غياب مخطط لإبن سلمان

إنّهم يقرأونكم.. فانتبهوا!

محمد الأنصاري

غاب إبن سلمان عن الأنظار بعض أسابيع فاشتعلت سوق الشائعات، وذهب الخيال الخصب ببعض الكارهين له فنسجوا قصصاً تراوحت بين القتل في حادثة خزامى والتي شهدت تبادل إطلاق نار لا تزال أسبابه مجهولة، وبين مواجهة مسلّحة في مكان ما في القصور الملكية أصابته في مقتل، وبين رصاصة استقرت في مكان ما في جسده أبعدته عن الإعلام، وبين إصابة شوّهت وجهه وارغمته عن النأي بنفسه عن الصحافة الى حين التعافي.. ودائماً يحضر الخصوم لابن سلمان مثل محمد بن نايف ومتعب بن عبد الله في أي قصة خيالية ينسجها غياب ابن سلمان.

ماذا لو كان الغياب جزءاً من الاختبارات التي يخضع لها سكان هذا البلد في سياق توطيد أركان حكم ابن سلمان في المرحلة المقبلة، وبناء على استشارات شركات خاصة بتحليل نفسي اجتماعي متقن.

من المؤكّد، أن سكّان هذا البلد بات مادة تجارب لشركات عالمية عقد معها إبن سلمان وفريقه وبدعم من شريكه الاستراتيجي محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، اتفاقيات من أجل تقديم «الاستشارات» القائمة على تحليل ردود فعل السكّان المحليين إزاء القضايا بالغة الحساسية والمرتبطة بعلاقة السلطة بالمجتمع، والتي من شأنها المساهمة في تحقيق أفضل النتائج في عملية التحوّل الجذري في المملكة وتهيئة ظروف مؤاتية لانتقال السلطة بصورة سلسة لابن سلمان.

في مقالة تحقيقية شديدة الأهمية نشرتها صحيفة (نيويورك تايمز) في 31 مايو 2018 كشفت فيها عن دور شركة (Cambridge Analytica) في صوغ الاجندة الإصلاحية للمملكة السعودية.

وبحسب الصحيفة، فإن المملكة السعودية لجأت الى شركة المعلومات السياسية، أي كامبردج أنالايتيكا، للحصول على المساعدة، بحسب مدراء الشركة العاملين في المملكة. وإن العمل الذي قامت بها الشركة الأم، وهي مقاول دفاعي ومخابرات سري اسمهSCL Group ، قام برعاية التغييرات العاصفة التي تعيد تشكيل المملكة.

تجدر الاشارة الى أن مجموعة SCL توفّر، بحسب موقعها على الشبكة، البيانات والتحليلات والاستراتيجيات للحكومات والمنظمات العسكرية في جميع أنحاء العالم. وقد قامت على مدى أكثر من عقدين بتنفيذ برامج لتغيير السلوك في أكثر من 60 دولة، وتمّ الاعتراف بها رسمياً للعمل في مجال الدفاع والتغيير الاجتماعي.

الشركة الغارقة الآن في الفضائح المتعلقة بممارساتها المؤسسية واستخدام بيانات مستخدميFacebook ، أعدّت دراسة تفصيلية عن السكان، وقدمت خريطة طريق نفسية للمواطنين في المملكة وشعورهم تجاه العائلة المالكة، حتى اختبار خطوات الإصلاح المحتملة لأنها رسمت الطريق إلى الأمام للحفاظ على الاستقرار.

من بين القضايا التي أخضعت للاختبار من قبل الشركة كان رفع الحظر المفروض منذ 35 سنة عن دور السينما في المملكة، وهو إجراء تمّ اتخاذه فيما بعد في ديسمبر 2017. قضية أخرى هي السماح للنساء بقيادة السيارة، وهي الخطوة التي تمت في سبتمبر من العام نفسه.

منذ تولي سلمان السلطة في 23 يناير 2015، بدأت الاتصالات بمجموعة من الشركات الاستشارية الأجنبية، في سياق وضع خطة شاملة لاحتواء تداعيات انهيار أسعار النفط منذ أكتوبر 2014، ووضع استراتيجية جديدة تقوم على أساس تنويع مصادر الدخل. وكان من بين الشركات الاستشارية التي شاركت في صوغ الرؤية المستقبلية للمملكة هي McKinsey&Company وBoston Consulting Group ، المتخصصتين في تنفيذ الاعمال التجارية، فيما كانت SCL، التي تأسّست في العام 1993 منغمسة في اختبار سيكولوجية الجماهير وردود فعل شعب ما إزاء قضايا مدرجة في خانة التابوات، وهذه الشركة كانت معروفة بأعمالها السرية.

