النفط والمرتزقة يصنعون (اللحظة الخليجية)!

محمد فلالي

من وحي الثنائيات المتوارثة والمستمدة من صراعات المحاور العربية القديمة: التقدمية والرجعية، أو بالأحرى الاستيقاظ المتأخر المحمول على نزعة انتقامية على وقع الدمار

الذي لحق بمراكز الثقل العربي (سوريا، العراق، ليبيا، مصر، اليمن) وتبعثر الخارطة العربية، وانهيار النظام الرسمي العربي، يحلو لمستشار ولي عهد ابو ظبي، الأكاديمي، عبد الخالق عبد الله، أن يفخر لدور حكّام الخليج في احتلال مركز الصدارة في السياسة، والاقتصاد، والسياسة الخارجية.. وصولاً الى المعرفة.

كتب عبدالخالق عبدالله:

 
عبدالخالق عبدالله

«أينما ولّى المواطن العربي وجهه اليوم، سيجد شاهداً من شواهد لحظة الخليج في التاريخ العربي، فنفوذ دول الخليج وتأثيرها وحضورها في تزايد في المشهد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي والإعلامي العربي المعاصر. فالثقل الاقتصادي العربي انتقل إلى الجزء الخليجي، وأصبح القرار السياسي العربي يصنع في العواصم الخليجية، بعد أن كان حكراً على القاهرة ودمشق وبغداد، وتحولت مدن خليجية إلى مراكز مالية ودبلوماسية وإعلامية عالمية صاعدة، وأخذ قادة الخليج الجدد يتصرفون بثقة ويتحدثون برغبة واضحة في قيادة الأمة العربية نحو مستقبل مختلف. والمؤكد أن هناك حالة خليجية جديدة تتشكل على أرض الواقع تفرض نفسها على المراقب من قريب ومن بعيد، وتحتم النظر إلى الخليج كعملاق اقتصادي وسياسي وإعلامي يملك قراره، ويتحمل مسؤولياته ومسؤوليات أمن واستقرار منطقة عربية بمشرقها ومغربها. هذه لحظة الخليج في التاريخ العربي المعاصر..».

ما لا يريد المستشار عبد الخالق رؤيته هو الخراب الكبير الذي لحق بدول عربية كبرى مثل ليبيا، ومصر، واليمن وسوريا والعراق ولبنان بفعل التدخلات الخليجية.

بعد موجة الربيع العربي في نهاية العام 2010، استبد الذعر بممالك النفط في الخليج، وقرّرت في البداية شدّ العصب وإعادة اللحمة، وتناسي الخلافات لمواجهة الخطر المشترك، فتمّت المصالحة الخليجية، وجرى استيعاب قطر مجدداً في نادي الملوك. ثم ما لبثت الممالك أن خاضت المرحلة الثانية، باعتماد سياسة الهجوم والهروب للإمام بقيادة الثورة المضادة، والانغماس تماماً في بلدان العالم العربي، فاختارت في مصر هندسة انقلاب عسكري لإسقاط الثورة الشعبية، وهذا ما فعلته السعودية والامارات بأموالها، وقادت في اليمن مبادرة باسمها أطلق عليها المبادرة الخليجية في إبريل 2011، لاحتواء الثورة الشعبية والإبقاء على النظام القديم وحرمان الثورة من قطف ثمارها الديمقراطية؛ فيما اعتمدت استراتيجية الحرب بالوكالة في كل من سوريا وليبيا.

 
رئيس الوزراء الثرثار: ضاعت الصيدة!

في كل البلدان التي تدخّلت فيها الطغمة الخليجية، كانت النتائج كارثية. فقد أحرق شيوخ النفط ثروات شعوبهم في مؤامرات ضد أشقائهم العرب في بلدان أخرى، كانت على وشك الخلاص من الأنظمة المستبدة.

