إطلاق صواريخ موجّهة في كل الإتجاهات!

سفر الحوالي يختتم مسيرته في كتاب

عبدالحميد قدس

ألف كتاباً من ثلاثة آلاف صفحة، بعنوان: (المسلمون والحضارة الغربية، فاعتقل!

فهل هذا يمثل اختصاراً لسفر الحوالي وقضيته المثارة «سعودياً»؟!

الكتاب يرى العالم بعين عقدية، ويحلل الأمور عقدياً، وينظر للجماعات والأحزاب، والديانات، والمذاهب، والنحل، والأشخاص، والشعوب عامة بمنظار عقدي وهابي بحت. لهذا كانت رؤيته في معظمها عمياء، ولهذا أيضاً ارتأينا إعادة نشر مقالة الدكتور الأحمري في هذا العدد عن التحليل العقدي وتخبطاته.

كتاب الحوالي تحريضي، لم يستثن أحداً. وهنا كانت المشكلة: هل يدافع المرء عن صاحب رأي، أم عن محرّض فعلاً على الآخرين.

 
كتاب الحوالي.. تحريض وجهالة

ليست المشكلة أن يكون لكَ رأياً في غاية السلبية عن عقائد الآخرين بمقياس ما تؤمن به، وحتى تشديد النكير على الآخرين معتقداً وسلوكاً قد يُتسامح بشأنه الى حدّ ما، حتى وان ابتُني الموقف او التحليل للآخر أياً كان صنفه، على معلومات أو معطيات خاطئة، او ناقصة، أو مُجتزأة.

هذا يدخل في إطار (حرية تعبير) فيما نظن.

لكن كل كتاب الحوالي (قطعة واحدة من التحريض) على البشرية بمختلف مصنّفاتها. التحريض الذي نقصده هو: استهداف المختلف ديناً ومذهباً وسياسة واعتقاداً وموقفاً باتخاذ (موقف عملي) منه، وان تكون لديك رسالة تجاهه: الدعوة الى المواجهة بمختلف اصنافها، والدعوة الى محاصرته، وإباحة التضييق عليه وحتى قتله. الغريب ان أحد من حرّض ضدّهم في كتابه، كان قد قُتل غيلةً قبل بضعة أشهر في الأردن من قبل أشخاص ينتمون الى التيار الوهابي السلفي.

وهنا نميّز بين السلفي والوهابي. فليس كل سلفي وهابياً، ولكن كل وهّابي سلفي.

لم يستثن الحوالي من التحريض دولة او جماعة تقريباً، اللهم الا اردوغان وتركيا، وبعض جماعته الوهابيين، وليس كلهم ايضاً.

وهذا التحريض ليس فقط كان عاماً شاملاً يتعدّى حدود قادة الرأي الذين يخالفهم، أو أصحاب موقف سياسي محدد، ليشمل مجتمعاتهم بقضّها وقضيضها.. ليس هذا فحسب، بل كان الحوالي في بعض الأحيان مخصصاً ومحددا، وسمّى أشخاصاً كثيرين مخالفين أو مختلفين معه بالإسم سواء داخل المملكة السعودية وخارجها.

كما سمّى الجماعات بأسمائها وحرّض عليها: الصوفية في الحجاز، والشيعة في الشرقية، والإسماعيلية في الجنوب، فضلاً عن أباضية عمان، والعراقيين الشيعة بمختلف توجهاتهم، والعلويين والزيدية والحوثيين والدروز والمسيحيين والهندوس والمجوس ومن هو في اليابان، او في الصين، او في روسيا، او أمريكا، او أوروبا، او في افريقيا.. وهكذا.

والكتاب فوق ذلك سطحي، لا يعتمد على منهج علمي، وفيه مزاعم انصاف الآخرين الذين يحرض عليهم والعدل في التعاطي معهم. كما انه يعتمد على كم هائل من المعلومات المغلوطة، التي يبني عليها تحليلات ويتخذ بشأنها مواقف عملية.

وزيادة على ذلك، فإن الكتاب يتلمّس العذر للقاعدة وداعش، ويبرر لإرهابهما من حيث المضمون بشكل واضح. وهو حين يعدد أسباب الإرهاب، ينزّه الذات الوهابية، ويدافع عن كل أدبياتها، ويعيش في سجنها، بل ان الحوالي جعل من يقرأ كتابه يعيش عصر ابن تيمية لكثرة ما استشهد بكلامه، ولا غرو فقد لقّبه ابن باز، بابن تيمية الصغير، وأطلق عليه آخرون: ابن تيمية عصره.

وكتاب الحوالي يمكن القول عنه انه ملخص لتجربته وأفكاره وكتاباته السابقة وحتى حياته. ورغم تخصصه في العقائد ومكافحتها (عدا عقيدته هو)، الا انه أظهر عضلات علمية في كل فن، وتنطّح لمناقشة مئات المسائل التي تحتاج الى الغوص العميق، وليس الملامسة السطحية. ولهذا كثر التكرار في الكتاب في مئات الصفحات. وبديهي ان من يستعرض عضلاته في مواضيع شتّى في السياسة والاقتصاد والحضارة والأديان والمذاهب والاجتماع والفقه وغيرها، لن يكون إلا سطحياً.

 
الحوالي.. مريضاً

على أن كتاب الحوالي لا يخلو من فوائد في فضح آل سعود ومشايخهم وطريقة تفكيرهم، كما لا يخلو من بعض التحليلات المفيدة، والمطالب المحقّة، وبعض المعلومات الخاصة، وغير ذلك.

كل من يقرأ كتاب الحوالي سيجد فيه الكثير مما يعترض فيه عليه، وقد يحفّزه لاتخاذ موقف سلبي منه. والرجل لم يترك احداً في الكون الا وتعرّض له او لمعتقداته وحرض عليه. وبالتالي حرم نفسه من الأنصار، والمدافعين، سواء داخل المملكة أو خارجها.

على أنه يمكن القول، بأن ما استند الحوالي عليه ومرجعيته في مواقفه، إنما هو المعتقد والموقف والتاريخ الوهابي (كل حمولة الأيديولوجيا الوهابية)، وهو هنا ـ كما القاعدة وداعش ـ اكثر قرباً من الوهابية من أي من مشايخ النظام او هيئة كبار علمائه. هؤلاء أصدق مع أنفسهم ومع من يعترضون عليه في تمثّل الوهابية وتمثيلها.

