احتكار ابن سلمان للسلطة

سنة أولى فشل!

عمرالمالكي

لم يجد النظام السعودي، ولا وسائل اعلامه سببا لتبرير تعيين الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد، قسرا وبأسلوب انقلابي، لا ينسجم مع كل معايير انتقال السلطة داخل العائلة المالكة السعودية، الا التذرع بتجديد شباب المملكة، ونقل السلطة الى جيل جديد من ابناء العائلة، وهو ما سيساهم برأي من تبنوا هذه المقولة، في استقرار المملكة لخمسين عاما مقبلة، كما قال احدهم، والتفرغ لاعمال البناء والتطوير وتحديث المملكة الهرمة وضخ الدم في عروقها.

ثم أمعن هؤلاء في اثارة الصخب وضخ الآمال بتباشير التغيير الموعود على الصعد الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.

وبعد عام من هذه النقلة الانقلابية، ما يمكن أن يسجله المراقبون، هو نقيض ذلك تماما. فكل المؤشرات والوقائع التي يمكن تسجيلها خلال العام الاول من حكم محمد بن سلمان، تؤكد عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي و الأمني، وانفتاح الدولة والمجتمع على عالم من الاحتراب والفوضى، اضافة الى العزلة الاقليمية والدولية، وعدم انجاز أي خطوة ايجابية على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.

فقبل عام وتحديدا في 21 يونيو 2017 أصدر الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز، أمرا ملكيًا بتعيين ابنه الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد، بعد إعفاء ابن اخيه الأمير محمد بن نايف. وكانت من المرات النادرة التي يجري فيها اعفاء مسؤول بهذا المستوى، من السلطة والنفوذ، دون اتباعها بعبارة بناء على طلبه، بل أُعفي ولي العهد دون ذكر الأسباب الموجبة، في نص الامر الملكي، وترك الأمر للمخيلة الشعبية، ولكتاب الصحافة المدربين على مهنة تشويه المعارضة، وتبرير الأوامر الظالمة والعشوائية.. فأمعن هؤلاء في تمجيد الحكمة الكبرى من قرار العزل، وتزيين تعيين شاب عديم الخبرة والتجربة في منصب حساس، وتسليمه مفاتيح السلطة دون منازع أو شريك. بل ذهب هؤلاء الكتاب الى الترويج لاصابة محمد بن نايف بالمرض والعجز عن إدارة شؤون البلاد، وهو الذي كان قبل أيام الرجل القوي وبطل محاربة الارهاب، واكثر من ذلك حيث اتهموه بتعاطي المخدرات وتأثيرها على قواه العقلية.

 
الإطاحة بالمدمن لصالح الصبي الأرعن!

فما هي حصيلة العام الاول لولي العهد الجديد؟

السمة البارزة التي يمكن تسجيلها لفترة حكم الملك سلمان انها مرحلة من عدم الاستقرار، سواء على صعيد بيت الحكم أو السياسات العامة. فمنذ اليوم الاول لتوليه السلطة وقبل أن يبرد جسد اخيه الملك عبدالله في قبره، فاجأ الملك الجديد الجميع بسلسلة من القرارات والاوامر الملكية، عزل فيها وجوها معروفة واستبدلها بآخرين، دون أي معيار أو ميزان، الا الكيدية وتصفية ارث السابقين.

وتكرر الامر بعد شهر وبعد ثلاثة اشهر، ثم بعد عام.. وهكذا بحيث بات من الصعب التعرف على اسماء الوزراء وامراء المناطق والقادة العسكريين، ليتبين فيما بعد أن الامر يتعلق بالترتيب لامساك الأمير الشاب بمفاتيح السلطة، وضمان ولاء المؤسسات والقطاعات المدنية والعسكرية لارادة الأمير المتحفز للاستيلاء على العرش، قبل الأوان.

الا أن ما شهدته المملكة في العام الاول لسلطة ولي العهد الجديد، الذي لا يشك احد من المواطنين والمراقبين على السواء، بأنه الملك الفعلي للبلاد وصاحب القرار فيها، من التغييرات المتسارعة على كل صعيد، كان حركة غير مسبوقة، نقلت المملكة من مكان الى آخر، وغيّرت وجه الدولة وسياساتها الى نقيضها احيانا، واعطت مؤشرات واضحة على المسارات والخيارات التي تتجه اليها.