وحدها قطر، وعلى لسان ثرثارها الأبرز رئيس وزرائها ووزير خارجيتها السابق حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، التي أقرّت بدورها التخريبي حين تحدّث بلغة شعبية عن المؤامرة الجماعية على سوريا، فتصارع السعودي والتركي والقطري على سوريا التي أسماها «الصيدة»..

اختار حمد بن جاسم تلفزيون قطر وبرنامج «الحقيقة» في أكتوبر 2017 ليشن حملة مفاضحة على مدى أكثر من ساعتين، تناول فيها الشيخ القطري ملف العلاقات الخليجية وسوريا والعراق وقضايا دولية أخرى. يقول حمد بن جاسم ما نصّه: «أول ما بدأ الموضوع في سوريا توجهت إلى المملكة العربية السعودية وقابلت الملك عبد الله، الله يرحمه، بناء على تعليمات من سمو الأمير الوالد، وقال لي نحن ننسق معكم وأنتم تسلموا الموضوع»، وأوضح «لدينا أدلة كاملة على ذلك».

قدّم حمد بن جاسم رواية مقتضبة ولكن كافية لمفاضحة خليجية مع عون أميركي واسرائيلي وتركي غير مغفول. قال بأن أي «دعم يذهب إلى سوريا كان يتوجه إلى تركيا بتنسيق مع القوات الأمريكية»، وتابع ابن جاسم: «نحن تهاوشنا ـ تنازعنا ـ على الصيدة وفلتت الصيدة واحنا قاعدين نتهاوش عليها»، واستدرك مخاطباً حلفاء العدوان على سوريا وعلى رأسها السعودية: «أنتم تقولون الآن بشّار موجود ليبقى. ليس لدينا مانع، ولكنكم كنتم معنا في خندق واحد. قولوا لنا نحن غيرنا موقفنا».

نعم، لم تكن دول الخليج وحدها، ولم تكن تلك لحظة خليجية مستقلة كما يشاء عبد الخالق، لولا تدخّل الاميركي والأوروبي (البريطاني والفرنسي) ومعهم الاسرائيلي. لم يكن الخليجي، الذي يتحدّث عنه عبد الخالق، حرّاً في قراره قط، ولم يكن هو من يملي، فقد كان منغمساً بماله في «الخراب الكبير»، الذي طال بلداناً عربية. اللحظة الخليجية لم تكن عربية ولا إسلامية، فقد كانت ولا تزال أميركية واسرائيلية، ولذلك فإن من جنى ثمارها لم يكن العرب. اختارت السعودية والامارات وتوابعهما مثل حمد البحرين، وسيسي مصر، وعبد الله الثاني الأردن، ومحمد الخامس المغرب أن يكونوا جميعاً دمى في لعبة هابطة يديرها الأميركي، والأوروبي، والاسرائيلي.

 
هل سبب تدمير سوريا فشل مشروع نقل الغاز القطري؟

خلفية الدمار الخليجي في سوريا، لم تكن سياسية ولا ديمقراطية، بل كانت تظهيراً لصراع من نوع آخر، إنه صراع على خط الغاز. وتحضر هنا روايتان:

الرواية الأولى تقول: كان خط الغاز القطري بشراكة إيرانية، ورضا سوري، وقبول أردني، وترضية تركية، وكان يفترض أن يمر عبر الخليج الى الأراضي العراقية ثم الى الأردن وسوريا. توافق الجميع على ذلك، ولكن السعودية رفضت وعارضت بسبب وجود ايران في الصفقة، وعدّت ذلك انتصاراً لها في مشروع ترى فيه ضياعاً لحصتها وكسر لحصار اقتصادي على ايران. وكانت الحجّة هي أن العراق لا يزال في حال الخطر، ولم يتعاف بعد من الارهاب وتهديدات الجماعات المسلّحة، وكان ذلك في العام 2011، في وقت كان العراق لا يزال تحت وطأة النشاطات الإرهابية المدعومة قطريا وسعوديا وتركياً.

