نصيحة سفر الحوالي لمشايخ الوهابية:

اعتزلوا آل سعود، ولا للإسلام الأمريكي!

يحي مفتي

مشكلة مشايخ الوهابية مع آل سعود ـ إن كانت هنالك من مشكلة ـ تكمن في حقيقة ان آل سعود طلاب سلطة، وأن المشايخ أرادوا استخدام السلطة مركباً لنشر معتقدهم الوهابي؛ فهادنوا آل سعود، وتمدد سلطان الأخيرين حتى جاء الملك سلمان وابنه فهمّشهم بشكل غير قليل.

مكانة المشايخ تكمن في مقدار ما يمنحهم النظام من سلطات. في حين يرى الصحويون ـ الإخواسلفيون ـ والذين يمثلهم او يمثل تفكيرهم سفر الحوالي، بأن الدولة السعودية مدينة للوهابية ومشايخها، وهو صحيح (كما من الصحيح ايضاً أن لا قيمة للوهابية بدون آل سعود). كما يرون بأن الدولة السعودية ستسقط ان ابتعدت عن الدين بنسخته الوهابية، وان المشايخ يساهمون في ذلك بصمتهم عن الفساد، والتغطية على فساد الحكم وبعده عن الشرع، بل ان الفساد اصابهم هم أنفسهم وأصبحوا أدوات في يد آل سعود.

بين أيدينا رسالة أو نصيحة سفر الحوالي للمشايخ، وهي رسالة طويلة اخترنا منها هذه المقتطفات، وهي توضح فساد النظام وفساد المشايخ أيضاً.

هي نصيحة وفضيحة في آن!

 
سفر الحوالي

واجب علماء الإسلام هو بيان مخالفة الإسلام الإلهي للإسلام الأمريكي، الذي يسمونه «المعتدل». الأمريكان يريدون الإسلام السلمي المنعزل، الذي ينشغل ببعض الأمور، مثل توزيع المصاحف أو تعظيم الكعبة، أو إقامة الموالد، أو بعض الشعائر دون فهم لمضمونها، ذلك الإسلام الذي قرره مؤتمر جروزني وأيده بعض المغفلين، والذي ينص صراحة على أن الوهابية ليسوا من أهل السنة، فماذا يريد علماؤنا الأفاضل أوضح من ذلك؟ وأين الردود المستفيضة على ما قرره القوم؟

يجب على علماء الإسلام الاستقلال عن التبعية لأمريكا وأوليائها، وأن يقوموا لله بالقسط، سواء وافق الحكام أو خالفهم، ولا يجوز لهم تبرير ما يفعله السلاطين؛ كما أنه لا يصح أن يكون أهل العلم مجرد موظفين عند السلطة، أو جزء مكملا للسلطة التنفيذية، ولا أن تكون فتواهم تبعا لما يرى الساسة. والعلماء يتاح لهم ما لا يتاح لغيرهم، ويستطيعون مخاطبة من لا يصل إليه غيرهم، ولصلاحهم أهميته ووقعه على العام والخاص. ومن ذلك أن ينصحوا الولاة، شفويا أو كتابيا بإبعاد بطانة السوء، ودعاة التغريب، ومن يشير عليهم بالتخلي عن مصدر شرعيتهم، وهو دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب السلفية.

اعتزال آل سعود وعدم العمل لديهم

أول ما يجب على علماء هذه البلاد، هو الاعتزال الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: (لو أن الناس اعتزلوهم)، وقال: (من اعتزلهم فقد نجا)، ولا يصح أبدا أن يكون العلماء مجرد موظفين عند أحد، فمن طبيعة النفس مجاملة من يكرمها ويدفع لها، وهذا ما فطن له السلف الصالح، فعاشوا على المهن الحرة، أو على الأوقاف العامة.

الوظيفة في ذاتها ليست حراما، ما لم تشتمل على محرم، غير أن على العلماء ما ليس على غيرهم، وهم أولى الناس بالزهد والاعتزال عنها لينطلقوا أحرارا يقولون ما يشاؤون، وقد اشتهر عن علماء الجرح والتعديل أنهم يجرحون الراوي بعمله للسلاطين.