ومما لا شكّ فيه أن الحوالي كان شجاعاً في كتابه في مواجهة آل سعود، وحتى في عرض آرائه، الى حد اللاإبالية بأحد. وربما يعود السبب الى حقيقة انه يعتقد بأن ما كتبه يمثل رسالته الأخيرة قبل أن يتخطفه الموت، وكأن أيامه قد دنت كما ألمح الى ذلك في المقدمة. فقد أًصيب بجلطة في الدماغ، ثم اجرى عمليتين أخريين، وإذن: ان تموت واقفاً الآن أمرٌ حسن!

وواضح ان كتاب الحوالي مدفوع بالتغيرات العاصفة منذ مجيء سلمان وابنه الى الحكم. وكتابه يدلّ على أنه شرع فيه قبل أكثر من عام على الأقل. كما ان الكتاب مدفوع بطعم الهزيمة للمشروع الإخواني والمشروع الداعشي في تأسيس ـ أي منهما ـ لدولة طالما تمناها. خاصة وأنه يجمع الحُسنيين بنظره: فهو من جهة وهابي المعتقد، ولكنه في الإطار السياسي والتنظيمي إخواني الهوى. أي أنه يمثل ما يطلق عليه في السعودية بالتيار (الصحوي)، وبصورة أدق في التسمية، هو يمثل (الإخواسلفية).

هذه بعض من آراء الحوالي ومواقفه التي نثرها في الكتاب.

السياسة الخارجية

تحدث الحوالي عن تسريبات ويكيليكس لوثائق وزارة الخارجية السعودية (قيل انها نصف مليون وثيقة) فأشار الى أن وراءها جواسيس يهود أو رافضة (أي شيعة مواطنين) ليخلص الى عدم الثقة بالأخيرين: (لماذا لا نعيد النظر فيما يسمى اللحمة الوطنية، ونعلن أن من أبناء الوطن عملاء لا يجوز أن يعملوا في أي جهاز، فضلا عن وزارة الخارجية. أليست هذه التسريبات دليلا على أن من أبناء هذه البلاد من هم خونة يقتلون رجال الأمن والقضاة المتعاونين مع السلطة، بل أي سني يدخل مناطقهم وأن دعوى اللحمة الوطنية غير مجدية، وأن هؤلاء هم الطائفيون).

للعلم فقط.. وزارة الخارجية السعودية لا توظّف المواطنين الشيعة في أجهزتها وسفاراتها، ولا حتى كموظفي استقبال! وجلّ ما فعلته ذات مرّة هو تعيين مقرب من النظام ـ ومن خارج الاطار الدبلوماسي ـ سفيرا في طهران لفترة وجيزة.

واعترض الحوالي على تولية عادل الجبير وزارة الخارجية لتأثره بطريقة الحياة الامريكية وتشبهه بالكفار، ويخاطب العائلة المالكة: (وقد أمرتموه بخلع السترة والبنطال ولبس البشت والعقال، أفلا تأمرونه بأن يخلع الفكر الغربي ويتبرأ من حياته السابقة).

 
الحوالي: خلع البدلة، فلم لم يخلع الفكر الغربي

وطالب آل سعود بأن يستقلّوا في سياستهم الخارجية عن الامارات: (التي تقرب كل أهل البدع ما عدا من تسميهم الوهابية، والتي - كما تعلمون - نادت من قبل بضرورة التخلص من الأسرة السعودية والدعوة الوهابية، وتدعّي أنكم تحتلون جزءا من أرضها)!

وطالب الحوالي بتعديل سياسات آل سعود الخارجية فـ (كل ما أعطيتم من المال ذهب هباء حتى الآن، بل ربما كان ضدكم، فالمليارات التي قبضها السيسي لم تجعله يتزحزح عن موقفه المؤيد لبشار، وعدم اشتراكه في التحالف العربي، بل أسوأ من ذلك أنه ثبت إمداده للحوثيين بالسلاح). كذلك انتقد سياسة آل سعود تجاه قطر، لأنها (جعلت قطر والكويت وعمان ترتمي في حضن إيران، وكأنما أنتم تؤيدون سياسة إيران وتقدمون لها الهدايا، لا سيما في محاولة التطبيع مع إسرائيل، بينما شعارات إيران وأذرعتها هو: «الموت لإسرائيل، النصر للإسلام»؛ وذلك ما يجعل الملايين من المسلمين يصدقونها).

والكارثة بنظر الحوالي، هو أنه (بتماهي السعودية مع السياسة الأمريكية، تصحح دعوى الرافضة أن الذي أسس “الوهابية” هو مستر همفر البريطاني. وبتأييدها لإسرائيل، تصحح شعار الحوثيين: الموت لإسرائيل، وتجعل الناس يصدقون كلام حسن نصر االله. فالواقع أن أكبر من يقدّم خدمة للمشروع الصفوي هو السعودية، وإن كانت لا تشعر).

من يخدم الحجيج؟

أيضاً انتقد الحوالي سياسات آل سعود في الحج، وقال ان خدمة الحرمين ليست شعاراً، وأن الحجاج جاؤوا ابتغاء مرضاة الله، وليس ليسكنوا فنادق خمس نجوم كما يظن مصاصو الدماء. كما لم يأتوا للسياحة والترفيه (فيجب إلغاء كل سياحة إلى الآثار التي حرمها االله ورسوله، وإلغاء السياحة على الشواطئ). وقال ان من خدمة الحجاج السقاية والرفادة، وانه جاء هذا العصر الرديء (حيث أصبح مصاصو الدماء يتبارون في نهب الحجاج بأي وسيلة، وأصبح موسم الحج فرصة لتأجير الأبراج والعمارات، وتسويق ما كسد من السلع، وإذا قامت مؤسسة خيرية لإطعام الحاج قالوا غرضها دعم الإرهاب)!

وانتقد التفتيشات الأمنية في الحرم، وفي استغلال وبيع ماء زمزم، وقال أن تشرشل أُعجب به ـ أي ماء زمزم!

