الدور السعودي في الاستراتيجية الأميركية لاحتواء إيران

فريد أيهم

لم يعد التحالف الصهيوني السعودي محل جدل أو سؤال. وبات واضحا أن الطرفين يعملان ضمن استراتيجية واحدة دون الحاجة الى التواصل المباشر في تفاصيلها، والتي يجري تنفيذها على ضربات ضابط الايقاع الأميركي، بعد أن باتت واشنطن لاعبا اساسيا في المنطقة، اثر فشل حروبها بالوكالة.. فما هي المهمات التي اوكلت للعميل السعودي في المشروع الصهيوأميركي الجديد؟

الاستراتيجية الأميركية

استقرت الاستراتيجية الأميركية منذ مطلع العام الحالي في منطقة الشرق الاوسط على ما اسمته احتواء النفوذ الإيراني، والضغط على طهران واجبارها على التخلي عن مواقعها الاستراتيجية وتحالفاتها في المنطقة.

الادارة الأميركية اعتبرت ذلك خطوة ضرورية، أولا من اجل تمهيد الطريق لتمرير صفقة القرن، وثانيا من اجل ضمان وجود أميركي فاعل سياسيا وعسكريا في العراق وسوريا.

 
الأصيل والوكيل

فعلى الرغم مما يبدو من تنافس وصراع تتفاوت حدته، بين القوتين النوويتين، روسيا واميركا، على مواقع النفوذ في الشرق الاوسط، فإن الدوائر الأميركية ترى أن العدو الرئيسي لها ولنفوذها الدائم في الشرق الاوسط، يتمثل في إيراني وقوى محور المقاومة التي باتت قوة اقليمية فاعلة، بل القوة الاقليمية الاولى، بعد تراجع اسرائيل، وارتباك الموقف التركي المتأرجح بين المرجعيتين الروسية والأميركية والمصالح القومية.

روسيا نفسها التي تسعى للاستحواذ على النفوذ الاعظم في سوريا ، التي باتت جزءا من امنها القومي، حسب التعبير الروسي، تبدي الاستعداد الدائم للمساومة حول تبادل المنافع مع الولايات المتحدة، ومقايضة المصالح على الصعيد الدولي، وخصوصا في مناطق الاشتباك في تركة الاتحاد السوفياتي السابق، وبعض نقاط التماس في العالم، وهو الامر الذي لا تجد له واشنطن مقابلا في علاقتها التصارعية مع طهران، حيث لم تجد بعد صيغة لتقاسم المصالح معها.

وكما كانت طيلة مراحل التاريخ، لا تزال منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشكل مفترق طرق العالم. وعادت المنطقة في السنوات الاخيرة لتلعب دورا رئيسيا في الصراع بين مصالح اللاعبين الأجانب، سواء على صعيد التجارة والموارد الطبيعية أو على صعيد الجدل والحراك الايديولوجي. وفي خضم عودة الصراع الدولي الى صيغة الحروب بالوكالة، التي كانت سائدة ابان الحرب الباردة بين القطبين الدوليين الاشتراكي والرأسمالي، برز بشكل اكثر حدة دور القوى الاقليمية التقليدية في المنطقة، وهي تركيا وإيراني واسرائيل، الى جانب ادوار اقل للمملكة السعودية والدول النفطية الاصغر ومصر.

حصار إيراني

وضعت الإدارة الأميركية أسس سياستها الإقليمية، بحيث جعلت إيران على رأس قائمة الاولويات في استهدافاتها المباشرة والعاجلة، على أن يتم تحييد التناقضات مع روسيا وتركيا القوتين المنافستين الأخريين في الإقليم.. واعتبرت الادارة الأميركية أن تناقضها مع النظام في إيران هو الأساسي، بينما التناقضات الاخرى ثانوية، وقابلة للتأجيل أو المساومة.

ثلاثة أسباب دعمت هذا الخيار الاستراتيجي الأميركي:

أولها/ التجربة العملية، وتاريخ المواجهة بين إيران والمصالح الأميركية في المنطقة، والتي فشلت فيها القوة الناعمة في تطويع الارادة الإيرانية العدائية ضد واشنطن، كما فشلت المواجهات المحدودة المتنقلة بين القوتين في كل ساحات المنطقة، طيلة العقود الثلاثة الماضية، والتي انتهت بهزائم متتالية لواشنطن وتصليب المحور الإيراني، الذي بات عنصراً رئيسيا في الصراع من كردستان العراق الى غزة؛ ومن باب المندب الى جنوب لبنان.