إذا افترق القرآن والسلطان، كما هو حاصل اليوم، وجب على العلماء اتباع القرآن وليس السلطان. وقد افترقا في كثير من البلاد حتى في الأحوال الشخصية. وعلى علمائنا الكرام ألا تستعبدهم المطامع والمناصب والألقاب.

ومن صفات العلماء، أنهم لا يصدقون كل ما يسمعون إعلاميا، وأنهم لا يعملون خدما للسلاطين، بل لا يأتون إليهم أصلا، وقد قال صلى اله عليه وسلم عن سلاطين السوء: (فمن دخل عليهم وصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه ولن يرد علي الحوض). فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تبرأ ممن يصدقهم بكذبهم، فكذلك من يصدق إعلامهم اليوم.

ويجب على العلماء إنكار هذا التحول الاجتماعي الكبير نحو العلمانية. كما أن من واجبات العلماء لا سيما علماء أهل السنة في الرياض ومكة والمدينة وبريدة واليمن والكويت وعامة الجزيرة، ولا سيما من تسميهم القرارات «هيئة كبار العلماء»: الاعتزال الفوري لأهل الدنيا بالتقاعد أو بأي وسيلة مناسبة. ويجب توعية الناس بما يجب عليهم وما يجب لهم، وإصدار بيانات عن حق الرعية على الراعي، وبيان حكم الأمراء الذين نعرف منهم وننكر.

وينبغي للعلماء أن يكونوا زهادا في الدنيا، يرضون بالكسرة وبالقليل من المال، ويزيحوا الرضاعة عن أفواههم، فماداموا يرتضعون، فلن يستطيعوا الكلام. وقد فطن لذلك السلاطين فأغدقوا على العلماء الأموال والبيوت والسيارات، وأهدوا لهم الهدايا ليوافقوا على سياساتهم. وليس الزهد قديما فقط بل أنا زرت ورأيت بعض علماء الحديث في لاهور وكيف يعيشون، وقارنت حالهم بحال أحد أعضاء هيئة كبار العلماء في السعودية الذي كتب مع الأسف إلى الديوان الملكي يقول: «جاء رمضان وما جاءنا التمر»!

واجبات العلماء

على العلماء أن يطالبوا بـ:

** حظر تقسيم الناس إلى إسلاميين وإسلامويين، أو تسمية دين أهل التوحيد الإسلام السياسي، والعدل في توزيع الثروة وبيان أن المال مال االله تعالى، وجعل الماء والكهرباء حقا مجانيا لكل أحد، وإيجاد فرص العمل أو الدراسة لكل مسلم دون تفريق، وإعطاء كل موظف مسكنا في البلد الذي يختار، ولا بد أن نقضي على الفقر، ونعطي كل مسلم حقه من بيت المال، ولا يجوز أن نحتقر العامة فهم واعون بكثير من الأمور، ولا يصح أن يكون بين المسلمين عاطل عن العمل.

** ويجب منع السرقة من بيت المال والتخوض في مال االله بغير حق، وإجلال قرابة النبي وتقديمهم على كل قرابة، ثم سائر بني هاشم ثم قريش، ونلغي أي مخصصات لغير القرابة الشريفة. ويجب مد يد العون لكل مسلم، لا سيما الدول الفقيرة، ولا نعطي أعداء االله من الكفار أو المرتدين أو الليبراليين أو العلمانيين أو المنافقين أو المبتدعين من بيت مال المسلمين، وكل من حكم بالقوانين الوضعية لا يجوز إعطاؤه شيئا. وكيف نعطي «ترامب» مئات المليارات ونعوضها بأخذ أموال رجال الأعمال بالباطل؟.

** ويجب الغاء كل منحة تخالف الشرع من الأراضي أو من النفط أو غير ذلك، فلا يعقل مثلا أن يملك أحد أرضا طولها أكثر من ٤٠٠ كليو متر وعرضها ١٥٠ مترا، أي بقدر الطريق من مكة إلى المدينة. كما لا يعقل أن يدعي أحد ملكية أرض مطار الدمام ويعطى ١١ مليار، وإذا رضي بتقسيطها صفق له مجلس الوزراء.