وفيما يلي أبرز المحطات السياسية والاجتماعية والاقتصادية فى السعودية منذ تسلم ولى العهد الأمير محمد بن سلمان منصبه قبل عام، والتي جرت تحت عناوين الاصلاح والتحديث والانتقال الى مملكة الشباب، وبذريعة أن ولي الامر الجديد لا يتجاوز سن 31 عاما، وانه يحمل برنامجا شاملا وخطة للمستقبل.

فهل نجح الأمير محمد بن سلمان في اقناع المجتمع بمشروعه؟

الإصلاح الاجتماعي

بادر محمد بن سلمان الى تبني عدد من الإصلاحات التي كانت محل جدل مرير في العقود الماضية، وكان من ابرزها السماح للمرأة بقيادة السيارة، ولجم نفوذ رجال المذهب الوهابي وتحكمهم بسلوك العباد.

وهكذا سمعنا على لسان ولي العهد:

■ ان العباءة والنقاب والبرقع لم تعد من الضروريات الإلزامية للبس النساء في المملكة.

■ السماح للمرأة بقيادة السيارة (وقد اعلن عن القرار في 26 سبتمبر 2017 وجرى تنفيذه في 24 يونيو 2018)، بعد عقود من الحظر والتحريم.

■ تعديل نظام ولاية الرجل على المرأة والسماح بمنحها بعض الحقوق والخدمات دون اذن ولي الامر.

■ اصبح بإمكان المرأة الخروج الى السوق، وزيارة الطبيب دوم محرم، كما سمح لها بالمشاركة في الحفلات الغنائية المختلطة.

■ السماح للنساء بحضور الاحداث الرياضية ومباريات كرة القدم (29 اكتوبر 2017).

■ الاعلان عن حق المرأة بالالتحاق ببعض الوظائف العسكرية قريبا، بعد ان التحقت بالوظائف الأمنية.

 
المملكة السلمانية.. من الأب الى الإبن!

واذا كانت هذه القرارات ضربت في الصميم سلطة مشايخ الوهابية التابعين، الذين خصصوا جل وقتهم وجهدهم لاشاعة، وفرض ثقافة التحريم والمنع، وضبط سلوك النساء، والتهويل بخطر السماح لهن بقيادة السيارة، باعتبارها مفسدة دينية وثورة اجتماعية.. وفي الوقت نفسه تحكموا بسلوك الرجال تحت سلطة هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلاحقوا الشبان والعائلات بالسياط وسيارات الجيمس المعروفة، وصنفوا الناس، وحكموا عليهم اخلاقيا ودينيا حينا، وبالاحكام القضائية حينا اخر، وزجوا بهم في السجون.. اذا كانوا قد فعلوا كل ذلك واكثر منذ سيطرة ال سعود على السلطة، فهم واجهوا لأول مرة أحكاما وقرارات تحجب نفوذهم، وتحرمهم بعض سلطاتهم، اذ جرى تقليص صلاحيات هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ومنذ أبريل 2016 لم يعد بمقدور أفرادها ملاحقة المواطنين أو مطاردتهم والقبض عليهم، أو طلب هوياتهم والتحفظ عليهم.. واقتصر دورهم على ابلاغ الشرطة عن الحالات المشتبه بها.

وفي واقع الحال، فقد تم الغاء دور هذه المؤسسة عمليا، بانتظار المزيد من التهميش على يد وزير الشؤون الاسلامية الجديد، “الليبرالي” عبد اللطيف آل الشيخ، كما وصفه ذات يوم عتاة المؤسسة الوهابية، حيث من المتوقع إلحاق الهيئة بالوزارة وتكليفها مهام تنفيذية، أو ربما حماية مؤسسات الترفيه بدل محاربتها.

فهل يكفي ذلك للحديث عن ثورة اجتماعية؟

كلا طبعا!! ونترك أمر تفنيد سياسات المملكة في هذا الصدد الى المؤسسات الدولية المعنية، حيث وضع مؤشر المساواة بين الجنسين للمنتدى الاقتصادي العالمي، المملكة السعودية في المركز 141 من بين 144 دولة، وهو ما لا يتفق مع أهداف اللجنة الأممية التي انضمت إليها المملكة. كما انتقدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية في تقرير أصدرته في 23 مايو الماضي وضع المرأة السعودية، التي قالت إنها أسيرة نظام ولاية الرجل الذي يبقى أكبر حاجز أمام تحقيق المرأة لحقوقها.