الخلاصة التي وصلت اليها الإدارة الأميركية هي أن المواجهات الجزئية لم تعد كافية، ولا بد من المواجهة الشاملة مع القوة الإيرانية الصاعدة.

وثانيها/ ناجم عن القلق الاسرائيلي المتصاعد من اقتراب الجيش الإيراني من حدود الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، وتعزيز محور المقاومة، الذي بات عصيّاً على الذراع الصهيونية.

 
مجازر سعودية في اليمن، ولكنه مقبرة الغزاة

وثالثها/ يتمثل في حالة الذعر التي تعيشها الانظمة الملكية والمشيخات الخليجية، التي رهنت مصيرها بالنفوذ الأميركي والقوة الاسرائيلية، وباتت أكثر خشية من تخلي واشنطن عنها في اللحظة الحرجة، ما يؤدي الى تداعيها وسقوطها دفعة واحدة.

فالنظام السعودي وبقية أنظمة الخليج، لا تتحسّس أبداً من كلام الرئيس الأميركي وخطابه المهين لها، عندما يقول انها لن تبقى اسبوعاً واحداً اذا ما رفعت واشنطن حمايتها عنها، لأنها تعرف أنها لا تتمتع بأي شرعية شعبية، ولا تملك أي قوة للدفاع عن نفسها، لولا الحماية الأميركية لها، ولهذا فهي تستعجل ـ بل تستميت ـ في الانخراط ضمن الاستراتيجية الأميركية العدوانية، لتقدم مبررا لحمايتها، بعد أن استنفدت كل قوتها المالية ضمن المصالح الأميركية.

وهكذا قسمت الادارة الأميركية استراتيجيتها لحصار إيران الى ثلاث جبهات:

الجبهة الأولى، وتتولاها السعودية لضرب النفوذ الإيراني في العراق ولبنان واليمن.

الجبهة الثانية، في سوريا وغزة، ويتولاها الكيان الصهيوني.

والجبهة الثالثة، تضطلع واشنطن بمهمة الهجوم على المصالح الإيرانية المباشرة، بإلغاء الإتفاق حول البرنامج النووي، وإعادة برنامج العقوبات الشاملة على إيران.

مبررات القلق السعودي

لقد راهنت أنظمة الخليج بكل ثقلها المالي والسياسي والدبلوماسي لإنجاح تجربة الربيع العربي، فيما يتعلق بإعادة صياغة التشكيلات السياسية والقانونية في المنطقة، تحت مظلة الشرق الأوسط الجديد، بنسخته الاسرائيلية.

هذه الرؤية التي روجت لها واشنطن منذ عقدين من الزمن تقريبا، ووضعتها على نار حامية مع اندفاعة قواها لاسقاط نظام صدام حسين في بغداد، استهدفت تفكيك الدول القومية العربية، وإنشاء كانتونات طائفية وقومية صغيرة، تشبه دول الخليج، تحتمي بالعباءة الأميركية لحماية نفسها، وتتكئ على القدرة المالية السعودية من أجل البقاء والاستمرار.

أصيبت السعودية بالذعر وهي ترى فشل تجربة الربيع العربي ـ في البلدان التي تكون فيها الثورة غير محرمة كما في سوريا ـ وتهاويها أمام صمود حلف المقاومة، الذي كان المستفيد الاول من اسقاط النظام العراقي ونظام علي عبد الله صالح، كما تمكن من حماية بشار الأسد ونظامه، بعد حرب شرسة طحنت فيها عشرات الالاف من قوى المرتزقة، والميليشيات التي زجت بها السعودية في ساحة المواجهة في سوريا والعراق ولبنان.

 
رهان سعودي على التيار الصدري

وتفاقم القلق السعودي مع تمكن إيران وحلفائها من هزيمة آخر وأرقى نسخة من التنظيمات الإرهابية التي تم إطلاقها في المنطقة بإسم داعش. وهكذا تحولت إيران من هدف للعبة الدومينو، وإسقاط النظم في المنطقة، الى أحد أبرز اللاعبين المؤثرين في إعادة تركيب الشرق الأوسط الجديد. ومن البديهي أن عالما تشارك إيران في تشكيله لا يروق للعائلة السعودية، بل يشكل ـ من وجهة نظرها ـ تهديداً حاسماً.