في الرواية نفسها، ولناحية القلق الروسي حيال هذا الخط الذي قد يستقطع حصة وازنة من السوق الأوروبية على حساب روسيا، التي تعوّل كثيراً على هذه السوق، قيل بأن الروس لم يكونوا قلقين كثيراً، إذ بمقدار ما يقتطع خط الغاز القطري من حصتهم، فإن الروس سوف يعوّضون عن ذلك في السوق الشرق الآسيوية.

وفق الرواية ذاتها، فإن ما أطاح الصفقة، هو أمر العمليات الاميركي الرافض للدورين الروسي والايراني فيها، لا سيما وأنهما شريكان استراتيجيان للنظام السوري.

 
السفير الروسي السابق في قطر: حمد بن جاسم وقح!

رواية أخرى ينقلها دبلوماسي عراقي سابق، التقى بالرئيس السوري بشار الأسد، ونقل عنه قوله أن القطريين، أيام العصر الذهبي للعلاقة مع دمشق، تقدّموا بمشروع له يقضي بمد أنبوب غاز عبر العراق الى سوريا وصولاً الى موانىء اللاذقية، كيما يتم تفريغه في بواخر ونقله الى الأسواق الأوربية. رفض الأسد الفكرة على خلفية أن ذلك يتسبب في إلحاق أضرار فادحة في الحليف الروسي. ويضيف الأسد: أن رفض المشروع القطري المدعوم أميركياً كان وراء إشعال الحرب على سورية، ولو كنا قبلنا بما أرادوه منا، لكانت سوريا في المعسكر الآخر.

فلاديمير تيتورينكو، السفير الروسي في الدوحة، وكان سفيراً في بغداد والجزائر قبل ذلك، خرج عن صمته بعد مرور ست سنوات على الأزمة السورية، وفتح ملف قطر في سوريا. وكشف تيتورينكو عمّا أفشاه حمد بن جاسم من سر له عن دور قطر في إسقاط القذافي، والضغوط التي مارسها على روسيا بشكل وقح بشأن سوريا. يقول السفير الروسي أن حمد بن جاسم تحوّل الى ما يشبه الغول في التعاطي مع ملفات المنطقة بعد اندلاع الربيع العربي، وكيف أن هذه الدولة الصغيرة دخلت في مساومات مع روسيا في الملف السوري، ودور الشيخ يوسف القرضاوي في ادارة حرب اعلامية ودينية ضد سوريا.

الدور السعودي والاماراتي في ليبيا لم يكن اقل وقاحة من ذلك، فالتدخلات التي كانت ترسم في الرياض وأبو ظبي لجهة تخريب الثورات الربيع العربي، وتشكيل جماعات مسلّحة تعمل بالوكالة كالمرتزقة في سوريا والعراق وليبيا واليمن، لم تكن من أجل دعم قضايا الأمة العربية، ولا معالجة مشكلات الفقر والأمية والبطالة ولا حتى التصحّر.

 
التايمز البريطانية.. مرتزقة كولومبيا يقاتلون في اليمن

كان التدخّل الخليجي المدعوم اميركياً وأوروبياً واسرائيلياً مدفوعاً بمصالح لا صلة لها لا بشعوب الخليج ولا بالشعوب العربية، فتلك لحظة خليجية مقطوعة الصلة عن واقع الأمة وعن قضاياها المصيرية.

ثمة في المشهد الخليجي ما يلزم إلفات الانتباه اليه، لأنه يتجاوز مجرد التوصيم السياسي والإنساني، بل هو في وقتنا هذا يصل الى حد الانحطاط بالنوع الإنساني، حيث يعيد الاماراتي والسعودي إحياء العبودية في شكلها القبيح. فمنذ اندلاع الربيع العربي لجأ الحليفان اللدودان الى سياسة الارتزاق مجدداً لناحية تنفيذ حروب قذرة. وكانت اليمن سوقاً رائجة للمقاتلين المرتزقة الذين جندهما الحليفان للقتال بالنيابة عنهما مقابل أجور زهيدة ودنيئة. تلك هي اللحظة الخليجية البائسة التي يغفل عنها عبد الخالق.