كما دعا الى أن يكون (تنظيم الحجاج والمعتمرين وضبط أعدادهم، منوطاً بهيئة إسلامية عالمية من أهل السنّة، لا يكون فيها رافضي ولا علماني، وليس منوطا بالحكومات). ورأى ان من الصدّ عن بيت الله ـ حجا وعمرة ـ غلاء الأسعار وتخويف الحجاج وفرض تصاريح الحج ورخص الإقامة.

ولم ينس الحوالي ـ نكاية بآل سعود ـ التذكير بأن أول من سمى نفسه (خادم الحرمين) هو السلطان سليم الأول، وأنه وضع على رأسه مكنسة علامة على الخدمة؛ وان العثمانيين كانوا يبعثون صرر الذهب لقاطني مكة والمدينة، وانهم بنوا الأربطة والفنادق والمطاعم الخيرية في طريق الحج، وانه كان من حق الحاج أن يسكن في الفندق ثلاثة أيام مجانا، هذا إن لم يكن الفندق كله وقفاً، ليخلص الى: (ونحن اليوم نطالب بإنشاء مطاعم وفنادق مجانية للحجاج).

 
سليم الأول: (خادم الحرمين الشريفين) الأصلي!

وقال الحوالي ان اطلاق الملك فهد على نفسه (خادم الحرمين) انما جاء بعد مطالبة الصوفية والرافضة أو المتأثرين بهم بتدويل الحرمين!

وانتقد الحوالي دعوات التدويل، لكنه طالب آل سعود بقبول اقتراحات الآخرين ومساعدتهم، كما طالبهم بـ (الشفافية في التعامل مع التبرعات الإسلامية، مثل الأربعة مليارات دولار التي تبرع بها سلطان بروناي ولا ندري أين ذهبت!). كما طالبهم بقبول تبرعات المسلمين من أي بلد، فذلك لا يمس السيادة، بل يعمم المحبة والتآلف، ويقطع الطريق على المطالبين بالتدويل.

حرب اليمن

تحدث الحوالي في كتابه، وفي مواضع عديدة عن اليمن، نثر فيها مواقفه، وهو يعتقد ـ مثلاً ـ بأن من الضلال اعتبار حكومة عبدربه هادي (شرعية)، لأنها لا تحكم بالشرع، وهو لا يعد بتطبيقه، وكان من الحزب الاشتراكي، ويضيف: (وإذا كان مصدر الشرعية هو التصويت فأنتم ـ آل سعود ـ غير شرعيين، إذ أنكم لم تحكموا عن طريق التصويت، ونظام محمد مرسي شرعي صوت له أكثر المصريين).

ونصح الحوالي آل سعود بأن لا يتورطوا ثانية في اليمن، فسلطة القبيلة هناك أقوى من سلطة الدولة، وولاء القبائل ليس ثابتا (وإنما هي لمن يدفع أكثر، حسب قوله)، وأكد أن (كراهية السعودية متأصلة عند اليمنيين. ولما كنّا في اليمن، خرج في إحدى المدن مظاهرة تقول «يا سعودي يا يهودي». وأنا لما كنت في أمريكا صليت بهم الجمعة مرغما في ديترويت، وبعد الصلاة قام أحد اليمنيين وقال: «حتى هانا باتحكمنا السعودية»؟!).

والمح الى انه تصريحات الجبير بأن (الحوثيين إخواننا) محبطة للجنود وتضعف المعنويات، لأنه كان يمكن التفاهم مع اليمنيين بدل الحرب، وهذا ليس رأي الحوالي الذي يرد: (متى أصبح الروافض إخواننا؟ وقد قال الشيخ المقبلي: إئتني بزيدي صغير، أُخرج لك منه رافضياً كبيراً).

يستاء الحوالي من التعويل على أحمد بن علي عبدالله صالح ويقول: (المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فكيف تلدغون أنتم مرات؟ وكيف تستبدلون المخلوع بابنه؟ وهو يريد الآن أن يستخدمكم لرفع العقوبات الأمريكية عنه، ثم ينقلب عليكم كما انقلب أبوه؟ وكما انقلب الحوثيون حسب قول اللواء أنور ماجد عشقي، وقد كانت معركة جبل دخان ٢٠٠٩، كافية لمن يعتبر). وزاد بأن: (كل ما قبضه البدر وعلي عبد االله صالح والغرب ذهب هباء منثورا، وأصبحت كل الشعوب تكرهكم). كما أنه قال بأن «الرافضة» ولكي يكسبوا مشاعر المسلمين رفعوا شعار (الموت لأمريكا والموت لإسرائيل)، وأنه (لما أرادت السعودية جمع مشاعر الناس ضد الحوثيين قالت إنهم استهدفوا الكعبة). وواضح انه يعتقد بأن ذلك مجرد دعاية.

والطريف أن الحوالي يقول أن (الدعاء أهم سلاح، لكنه مع الأسف أُهمل، أي أن عجوزا في خدرها تستطيع أن تدعو فيضل الله الصاروخ الحوثي في طبقات الجو). وهذا من حلوله لحسم الحرب، واعتقاده بأن الله سينصره لا محالة على عدوّه؛ رغم أنه يعود فيقول بأن (كفة الحوثيين هي الراجحة حتى في حالة التصدي لصواريخهم، وذلك أن تدمير صاروخ حربي قبل أن يصيب هدفه، إنما يكون بعدة صواريخ باتريوت) ما يشكل استنزافاً للقدرة والمال.

إخراج المشركين من جزيرة العرب!
 
الحوالي ناصحاً: حرب اليمن.. لا تتورطوا فيها ثانية!

تكرر من الحوالي الدعوة الى اخراج المشركين خاصة النصارى من جزيرة العرب، وهي الدعوة التي طارت بها القاعدة واشتهرت بها، وأتى بقصة الشيخ سليمان بن سمحان الذي اشتهر عنه التكفير بالمطلق لمعظم البشر، حيث تحدث لأمراء بأنه لا يجوز بحث موضوع النفط ولا غيره مع النصارى، ولا يجب دخولهم للبلاد، فلطمه أحدهم لطمة شديدة أذهبت بصره، ولم يفده العلاج الى ان توفي قبل نحو ٩٠ عاماً!