إن ترك القسم بالسوية بين الرعية، من أجلى الذنوب والمخالفات. وقد قال أحد الدعاة الأكاديميين، لأحد الأمراء المشهورين: لو قدرنا أن ما يأخذ كل أمير من المخصصات والشرهات وتحسين الوضع، مليون ريال فقط، ووصل عددكم إلى ٤٠ ألفاً، فمن أين لنا أربعين ألف مليون ريال؟

 
المفتي عبدالعزيز آل الشيخ

** ويجب الدعوة للجهاد ولاسيما جهاد اليهود واسترجاع المسجد الأقصى من أيدي الصهاينة، وإعادة النظر في كل المعاهدات والاتفاقيات والتحالفات لكي توافق كتاب االله وسنة رسوله، ونشترط للتصديق عليها موافقة العلماء؛ والانسحاب فوراً من المنظمة التي يسمونها «الأمم المتحدة» التي تجعل المؤمن والكافر سواء، وان يمنع منعا باتا المصطلحات غير الشرعية، مثل (الإنسانية أو الآخر أو الغير)، فالناس إما مؤمن وإما كافر.

** ويجب إلغاء ارتباط العملة المحلية بالدولار الأمريكي الورقي أو اليورو، أو سلة العملات، وان لا نبيع النفط خاما بل نكرره لكي نكسب أكثر ولا نراعي حال المستهلكين، بل نراعي حال محتاجينا وفقرائنا نحن.

** ويجب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب «وليس من الحرمين فقط». وقد أفتى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه االله بذلك، وألف بعض العلماء كتاب (الفرج بعد الشدة في أن النصارى لا يدخلون جدة)، ولا يجوز أن يكون للنصارى مقبرة كما رأيت بعيني في جدة، ويقولون إن من المدفونين فيها القنصل البريطاني الذي وزع الخمر على الحاضرين، لكن أحد الأمراء لما سكر أطلق النار على القنصل.

** والواجب قطع كل صور الموالاة لأعداء االله لا سيما الغربيون منهم، الذين لا يحترمون إلا القوي والمستقل، وعلى رأس هؤلاء الكفار أمريكا وبريطانيا وفرنسا، ولا يجوز أن يحضر رئيس فرنسا أو أي كافر قمة خليجية مطلقا.

** هل يجب علينا أن نصدق أن االله سخرهم ـ الغربيين ـ لحماية حرمه، وأن ذلك مجرد استعانة بهم أملتها الضرورة، ولا نقول إنما جاءت فتوى العلماء تأييدا لموقف الحكومة الذي اتخذته قبل الفتوى وليس عملا بها. ودون إذن العلماء سمحوا للبنتاجون أن يقيم مركزا له في شارع المطار القديم بالرياض، وسمحوا أن تفتح السي آي إيه مقرا لها في السعودية، وكثيرا مما نعلمه ولا نعلمه، وكل ذلك بذريعة أن العلماء أجازوا الاستعانة.

** أليس عجيبا أن تكون دولة العقيدة والتوحيد من دول الاعتدال، وتتقدم بمبادرة للاعتراف بإسرائيل، التي احتلت المسجد الأقصى؟، أم أن هذه رغبة أمريكا ولا يمكن أن نحارب إسرائيل أو نعاديها مهما احتلت أو أحرقت؟ فأمريكا تضمن لإسرائيل الفيتو، وأهل التوحيد يضمنون لها الأمن!

** ويجب إصلاح الإعلام وإسناده للأخيار، ونمنع منه ما يدعو إلى الإلحاد والفواحش وما حرم االله، ونقفل كل قناة فيها ما حرم االله أيا كان مالكها.