في 29 أكتوبر 2015 كشفت صحيفة «التايمز» البريطانية عن استئجار القوات الإماراتية مئات المرتزقة من كولومبيا ونشرهم في اليمن للقتال معها ضد الجيش واللجان الشعبية في اليمن. وفتحت الصحيفة الباب على تساؤل آخر وهو دور المرتزقة في حماية الامارات نفسها.

وقالت الصحيفة إن مجموعة الكولومبيين جزء من جيش خاص تستأجره الإمارات من شركة «بلاك ووتر» الأمريكية التي تقدّم خدمات أمنية للإمارات من أجل بسط نفوذها على مدينة عدن.

أوليفيير جويتا، المدير الإداري لشركة جوبال كاسبت ولويد بيلتون المتخصص في شؤون أمريكا اللاتينية وأفريقيا تحدثا في أكتوبر 2015 عن تجنيد الامارات لنحو 800 كولومبي للقتال بأجور مدفوعة في اليمن.

ونشر موقع «ميدل ايست أي» في 27 أكتوبر 2015 تقريراً يؤكد فيه بأن السعودية جندت بدورها المئات من المرتزقة من كولومبيا للغرض ذاته، ونقل الموقع عن صحيفة «التيمبو» في أمريكا اللاتينية، أنه تمّ تجنيد 800 عسكري من العناصر العسكرية السابقة من كولومبيا من قبل المملكة للحرب في اليمن انطلاقا من عدن.

وقال اللواء المتقاعد الكولومبي «خايمي رويث» لإذاعة محلية كولومبية إنه تمّ «توجه جنود سابقين في الجيش الكولومبي للعمل في صفوف قوات التحالف تحت قيادة السعودية». وأضاف بأنها ليست المرة الأولى التي يتوجّه فيها جنود كولومبيون سابقون للقتال في مناطق نزاع، ويوجد المئات منهم يعملون في دول خليجية.

 
استئجار المرتزقة لصناعة نفوذ سعودي اماراتي في المنطقة

ونقل موقع «ميدل ايست أي» في 27 أكتوبر 2015 عن الصحافة الكولومبية أن الفوج الأول ويقدر بـ 92 مقاتلاً توجه إلى عدن بملابس عسكرية سعودية للمشاركة في قتال اليمنيين، على أن يلتحق بهم جنود آخرون في وقت لاحق، ونقل عن جريدة «التيمبو» أن الجنود الكولومبيين سيشاركون في احتلال صنعاء برفقة جنود التحالف السعودي ومن جنسيات أخرى، وأنه جرى اختيار الجنود الكولومبيين لخبرتهم في حروب المدن والشوارع.

وأشارت صحيفة «التايمز» اللندنية وموقع «ميدل ايست أي» وصحف أخرى إلى أن المرتزقة الكولومبيين تم نشرهم في الصفوف الأمامية على جبهات القتال في اليمن، ومن بينهم 100 مقاتل كولومبي انتشرواً في ميناء عدن الخاضع حالياً لسيطرة التحالف، وتحديدا لقوات إماراتية..

وقالت «التايمز» إن المقاتلين الكولومبيين المرتزقة يرتدون الزي العسكري الإماراتي وينفذون دوريات راجلة في العديد من المواقع المهمة في عدن.

وفي 26 ديسمبر 2015 كشف موقع (ميدل ايست آي) عن دور المرتزقة في تشكيل بنية الجيش الاماراتي وفي حراسة قصور مشايخ الامارات. وفي اليمن، يتولى مواطن استرالي قيادة القوة العسكرية الإماراتية المشاركة في الحرب على اليمن فيما يشارك المقاتلون المرتزقة في العمليات.