وينقل الحوالي قصة عن أحد المسجونين مع سلطان بن بجاد، احد قادة اخوان من طاع الله “جيش ابن سعود”، قول هذا الأخير: (والله ان طال عمرك، ليزاحمونك الحمران في البطحاء)!

والحمران هم النصارى، وقد حدث ذلك فعلاً.

ويضيف الحوالي بأن (الحمران) زاحمونا في الثروة كما فعل ترامب حين زار الرياض حيث كان همّه: الاعتراف بإسرائيل والمليارات التي تخلق ملايين الوظائف للأمريكان، وتبقى البطالة لحملة الشهادات العليا في السعودية.. ولكن (رزق الهبل على المجانين): (وما بقي إلا تكلفة بناء الهيكل، فهل تبنيه الإمارات مثلا؟ تلك الإمارات التي تشتري البيوت من المقدسيين وتعطيها لليهود، أم تبنيه السعودية وتحفر القناة بين البحر الأبيض وخليج العقبة لينجح مشروع نيوم؟).

التطبيع مع اسرائيل

والحوالي ضد التطبيع مع الصهاينة، وهذه تُحسب له، كما تُحسب له شجاعته ان قال ما قاله وكتب ما كتبه من داخل المهلكة السعودية. يؤكد الحوالي أن (التطبيع العلني مع اليهود قد بدأ، وشعاره أعطنا ما نريد لكي نعطيك فوق ما تريد) يقصد محمد بن سلمان. ويستدرك: (عزاؤنا في هذه المصيبة الجلل أن بغض اليهود يجري في عرق كل مسلم مع الدم، وأن قلوب كل المسلمين تعاديهم، ولن نصبح أبدا شركاء كما يقول نتنياهو ووزيره ليبرمان، بل نحن أعداء وسنظل كذلك إلى الأبد).

وعن زيارة رجل الاستخبارات أنور عشقي للكيان الصهيوني يعلق الحوالي: (قلتم إن «عشقي» لا يمثل إلا نفسه وصدقكم بعض الناس، فهل عادل الجبير أيضا لا يمثل إلا نفسه؟ وما عقوبة من لا يمثل إلا نفسه عندكم؟ وهل يجوز لأحد أن يزور قطاع غزة ويقول إنه لا يمثل إلا نفسه؟). وأضاف: (اعلموا أن كراهية الناس لكم قديمة، ولا يمكن حصول الإجماع عليكم، وقد فرح بعض أهل نجد لما خربت جيوش الباشا الدرعية، وتولوا المناصب للباشا. وبعد الغزل مع إسرائيل كرهكم أكثر المسلمين).

وحذر الحوالي من المشروعات السياحية (نيوم، قدية، البحر الأحمر) التي تخدم الصهاينة، وقال ان ما تسرّب من صفقة القرن كافٍ لأن يُلغى المشروع (نيوم).

 
الحوالي: لماذا انحصار العداء في إيران دون اسرائيل؟

كما دعا الحوالي الى الغاء ما يسمى بالمبادرة العربية التي تقدم بها الملك عبدالله، ويقول ان الذي أعدها هو فريدمان (والحمد الله أن إسرائيل رفضتها، ثم أطلق عليها ترامب رصاصة الرحمة، وهذا مبرر قانوني ومخرج شرعي يستوجب رفضها منكم ـ آل سعود. فهل تفعلون وتسمحون لنا بالجهاد؟). وزاد: (اعلموا أنكم كلما عملتم بعكس رغبة الشعب، وواليتم اليهود والنصارى، ازداد الشعب بغضا لكم).

إسرائيل وإيران

ولأن كتاب الحوالي، فوق انه احتجاجي، خصامي.. هو (سجاليّ) بامتياز، فإنه يضطرّ لاتخاذ الموقف ونقيضه، فحين يدافع عن حماس وقضية فلسطين، يأتي بنقيض ما يفعله آل سعود من السياسات الإيرانية وكيف انها تعادي إسرائيل؛ ثم يعود في موقع سجالي آخر فيقول ان هناك تفاهمات تحت الطاولة بين ايران وإسرائيل، وكذلك بين ايران وامريكا.

من السجاليات قوله: (إذا كانت عداوة إيران من المنطلق القومي، فلماذا لا تُعادى إسرائيل ولو من المنطلق نفسه؟ أليس عرب فلسطين مثل عرب الأهواز؟).

ومثله قوله: (أوليس الخليج والمنطقة الشرقية بل الرياض أقرب إلى إيران منها إلى اليمن؟ فكيف نعادي إيران وعندها صواريخ بالستية بعيدة المدى؟ أم أن إسرائيل سوف تحمينا وهي التي لم تغن عنها قبتها الصاروخية شيئا؟ ولو فرضنا أن إسرائيل هاجمت حزب االله في الضاحية، فكيف يأمن من يرضى بذلك أن تنفلت الحدود وينطلق الناس من جزيرة العرب لمهاجمة اليهود؟ وأن تقذف الطائرات السعودية الكنيست الإسرائيلي؟).

وحين يعود الحوالي الى وضعه الطبيعي، وفي موقع سجالي ثالث، يقول: (وقد رأيت السفير السعودي قبل مدة ليست ببعيدة يقبل رأس كبير الرافضة)، يقصد تقبيل السفير لرأس رفسنجاني، ثم يتغيّر مرّة أخرى: (ثم أصبحت إيران هي العدو الوحيد الذي ينبغي التعاون مع إسرائيل لمحاربته. ولا تقولوا إن الشعب لا يصدق أكاذيب إيران، وكيف لا يصدق الناس من شعاره الموت لإسرائيل، وترامب ونتنياهو يقولون إنه عدو؟. وأصارحكم ـ يقصد آل سعود ـ أن أكثر الناس يصدقون ما يقال ضدكم، حنى بعض من تكلفونه بالردود).

ويتكرر التذبذب، حيث يدعو الحوالي الى إعادة النظر في الموقف من إيران في ضوء انها جارة كما قال الجبير، ودون إقراره التشيّع والشرك. وزاد: (ولا يجوز التسلل إليها من بوابة العراق أو جعلها العدو الوحيد مع السكوت عن اليهود).