** ويجب إحياء الشورى الحقيقية وأن يكون كل إنسان حرا فيما يقول. لماذا يتتبع الناس أي مقالة ضد الدولة ويصورونها ويتناقلونها في الجوالات، إذا كان قول الحق متاحا لكل أحد؟ ولماذا يكتبون ذلك على أبواب دورات المياه؟

** يجب ان نلغي مبدأ التعيين في الشورى وتولية أهل البدع، من الصوفية والرافضة والإسماعيلية. أليس من السياسة غير الشرعية إدخال الاسماعيلية والاثني عشرية في مجلس الشورى، وتعين بعضهم سفراء وتوظيف بعضهم في الوزارات السيادية كالخارجية والداخلية والدفاع، مع مراقبتهم والتجسس عليهم في المنطقة الشرقية وغيرها، واتخاذ عملاء منهم، وبذر الفرقة بينهم؟ وإنما السياسة الشرعية منع كل أهل البدع من الوزارات السيادية مع اعطائهم كل الحقوق الدنيوية بلا تجسس ولا مراقبة؟

** واما قول بعضهم إنه أخذ المُلك بالسيف الأملح إقرار بأنه متغلِّب، والمتغلِّب لا نأمن أن يتغلب عليه غيره، فإن الشروط الشرعية ثابتة، والشعب يعلم من كان معه السيف الأملح آنذاك، ومهما يكن فإن المتغلّب لم تختره الأمة ولم يأت من طريقها. ولو أننا أقررنا لكل متغلب، لكان تغلّب صدام حسين على الكويت هو المعتبر، بل تغلّب اليهود على الأقصى!

ومما يجب ان يطالب العلماء به:

** توسيع صلاحيات رجال الحسبة واستقلالهم، مع مناصحتهم إن رأينا منهم خطأ. واستقلال القضاء استقلالا حقيقيا، والنص في نظامه على إلغاء كل ما يخالف الشرع أو ينازعه من الأنظمة والقوانين. وإصلاح كل الأنظمة والمحاكم، وإلغاء كل محكمة أو هيئة أو لجنة أو دائرة لا تحكم بما أنزل االله، سواء في قضايا البنوك، أو العلاقات الدولية، أو المرور، أو الشركات، أو العمال، أو الاقتصاد، أو التجارة، أو الإعلام، أو غير ذلك.

** إسناد المناصب كلها إلى الأكفأ لا إلى الأقرب أو لمن له واسطة، وأساس الكفاءة هو الإيمان والتقوى. وإلغاء ما يسمى ما يسمى «حوار الأديان» أو «الحوار الوطني”، ونجعل مكانه «المجادلة بالتي هي أحسن» مع كامل الحرية للدعاة. كما يجب منع السياحة إلى ديار المعذبين - كمدائن صالح التي كانت لثمود - وإلى غيرها، وكذا نقوش الأخدود أو نقوش رمسيس، وجدة القديمة أو حائل القديمة وما أشبه ذلك.

** العمل على أن يتحد المسلمون، ونتيح بل نوجب الدعوة إلى االله في كل دولة، ولا نكتفي بأن نبني المساجد أو نوزع المصاحف، فإن هذا وحده علمانية مخالفة للإسلام، بل ندعو إلى دين االله كله في كل مكان. ولو أن الذين ينهبون المليارات بنوا ألف مسجد ووزعوا مليار مصحف، لم ينفعهم ذلك، بل ينطبق عليهم أنهم يتصدقون مما يسرقون، فلا يقبل االله منهم الصدقة.

** إصلاح نظام التعليم، وفصل تعليم البنات عن تعليم البنين فصلا كاملا في كل شيء، لا سيما في الإدارة والمناهج؛ ومنع المغريات والملهيات، لا سيما دور السينما والجنون الكروي، والمعازف والمسلسلات.

** يجب عليكم إنكار كل منكر، ومن ذلك منكرات المواكب الرسمية، إذ لا يصح حبس الناس لمرور المواكب، وأشنع من ذلك أن يسير بعض الناس بموكبه في طريق المشاة وقت الحج. وإذا استمر سكوت العلماء، فربما منع أهل المواكب من إيقاف السيارات بجانب الشوارع، وربما منعوا من سكن العمارات، فالمتفجرات اليوم تشمل مساحات واسعة، والتفجير عن بعد أصبح حقيقة واقعة. وإذا كانت الحواجز الإسمنتية كافية لحماية بيوت (الخواجات) فكيف لا تكفي لحماية القصور؟