ومع الاعتراف بأهمية الخطوات التي سمح للمرأة بها، الا انها لا يمكنها أن تخدع المعنيين من النساء والرأي العام الدولي، بأنها مجرد خطوات شكلية ودعائية حتى الان، ما لم تقترن بقوانين تشرع الحريات العامة، والمساواة أمام القانون.

وقالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: «ان على ولي العهد، الذي نصّب نفسه إصلاحيا أمام حلفاء ومستثمرين غربيين، شكر الناشطات والنشطاء على مساهماتهم في حركة حقوق المرأة السعودية. لكن يبدو أن السلطات السعودية تعاقب حاملي لواء حقوق المرأة لترويجهم هدفا يدّعي ابن سلمان نفسه دعمه، وهو إنهاء التمييز ضد المرأة».

وكان واضحا للمراقبين كيف أن هذه الاصلاحات الشكلية ترافقت مع تصعيد حملة الاعتقالات، خصوصا للسيدات والناشطات في مجال المطالبة بهذه الحقوق والمطالب التي يزعم النظام بأنها استجاب لها.. ولكنه زج بمن طالبن بها في السجون لذات الاسباب التي كن يلاحقن بسببها في العهود السابقة.

والهدف الرئيسي لعدوانية النظام المتجددة، هو حرمان المرأة الناشطة من الشعور بالانتصار، والقدرة على تحقيق المطالب وتعزيز حركتها الايجابية للفعل، بل العمل على ابقائها في وضعية المتلقي الذي ينتظر عطاء ولي الأمر، وإبقاء الحقوق بصيغة مكرمات ملكية.

وهذا ما أكد عليه تقرير صادر في أواسط يناير 2018 عن الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، مشددا على أن المرأة السعودية لا تزال تواجه «تضييقا شديدا» على حقوقها.. واكد التقرير ايضا أن الوضع القانوني للمرأة السعودية لا يزال أدنى من وضع الرجل في كافة المجالات، بما فيها أبسط السلوكيات المرتبطة بالحياة اليومية. وأضاف التقرير أن «وضع النساء السعوديات المدافعات عن حقوق الإنسان مخجل».

واذا كان صحيحا أن النظام السعودي قد قلص صلاحيات رجال الهيئة من المطاوعة، وحدّ من تغوّلهم على الحياة الاجتماعية، الا انه لم يقدم على حلّ هذه الهيئة ـ سيئة السمعة في الذاكرة الشعبية ـ بل اكتفى بوضعها جانبا، وهو ما يذكر باللعبة التقليدية لال سعود في التلاعب بالاوراق والادوات بين المتشددين والليبراليين، فيقدم هؤلاء مرة ويؤخرهم مرة أخرى، لخدمة الدكتاتورية ذاتها في علاقتها مع الخارج، وحاجة الاستبداد الداخلي. ولا شيء يمنع هذا النظام من إعادة هؤلاء المتشددين الى الواجهة في أي وقت تقتضي فيه مصلحته ذلك.

حملة مكافحة الفساد
 
اعتقال الناشطات رغم توافق مطالبهم مع أفعال ابن سلمان!

في 4 نوفمبر 2017 أطلق ولى العهد السعودي حملة واسعة النطاق جرى خلالها اعتقال عشرات الأمراء والوزراء وكبار المسؤولين ورجال الأعمال، بزعم مكافحة الفساد ومحاربة الإثراء غير المشروع، ونهب مؤسسات وثروات المملكة.

وغمرت الدهشة المراقبين وهم يتابعون هذه الحركة المسرحية المفضوحة، والتي لا تمت للاصلاح بصلة على الرغم من الحملة الدعائية الممجوجة التي رافقتها. إذ غاب عن بال مخططي سياسات النظام، أن أصل الفساد في أي دولة أو مجتمع هو غياب القانون أو تغييبه وتجاوزه، والاعتماد على سلطات الأفراد، أيا كانوا، بدل الاعتماد على المؤسسات، وفصل السلطات، وتعزيز دور القضاء في توجيه التهم والمحاسبة عليها.