وبدل أن تنتقل الفوضى الى داخل إيران لزعزعة نظامها، باتت القوة الإيرانية على تخوم الممالك الخليجية، من الشمال والجنوب والشرق.

الإندفاع السعودي المحموم

لم تكن الرياض بحاجة الى أي تمهيد للقيام بدورها في الحرب على إيران، فقد سبق لها أن هيأت الارضية اللازمة لهذه المعركة طيلة السنوات الماضية، عبر أشرس حملة دعائية وإعلامية لخلق بيئة عدائية لإيران وعقيدتها وشعبها وسياساتها.

التناقض السعودي الإيراني بات شاملا لكل أبواب العلاقة والمصالح الثقافية والسياسية والأمنية، بعد أن استكمل النظام السعودي حشد معظم الأنظمة العربية، وتجييش الآلة الإعلامية على مدى السنوات الماضية.

الجبهة اليمنية: كيف مارس النظام السعودي مهمته في احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة المخصصة له؟

في اليمن كثفت السعودية حملتها العدوانية، ووسعت نطاق استهدافها للبنى التحتية والمواقع العسكرية والمدنية على السواء، كما استكملت حصارها المشدد على الموانئ والمعابر، التي يمكن أن تمر منه المساعدات والمواد الغذائية والأدوية، بحيث باتت تتحكم بكل ما يدخل الى اليمن أو يخرج منه.

ومع استمرار الغارات الجوية لشلّ الحياة وتقييد الحركة داخل اليمن.. واصلت هجماتها البرية من الشمال والجنوب والشرق لتنضم اليها مؤخراً معركة الساحل الغربي، كما استمرت في تفتيت الجبهة الداخلية، بإشعال الفتن، واستمالة بعض القيادات القبلية، وتحريض مكونات الشعب اليمني بعضها على بعض.

ولم تكن معركة الحديدة الأخيرة الاّ حلقة من حلقات الضغط السعودي على اليمنيين، لتقليص المساحة التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية المدعومة من أنصار الله وحلفائهم، والإقتراب من صنعاء عسكرياً، والتحكّم بآخر الموانئ التي تصل منها المعونات للشعب اليمني.

كل ذلك يأتي وسط دعاية محمومة، بأن الحملة تستهدف إيران وحلفاءها، وتستهدف النفوذ الإيراني، وهو ما يشكل إحراجا بالغا لطهران، فلا هي تستطيع أن تنفي علاقتها بأنصار الله، ولا هي قادرة على الوقوف العلني (المادي) معهم.

العدوان فشل في إخضاع اليمنيين للإرادة السعودية، على الرغم من أن استمرار المعارك تجاوز كل السقوف الأخلاقية والقانونية والأعراف الدولية، وهو ما يجعل الطرف الاخر في مأزق لا يستطيع مواجهته الا بالصمود الدفاعي المستميت، والصبر الإستراتيجي، لإفشال مخططات العدوان وأهدافه.

 
اعتقال الحريري وخسارة السعودية في لبنان

تكتيك جديد في العراق: على الجبهة العراقية، استدارت السعودية 180 درجة في طريقة تعاملها مع المكونات السياسية، فبدلاً من سياسة الضغط عبر المكون السنّي، ورفد الساحة العراقية بالدواعش والانتحاريين، وفتاوى الجهاد ضد المذاهب والطوائف الدينية التي يتكون منها الشعب العراقي، عادت الحكومة السعودية الى التعامل مع المؤسسات العراقية، بدءا من رئاسة الوزراء والرئاسة ومجلس النواب.

وبحضور رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز جرى التوقيع في 21 اكتوبر الماضي على اتفاقية تأسيس المجلس التنسيقي بين البلدين.

وفي الخامس من مارس 2018، تعهد العاهل السعودي باتصال هاتفي مع العبادي بتشييد (استاد) لكرة القدم في العراق، وذلك بعد مباراة ودية جمعت بين منتخبي البلدين في البصرة. والظاهر ان ذلك مجرد وعد سعودي لن ينفذ، وما أكثر مزاعم الدعم السعودي لفلسطين وغيره مالياً، لم يتحقق منها الا القليل جداً.