** كيف نرضى أن يكون أهل الجاهلية الأولى خيرا منا في السقاية والرفادة ودفع الظلم عن أي قادم للحرم، بينما لا يستطيع أي حاج أن يوصل كلامه أو سلامه لأهله، إلا بأن يشيد بالخدمات الجليلة والتسهيلات، ولو كان الذين يقدمونها في الحقيقة هم أهل الخير وليس المطوفين أو الحكومة؟ وفي أي مرحلة من مراحل التاريخ غسل الكعبة المشرفة زوج قينة مع وجود آل الشيبي؟ ومتى كان المال مقابل الولاء للسلطة الحاكمة، وإذا علموا من أحد أنه لا يواليهم فصلوه من الوظيفة؟

حرب اليمن
 
 
الشيخ ابن باز والملك فهد

كما أن من واجبات العلماء إعلان الجهاد والدعوة إلى النفير العام، وعلى الحكومة تدريب المتطوعين لذلك. وقد ثبت أن التحالف العربي هو تحالفات. أما الاعتماد على الجيش السعودي، وحده فقد تبين أنه غير مجد في معركة اليمن.

وقد كانت عاصفة الحزم موجهة لاسترداد صنعاء من الانقلابيين، فأصبحنا نخاف على جازان ونجران؟ بل على الرياض والديوان! حتى القمة العربية تقام في المنطقة الشرقية ولا تقام في الرياض خوفا من صواريخ الحوثيين.

وكيف يكون الجيش المقابل أكثر من الجيش السعودي في عدد الدبابات؟ أما المعنويات لدى الجيش فهي هابطة لدى الكثير منهم، بل إن بعضهم يتهرب بدعوى أنه مريض أو مصاب، بحاجة إلى العلاج في المستشفيات. هذا مع الحوثيين وحدهم، فكيف لو هاجمتنا معهم إيران والرافضة من الشرق، واليهود والهاشميون وروافض العبادي من الشمال؟. وقد طلب أحد الأخوة من المخلاف السليماني وهو ذو منصب عال من أحد مسؤولي الدولة أن يضموهم لليمن، فقال له المسؤول كيف تتركون هذه النعمة وتنضمون لليمن على ما فيه من فقر، فقال الأخ: اليمن فيها فقر وعز ونحن في فقر وذل. فهل هو صادق في ذلك؟

لماذا يصمت العلماء؟

يجب على أهل العلم الرد على كل طاعن في الإسلام، وإصدار بيان ملزم بذلك دون استشارة أحد، وممن طعن في الإسلام والقرآن والرسول ـ على سبيل المثال ـ الجنرال الأمريكي المدعو «مايكل فلين»، ولم يبلغني أنكم رددتم عليه ببيان منكم! أم أنه لا بد أن يتعرض لأشخاص الحكام وآبائهم كي نرد عليه؟ وهذا المجرم اختاره «ترامب» مستشارا للأمن القومي؛ وأنتم أولى بالرد من ملالي إيران. أما ترك الأمور حتى تأذن الحكومة فلا يليق بكم.

وينبغي لعلماء المسلمين أن يحذروا من هذه العلمانية الجديدة، التي لا يقولونها باسمها الصريح، بل يسترونها باسم (حدود الوعظ والإرشاد)، تلك الحدود التي يرسمها كل مخبر حسب هواه، وربما انتدبوا مخبرا من أجهل الناس، لكي يكتب عن عالم فاضل، فيقرر أنه خرج عن حدود الوعظ والإرشاد!

وكيف يكون علماء الإسلام كالشيطان الأخرس؟ وما الفرق بين أن يكون للبيت الأبيض قسيس دائم، وبين أن يكون لملوك المسلمين من يفتيهم أو يزورهم أسبوعيا كما يقال، أو يقيم لهم الدروس إذا جاء رمضان؟ أو يمدحهم في الخطب المنبرية؟.