وكان الغرض من حملة الفساد أمران: الإطاحة بوزير الحرس الوطني واعتقال أبناء الملك عبدالله، آخر المنافسين لابن سلمان على السلطة، حيث اعتقلوا باعتبارهم مفسدين، كما كانت إزاحة ابن نايف باعتباره مدمن مخدرات. ومن جهة ثانية نهب أموال من شخصيات مقربة من الحكم او من الأمراء، فضلاً تجريدهم من الأسنان في حال فكروا في المعارضة، كما هو الحال بالنسبة للوليد بن طلال.

وما جرى في المملكة على هذا الصعيد كان فصلاً آخر من ممارسات السلطة القمعية، التي تعودت على الاعتقال التعسفي لالاف الناشطين والزج بهم في السجون دون محاكمة عادلة، وتوجيه الاتهامات دون سند قانوني، وايكال أمر الاتهام والادانة للصحافة المأجورة التي تروج ما يريده الادعاء وموظفو النيابة الذين يتلقون تعليماتهم من وزارة الداخلية، أو من مكتب ولي العهد في المرحلة الراهنة.

وغاب عن السلطات أيضا أن ما تقوم به لا يخضع لأي قاعدة واضحة أو عادلة، بل يجري الاعتقال استنسابيا، ومزاجيا، بما يشبه عمليات الانتقام والاستهداف الشخصي.. وهذا ما تأكد بالفعل من حيث وضع هذه الدفعة من المتهمين في فندق فخم، حيث مورست ضدهم ضغوط مادية ومعنوية لابتزازهم واجبارهم على التنازل عن بعض ثرواتهم، ووضعها بتصرف ولي العهد نفسه.

وهذه العملية التي تعزز الفساد والدكتاتورية وغياب دولة القانون والمؤسسات النظامية، ترافقت مع انباء لم ينفها النظام عن انفاق اسطوري لرحلات وزيارات الملك سلمان نفسه، حيث ذكرت صحيفة الاندبندنت البريطانية أن رحلة استجمام الملك في طنجة بالمغرب كلفت 100 مليون دولار، بينما نشرت بي بي سي على موقعها تقريرا يتحدت عن زيارة الملك الى اندونيسيا التي لفتت الانظار ببذخها وتبذير الاموال فيها.. ونقلت المحطة البريطانية عن وسائل الاعلام الاندونيسية أن الملك حمل معه معدات وسيارات فخمة من طراز مرسيدس بنز إس 600، ومصعدين كهربائيين، زنتها 459 طنا.

ونقلت وكالة أنتارا الإخبارية عن شركة بي تي جاسا أنغاكاسا سيميستا للشحن، التي عُهد إليها بنقل ما يصحبه العاهل السعودي، قولها أن حوالي 63 طنا ستفرغ في جاكرتا، و396 طنا أخرى في مدينة بالي.

وتضم الحاشية التي تصحب الملك 1420 شخصا، بينهم 10 وزراء و25 أميرا.. تنقلهم 27 طائرة إلى جاكارتا، وتسع طائرات أخرى إلى بالي، بحسب ما ذكرته شركة الشحن.

اما ولي العهد نفسه وفي الوقت الذي كان يحاكم فيه الفاسدين في مملكته، فقد اشترى اليخت سيرين الذي يملكه الملياردير الروسي يوري شيفلر بمبلغ وصلت قيمته إلى 550 مليون دولار. بينما نقلت وول ستريت جورنال خبر شراء الأمير لوحة للفنان الايطالي ليوناردو دافنشي بمبلغ 450 مليون دولار، وتبعتها نيويورك تايمز بخبر عن شرائه قصرا من مخلفات لويس الرابع عشر في فرنسا بـ 300 مليون دولار.

وهذا غيض من فيض وجزء من حملة تبذير الاموال والثروة الوطنية على المحاسيب الجدد، وحملة العلاقات العامة وشراء الولاءات، وشركات الدعاية والترويج، والصحف والمجلات لشراء التقارير والمانشيتات التي تروج لشخصية الأمير ضمن الاكثر تأثيرا والاكثر نفوذا.. الى ما هنالك من انشطة دعائية لتكريس سطوة الأمير وتبرير دكتاتوريته الداخلية.

