو مازن الذي هدده ابن سلمان بقطع المال (وقد فعل) لم يقبل الإهانة السعودية والتنازل عن القدس كعاصمة لفلسطين.

على العكس، فما حدث في حقيقة الأمر هو ان القضية الفلسطينية قد تمّ احياؤها وتصدرها لبقية القضايا، بسبب محمد بن سلمان، وبسبب ترامب منذ أعلن نقل سفارة بلاده الى القدس. منذئذ دخلت القضية الفلسطينية مرحلة تحدّ جديدة، واستعادت شيئاً من زخمها، وتطورت الأمور الى مواجهات فلسطينية أسبوعية مع قوات الاحتلال؛ بل والى مواجهات بالصواريخ في الجولان.

وفي كل هذه الأحداث، وقفت الرياض واعلامها وكتابها مع إسرائيل، بوقاحة غير مسبوقة في الاعلام العربي، حتى أنهم بزّوا كتبة كامب ديفيد بآلاف المرات.

بعد مجزرة الصهاينة في غزة، تأخرت الرياض في قبولها عقد اجتماع لوزراء خارجية العرب يدين المجزرة. كانت عيون الرياض تنظر الى ردود الأفعال، وتحسب خطوتها التالية. وجدت دولاً أوروبية سحبت سفراءها، وأخرى ادانت إسرائيل، وغيرها طالب بمحاسبتها. وهي بقت صامتة. الى ان أعطت الإشارة الى أبو الغيط، فاجتمع الوزراء وخرجوا ببيان.

تركيا، وبدعم من ايران، دعت الى اجتماع منظمة التعاون الإسلامي. الرياض لم تكن تريد ذلك. بل ان الدور الموكول اليها أمريكيا يقوم على منع تشكيل موقف إسلامي او عربي ضد إسرائيل وأمريكا. لكن إصرار اردوغان احرجها، فتصدر غيرها المشهد في إسطنبول، وارسلت الرياض الجبير كممثل لها، وحين بدا ان الموقف الذي ظهر في المؤتمر كان أعلى مما تتحمله الرياض، أطلقت كلابها لمهاجمة تركيا واردوغان في هاشتاق مفتعل: #أردوغان يسيء للسعودية!

الصهينة السعودية (الحلال)!

افتتحت ابنة ترامب وزوجها السفارة الأمريكية في القدس الشريف. لم تنطق المملكة بكلمة، وتفجرت الجموع الفلسطينية غضباً في مليونية العودة، فشحذ آل سعود وكتابهم واعلامهم سيوفهم عليها.

ال سعود ونخبهم النجدية الأخرى، ترى كل العالم من البوابة الإيرانية. فاختلطت الأمور، بحيث صار من الواجب السعودي الوقوف الى جانب إسرائيل ضد فلسطين وضد ايران وضد حزب الله وضد حركات المقاومة الفلسطينية، خاصة حماس.

 
بن عمر ينصح: كونوا ورقة بيد السيسي!

بمناسبة شهر رمضان، قال المتصهين خالد الأشاعرة بأن دعاءه في هذا الشهر سيكون هكذا: (اللهم انصر بني إسرائيل على عدوهم وعدونا. اللهم ان كان الفلسطينيون قد باعوا ارضهم ثم نقضوا بيعهم، وخانوا المسلمين، وظاهروا عليهم تحت راية المجوس، فشتتهم واخذلهم، وانصر بني إسرائيل عليهم). وأضاف الأشاعرة بأنه يرفض استمرار الدعم السعودي لفلسطين، زاعماً أن الرياض قدمت دعماً مالياً تجاوز ألف مليار (وهذا كذب محض طبعاً)، وأضاف بأن الفلسطينيين يقابلون ذلك بالتهجم على وحرق العلم السعودي.

الشيخ عادل الكلباني، امام الحرم المكي الأسبق، سوّق لترامب «ناصر الإسلام»، حيث نسي الكلباني ما فعله في القدس وتذكر ما فعله بإيران. وقال بأن ترامب يذكّره بقول رسول الإسلام عليه السلام: ان الله ليؤيّد هذا الدين بالرجل الفاجر!