الشركة المذكورة، شأن شركات أخرى غارقة في الفضائح، تكشّفت بعض أسرارها بكونها تستخدم الإغراء والرشوة لاستقطاب السياسيين والتأثير في الانتخابات الأجنبية. وقد عملت شركة كامبريدج أناليتيكا لصالح حملة ترامب، ولكنّ الشركة واجهت فضيحة إساءة استخدام بيانات فيسبوك. وقد أدلى الرئيس التنفيذي السابق لـ «كامبريدج أناليتيكا» ألكسندر نيكس بشهادته أمام المشرّعين في المملكة المتحدة بخصوص استغلال بيانات الفيسبوك في الحملات الانتخابية.

وقدمت الشركة تحليلات نفسية للمواطنين في أماكن مثل ليبيا في عهد العقيد معمر القذافي. وفي العام 2017، تمّ توظيفها من قبل حكومة دولة الإمارات، الحليف السعودي الوثيق، لشن حملة في مواقع التواصل الاجتماعي ضد منافستها قطر. وفي إندونيسيا، قامت SCL ذات مرة “بتنظيم طرق الاحتجاج” كوسيلة للتحكم في المظاهرات الطلابية، وفقاً لأحد التقارير الإخبارية، ورتّبت للحكومة كيف تموّل سراً مؤتمراً حول الاستقلال الصحفي، وفقاً لتقرير خبري آخر

وكان فريق (WowShack) نشر في 5 إبريل الماضي معلومات عن أن شركة كامبريدج أناليتيكا جمعت بيانات مليون أندونيسي من مستخدمي فيسبوك، وأن أندونيسيا هي البلد لثالث الأكثر تضرراً في فضيحة كامبريدج أناليتيكا بعد الفلبين والولايات المتحدة. وقد جمعت بيانات 87 مليون شخص على مستوى العالم.

في المعطيات، لم تكن المرة الأولى التي تتدخّل فيها شركة كامبريدج أناليتيكا في شؤون أندونيسيا. فقد تمّ التعاقد مع شركة SCL في العام 1998 بعد سقوط سوهارتو من قبل كيان غير معترف به لتنظيم مسيرات لكي يتمكّن طلبة الجامعة من «التوقف عن الدراسة». وبحسب كوارتز:

“تم تنظيم مسيرات كبيرة في كل جامعة. وكانت الأحداث كبيرة جداً بحيث كان هناك شعور عام بين الطلاب بأن صوتهم قد تمّ سماعه بالفعل».

وقد جرى استخدام تظاهرات الطلبة في أندونيسيا في فترة ما بعد سوهارتو للتلاعب بقطاعات كبيرة من المجتمعات عبر الانترنت لتحقيق مكاسب سياسية في ارجاء مختلفة من العالم. وقد يكون انتخاب ترامب بمثابة التتويج الذي حقّقه هذا النوع من التلاعب بالبيانات.

وقد يكون تطبيق فيسبوك قد قام بتعديل واجهة برمجة التطبيقات (API)، من أجل التلاعب بالبيانات المتناثرة عبر الانترنت على عدد لا يحصى من المنصات.

شركة كامبريدج اناليتيكا عملت من خلال استراتيجيات شاملة الى تغيير وجهات نظر قطاعات كبيرة من السكان. في العمق، إن معرفة الرؤية تقتضي معرفة كيف يفكر صانعها، وكيف سوف تكون عليه ردود فعل المستهدفين بها. وهنا يتنكّب الفاعلون من مجرد التعامل مع قضية مادية الى ما قبل ذلك أي الاشتغال على طائفة أبحاث نفسية تساعد في اختبار نجاعة خطة الإصلاح.

لقد كشفت الأدوار السريّة التي قامت بها شركة كامبريدج أناليتيكا بأن النظرة الى ولي العهد محمد بن سلمان سوف تنقلب دراماتيكياً، من كونه أهم إصلاحي في المنطقة الى كونه انتهازياً شرساً. فالدوافع الغامضة وراء محاربة الفساد كانت مشوبة بشبهة النفاق والفساد المضاد، وإن مزاعمه النبيلة في جهود الإصلاح وتشكيل ديناميكية فاعلة للسلطة في المملكة والمنطقة بأسرها قد تفسخت بسبب عادة الانفاق الضخمة التي ترافقت مع حملة مكافحة الفساد (قصر في فرنسا، ولوحة دافنشي الى جانب يخت الملياردير الروسي صاحب مصانع فودكا للخمور).