ان كل ذلك يجعل من الحديث عن محاربة الفساد عملية هزلية تثير السخرية، خصوصا مع الاسئلة التي اثارها بعض الكتاب والمراقبين حول جوهر النظام الذي يسمح بل يسهل الفساد، اذ أن ما يتهم به هؤلاء الذين تم اختيارهم للتهمة، جرى تحت سلطة وأعين ملوك السعودية وامرائها ومشاركتهم في الكثير من الصفقات، ولم يجر في الخفاء.. والمحاسبة الحقيقية كان يجب أن تتوجه الى النظام القائم على الفساد وانفاق الاموال خارج دائرة المراقبة والقانون.

ولعل النهاية التي الت اليها هذه التمثيلية تؤكد بطلان نسبتها لمحاربة الفساد حيث جرت تسويات وتنازلات مبهمة، وغير واضحة حتى الان، بما يؤكد أن الأمير الشاب حقق منها غرضين اساسيين: الابتزاز المالي لبعض الاثرياء والمتمولين واقتناص جزء من ثرواتهم. والقضاء على منافسيه السياسيين من بين الامراء أو ممن يشتبه بمعارضتهم وقدرتهم على تمويل انقلابات ضده.

 
الإطاحة بوزير الحرس (الفاسد) لصالح ابن سلمان (الصالح)!

ولا يصدق احد في السعودية وخارجها أن بضع عشرات من المتمولين واصحاب الشركات أو الامراء النافذين، هم وحدهم الفاسدون في هذه الدولة الغارقة بالفساد بقضها وقضيضها، خصوصا أن اسماء لامعة وكبيرة أثرت وجهرت بتلقي الرشاوى، من امثال الأمير بندر بن سلطان، لم يجر التعرض لها، وهو ما يؤكد الهدف الدعائي للعملية، أو السياسي الانتقامي، أو كليهما معا.

بيد ان حملة مكافحة الفساد التي توقفت فجأة، كان لها مردود سلبي على اقتصاد السعودية المنحدر من جهتين: الأولى، ان مئات المليارات من الريالات بدأت بالهرب من البلاد خشية المصادرة في نزيف لم يحدث في تاريخ البلاد، وهذا له آثاره على الوضع الاقتصادي المحلي؛ والثانية: تقلص الاستثمارات الخارجية الى أدنى مستوى لها منذ ١٥ عاماً، باعتبار ان ما قام به ابن سلمان من مصادرات تخيف أي مستثمر أجنبي في السعودية.

العدوان على اليمن

منذ البداية نُسبت الحملة العسكرية على اليمن في ٢٠١٥، لمحمد بن سلمان، وزير الدفاع، وقيل حينها بأنها جزء من حملته للاستفراد بالسلطة، وتوجيه كل الموارد لخدمة هذه الحرب، على أمل تحقيق نصر سريع، يحوله الى إنجاز في سجله الخالي من الانجازات، في سياق منافسته من ابن عمه ولي العهد المعزول محمد بن نايف، الذي أحاط نفسه بهالة من الدعاية بأنه حارس أمن المملكة، وبطل المواجهة مع المتشددين الإرهابيين.

وتبين في وقت لاحق، أن هذا العدوان الوحشي على بلد جار هو جزء من استراتيجية اميركية في المنطقة، يقودها المتشددون في البنتاغون واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، لبسط الهيمنة الأميركية على المنطقة، وتعميم الخراب والفوضى في دولها، لتكريس زعامة وأمن الكيان الصهيوني.

وخلال تسلمه مهام ولاية العهد واصل الأمير محمد بن سلمان نهجه العدواني الشرس على شعب شبه أعزل، ومقاومة باللحم الحي، يبديها اليمنيون للعدوان على بلدهم.

وقد ابتعدت هذه الحرب بأميال عن كونها حربا عسكرية، بعد الفشل الذريع للآلة العسكرية، برا وبحرا وجوا، وتحطم عشرات الحملات العسكرية على كافة جبهات المواجهة، واخرها الهزيمة النكراء للعدوان السعودي الاماراتي على الحديدة.. وتحولت هذه الحرب العدوانية الى مجرد مجازر بحق المدنيين، وقصف أعمى للمنازل والاسواق والمستشفيات والمؤسسات العامة، حيث يدفن الاطفال والنساء تحت الأنقاض.. وحصار ظالم لم يشهده تاريخ المنطقة ضد شعب كامل، تسبب في حالات مجاعة وانتشار الامراض وسوء التغذية، ووقوف نحو عشرين مليون يمني على حافة الخطر والموت جوعا أو مرضا.. وهو ما توثقه بيانات واحصاءات منظمات الاغاثة وحقوق الانسان الدولية.