وفي يوم سقوط عشرات الشهداء في غزة وآلاف الجرحى، يضيف تركي الحمد الى الجرح ملحاً، ويقول بأن مقاومة الفلسطينيين ليست مقاومة حقة. واعتبر ما يجري مجرد مناورة إيرانية تنفذها حماس، وهذا مرفوض كما يقول. وأضاف الحمد مبرراً الاصطفاف السعودي مع الصهاينة بأن ايران في انحدار وارادت إعادة الزخم لخطابها من خلال صواريخ القتها في الجولان ومن خلال احداث غزة. وتابع: «سيتهمني البعض بالصهينة دون تأمّل».

وزاد بأنه كتب مقالاً قبل ثمان سنوات بهذا المعنى ايضاً. أي ان الرجل كان متصهيناً منذ ثمان سنوات ولا يحتاج الى اتهام.

العامل في جهاز الاستخبارات سعد بن عمر، يدين حماس، لأنها لم تكسب ودّ وثقة مصر، وأضاف: (كان واجباً على حماس اقناع المصريين انها ستكون ورقة رابحة يستخدمونها ضد إسرائيل متى أرادت مصر ذلك)! هل هناك جنون وغباء اكثر من هذا؟ أي ان حماس يجب ان تكون ورقة بيد مصر تحارب بها إسرائيل، ومتى كانت مصر كامب ديفيد في مواجهة إسرائيل؟

الدكتور محمد صنيتان يخاطب حماس مخذّلاً: (ان كنتم من اهل القرآن كما تزعمون، فلا تلقوا الشباب بالتهلكة). واعتبر الصنيتان الاعتراض على نقل سفارة أمريكا الى القدس مجرد هياط وتأثيرهم اضعف من ذبابة.

وكان عثمان العمير، مالك موقع ايلاف، وضمن جهده التطبيعي مع الصهاينة، قد سأل انه في حال قامت مواجهة بين ايران وإسرائيل فمع من ستقف؟. تحول السؤال الى مقال لدى عبدالرحمن الراشد في الشرق الأوسط، وهو سؤال محرج لمن لديه ماء وجه، والجواب: نقف مع إسرائيل. كما تحول الى مقال آخر لمحمد آل الشيخ في صحيفة الجزيرة، عنوانه: (نعم سأقف مع اسرائيل لو ضربت إيران). وزاد حفيد محمد بن عبدالوهاب في تغريدة له: (لو ضربت إسرائيل ايران في عقر دارها، ونشبت حرب بينهما، فسأقف مع إسرائيل بعقلي ووجداني. فعدونا الأول هو ايران لا إسرائيل، ويجب ان يعرف عرب الشمال هذه الحقيقة). وعرب الشمال هم اهل فلسطين وسوريا ولبنان والأردن.

هنا بادر صهيوني اسمه إيدي كوهين، مؤيداً مقولة آل الشيخ: (حفظ الله آل الشيخ محمد بن عبدالوهاب. هذه هي الأصالة التميمية المضرية الحمراء المعهودة في نجد العذيّة. شكراً لك أيها الكاتب الألمعي. نحن وأنتم في نفس الخندق). كما وجاءت تعليقات مؤيدة كما كتب عبدالله المقحم بأن إسرائيل لم تضر السعودية، ومن مصلحتنا ومصلحتها بناء العلاقات على جميع المستويات بعيداً عن المثاليات المزيفة. وأضاف المقحم بأن (القومية العربية وعبدالناصر وخزعبلاته واحلامه هو من جعل اسرائيل عدوة وهمية للعرب).

 
الأشاعرة: اللهم انصر إسرائيل على الفلسطينيين!

تطور سؤال عثمان العمير، الى قرارات تصم حزب الله وقادته بالإرهاب كما حماس، وتفرض عليهم عقوبات، أسوة بما يفعله الأمريكان والصهاينة؛ والى ان يتحول كلام نتنياهو وليبرمان الى عناوين مقالات كما فعل سعيد الغامدي: (بأي وسيلة، لا مكان لإيران في سوريا).

حقا كما قال احدهم بأن (السعودية عاشت في عصور وهابية، وتفتحت على الصهيونية. أي انها انتقلت من تخلّف الى تصهين).

ورأى منصور باز بأن (من يقول انه سيقف مع إسرائيل ضد ايران، أمثال هؤلاء وقفوا ضد العراق يوم ضربتها إسرائيل، ووقفوا ضد سوريا بعد ضرب إسرائيل لها، ووقفوا مع إسرائيل يوم ضربت مصر، وسيقفون مع إسرائيل ضد أي دولة تضربها، حتى بلادهم، لأن طبيتعهم الخيانة).