 
الحوالي: بعد الغزل مع الصهاينة كرهكم أكثر المسلمين!

ومع السجال مع النظام، تكون النظرة براغماتية، هكذا: (سواء كانت إيران صادقة في عدائها لإسرائيل أم كاذبة، يجب الإفادة من ذلك سياسياً، لاسيما ونحن نرحب بمن يعرف حق إخواننا الفلسطينيين، ويقف مع المظلوم على الظالم من أحرار العالم، ولو كانوا يهودا أو نصارى أو ملاحدة. فإن كانت صادقة، فالواجب الشرعي أن نكون معها. وإن كانت كاذبة فلنكن نحن صادقين في عداوة اليهود، ولنفد من قوتها الإعلامية والعسكرية والسياسية، ولنسخرها هي ودعايتها والمصدقين لها في الشرق والغرب من الدول والأحزاب والأفراد، وكل ذلك عندها، لاسيما المخدوعون من أهل السنّة، كما أننا نكتفي بذلك شرها ونحصر عداوتنا في فئة منها).

ويخلص الحوالي في توضيح الرأي العام بالقول: (لو أن حربا اشتعلت بين إيران من جهة، وأمريكا وإسرائيل من جهة، فمع من سيقف أكثر المسلمين، ومن الذي سوف تزداد شعبيته أهي إيران أم السعودية؟). وامتدح الحوالي موقف الفلسطينيين، فهم (يقبلون من إيران مساعداتها المادية، ويقبلون من حزب االله عداوته لأمريكا وإسرائيل)، ولكنهم في الوقت نفسه لا يسمحون ببناء حسينيات أو مراكز شيعية!

وكدليل على عدم الثبات، والعودة الى مربع الرؤية العقدية، يرى الحوالي، انه وكجزء من تصحيح الموقف من إيران: (أنصحكم بأن تعلنوا أن عداوة إيران عداوة للتشيع والرفض، فإيران شيعية وليست مجرد فارسية تقاومها القومية العربية).

وفي التقييم، يرى ان السعودية ليسها لها عدو واحد هو ايران كما يقول الاعلام السعودي (بل لها عدوان آخران أشرس هما: أمريكا وإسرائيل، وهما أشد عداوة بمقتضى الشرع المطهر، فالكافر أشد من المبتدع، ولهما قوة صلبة يهددان بها بتفتيت السعودية واحتلالها إلا إذا أصبحت قابلة من ذاتها للتطبيع).

الليبراليون والعلمانيون السعوديون

واضح لمن يقرأ كتاب الحوالي، ان معركته مع الحداثيين او الليبراليين او العلمانيين السعوديين مستمرة، وقد استغرقت مساحات كبيرة من كتابه، وشنّع بالأسماء: بتركي الحمد، وعثمان العمير، وعبدالرحمن الراشد، وكثيرين غيرهم. والمعركة بين التيارين الوهابي والليبرالي ـ في جوهرها ـ تدور حول: من يملك قلب آل سعود ويكون قريباً منهم، ويقنعهم بأن سياسته هي الأجدى في حفظ عرشهم!

من ضمن هجومه، يقول الحوالي أن من التناقضات الظاهرة «في الديون الملكي مستشارون صالحون وآخرون فسقة، ويكون من السفراء دعاة وآخرون يدمنون الخمر، ويرتادون المسارح ويقيمون في القاهرة مثلا بينما تكون السفارة في غرب أفريقيا). وان من الإزدواجية (أن يكون للقرآن والسنة قنوات، وللهو واللعب قنوات أخرى).

 
تفجير داعش مسجد الدمام

والحوالي ـ في خضم صراعه مع الليبراليين ـ لا يعترف بالدولة القطرية، ولا بالحدود، وبديهي أنه لا يعترف بالوطنية ولا بالوطن الذي يسميه (وثن)، ويعتقد ان تقديسه يعني عبادته كالأصنام: (وإنما ننكر أن يصبح ذلك ديناً يوالى ويعادى فيه، وأن يعبد الناس قديما الحجر والشجر، فيأتي هؤلاء فيجمعون تلك الأوثان في وثن واحد يسمّونه «الوطن»).

ويتهم الحوالي خصومه المحليين، بأنهم «تغريبيون، مفسدون» (يريدون أن تكون بلاد الحرمين ذيلا لأهل الكتاب)، وأن يكون مستقرّ دعاة المعروف هو سجن الحائر أو ذهبان، فيخلو لهم الجو لتغريب الأمة، حسب قوله.

وانتقد الحوالي من وصفهم بـ (أهل الغلو والتناقض)، ونصح آل سعود بعدم الثقة بهم، مثل (اخوان بريدة) الذين كانوا يحرقون محلات الفيديو، ثم انقلبوا الى موالين، مثل: (منصور النقيدان، وتركي الدخيل). فهذه الـ (مجموعة تحولت من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. وبعد أن كانوا يحرقون كتب أهل العلم، أصبحوا يدعون المسلمين للتسامح مع أهل كل دين، وبعد أن كانوا يستحلون إطلاق النار على الدشوش، وإحراق الجميعات النسائية، ومحلات الفيديو، أصبحوا من أكبر دعاة الفساد في المجتمع).

الموقف من المواطنين

ولا يؤمن الحوالي بحرية التدين، ولا بتعدد الرؤى ضمن دائرة الدين الواحد، بل يجب إلزام الجميع بالوهابية، ويقول بلغة سجالية يمكن تطبيق عكسها عليه: (اعلموا ـ آل سعود ـ أن الناس أمانة في أعناقكم، فإذا كانت الموالد ـ الاحتفالات بمولد النبي ـ والبدع التي يفعلها الصوفية والرافضة حقا، فألزموا بها الرعية، وإن كانت باطلا فألزموهم بالحق)!