 
كامبردج اناليتيكا.. تملكها الاستخبارات والإمارات!

كان عمل شركة (SCL) يتسم بالسرية، لكن أحد المحللين السابقين في الشركة، جيمس لوفيل، الذي أدرج المشروع السعودي على صفحته على تطبيق LinkedIn ، وهو أحد مواقع التواصل الاجتماعي الرئيسية، قال إنّه «حلّل بيانات مجموعة التركيز، وساهم في العروض وكتب تقارير لمشروع بحثي عن الإصلاح الاقتصادي في المملكة السعودية.»

وكتبت مدير مشروع في كامبريدج اناليتيكا أليكسكا أليكسندرا ويكسل في صفحتها الشخصية في نفس الموقع أن العمل «ركّز على تطوير مبادرة الإصلاح الوطني من أجل دفع البلاد لتنويع اقتصادها بعيداً عن اعتمادها على النفط».

وأشار أحد الاستشاريين الغربيين، الذي لم يشارك في المشروع ولكن اطلع على تقرير لجنة SCL، إلى إن نتائجها ذات طبيعة ميكافيلية، واصفاً إياها بدليل للعائلة المالكة لإدارة المشاعر الشعبية عن طريق معرفة أين يجب أن تخفّف قبضتها. وقال المستشار إن التقرير استخدم العشرات من مجموعات التركيز لدراسة مستويات الإحباط والرضى، وكذلك شرعية العائلة المالكة، والبنية السياسية، وأظهر وجود استياء واسع النطاق.

وكان تقدير الاستشاري متوافقاً مع تقدير موظف سابق في شركة (SCL) بأن عمل الشركة كان يهدف إلى إجراء تحليل سلوكي للسكان ثم وضع استراتيجيات لإبقاء الحكومة قابلة للحياة في حقبة انخفاض أسعار النفط.

تمّ تعميم أعمال الشركة على بعض شركات الاستشارات التي وضعت خطة باسم Vision 2030 الهادفة إلى نقل المملكة إلى مرحلة ما بعد النفط وتحديث ثقافتها. عملت شركةSCL في المملكة من قبل، وقد أدرجت في قائمة البلدان التي كان لدى الشركة فيها عملاء وكلّفت وزارة الاقتصاد والتخطيط بأحدث أعمالها، وهي إحدى الوزارات التي نفذت خطة رؤية 2030.

إن المسافة بين الخسارة والربح في رهان الرؤية تبدو قصيرة، ولكن بالنسبة لمحمد بن سلمان «هناك الكثير من التحديات»، كما قال في مقابلة أجريت معه برنامج “60 دقيقة” في قناة (سي بي إس) الاميركية في 19 مارس 2018 .

على أية حال، لم تكن المقابلة كاشفة عن مضامين الرؤية أو خطة التحوّل الوطني فهي ليست من سنخ المقابلات التي كان يعرضها برنامج (60 Minutes) المعروف بمستوى مرتفع من الصراحة والنقد والسخونة، ما حدا بموقع (ذي انترسبت) الاميركي أن يصفها بـ «الجريمة بحق الصحافة». ما صدر عن محمد بن سلمان حول رؤيته للمملكة 2030 يتسم بالسذاجة فكان ينثر كلمات متقاطعة لا رابط متين يجمعها في رؤية شاملة لبلد يراد الانتقال به من زمن الى آخر.

الجدير بالالتفات، أن مدراء شركة كامبريدج أناليتيكا جنباً الى جنب الشركة الأم SCL ومعهم المدير التنفيذي ونائب شركة فرونتير سيرفيسيس جروب برئاسة إيريك برينس (مؤسس بلاك ووتر) أسسوا شركة (Emerdata Limited) في 11 أغسطس 2017 في المملكة المتحدة، وأدرج جوليان ويتلاند، رئيس شركة (إس سي إل)، رئيساً للشركة ومالكاً لحصة تتراوح بين 25 ـ 50 في المائة، ورئيس قسم البيانات في كامبريدج أناليتيكا، ألكسندر تايلر، أيضاً ضمن المالكين بنسبة تتراوح ما بين 25 إلى 50 في المائة. ومنذاك، تمت إزالة إسميهما كمالكين هامين، ولكن تمّ إدراج ويتلاند كمدير نشط، إلى جانب ألكسندر نيكس، الرئيس التنفيذي لشركة كامبريدج أناليتيكا.