وفي 12 مارس 2018، أعلن مجلس الوزراء العراقي، دعمه لخطة العمل للحوار الاستراتيجي، لتطوير علاقات التعاون بين العراق ومجلس التعاون الخليجي، على مدى السنوات الخمس المقبلة.

وفي 27 مارس أعلنت وزارة النقل العراقية، أن العراق والسعودية وقعا اتفاقية النقل الجوي بين البلدين. كما اتفقا على إعادة تأهيل منفذي عرعر وجميمة لتطوير الحركة التجارية بينهما.

هذه الحركة الالتفافية السعودية تجاه العراق، استكملت اهداف الزيارة التي قام السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري البارز في ٣١ يوليو 2017 الى الرياض، ولقائه ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان؛ وهو ما اعتبرته الصحف السعودية، خرقا كبيرا للجبهة الإيرانية، بحيث يمهد لشقّ الكتلة الشيعية، وبالتالي إضعاف النفوذ الإيراني في العراق.

وأمعن المحللون السعوديون وكتاب المقالات في الصحافة السعودية في الترويج لمقولات (العراق العربي) و(استعادة العراق الى أحضان العروبة)، وتوصيف كل من يخالف السياسات السعودية باعتباره إيرانيا فارسياً صفوياً، مهما كان منصبه ودوره في التركيبة العراقية.

وبذلت السعودية جهدا بارزا ـ بالتعاون مع دولة الامارات ـ للتأثير على نتائج الانتخابات النيابية العراقية، بهدف تغيير الأغلبية الحاكمة والتأسيس لصراعات داخلية على قاعدة: مع إيران أو ضدها.

الورقة اللبنانية: على الرغم من الخطأ الجسيم الذي ارتكبه محمد بن سلمان باعتقاله رئيس وزراء لبنان سعد الحريري، وإجباره على الاستقالة من الرياض، في الرابع من نوفمبر الماضي، فقد استدرك النظام السعودي الأمر، عملاً بالنصيحة الأميركية أيضا، كما هو الحال في العراق، وعاد الى اللعب من وراء الكواليس، مستخدما أوراقه المالية والمذهبية، ونفوذه على بعض الزعامات اللبنانية، وذلك لإعادة الإمساك بالورقة اللبنانية، التي كادت أن تفلت من يده تماماً، بعد أن تمكن رئيس الجمهورية من محاصرة المحاولة السعودية لاختطاف رئيس الوزراء، وتفجير الساحة اللبنانية بالفتنة المذهبية.

أعادت السعودية ترميم ما أمكن من أدواتها في الساحة اللبنانية، وعملت على تمويل الانتخابات لعدد من القوى والشخصيات، على أمل تحقيق انتصار مشابه لما حدث عام 2009، رغم العقبات التقنية التي تسبب بها قانون الإنتخابات الجديد القائم على النسبية، من جهة، والأحقاد التي تفجرت بين حلفائها اللبنانيين من جهة ثانية، وخصوصا بين طرفي تكتل 14 آذار: القوات اللبنانية وتيار المستقبل.

كما عملت الرياض على مغازلة رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر عبر التلويح بإعادة الثنائية المارونية ـ السنيّة لحكم لبنان، دون الحاجة الى الطرف الشيعي، وفرض حصار على المقاومة وعمودها الفقري حزب الله. الا أن هذا التكتيك لم يصمد طويلاً، بل انهار أمام أول استحقاق سياسي، سواء في تشكيل الحكومة الجديدة، أم في قضية عودة النازحين السوريين الى بلادهم.

حساب الحقل وحساب البيدر
 
جعجع وكيل سعودي بديل

لم تنته المعركة بعد، ولا تزال المحاولات السعودية قائمة على مختلف الجبهات المكلفة بإدارتها ضمن الاستراتيجية الأميركية، إلا أن النتائج الأولية تفيد بنتائج مخيبة لآمال المشغّل الأميركي والصهيوني، بعد أن مُنيت الخطوات السعودية بالفشل في كل المواقع التي تدخلت فيها.