لقد تحولت هذه الحرب الى احدى اولويات الأمير محمد بن سلمان، على الرغم من اثارها الكارثية على مستوى علاقات الاخوة بين الشعبين وشعوب الجزيرة العربية عموما، وتعميق مشاعر الكراهية والأحقاد بينها، وتدمير بلد آمن هو في الأساس من أفقر دول المنطقة، وانفاق مليارات الدولارات على التسلح والانفاق العسكري وشراء المرتزقة ورشوة الدول والمؤسسات والشركات العالمية.

ان هذه الحرب العدوانية التي فقدت بريقها حتى في وسائل الاعلام السعودية نفسها، ولم تعد تقنع أسوأ المروجين لسياسات النظام، تحولت الى شهادة إدانة لوحشية النظام السعودي وارتهانه للسياسات الأميركية، وركونه الى سياسة الأحقاد والعناد بدل المصالح والعلاقات الطبيعية بين ابناء المنطقة الواحدة.

كما سجلت هذه الحرب ايضا فشلا إضافيا للنظام السعودي ولولي العهد شخصيا بعد تفتت التحالف الذي اعلنه بنفسه، وسُمي تحالف الواتس آب، للدول العشر وسماه التحالف العربي.. اذ تحولت الحرب الى مجرد عدوان همجي يشنه النظامان السعودي والاماراتي، برغبة شخصية من الأمير محمد بن سلمان ومحمد بن زايد.. ولعل اعلان ماليزيا اخيرا عن سحب مشاركتها الرمزية في حماية امن المملكة، ورفضها الصريح للعدوان على اليمن، قد اسقط ورقت التوت الاخيرة عن طبيعة هذه الحرب واهدافها.

لم تكسب الرياض من عدوانها على اليمن الا سوء السمعة عربيا واسلاميا ودولياً، حيث كشفت عن وجه بشع طالما تغطى بشعارات الدين وأكوام المال. وأصبحت الحرب بمثابة ثغرة الدفرسوار، التي تستنزف السعودية اقتصاديا، كما تستنزفها سياسياً، وتقلّص من شرعية الحكم السعودي نفسه. وفوق هذا كله، فإن حرب اليمن، الخاسرة حتماً، ستجعل النظام السعودي يعيش قلقاً طويل المدى بالنظر لآثارها الاجتماعية في اليمن وفي السعودية نفسها. وفي حال هُزم النظام في الحرب، فإن انفجارات الداخل سياسيا وأمنيا ستكون كارثية، وربما لهذه الأسباب، لا يريد ابن سلمان انهاء الحرب، ولا الحلول السلمية باعتبارها إشارة الى هزيمة، وهو قد قال ابان زيارته الأخيرة لأمريكا، بأن إيقاف الحرب أسوأ من الحرب نفسها.

حملة دبلوماسية واسعة لتعزيز العلاقات
 
علاقة متميزة تغني الصبي عن الجميع!

لقد روج النظام السعودي وخصوصا في العهد السلماني الى ما سماه سياسة الانفتاح وتوسيع دائرة العلاقات الخارجية، وقام بعدد من الزيارات الى الشرق والغرب شملت عدة دول مهمة اقتصاديا وسياسيا. وشارك الأمير محمد بن سلمان شخصيا في هذه الحملة، وزار عددا من الدول بينها مصر وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا، وسعى للظهور بمظهر رجل الدولة الى جانب كبار الزعماء في العالم، وفي مناسبات شعبية كما هو الحال في جلوسه الى جانب الرئيس فلاديمير بوتين لحضور مباراة افتتاح كأس العالم لكرة القدم بين المنتخبين الروسي والسعودي.