وكان عنوان شركة (Emerdata) في وسط لندن في شارع (Great Queen)، ولكن في 18 فبراير 2018 انتقلت الشركة الى أقصى شرق لندن، وتحديداً في منطقة كاناري وورف، في نفس مقر مجموعة إس سي إل.

وفي غضون ذلك، تمّ تحديث بيانات الشركة وأشير الى ثلاثة أعضاء جدد، وهم: أحمد أشرف حسني الخطيب، والسيدة تشنغ بنغ، والسيد جونسون شون شون كو، وقد انضم هؤلاء في يوم واحد، أي 23 يناير 2018. اللافت أن تغييراً أو بالاحرى اختصاراً للإسم الكامل للخطيب جرى في اليوم نفسه بحيث أصبح ثنائياً أي (أحمد الخطيب) فحسب.

في التاريخ نفسه، تمّ أيضاً تعيين Chun Shun Ko الشريك التجاري مع إيريك برنس، من بين مدراء شركة (Emerdata)، كما تذكر الصحافية في (الجارديان) البريطانية ويندي سيغلمان في تغريدة لها على حسابها في تويتر.

في موقع دار الشركات البريطاني (Companies House) نقرأ في تفاصيل شركة (Emartada)، ومختصر عن سيرة المدراء في الشركة مثل أحمد الخطيب (من جزر سيشيل البريطانية من أصل عربي)، وجونسون تشون شون (صيني)، وجنيفر مرسر (أميركية)، وريبيكا آن ميرسر (أميركية)، وتشنج بينج (بريطاني من أصل صيني)، وجوليان ديفيد ويتلاند، (بريطاني)، والكسندر جيمش آشببيرنر (بريطاني)، والكسندجر بروس تايلر (بريطاني/استرالي).

أحمد أشرف حسني الخطيب (من مواليد 1988)، كأول مديرفي القائمة، يذكر جنسيته الثانية التي أخذها من جزر سيشيل البريطانية (Citizen Of Seychelles) ويقيم في بريطانيا.

لم يكشف عن مسقط رأس الخطيب، ولا جنسيته الأصلية، ولم يعرف عن عمله السابق، ولا حتى طبيعة ارتباطاته، ولكن ثمة ما يشير الى علاقة ما مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، لجهة اللقاءات التي كانت تجري في جزر سيشيل بينه وبين ايريك برينس وموفد روسي ونظيره من فريق ترمب. قد يؤشر ذلك الى أن الخطيب ليس سوى واجهة لأعمال قذرة يديرها ابن زايد عبر هذه الشركة.

الجدير بالاشارة، أن إيريك برينس التقى في جزر سيشيل في 11 يناير 2017 مع كيريك دميتريف، مسول صندوق الثروة المدارة من قبل الكرملين، وجورج نادر، رجل الاعمال اللبناني الأميركي، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد من أجل شق قناة تواصل مع الكرملين. وقد أخفى برينس تفاصيل اللقاء عن الكونغرس وعن المحقق روبرت مولر، الذي يحقق في قضية تدخل روسيا في الانتخابات الاميركية لصالح ترمب.

 العلاقة بين إيريك برينس وكو تشون شون تبدأ من خلال مجموعة شركات فرونتير للخدمات المدرجة في هونج كونج، وهي شركة رائدة في توفير الخدمات الأمنية المتكاملة والخدمات اللوجستية والتأمينية للعملاء الذين يعملون في الأسواق الحدودية، وهذه الشركة يرأسها برينس. أما المدير التنفيذي فهو كو تشون شون، وهو نفسه جونسون تشون شو كو الذي يشغل مديراً الى جانب آخرين في شركة Emerdata في مركز الشرق الأقصى المالي في طريق هاركورت بهونغ كونغ، وهو نفس العنوان الذي يقع فيه المقر الرئيسي لمجموعة فرونتير.