وبديهي ان من لا يؤمن بالمواطنة والوطن والوطنية، ومن يحتكر الحق الديني، يمكن ان يكتب: (اجعلوا الخلاف مع الشيعة عقديا وليس سياسيا، فمن لم يكن أخا لنا في الدين، فليس أخا لنا في الوطن، والشيعة هم الفئة الضالة فعلا). وأن يصف أتباع المذاهب الأخرى في المملكة بأنهم (أقليات) مع ان الوهابية لاتزال اقلية وتشكل اقل من ٢٠٪ من الشعب، ومع هذا يصف الأقليات بأنها مجرد (مستنقعات)، وينصح آل سعود: (ألغوا كل الحوارات الخارجي منها والوطني، ونحن إذ نرفض الحوار الوطني كما يسمى، نرفض كذلك التقسيم الذي هو أشد وأنكى، وإنما يبدأ الانقسام بهذا الحوار المزعوم أو بدعوى الحكم الذاتي والفيدرالية. وليس الشيعة هم ربع الشعب السعودي كما زعم غازي القصبي، ولا هم أهل الشرقية، بل كل الأقليات ما هي إلا مستنقعات جانبية. ولذلك يجب على الدولة إلزام الناس كلهم بالحق. ولو أننا جمعنا كل النخاولة والبحارنة والإسماعيلية والليبراليين لما بلغوا ١٠% من الشعب، فالوقوف معهم ليس شرعياً ولا ديمقراطياً)!

الموقف من العثمانيين

ومن القضايا التي استثارت التيار الوهابي، وهو في أكثره قاعدة وقمة، متدينيين وعلمانيين.. هو الموقف من العثمانيين والأتراك حالياً خاصة شخص أردوغان. وقد كان واضحاً ان الحوالي قد نثر مواقفه المؤيدة لأردوغان ما وسعه الأمر ذلك، وهذا أثار حفيظة النجديين.

 
النقيدان.. من الرصاص على الدشوش الى التسبيح بحمد الملوك!

ففي المخيال النجدي، لا يوجد أحد أحقّ بالكرة والعداء من العثمانيين الذين كانوا كفارا، ويطلقون عليهم صفة (الروم). والعثمانيون هم من اسقط الدولة السعودية الأولى، وحاربها في الثانية وبدايات الثالثة. فكيف يأتي (وهابي جنوبي) ويمتدح سلاطين آل عثمان، خلافاً لما استقرّ في التراث الديني الوهابي وما هو سائد لدى كل مشايخ الوهابية؟

يرى الحوالي أنه (من الخطأ الظن بأن الترك كانوا يعادون دعوة الشيخ ابن عبدالوهاب لأجل الدين، بل كانت عداوتهم سياسية لأجل المُلك، إذ خشوا أن يمتد ما فعلت إلى باقي الأقاليم العثمانية فتسعى للانفصال عن الدولة، وكان الخلفاء يكرهون محمد علي ويعلمون نواياه السيئة تجاههم، وكان من مصلحتهم السياسية أن يضرب الخصم بالخصم).

هذا التحليل لا يقبل به مشايخ الوهابية كبارا وصغاراً الذين اعتادوا على تحويل الخلاف السياسي الى خلاف عقدي، كما يفعل الحوالي نفسه معظم الأحيان!

ودعا الحوالي آل سعود الى منع توجيه أي تهمة للأتراك، خاصة مقولات: الاستعمار، او الاحتلال التركي. وقال ان ابن عايض وابن الرشيد وأشراف مكة رأوا ان الدولة العثمانية خير من الإنجليز الذين تحالف معهم آل سعود وابن صباح. وأضاف بأن قاعدة تركية في قطر خير ألف مرة من قاعدة أمريكية.

وكتب الحوالي مقطعاً مثيراً لكل النجديين يقول ما نصه: (بعد سقوط الدرعية ـ يقصد عاصمة الدولة السعودية الأولى على يد محمد علي باشا ـ اختلف كثير من أهل الدعوة في تكفير الدولة العثمانية، الذي لم يتعرض له الشيخ محمد مطلقا، كما اختلفوا بشأن قتل عبداالله بن سعود ـ آخر حاكم سعودي ـ في الأستانة «اسطنبول حاليا»؛ فقال بعضهم قتلوه مظلوما، وقاتلوه هم البغاة، وقال آخرون بل قتلوه تعزيراً، لأنه خرج على ولي الأمر، ولو أن الدولة العثمانية سكتت عن كل خارج لاضطرب أمرها جداً)!

الإرهاب في السعودية رد فعل!
 
عبدالله بن سعود حاكم الدرعية:
خارج على وليّ أمره العثماني!

في صفحاته العديدة يرى الحوالي ان الإرهاب الداعشي والقاعدي، مجرد رد فعل على تصرفات حكومية وغيرها مثل: (سوء اختيار العاملين في الأجهزة الإعلامية السعودية، فهم إما ملاحدة وإما منتكسون وإما مشجعون للكرة، وإما منافقون). ونصح آل سعود: (نحّوا التطرف والشذوذ في الإعلام الرسمي إن أردتم أن يقل التطرف لدى الآخرين، واطردوا كل الليبراليين من الصحف كالشرق الأوسط والرياض وعكاظ والوطن وغيرها). كما دعا الحوالي الى مكافحة الفساد الإعلامي، ومثاله قناة العربية، فاذا كانت تمثل السياسة الرسمية فيجب انكار منكراتها العقدية والإخلاقية (ولا يصح خداع الشعب بأن الدولة تسير على الكتاب والسنة)! وقال ان التربية الإعلامية للأجيال الجديدة جعلتهم متطرفين، فإما الانغماس في الشهوة، او الاندفاع لساحات الموت غير مبالين بالدماء (على الطريقة الداعشية طبعاً).

والإرهاب بنظر الحوالي، هو رد فعل على غياب التعامل الشرعي مع من يضل ويغلو؛ ثم انهم شباب بلا عمل يرون المنكرات والتناقض بين كلام الحكام والعلماء فيسافرون لمواضع الموت، كما يقول!

المضحك ان الحوالي يرى ان انضمام السعودية للأمم المتحدة يعد سبباً من أسباب نشوء الإرهاب، وكذلك الجهل بأحكام الجهاد، بل حتى الحديث عن الوحدة الوطنية عدّه الحوالي مبرراً للإرهاب إذ (أن في الوطن من يجب عداوته والبراءة من عقيدته).