لا بد من العلنية والبلاغ العام والنصح لكل مسلم ولو بدون ذكر الأسماء، إذ في العلنية النصح لكل مسلم وتحذيره من المحرمات، وينبغي للعلماء تصريف الوعيد، ولا يكتفون بنوع واحد مكرر من الإنكار، أو استخدام طريقة واحدة. والشيخ عبد العزيز بن باز رحمه االله كان لا يمارس إلا أسلوبا واحدا وهو أسلوب (اكتبوا لي)، وقد لاحظت ذلك مرارا، وأظن أن الذي قيده بذلك هو الوظيفة الرسمية التي قبلها، وظنه أن النصيحة داخل الوظيفة أجدى، وظنه أن الحكام يستطيعون تغيير كل شيء، وأن النصح من خارج الوظيفة هو خروج عن طاعة ولي الأمر!

لا تقولوا «تكاثرت الظباء على خراش»، فإن سكوتكم هو أهم أسباب تكاثرها، وسيزيد ذلك مستقبلا إذا استمر السكوت، ولو أنكم قلتم الحق لقلّت، وعرفتم كيف تصطادون.

وأعداء الدين اليوم انتقلوا من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم، وأصبحوا يقولون علنا إن المؤسسة الدينية، ممثلة في العلماء والصحويين اختطفوا المجتمع!؛ ويستهزئون بالعلماء دون ذكر أشخاصهم، ولا يسمونهم العلماء بل «الكهنوت»، ولا يقولون هيئة كبار العلماء بل «المؤسسة الدينية». وقد وصفكم بعض الناس في السعودية بأنكم (مافيا الأديان)، ولم يسجنوه ويؤذوه، بل كتب ذلك في حماية السلطة التنفيذية وربما بإملائها، ووصف التحالف بين السياسة والدين في السعودية بأنه (تحالف بين الطغيان والشيطان).

واعلموا أن من أسباب محاربة الدين وانتشار المنكرات سكوت أهل العلم، أو الإنكار بأسلوب غير شرعي، كالإسرار بما حقه الإنكار علنا.

ويتردد اليوم بين الناس أن داخل الأسرة الحاكمة أجنحة كثيرة متصارعة، فإلى أين يذهب الناس إذا تحول ذلك إلى صراع مسلّح، لا سيما إذا استمر سكوت العلماء، وانشغلوا بالقضايا الأقل أهمية؟ وإلى متى سيظل العلماء مع من غلب؟

كون الملك مخدوعا - كما ذكر الشيخ عبد المحسن العبيكان ـ معناه أن العلماء الذين يدخلون عليه، لم ينبهوه لخطر المفسدين، ومقاصدهم. وبذلك يظهر أن مجاملة الملوك أو الزعماء باطلة، وأنه يجب مصارحتهم بالحق. وإن قالوا نبهناه فلماذا لم ينبهوا الشعب؟ وقد كان العلماء يثنون على الملك عبد االله في ايامه فهل يذمونه اليوم؟ والتغريبيون غشاشون بلا ريب فيجب التنبيه إلى غشهم، وكذلك المداحون والمداهنون وطلاب الدنيا، وإذا سكت عنهم العلماء فكيف يعرفهم الناس؟

اعلموا - حفظكم االله - أن عهد المجاملة قد انتهى، وجاء عصر الصراحة والوضوح، فأوضحوا الحقيقة للحكام وللشعب، وبينوا لهم ما في كتاب االله وسنة رسوله، وبينوا لهم لماذا يتضجر الناس، وبينوا أن العلمانية ليست من ديننا في شيء، وزوروا الحجاج وبينوا لهم العقيدة الصحيحة، واهدموا أماكن الفجور وآثار البدع، ولا تنتظروا إذنا من أحد، فأنتم الملوك على الملوك، وأنتم الموقعون عن رب العالمين.

أما المنكرات العامة فيجب إنكارها عامة وكل ما هو من المخالفات المعلنة يجب إنكاره علنا، ويجب أن يجهر العلماء وأهل الدين بمحاربة ما يخالف الحق، ولو أدى ذلك إلى سِجن المُنكِر أو قتله. والعامة والجهلة والفساق يقولون: لو كان هذا منكرا لأنكره العلماء.