ففي اليمن، توجت معركة الحديدة مسلسل الخيبات السعودية والإماراتية، بعد أن زجّت الدولتان فيها بكم هائل من إمكاناتهما، وأعدتا لها جيشاً من المرتزقة، لم تشهد له المنطقة مثيلاً من قبل، ووضعتا تحت تصرفه كل الإمكانات والظروف الملائمة لتحقيق انتصار سريع، تحت غطاء دولي تآمري مخز، شاركت فيه الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا واسرائيل بشكل مباشر وفاعل، وباعتراف وسائل إعلام فرنسية وبريطانية.

والحقيقة أن المراقبين لهذه المعركة، لم يراودهم السؤال عن حول إمكانية تحقيق إنتصار سعودي إماراتي في الحديدة، تبعا لحسابات القدرات وموازين القوة لدى الجانبين. بل أن المبعوث الدولي مارتن غريفيث، كان على أهبة الاستعداد للانتقال بالطائرة الى صنعاء، لتوقيع صك الاستسلام فور بدء الهجوم المعزز جواً وبحراً على الحديدة.

الا أن ما توجب على المراقبين التوقف عنده ملياً، هو فشل الهجوم، وانتقال الجيش اليمني وانصار الله الى الهجوم المضاد، والإمساك بالمبادرة في المعارك الضارية التي خاضوها، دون آليات ودون غطاء جوي، وبامكانات حرب العصابات، والمجموعات القتالية الصغيرة.

ان النتائج التي أسفرت عنها معارك الحديدة في الاسبوع الأول، وضعت النظام السعودي وهيبة الأمير محمد بن سلمان ـ كما هيبة ابن زايد ـ في حرج شديد، بحيث باتت تهدد مصداقيته أمام مشغّله الأميركي، وتشكك في مدى قدرته على إنجاز المهمة التي أسندت اليه.

كما أن هذه النتائج عززت الذعر في أوساط النظام السعودي، وهم يرون أنصار الله يستنسخون التجربة القتالية لحزب الله في مواجهة الاجتياح الاسرائيلي عام ٢٠٠٦، والتي أفضت الى هزيمة مُرّة لجيش الاحتلال لأول مرة في تاريخ المواجهة مع الجيوش العربية.

وهو ما يرسخ في العقل الباطن السعودي، أن التكتيك والنفوذ الإيراني باتا واقعاً راسخاً في تجربة اليمنيين، وان عليهم مواجهة هذا الإحتمال في المستقبل القريب، بعد أن يهزم جيشهم في اليمن، من خلال معادلات القوة البازغة على حدودهم الجنوبية، بحسب الاستراتيجية الإيرانية، كما هي الحال في لبنان مع الكيان الصهيوني.

السعودية: إرباك وأزمات

لم تكن نتائج السياسة السعودية في العراق ولبنان أفضل حالا. إذ على الرغم من الإختراق المحدود في نتائج الإنتخابات العراقية، والترحيب السعودي بفوز قائمة (سائرون) الصدريّة، التي يعول عليها السعوديون لإرباك الساحة الداخلية، وفرض تعديل في سياسات الحكومة العراقية، وإحداث شرخ في العلاقات مع طهران على المستويين الرسمي والشعبي، فإن سياسات طهران في إدارة العلاقة مع الأطراف العراقية، أفشلت هذه الخطة، وبات واضحاً لجميع العراقيين، أن استقرار بلدهم واستمرار نجاحهم في التصدي لموجات الإرهاب التكفيري، تقتضي علاقة وطيدة مع الجارة إيران، وعدم الإنسياق وراء سياسة المحاور التدميرية التي تريدها الرياض.

في لبنان لم تستطع المناورات السعودية حتى الآن تجاوز النتائج الحاسمة التي حققها محور المقاومة، وتقدمه في معادلات مجلس النواب اللبناني، وتراجع التيارات الممولة من السعودية، عطفاً عن مواجهتها أزمات سياسية مستعصية.