ومن أسباب الإرهاب (سوء توزيع الثروة والتفاوت الهائل بين الناس، فالأغنياء يزدادون

غنى، والفقراء يزدادون فقرا)؛ وان (القول بأن الأمر يرجع للشعب في اليمن أو بلاد الشام) هو دافع للإرهاب، فهو قبول بالقوانين الوضعية.

ومن مبررات الإرهاب في السعودية أنه (لا وجود لتداول السلطة والقرار، فأمراء المناطق كلها من أسرة واحدة، والسلطة التنفيذية هي المحكّمة، وصاحب السلطة يبقى فيها إلى أن يموت، أو يتنازل بمحض إرادته)، ومن أسباب الإرهاب: (إنساء المسجد الأقصى وعداوة اليهود، وانحصار التركيز على عداوة إيران فقط، وباعتبارها فارسية فقط، وإلغاء الجهاد)، او تعطيله وقد كان الأخير سبباً في ثورة اخوان من طاع الله ١٩٢٨، وثورة خلفائهم جماعة جهيمان في ١٩٧٩.

تعذيب المعتقلين يفرّخ الإرهاب كما يقول الحوالي وباحثون اجتماعيون ايضاً، (وبعضهم كشف آثار التعذيب في جسمه للقاضي، لكن فضيلته قال له: «أجل تبغى يعطونك حلاوة”!..). ومن الأسباب تكميم الأفواه ومنع النقد؛ و (العدالة الإنتقائية) حسب الأسرة والجنسية.

ومن أسباب الإرهاب ـ يا للغرابة ـ أن الحكومة بنظر الحوالي، قسّمت المسلمين (لأول مرة في التاريخ الى مواطنين وأجانب)؛ وكثرة المخالفات الصريحة لكتاب االله كالربا والتبرج، ومنع الزوج من تأديب زوجته، والتدخل في شؤون القضاة، و(المنع من التدين). وعليه (فالواجب على من يريد القضاء على الإرهاب هو الإكثار من المتدينين في الأسرة الحاكمة).

ويقدم الحوالي تبريرات للإرهاب يقول انها حقائق من بينها: ان المنطقة لم تعرف الإرهاب قبل قيام دولة الصهاينة؛ وأن (إرهاب «داعش» لا يساوي إلا ١% من إرهاب بشار واليهود والحشد الشيعي).

وفوق ان الحوالي يترحم على الزرقاوي وابن لادن؛ ينفي عن النظام السعودية صفة دعم الإرهاب، وهو في الحقيقة دفاعاً عن الأيديولوجيا الوهابية والمجتمع الوهابي، وليس النظام. ويقول بأن آل سعود لا يدعمون الإرهاب، والدليل (أن السعودية في الحقيقة لا تنسب نفسها لعقيدة الشيخ محمد بن عبدالوهاب)، متناسياً تصريحات نايف وسلمان وغيرهما: (نحن دولة سلفية)!

ومن دلائل عدم وهابية السلطة السعودية الحالية، وانها لا تدعم الإرهاب، أنها (لم تجاهد الرافضة منذ أن هاجمت كربلاء والنجف قديما، بل صرح أحد ملوك السعودية السابقين بأنه ليس «وهابيا»). ثم يستخدم الحوالي تصنيف الأمريكان بأن السعودية (دولة معتدلة)، لا يجتمع مع الوهابية المتطرفة.

الموقف من داعش والقاعدة
 
الحوالي مبرراً: ارهابهم مجرد ردّ فعل!

يقول الحوالي انه يعرف تنظيم القاعدة وقيادته وبعض أفراده (وهذا التنظيم قابل للإصلاح، وجهادهم في أفغانستان مما يشكرون عليه، لا سيما في معركة تورا بورا). وهو لا يختلف إلا في القليل من الآراء معه ولكن (أنا مستعد لإقناعهم ومناظرتهم بشرط امتناع القنوات والصحف عن الفساد، وإيقاف التهم عنهم). لكنه يقول (لن أتوسط لأحد منهم بتسليم نفسه اليوم، فقد رأيت رأي العين، أن الحكومة تريد أن تتخذ الوساطة جسرا لاعتقالهم، مع أن بعضهم تاب وأقلع).

وحين يأتي الحوالي الى تنظيم داعش، يراه بعين طائفية، ولا يريد تقييمه بذاته، وإنما بالمقارنة: (أرى هذا التنظيم أقرب للحق من الرافضة ومن الأمريكان). ولا يقبل بتهمة الخوارج بحقهم ما لم يسمع منهم مباشرة، ولكنه ـ أي الحوالي ـ وفي كل كتابه (٣٠٥٠ صفحة) حكم على البشر بمختلف أصنافهم دون ان يلتقي منهم أحداً بالضرورة، او يناقشهم في معتقداتهم ومواقفهم، وما اذا كان ما ينقله عنهم صحيحاً، ويمثل قناعاتهم.

والحوالي يريد قبل ان يحكم على داعش، ان يحاورهم كما حاور الإمام علي الخوارج، ثم يكتب: (والخوارج على شرّهم وفسادهم خير من الرافضة، والخوارج لا يكذبون، ولا يستخدمون التقية التي هي النفاق بعينه، والنصيرية والإسماعيلية والدروز شرّ من الرافضة).

كل مآخذ الحوالي على داعش حسب قوله هو أن (إعلان الخلافة من الاستعجال الذي نُهينا عنه، وإن كل مسلم معصوم الدم، وإن تحرير المحافظات المحررة في بلاد الشام باطل، وأن الدعوة قبل القتال خطأ). ولا يبدو ان الحوالي يختلف ـ حسب ما ذكر ـ مع داعش الا في التكتيك البسيط جداً، فمن يكفرهم الدواعش، يكفرهم الحوالي، ولكن قتلهم ليس الآن، وإنما بعد قليل ليس إلاّ!

لكن الحوالي يريد من داعش تغيير الأولويات، فتقاتل اليهود (أشد الناس عداوة للذين آمنوا).