وكان موقع (Voltire.net) قد كشف في الأول من يونيو سنة 2011 عن جيش المرتزقة السري في الشرق الأوسط وأفريقيا، وقد عملت الامارات على بناء جيش سري خاص بها مؤلف من المرتزقة بالاعتماد على خدمات شركة «بلاك ووتر».

وجاء في تقرير الموقع: في مدينة زايد العسكرية، وفي معسكر تدريب في منطقة صحراوية في الإمارات العربية المتحد، هناك جيش سري قيد الإعداد. هذا الجيش السري للمرتزقة، الذي من المقرر استخدامه ليس فقط في الإمارات ولكن في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تم إنشاؤه من قبل إيريك برنس، العضو السابق في سلاح البحرية SEALS الذي أسّس شركة بلاك ووتر في عام 1997، أكبر شركة عسكرية خاصة على التعاقد مع البنتاغون في العراق وأفغانستان ومناطق الحرب الأخرى. وتمتلك الشركة التي أعيدت تسميتها في عام 2009 شركة (ريفلكس رسبونسيز للاستشارات الإدارية) من أجل الهروب من الإجراءات القانونية لمذابح المدنيين في العراق.

 
المرتزقة مقرهم الإمارات، وهم جزء من قوات الإمارات في اليمن

وفي أبو ظبي، وقّع إيريك برينس، من دون الظهور شخصياً، ولكن من خلال مشروع رد الفعل المنعكس المشترك، أول عقد بقيمة 529 مليون دولار (تم توقيع الصفقة في 13 يوليو 2010)، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز.

تجدر الإشارة الى أن القوات الكولومبية الموجودة الآن في اليمن، منتقاة بعناية من لواء من الجنود الأمريكيين اللاتينيين الذين يتدربون في قاعدة عسكرية إماراتية. لقد جعل المسؤولون الإماراتيون تفضيل الجنود الكولومبيين على بقية الجنود الأمريكيين اللاتينيين الآخرين لقدرتهم المتميزة في حرب العصابات، بعد أن قضوا عشرات السنين في قتال مسلحين من القوات المسلحة الثورية الكولومبية في أدغال كولومبيا.

المهمة الدقيقة للكولومبيين في اليمن غير واضحة، وقال أحد الأشخاص المشاركين في المشروع، إنه قد يستغرق أسابيع قبل أن يشهدوا قتالاً منتظماً. وسينضمون إلى مئات الجنود السودانيين الذين جندتهم المملكة السعودية للقتال هناك كجزء من الائتلاف.

بالإضافة إلى ذلك، أشار تقرير حديث للأمم المتحدة إلى أن نحو 400 جندياً إريترياً قد يكونون جزءا من الجنود الإماراتيين في اليمن - وهو أمر، إذا كان صحيحاً، يمكن أن ينتهك قرار الأمم المتحدة الذي يقيد الأنشطة العسكرية الإريترية.

ما يقرب من 400 دولار شهرياً تدفعها الامارات لكل مقاتل كولومبي. وستحصل تلك القوات التي تنتشر في اليمن على 1000 دولار إضافية في الأسبوع، وفقا لأحد الأشخاص المشاركين في المشروع وضابط عسكري كولومبي سابق كبير. تم تدريب مئات القوات الكولومبية في الإمارات منذ بدء المشروع في عام 2010 - الكثير من ذلك حاولت الحكومة الكولومبية ذات يوم التوسط في اتفاق مع المسؤولين الإماراتيين لوقف التدفق المتجه إلى الخليج. التقى ممثلون من الحكومتين، ولكن لم يتم التوقيع على اتفاقية أبداً. ويتم تنفيذ معظم عمليات تجنيد القوات السابقة في كولومبيا من قبل شركة Global Enterprises، وهي شركة كولومبية يديرها قائد عمليات خاصة سابق يدعى أوسكار جارسيا بات. وبات هو أيضاً القائد المشارك للواء القوات الكولومبية في الإمارات، وهي جزء من القوة المنتشرة حالياً في اليمن. وقال ماكفيت إن الهجرة المستمرة لقوات أمريكا اللاتينية إلى الخليج خلقت «هجرة الأسلحة» في وقت تحتاج فيه دول أمريكا اللاتينية إلى جنود في المعركة ضد عصابات المخدرات. لكن خبراء في كولومبيا قالوا إن الوعد بجني المزيد من الأموال أما بالنسبة إلى الإمارات - وهي الأموال التي يرسلها الجنود الكثير من منازلهم إلى عائلاتهم في كولومبيا - فيصعب عليها إبقاء الجنود في بيوتهم، قال خايمي رويز: «إن هذه العروض الرائعة، مع الرواتب الجيدة والتأمين، حظيت باهتمام أفضل لجنودنا». رئيس الجمعية الكولومبية لمسؤولي القوات المسلحة المتقاعدين «العديد منهم تقاعد من الجيش».