 
جنبلاط.. صوت بلا أسنان

م تكن نتائج السياسة السعودية في العراق ولبنان أفضل حالا. إذ على الرغم من الإختراق المحدود في نتائج الإنتخابات العراقية، والترحيب السعودي بفوز قائمة (سائرون) الصدريّة، التي يعول عليها السعوديون لإرباك الساحة الداخلية، وفرض تعديل في سياسات الحكومة العراقية، وإحداث شرخ في العلاقات مع طهران على المستويين الرسمي والشعبي، فإن سياسات طهران في إدارة العلاقة مع الأطراف العراقية، أفشلت هذه الخطة، وبات واضحاً لجميع العراقيين، أن استقرار بلدهم واستمرار نجاحهم في التصدي لموجات الإرهاب التكفيري، تقتضي علاقة وطيدة مع الجارة إيران، وعدم الإنسياق وراء سياسة المحاور التدميرية التي تريدها الرياض.

ولعل مثلاً واحداً فقط يكفي للدلالة على الإرباك الذي يعانيه المحور السعودي في لبنان، وهو ما كشفه الجدل الأخير حول عودة النازحين السوريين الطوعية الى بلادهم.

اذ لم يستطع حليف السعودية الأول سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، أن يسإير السياسات السعودية في هذا الصدد، والداعية الى إبقاء السوريين في لبنان ومنعهم من العودة، تنفيذا للأجندة الدولية، لاإقاء الضغط على النظام السوري من جهة، والاحتفاظ بهم كقنبلة موقوتة في وجه المقاومة عند الحاجة.

جعجع لم يستطع أن يتزعم الفريق الداعي الى بقاء السوريين في لبنان، ومنعهم من العودة الطوعية التي يعمل لها بقوة رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحر، لان حزب القوات يعلم مدى الحرج الذي يواجهه بين المسيحيين إذا ما تبنّى هذه السياسة.

وفي الوقت عينه، لم يتمكن سعد الحريري، زعيم تيار المستقبل المتحالف مع التيار الوطني، ضمن ما عرف بالصفقة التي أعادته الى السلطة، أن ينفذ الرغبة السعودية، ما اضطر الرياض الى إيكال الأمر الى وليد جنبلاط، الحليف ذي الصوت العالي والنفوذ المحدود في التوازنات الداخلية اللبنانية، والذي تعرض لإصابات بليغة جراء اشتباكه السياسي مع فريق الرئيس ميشال عون اضطرته الى التراجع سريعاً.

ببساطة شديدة، لم يعد بإمكان النفوذ السعودي أن يقدم حلولا أو انجازا على الساحتين اللبنانية والعراقية، كما انه لم يكن شريكا في إدارة السلطة، وهو الدور الذي لعبه لعقود في لبنان، وبات من الضعف بحيث يقتصر دوره على محاولات الإزعاج والإرباك وخلق الأزمات.. وهو ما يعني احتمال تجاوزه بخسارة أخرى شبيهة بخسارته جراء احتجاز رئيس الوزراء اللبناني في نوفمبر الماضي، ودعمه لانفصال كردستان العراق في 25 سبتمبر الماضي.

خلاصة: تراجع الدور السعودي على الصعيد الإقليمي، وخروجه تماماً من ملفات مهمة، كالملف السوري، وافتضاح دوره التآمري في الملف الفلسطيني، انعكس توترا في السياسات السعودية داخليا وخارجيا: مزيد من القمع في الداخل ضد الناشطين والناشطات، والزج بهم في السجون، تحت ستار كثيف من التغطية والتعمية من المجتمع الدولي الخاضع للنفوذ الأميركي؛ وتوتر في العلاقات مع الخارج، بحيث بات معروفا عن النظام السعودي تحلله من الالتزامات والعقود والاتفاقات، التي يبرمها مع الدول الاخرى، كما بات معروفا التصاقه بالسياسات الأميركية والإسرائيلية، بحيث انه لم يستطع أن يبتعد عنها في ملف رياضي، فاقترع ضد المغرب ولمصلحة اميركا في قضية استضافة كأس العالم لكرة القدم 2026، وهو ما أثار أزمة بين الرياض والرباط.

والمراقبون يعتقدون أن ظهور النظام السعودي بمظهر الاعتماد الكلي على الدعم الأميركي حصرياً، يمثل تهديدا جدياً له، بحيث بات أقرب ما يكون الى السقوط، إما بهزيمة المشروع الأميركي، أو تبدل مزاج حاكم البيت الأبيض، وميله الى الصفقات مع القوى الدولية والاقليمية، بعد أن يستنفد كل أغراضه منه.

الصفحة السابقة