وفي خلاصة عامة يمكن استخلاص النتيجة التالية، التي تجمع عليها مراكز البحث والصحافة العربية والاجنبية، ومفادها أن السعودية اليوم هي في أشد حالات العزلة والنشاز، وذلك من خلال الوقائع التالية:

وصول مبدأ التضامن العربي الى الحضيض، وتهميش دور الجامعة العربية ومؤسساتها بشكل غير مسبوق. والعلاقات السعودية مع الدول العربية في ادنى مستوياتها، ولا يخفى ما يشوبها من ازمات ظاهرة ومتفجرة وخصوصا مع العراق وسوريا ولبنان وفلسطين والاردن وليبيا وتونس والجزائر والمغرب، دون أن تكون هذه العلاقة في حالة صحية مع الدول الاخرى.

تشويه وتهميش عمل منظمة التعاون الاسلامي، بعد أن اجبرتها السياسات السعودية على التخلي عن مهماتها الاساسية في الاهتمام بالقضايا الاسلامية الجوهرية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وعجزها عن التدخل في الصراعات بين الدول الاسلامية التي اصبح النظام السعودي طرفا رئيسيا فيها، وفشله في جرها الى الوقوف مع حروبه على شعوب المنطقة، فاقتصر دور هذه المنظمة التي تضم سبعا وخمسين دولة، ونحو مليار ونصف مليار من سكان الارض، على الاجتماعات الدورية والقرارات غير المؤثرة، وبيانات التأييد التي يصدرها باسمها أمينها العام السعودي المقيم في جدة.

واخيرا تمكن محمد بن سلمان من تفجير مجلس التعاون الخليجي، الذي سعت السعودية الى تحويله الى وحدة خليجية، فاذا به ساحة للعداء والحروب والخلافات، في ظل تحالف شيطاني بين النظامين السعودي والاماراتي، واستتباع النظام البحريني الى جانبهما، بينما تقف الدول الثلاث الاخرى بين العداء كما هو الحال مع قطر، والحذر في الكويت، والنأي بالنفس في عمان.

اما على الصعيد الخارجي فلم يستطع النظام السعودي تحت واشراف ولي العهد، صاحب السلطة الفعلية في مملكة ابيه، نسج علاقات مستدامة مع اغلب الدول ذات التأثير في القرار الدولي، باستثناء الولايات المتحدة.

لقد رهن محمد بن سلمان قرار السعودية السياسي والاقتصادي بالكامل للادارة الأميركية الحالية، فتردت علاقات المملكة بالمانيا رغم الروابط القوية بينهما في السنوات السابقة، واصبحت باردة واقل من عادية مع بريطانيا، رغم ما بينهما من وشائج وعلاقات، وهي شكلية وفي الحدود الدنيا مع فرنسا.. اضافة الى التوترات الدائمة مع معظم الدول الاوروبية الاخرى على قاعدة انتهاكات المملكة لحقوق الانسان، وسياساتها التفجيرية في المنطقة.

وفي المحيط الاسيوي والإسلامي، فقد تراجعت العلاقات السعودية العام الماضي بشكل ملحوظ مع تركيا وباكستان وماليزيا واندونيسيا، وهي اكبر الحواضر الاسلامية، وابتعدت تلك الدول بشكل واضح عن سياسات المملكة ومغامرات اميرها.

ورغم هذا، لازال آل سعود بأن مملكتهم (زعيمة العالمين العربي والإسلامي)، في حين أن الزعامة ليست مجرد ادعاء، وإنما ممارسة، وممارسات النظام وسياساته لا تجعله مؤهلاً لأن يكون زعيماً حتى على دول مجلس التعاون، فكيف به وقد عادى الجميع، وتخلّى عن قضايا الأمة، وخسر من النفوذ والسمعة الكثير؟!

العلاقة مع الولايات المتحدة

السبب الرئيسي في كل هذا التدهور في علاقات السعودية مع الخارج هو الارتهان الكامل للعلاقة مع الولايات المتحدة. فمما لا يخفى على احد أن القدرات المالية السعودية هي ابرز ادوات سياساتها الخارجية، ولطالما تباهى النظام السعودي بما يقدمه من مساعدات واستثمارات كانت سبيله لكسب رضا الدول الأخرى، وضمان سكوتها عن سياساته القمعية الداخلية، والخارجية الموالية لقوى الاستعمار والهيمنة العالمية.

اما اليوم فقد جفّ ضرع البقرة الحلوب، بعد أن استنفد الرئيس الأميركي دونالد ترامب كامل مخزونها، وفرض على النظام السعودي أن يدفع القسم الاعظم من الثروة البترولية وموارد المملكة، لصالح الخزانة الأميركية والاستثمار في مؤسساتها أو شراء منتجاتها، وخوض حروبها، وتمويل الفوضى الخلاقة التي اشاعتها في المنطقة والعالم.