 
فيس بوك وغيره مصيدة للمعلومات وميداناً للتجسس والتأثير على الرأي العام

برينس يرأس أيضاً شركة (DVN) القابضة، والمتخصصة في تزويد معلومات عن الاسواق المالية عبر الإنترنت، والمملوكة من قبل تشون شون كو ومجموعة سيتيك المملوكة للدولة، حيث جرى تعيين برينس مديراً للشركة ومنحه أسهماً فيها، وباع هو على الشركة مجموعة خدمات لوجستية ومعلوماتية يحتاج اليها رجال الاعمال الصينيين في تجارتهم في القارة الافريقية.

يشار إلى أن تشون شو كو «المدير التنفيذي لشركة Reorient Group (تأسست في أغسطس سنة 1982) بعد ان اسبتدل اسمها (Ltd Asia Telemedia) في أكتوبر 2011.

في مقالة مهمة للكاتبة والمحقّقة آن مارلو، زميل زائر في معهد هدسون، نشرت في 22 أغسطس 2016 حول دور شركة تحليلات البيانات التابعة لشركة دونالد ترامب في الانتخابات الاميركية. وتساءلت مارلو فيما اذا كانت هذه الشركة سوف تسمح لروسيا بالوصول الى أبحاث حول مواطني الولايات المتحدة.

وذكرت مارلو بأن حملة ترامب استأجرت شركة تيدر كروز لتحليل البيانات السابقة المعروفة بإسم «كامبريدج أناليتيكا»، وبذلك ربطت نفسها بقطب عقارات بريطاني هو فنسنت تشينجيز، الايراني الأصل، ومن خلاله مع الأوليغارشي الأوكراني ديميتري فيرتاش، وهو شريك أعمال مدير حملة ترامب بول مانافورت، الذي استقال في أغسطس 2016. في ضوء هذه المعطيات تقول مارلو: «سيكون من الصعب العثور على مثال أفضل عن سبب أهمية ملكية الشركات التي تجمع البيانات حول الناخبين الأمريكيين».

من وجهة نظر مارلو، أن ما تفعله كامبريدج أناليتيكا هو ما فعله المسوّقون لبعض الوقت: تقسيم العملاء المحتملين (في هذه الحالة الناخبين) من خلال عادات الشراء، وأسلوب الحياة، وعلم النفس. ومن أشهرها حملة «الخروج ـ Brexit» أثناء التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في المملكة المتحدة.

وقد أثارت الشركة الأم البريطانية في كامبريدج أناليتيكا، أي SCL ، انتقادات لعدد من الاستراتيجيات، مثل محاولة إقناع أنصار المعارضة بعدم التصويت في انتخابات نيجيريا، وذلك باستخدام تأثير «الشخصيات الدينية المحلية».

ويبدو أن SCL و CA لديهما بعض الأفكار المتعبة جداً. وقالت الشركة في أبريل 2016: «تقوم الشركة بتجميع الناس وفقاً لموقع اندراجهم على مقياس يسمى OCEAN، والذي يستخدمه علماء النفس لقياس مدى انفتاحهم، أو يلامس ضمائرهم، أو انفتاحهم، أو موافقتهم، أو يحرّك عصبهم». وقد قامت شركة كامبريدج أناليتيكا باستطلاع آراء مئات الآلاف من الأشخاص في الولايات المتحدة بهدف ابتكار نموذج احصائي للتنبوء بهذه الخصائص في السكان على نطاق واسع. وهو نفس المعيار الذي اعتمدته الشركة مع السكان السعوديين لاختبار ردود فعلهم على حزمة التغييرات التي كان قد أعدّها ابن سلمان في سياق تطبيق رؤيته للسعودية الجديدة.

وبصرف النظر عن دقة النتائج التي تقدّمها شركة كامبريدج أناليتيكا كونها قد تقع في مطب ما يعرف بالتنميط النفسي، الا أن الاختراق الواسع النطاق للخصوصية يتجاوز مجرد الاعتماد على سجلات عامة. وقد ذكرت صحيفة (وول ستريت جورنال) في 23 فبراير 2016 بأن شركة كامبريدج أناليتيكا تقوم باستطلاع «آراء عشرات الآلاف من البريطانيين في جميع أنحاء البلاد حول قضايا تشمل القضايا الحزبية والشخصية ومخاوفهم بشأن عضوية الاتحاد الأوروبي. ثم تقوم الشركة لاحقاً بدمج النتائج مع بيانات أخرى متاحة للجمهور حول الناخبين لتقديم المشورة حول كيف يجب أن يستهدف « الخروج من الاتحاد الأوروبي» مداولاتهم بشكل أكثر تحديداً من خلال قنوات متعددة».