يجب على العلماء الصدع بالحق، وألا يخافوا في االله لومة لائم مهما أوذوا، ولا يصح منهم أن يسحبوا فيش الهاتف ويقفلوا الجوال، ويتحدثوا لك بصراحة ثم يقولوا عكس ذلك في محاضرة عامة. وقد قال بعض العلماء: «لا تكونوا مثلنا فنحن مجرد موظفين”، فكيف نرضى أن نكون مثلهم وهم يحذروننا من ذلك؟ وبعض العلماء قدم استقالته وأخبرني لماذا قدمها؟

ويجب على العلماء قول الحق لكل أحد، وألا يكونوا خوارج مع هامان مرجئة مع فرعون. واعلموا أن ترك الإنكار على ما يفعله اليهود والنصارى والمجوس، يجعل العوام يصدقون من يقول من أعداء الدعوة، إن الوهابية صنيعة بريطانية، ولذلك لا تنكر الوهابية على المنافقين ولا تهتم بقضايا المسلمين، ولا تبالي بخرق الإجماع.

ولا يجوز للعلماء أن يسكتوا عن الإنكار وقول الحق، بذريعة أن ذلك يستخدمه المعارضون أو تستخدمه (داعش) لأسباب:

 
الشيخ عبدالمحسن العبيكان آل سعود

أ - أن االله تعالى جعل الفتنة أكبر من القتل في آية وأشد منه في آية أخرى، وغاية ما يفعله الداعشيون هو قتل الأبرياء.

ب - أنه لولا ما يراه الناس من المخالفات لما كان للمعارضة وداعش سامع، ولا يطلب الناس من العلماء إلا إنكار ما هو ظاهر معلوم يراه الموافق والمعارض.

ج - أن السكوت هو الذي يقوّي المعارضة وداعش، ويؤجج الناس على الحكومة والعلماء.

د - أن المعارضة والدواعش أو الشعب إذا قالوا ما هو حق قبلناه، فهكذا أمرنا ربنا.

هـ - أن العاقل إذا وضع ما تقوله المعارضة في كفّة، وسكوت أهل العلم في كفّة، يترجح لديه أن السكوت أعظم جرما، لا سيما مع افتراض حسن النية والمقصد من الدواعش والمعارضة، فهم لم يهبطوا من المريخ، وإنما عاشوا بيننا، ورأوا كثرة المنكرات، وفشو الإلحاد، مع سكوت أهل العلم فانطلقوا معارضين باللسان أو باليد.

و - أن سكوت أهل العلم شر بذاته، وهو في الوقت نفسه سبب لازدياد الشر.

والعلماء هم الذين يجب عليهم تبديد الأوهام المسيطرة على عقول كثير من الناس. وأكبر هذه الأوهام وهم تحكيم الشرع، ووهم الأمن والأمان.

فهل من شرع االله، سجن الدعاة إليه، وإبقاؤهم هذه المدد الطويلة جدا، مع ترك اللصوص والمجرمين والزناة وشاربي الخمور ومتعاطي المخدرات والملاحدة والحداثيين والعلمانيين وأشباههم؟

هل من شرع االله أن تعطى المليارات لأعداء االله، ويبقى كثير من الشباب هنا بلا وظيفة أو مسكن؟ وتنتشر البطالة حسب الإحصاءات الرسمية نفسها؟

هل من شرع االله محاربة الحوثيين عسكريا وإعلاميا، مع ترك الإسماعيلية والرافضة والإباضية بلا ردود، وليس تركهم فقط، وإنما وصفهم بأنهم إخوة لنا في الوطن وفي العروبة؟

هل من شرع االله نشر الأكاذيب بأن جيشنا ينتصر في اليمن وأن اقتصادنا متين؟

هل من شرع االله الحكم على الزوج بغرامة خمسين ألف ريال إذا ضرب زوجته الناشز؟

هل من شرع االله السكوت عن البدع الظاهرة من الإسماعيلية والرافضة والصوفية وكل أصحاب البدع الظاهرة، بحجة الوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية؟

هل من شرع االله التخوض في مال االله بغير حق، وعقد الصفقات الضخمة مع دول الكفر مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا وغيرها؟