تلك هي «اللحظة الخليجية» التي لا يريد عبد الخالق عبد الله، مستشار السمسار الدولي في سوق المرتزقة، رؤيتها. وهي لحظة مثّلت الامارات والسعودية رأس حربة فيها عربياً وعالمياً، وبدا واضحاً أنهما يعملان بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وإسرائيل ودول أوروبية من تخريب البلدان العربية.

 
الامارات ترسل مرتزقة بلاك ووترز الى اليمن للقتال ـ نيويورك تايمز

في حقيقة الأمر، أن مرحلة ما بعد الربيع العربي كشفت عن مدى الانخراط الواسع النطاق لدول الخليج في المشاريع الغربية والاسرائيلية في تنفيذ مخطط الفوضى الخلاّقة الذي تبناه وأعلن عنه المحافظون الجدد في مطلع الألفية الثالثة، وجرى تنفيذه في اللحظة المناسبة مع اندلاع ثورات الربيع العربي من تونس في أواخر 2010 وتالياً في مصر، وليبيا، واليمن، وسوريا، فيما تواطأت القوى الاقليمية والغربية (الاميركية والبريطانية على وجه الخصوص) على الثورة البحرينية، والتي جرى التعامل معها بكونها أحد العوارض القابلة للظهور والاستيعاب.

وبنظرة إجمالية على واقع البلدان العربية التي تدخّلت فيها الامارات والسعودية وقطر على وجه الخصوص (إذ لا يمكن مساواة أفعال هذه الدول مع البحرين برغم تبعيتها الكاملة للامارات والسعودية، أو سلطنة عمان والكويت)، سوف نجد الخراب الكبير حّل في ليبيا، وسوريا، وحلّ في مصر (عبر انقلاب عسكري في 30 يونيو 2013 أعاد عقارب الساعة الى الوراء بعيداً)، وأخيراً اليمن التي تشهد منذ السادس والعشرين من مارس 2015 حتى الآن جريمة العصر على يد ما يسمى بالتحالف العربي بقيادة السعودية وبدعم أميركي وبريطاني، وإسرائيلي.

فما هو الفعل الفارق الذي أحدثته دول الخليج في العالم العربي، اقتصادياً وثقافياً، ومعرفياً؟ هل مجرد تدمير الأوطان العربية يصنع لحظة فارقة، وهل تخريب اقتصادها، وبناها الاجتماعية والثقافية والفنية يجعل الخليج رائداً؟. وهل فعلت دول الخليج ذلك من وحي قرارها المستقل، أم من ابداعات فريق الخبراء والاستراتيجيين الذين توصّلوا في لحظة صفاء الى أن انقاذ الأمة يتم عبر مدّ الأيدي للرقاب لخنق الأنفاس، وقطع الرؤوس، وتمزيق المجتمعات، وتدمير المقدّرات؟

غاية ما يقوله عبد الخالق، أن دول الخليج انتصرت على الدول العربية الأخرى التي كانت تعارضها أو تقف أمام مشاريعها ومؤامراتها.. وقد نجحت بامتياز أيضاً.

الصفحة السابقة