ورجاهم (ألاّ يفجّروا في بلاد الحرمين).. ما يعني أن بقية العالم مسرح مفتوح لهم لممارسة القتل والعنف، ولكنه ـ أي الحوالي يقترح ان لا تفجر داعش في كل ولاية أمريكية، وإنما: (لماذا لا نعلن أن أية دولة أو ولاية لا تحاربنا فنحن نهادنها ولا نحاربها، ولا نفجر فيها ولا نقتل أحدا انتمى إليها، وحينئذ سوف نرى كثيراً من الدول الغربية والولايات الأمريكية تعلن الهدنة معنا كما أظن، فلا يبقى إلا الحكومات التي تأتمر بأمر اليهود في الغرب). لاحظ أن الحوالي يحسب نفسه ضمن التنظيم الداعشي، ويتكلم بلغة الجمع (نحن)!

لكن هل يقبل الحوالي تطبيق ذات القاعدة والمقترح على المسلمين او الدول الإسلامية او الجماعات المذهبية المختلفة، ان يُهادَنْ من يهادن داعش ولا يفجرونه؟!

كلا.. فمباشرة يقول الحوالي: (أما من كان يؤمن بولاية الفقيه، أو يدعو إلى إقامة الأضرحة في المعلاة والبقيع، فنعلن عداوتنا له، وإذا استطعنا غزوناه في أرضه، لاسيما رافضة الفرس «إيران». وليس من العدل ولا من الترتيب الشرعي للعداوة، أن نفجّر في الكويت والدمام وأبها ونترك قم وطهران). مع ان من تم تفجيره في الكويت والدمام هم الشيعة في المساجد.

ترى، مالذي يختلف فيه الحوالي عن الدواعش اذن؟!

مجرد ترتيب الأولويات!

مجرد تكتيك ليس إلاّ!

 
الحوالي: ارهابهم فيه فوائد ويندفع بهم شرّ عظيم!

وفي حين يدعو الحوالي الى ان يحاور مشايخ الوهابية الدواعش أسوة بالحوار مع النصارى واليهود، يضع مقارنة عجيبة: (كيف تكون هناك علاقات مع «العبادي» ولا تكون علاقات مع الدولة الإسلامية؟).

ولا مانع لدى الحوالي ان يقتل الدواعش المخالف المسلم: (وإذا قاتل أهل الغلو ـ يقصد الدواعش والقواعد ـ الرافضةَ أو النصيرية فذلك خير، ولا نشارك نحن في القتال تحت قيادة الغلاة، ومن الغش الذي نُهينا عنه أن ندعو إلى التعايش بين المذاهب، ولا يجوز أن نقول نحن نريد الحرية والأمن لكل إنسان أياً كان مذهبه).

وعموماً يرى الحوالي ان الدواعش اذا ما وعدهم احدٌ صادق بأن لا يُقتلوا او يُسجنوا، فإنهم يعودون الى ديارهم. ويؤكد وجوب العفو عمّن تاب قبل القدرة عليه، وأن (يُشكروا على جهاد الكفار وعلى عودتهم للحق، وكل من سلّم نفسه لا يجوز سجنه ولا ليوم واحد، وإذا أعطى ما يعلم من الأخبار، وجب أن يُعطى الجوائز والمال، مع الشكر والإشادة الإعلامية به. وقد سلّم نفسه عن طريقي بعض من كان من تنظيم القاعدة، ولكنهم سجنوا سنوات طويلة).

وتذرّع الحوالي بأنه (ما خرج من خرج، وغلا من غلا، وفجّر من فجّر، وانتحر من انتحر، لأن التعذيب الشديد والسجن الطويل ينتظرهم، وإن تابوا وعادوا، فلماذا يعودون؟).

فأيّ تبرير أعظم من هذا لدعاة العنف وممارسيه من الوهابيين الدواعش والقواعد؟!

بل ان الحوالي لا يقبل بتسمية القاعديين بـ (الأفغان العرب)؛ ومعه حق: (وهل ذهب أحد منهم إلا لما قيل له إن الجهاد هناك فرض عين، وأعطي تذكرة مخفضة، أي أن المشايخ والحكومة على علم بذلك، بل شجعوا عليه، وكانت المساجد تجمع التبرعات علانية، وكانت أمريكا حينها تستقبل قادة الجهاد الأفغاني، وتعطيهم صواريخ «ستنجر»، فكيف ترضى لرضاها ثم تغضب لغضبها).

ومن تبريرات الحوالي لداعش هذه النصوص الواضحة الفاضحة الممتلئة عقداً وطائفيه:

(تقول بعض دول الخليج إن تنظيم «داعش» الإرهابي هو الذي فجّر مساجدها ـ المقصود مساجد الشيعة ـ ونحن ننكر وقوع التفجير ولا نقره وهو في المساجد أشنع، ولكن نسأل: أكان ذلك قبل أن تتبع هذه الدول منهج أمريكا أم بعده؟ أي من الذي بدأ الضلال والخطأ؟).. فما دخل ضلال الحكام وعمالتهم بتفجير المساجد؟.

(يقولون إن «داعش» لها حاضنة اجتماعية في هذه البلاد ـ السعودية. نعم لها حاضنة ولكنها أقل من حاضنة الرافضة، فلم التركيز عليها دون الرافضة؟. وإذا كان جهاد النصارى والنصيرية والروافض باليد فإن جهاد هؤلاء بالحجة والإقناع واجب، أوليس عندنا من النصارى والإسماعيلية والرافضة ما يكفينا؟)؟!

ويصل الأمر الى منتهاه، فهناك فوائد مما تقوم به أتباع القاعدة وداعش، يشكرون عليها: (مهما اختلفنا مع من يسمون الإرهابيين، يقتضي العدل أن نقول إنه يندفع بهم شر عظيم عن بلاد الحرمين، فالخوف يدفع الأمريكان لتأخير مشروعهم الرامي لتقسيم السعودية، وهو أيضا يدفع اليهود لعدم فتح سفارة لهم في الرياض، وهم السبب لنقل الأمريكان قاعدتهم العسكرية من الخرج إلى العديد في قطر. وهم كذلك أكبر رادع لأن يبني الرافضة مقامات وعتبات لهم في البقيع والمعلاة). فتأمل هذا الإنصاف والعدل المزعوم لدى الحوالي!

الصفحة السابقة