هل من شرع االله تحويل الجيش من مجاهدين في سبيل االله لا يأخذون أجراً، إلى مرتزقة يسعون للكسب المادي، ويتخذه الكبراء وسيلة للنهب غير المحسوب؟ وأن يضعوا له الميزانية الضخمة التي لا يعرف الشعب أين تذهب ولا كيف تصرف؟

وهل من شرع االله إنشاء ما يسمى مجلس التعاون الخليجي، بدلا من اعتبار التضامن الإسلامي مقدمة لإعادة الخلافة؟

هل من شرع االله تعظيم الآثار ولو كانت من أصنام قوم نوح مثل «نسر» المحفوظ في المصمك، وتشجيع الاستثمار في مساكن المعذبين كمدائن صالح، وإحياء أسواق الجاهلية كسوق عكاظ؟

هل من شرع االله إبقاء خرافة مكتبة المولد؟ وترك التعاطف مع حكومة طالبان، والتطبيع مع اليهود تدريجيا.

هل من شرع االله أخذ البيعة الثلاثية وتقنين أن الحكم وراثي؟

هل يجوز لأحد أن يضايق المسجد الحرام بفنادقه وقصوره ولا يترك حوله أرضا للفسحة لأي حادث - لا قدر االله - أو للتوسعة المستقبلية؟

هل المشكلة دائما من هامان ومشورته أما فرعون فذاته مقدسة لا تمس؟

هل يعقل أن كل ما يفعله الحكام صواب وحكمة ورشد وحنكة، وأنهم أدرى بالمصلحة دون أن ينصحهم أحد؟

ولماذا لا ننص في النظام الأساسي على أن أهل الحل والعقد يختارون الأصلح للحكم وفق كتاب االله وسنة رسوله وعمل الخلفاء الراشدين والسلف الصالح، ألسنا على عقيدة السلف؟ ألسنا متبعين للسنة؟! أم أن الشورى حرام والحكم الوراثي حلال؟!

بعض العلماء سكت سابقا، وبعضهم أنكر سرا، وبعضهم أقر بأنه لا شأن للعلماء بكذا، وبعضهم قال: أنا لا أتجاوز نظام هيئة كبار العلماء، وقد آن لكم يا علماء التوحيد أن تنطقوا وتجهروا بالحق، لا سيما بعد جهر الملاحدة بأن علينا التخلي عن ابن تيمية وقول بعضهم: إن سبب الإرهاب هو التيمية والوهابية!

والعلماء هم الذين يقودون الجماهير وليس العكس. وشأن العلماء أجل من أن ينص نظام المطبوعات في السعودية على عدم تجريحهم، والواجب هو النص في كل نظام على وجوب طاعتهم وتعديل الأنظمة حسب فتواهم، وهذا ينسجم مع النظام الأساسي نفسه.

في الأخير أسألكم هل الدولة تسير وفق فتاواكم أم أنتم تسيرون وفق سياستها؟ وأقول لعلمائنا الأجلاء: ارفعوا سقف مطالبكم واحذروا أن يستدرجكم أحد لقضية فرعية أو نادرة أو عرضية، كمن لا يقيم حد السرقة لكنه يسأل عن حكم إجراء عملية جراحية لإعادة اليد بعد قطعها، وكمن لا يقيم الحد على الزاني لكنه يسأل عن حكم معاشرة الميتة؟ كما ينبغي أن نتأمل في كل شيء ونعرف ما راءه، حتى العمل الذي ظاهره حسن له أهداف سياسية خفية، فمثلا إنشاء هيئة كبار العلماء عمل حسن، لكن لا يكون المراد نقض الحلف وإقصاء آل الشيخ، وإدخال الجواسيس وأهل البدع ضمن العلماء، وإلا فهل كل هؤلاء علماء؟

إن المعركة ليست من أجل إزالة منكر معين، وإنما هي معركة بين الشرك والتوحيد، بين الدين والعلمانية اللادينية، فلتعرفوا حقيقة الصراع وليكن إنكاركم مما يرضي االله عنكم ثم يرضي المسلمين كافة.

الصفحة السابقة