الأسماء المذكورة أعلاه في تعضيد الصهاينة، هي أسماء قسم من النخبة النجدية الوهابية الحاكمة، والمتعاطفة مع إسرائيل، ولها موقف شرس ضد فلسطين وايران وحماس وتركيا وحزب الله. وقد سبق لحمزة السالم، الاقتصادي النجدي، ان كتب متوقعاً قبل اكثر من عام، انه اذا تم عقد سلام سعودي إسرائيلي، فستصبح إسرائيل المحطة السياحية الأولى للسعوديين.

وضمن الحملة التطبيعية الرسمية الممنهجة ضد فلسطين، كتب دحام العنزي مكرراً مطالباً بفتح سفارة لإسرائيل في الرياض؛ ولم يكن مستغرباً ان يفاخر الكتاب السعوديون، كمشعل النامي بالوقوف مع الصهاينة وهم يمرغون النمر الورقي الإيراني حسب زعمهم.

بعد هكذا كتابات ومواقف، يستغرب الصحفي سلمان الدوسري ان هناك من يلوم السعودية لنقل أمريكا سفارتها، ولقتل جيش الصهاينة الفلسطينيين، وغير ذلك. اذن لم تزعمون قيادة العرب والمسلمين ولا تتحملون اية مسؤولية، بل تطعنون فيهم وفي قضاياهم؟!

عاد الصحفي محمد آل الشيخ واتهم الفلسطينيين بأنهم اكثر شعوب الأرض تفريطاً بالفرص، ووسم الشعب الفلسطيني بالغباء، وخاطبهم: (إسرائيل معها العالم وأنتم ليس معكم الا الفَلَس، فارضوا بالقليل المتاح أفضل من لا شيء).

خشي الكاتب النجدي نبيل المعجل ان يحرض مثل هذا الكلام على العداء لآل سعود فقال ناصحا لآل الشيخ: (لا يجوز هذا الكلام، قلبت المعادلة، وجعلت الصهاينة أصحاب ارض والفلسطينيين محتلين)؛ وأضاف: (كيف بالله عليك تصف شعباً بأكمله بالغباء. انت تعطي برسائلك هذه ذريعة لمناصري ايران من الفلسطينيين ان يقولوا هذا سعودي يقف مع المحتل).

لكن محمد آل الشيخ مضى في منهجه الرسمي محرضا اهل غزة على التخلص من حماس، وليس من إسرائيل. فحماس إرهابية، تستخدمهم كدروع بشرية، حسب زعمه.

بخيت الزهراني يتألم من المتصهينين: (أصبح العربي الفلسطيني المدافع عن ارضه وعروبته إرهابيا؛ وأصبح الجيش الصهيوني جيشاً للمحبة يطلق أسراباً من حمام السلام. ويلكم! ما لموازينكم صدئة، وما لمكاييلكم متعددة. لا تجاهروا بالسوء).

والكاتب وائل القاسم يكتب رداً: (إسرائيل مجرمة فاق اجرامها كل ما يمكن للعقل ان يتصوره طيلة تاريخها. لن تنسينا كل ذلك كلمات يزخرفها بعض بني جلدتنا هذه الأيام للأسف الشديد). ورأى الأكاديمي عبدالمحسن هلال بأن مفهوم الخيانة تطور عند البعض، ولم تعد وجهة نظر بل صارت الخيانة عندهم عقيدة.

ولاحظ أحمد بن سعيّد، بأن عبدالرحمن الراشد والكتاب الآخرين الداعين للصهينة في السعودية، قد دأبت وزارة خارجية الكيان الصهيوني، على نشر مقالاتهم في موقعها الالكتروني، ودأب موقع إسرائيل العربي على تأييدها واطراء كتابها.

لكن مهما فعل آل سعود، فإن من يخسر قضية فلسطين، يخسر شرعية الحكم، ويخسر مزاعمه في قيادة العالم العربي والإسلامي، ومن يضع يده في يد إسرائيل، ويؤيدها في الهجوم على دول عربية وإسلامية وعلى قتل الفلسطينيين، فهو خارج من الملة، دينياً وسياسياً، ونهايته الحتمية الزوال.

الصفحة السابقة