في ظل تسونامي البيانات الضخمة التي يجري استغلالها من قبل شركات خاصة لخدمة سياسات أو خطط سياسية محدّدة لدول وحكومات، يطرح السؤال حول من يملك حق جمع البيانات وتوظيفها بطريقة دنيئة.

وسواء كانت كامبريدج أناليتيكا على علاقة مع فنسنت تشينغويز أو حتى تمّ تقاسم المعلومات بين مستبدين وديمقراطيين، فإن الضحية في كل الأحوال هي الأشخاص الذين جرى انتهاك خصوصياتهم وتحوّلوا الى فئران مختبرات لدراسة ردود فعلهم على قضايا تندك في مصيرهم.

من المفارقات المثيرة للسخرية، أن السموم المتراكمة بين الرياض وطهران والتي تحول دون مجرد التفكير في لقاء على أرض مشتركة، فإنهما التقيا ولكن بأشخاص آخرين، وفي مكان آخر، ولأهداف مختلفة تماماً. فعلى مدى عشر سنوات كان الايراني الأصل فينسنت تشينجويز رئيس شركة (Consensus Business Group) هو أكبر مساهم في شركة كامبريدج أناليتيكا، التي استعان بها ولي العهد السعودي للحصول على استشارات بخصوص اختبار ردود فعل المجتمع إزاء قضايا خاصة: قيادة المرأة للسيارة، الانفتاح الاجتماعي والتسلية بأشكالها. وحتى بعد بيع تشينجويز لأسهمه في العام 2015، فإن جوليان ويتلاند، رئيس مجلس إدارة مجموعة SCL، هو أيضاً أحد مدرائها الأربعة، فإنه في الوقت نفسه موظف لدى تشينجويز. تجدر الاشارة الى أن مجموعة الاخير كانت تملك نحو 24 في المائة من مجموعة إس سي إل وعلى مدى ثمان سنوات، وكان جوليان ويتلاند يعمل لصالح تشينجويز.

استخدم تشوينجويز شركة Guernsey القابضة نفسها، أي Wheddon Ltd ، لاستثمارهما في شركة Cambridge Analytica في المملكة المتحدة وفي شركة أخرى ذات ملكية خاصة في المملكة المتحدة، وكان أكبر مساهم فيها هو الوسيط الأوكراني للغاز ديميتري فيرتاش.

أفادت العديد من المقالات بأن الملياردير الأمريكي روبرت ميرسر هو مالك كامبريدج، ولكن بعد البحث في محرّك جوجل يظهر عدم صحة ذلك. صحيفة ديلي بيست كانت محقّة في نتائجها حيث تذكر الصحيفة بأنه لعله ليس من المستغرب أن يكون ترامب يفكر في توظيف المهوسين الذين ينقّبون عن البيانات السياسية، والذين كانوا جزءاَ من النجاح المفاجئ لحملة (الخروج من الاتحاد الاوروبي) بقيادة كامبريدج أناليتيكا، وهي شركة بريطانية بدأت تتقدّم في السياسة الأمريكية المحافظة. ونقلت الصحيفة عن مصادر قريبة من حملة ترمب أن مستشاريه يناقشون مزايا توظيف الشركة، التي تعد بتحديد هوية الناخبين الرئيسيين - وإدخال أصوات جديدة إلى صناديق الاقتراع - باستخدام مزيج من التحليل الديموغرافي و»التنميط السيكولوجي»، وقد عملت كامبردج أناليتيكا مع اثنين من منافسي ترامب، السناتور تيد كروز وبن كارسون، ويقول المدير التنفيذي للشركة إن الشركة عملت على عشرات من المنافسات الأخرى في الولايات المتحدة.

بعض الصحف الاميركية تشير الى شركة كامبريدج أناليتيكا بأنها شركة أميركية تابعة لمجموعة SCL ولكن العلاقة بين كامبريدج أناليتيكا والأخيرة شديدة التعقيدة بما يصعب فكّها بسهولة.

في ثنايا التشابكات المعقّدة واللانهائية في علاقات شركات البيانات وتحليلها، يقبع العامل الاسرائيلي الذي يتموضع محورياً في أتون شبكة العلاقات السريّة. فثمة علاقة خاصة تربط مؤسس بلاك ووتر إريك برينس مع رئيس الأركان في حكومة نتنياهو، وهنا يشرع الباب على علاقات مع ترامب ومع شركات البيانات الغربية العاملة تحت غطاء صفقات تجارية تبدو نظيفة وصولاً الى الرياض وابو ظبي.

وفي الوقت الذي يُحاكم إيريك برينس على إنشاء قناة خلفية للاتصالات بين ادارة ترامب وروسيا، تتكشف روابط اسرائيلية عميقة مع برينس، ومنه مع رجال أعمال وشركات غربية باتت اليوم في عين العاصفة بسبب ضلوعها في فضيحة استغلال المعلومات لصالح حكومات وشركات.

بحسب صحيفة (هآرتس) الاسرائيلية في 6 ديسمبر 2017 اعتاد برينس على القيام بأعمال في إسرائيل مع آري هارو، رئيس الأركان السابق لنتنياهو. برينس كان على علاقة قديمة مع المتموّل الاسرائيلي دوريان باراك، وهو شريك هارو سابقاً.

قبل خمس سنوات، سبقت أي تنبؤ بفوز ترامب في الانتخابات، زار برينس إسرائيل واستضافه هارو، وكان حينذاك، رجل أعمال ولديه صندوق استثماري خاص بالإضافة إلى كونه رئيس مكتب نتنياهو. حاول هارو إثارة اهتمام برينس بالاستثمار في Indigo Strategic Capital، وهو صندوق رأس المال الاستثماري الذي كان هارو يشارك في إدارته مع دوريان باراك.

ولا يزال حجم استثمارات برينس في Indigo غير معروف، ولكن من المعروف أنه من خلال Indigo استثمر في الشركات الإسرائيلية NowForce (الأمن) والوكيل Vi (تحليلات الفيديو في الوقت الحقيقي).

أبعد من إسرائيل، حاول باراك أيضاً أن يلفت اهتمام برينس في الاستثمار في مشروع سكك حديد أفريقية - مع شركة البنية التحتية الإسبانية Eurofinsa - وفي استثمار مشترك مع فنسنت تشونجويز.

لا يعرف هارو أن لديه علاقات مع برينس على مدى خمس سنوات خلت. لكن Indigo Strategic Holdings، وهي شركة مدرجة في جزر كايمان أسسها باراك لتولي نشاطه المشترك مع هارو، ولم تغلق إلا في أغسطس 2017.

في ظل الخمائر المتداخله بين أطراف متعددة، بقي سؤال عالقاً حول علاقة برينس مع فنسنت تشونجويز، حيث إن الثابت وجود ممثّل لكل منهما في شركة Emerdata Limited ، وهناك علاقة عمل بين اثنين من كبار المدراء التنفيذيين في Cambridge Analytica وهما جوليان ويتلاند والكسندر نيكس من جهة وشريك أعمال ايريك برينس أي تشو شون كو.

وتطرح الشراكة العديد من الأسئلة: فما الغرض من أعمال Emerdata Limited؟ وما هي العلاقة التجارية بين مديري Emerdata جوليان ويتلاند وألكسندر نيكس الذي يرأس أيضًا كامبريدج أناليتيكا، والشريك التجاري لإريك برينس، كو تشون شون؟ والأكثر إثارة للاهتمام، هل هناك أي علاقة مباشرة بين كامبريدج أناليتيكا وإريك برينس؟

علاوة على ذلك، فإن ما يهمنا من كل ماسبق هو دور شركات تحليل البيانات في قراءة مجتمعات هي اليوم مستهدفة من قبل حكوماتها، في ظل افتقارها لشرعيات شعبية وارتهانها الى الخارج بصورة شبه كاملة. لقد تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، (فيسبوك)، (انستغرام)، (لينكده)، و(سناب شات) وغيرها الى مخازن ضخمة لمعلومات عن مستخدميها، يجري تحليلها من قبل شركات أمنية وسياسية تستخدم فيها كل أدوات التحليل النفسي، والاجتماعي، والثقافي وتقديمها في هيئة نصائح واستشارات خاصة لحكومات. وهذه الشركات لا تخفي هذه الوظيفة، فهي مذكورة في ملفات التعريف بها على مواقعها الرسمية على الشبكة، وإن وضعتها أحياناً في سياقات أخرى ملطّفة.

باختصار، إن سكان العالم باتوا في مرصد شركات تحليل المعلومات، وقد سهّلوا مهمة من يريد استهدافهم والهيمنة عليهم عبر أشكال جديدة.

الصفحة السابقة