ولا يحتاج الى برهان القول أن القرار المالي السعودي اصبح رهينة المشيئة والمصالح الأميركية، حيث لم يسبق لدولة في التاريخ، ولا حتى للنظام السعودي أن تعهد والتزم بتقديم 750 مليار دولار لصالح الشركات الأميركية في عام واحد.. بل تعدى الامر ذلك الى حد أن يتحكم البيت الابيض بانتاج النفط السعودي، ويطلب منه صراحة زيادة الانتاج بمعدل مليوني برميل يومياً، وهو ما يتعدى القدرة السعودية، وما يهدد منظمة اوبك واسواق النفط بالانهيار، فقط لأن ذلك يدخل في حساب السياسات الأميركية، دون النظر الى مصالح الدول الاخرى في العالم ولا الى المصلحة السعودية نفسها.

العلاقات السعودية الاسرائيلية
 
بطل اليخوت.. قامع الفساد!

لم يكن صدفة ولا زلّة لسان، ما نقله الصحافي الأميركي اليهودي جيفري غولدبيرغ عن الأمير محمد بن سلمان، واقراره خلال المقابلة التي اجراها معه ونشرتها مجلة ذا اتلانتيك الأميركية، بأن من حق الشعب اليهودي أن تكون له ارض خاصة به في فلسطين. وقال غولدبيرغ : «تحدث معي ولي العهد السعودي عن إسرائيل، أخبرني أنه يعترف بحق الشعب اليهودي في أن تكون له دولة قومية خاصة به إلى جانب دولة فلسطينية.. لم يعترف أي زعيم عربي بهذا الحق أبدا».

بل أن ولي العهد السعودي قسم الشرق الأوسط إلى معسكرين متحاربين: احدهما سماه «مثلث الشر» وهو مكون من إيران والإخوان المسلمين والجماعات السنية الإرهابية من جانب، ومن جانب آخر: التحالف المكون من الدول التي وصفت نفسها بالمعتدلة، وتشمل الأردن ومصر والإمارات والبحرين وسلطنة عمان.

واستثنى اسرائيل من محور الشر المزعوم، وتجاهل حروبها واعتداءاتها المتكررة والمستمرة منذ سبعين عاما، ووقوفها خلف كل الفتن والمؤامرات التي تهز المنطقة.

وتطاول ولي العهد السعودي، على «المرشد الأعلى لإيران، السيد علي خامنئي، وقارن بينه وبين الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر الذي قال انه يبدو الى جانبه طيبا.. هتلر لم يفعل ما يحاول فعله المرشد الأعلى، فهتلر حاول السيطرة على أوروبا، لكن المرشد الأعلى يحاول غزو العالم».

وهنا ايضا لم يذكر محمد بن سلمان الزعماء الصهاينة، ابطال المجازر من دير ياسين، الى بحر البقر، الى صبرا وشاتيلا وقانا، وما بينها من مئات المجازر المماثلة والتي فاقت كل الفظاعات في العالم.

وكشفت وكالة الصحافة الفرنسية، في 20 أكتوبر 2017 ، أن مسؤولا إسرائيليا أكد لها أن المسؤول السعودي الذي زار إسرائيل في شهر سبتمبر 2017 هو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. كما أكد الصحافي الإسرائيلي أرييل كهانا الذي يعمل في أسبوعية “ماكور ريشون” اليمينية القومية في تغريدة على موقع “تويتر” في سبتمبر الماضي، أن ابن سلمان (زار إسرائيل مع وفد رسمي والتقى مسؤولين). وكانت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية الناطقة باللغة العربية قد ذكرت في السابع من سبتمبر 2017 (أن أميرا من البلاط الملكي السعودي زار البلاد سرا، وبحث مع كبار المسؤولين الإسرائيليين فكرة دفع السلام الإقليمي إلى الأمام).

وفي 18 الشهر الماضي يونيو 2018 كشف مسؤول خليجي رفيع لقناة الميادين عن لقاءٍ جمع ولي العهد السعودي برئيس الوزراء الاسرائيلي في الأردن، موضحاً أن هذا اللقاء الذي جاء بمبادرة وتحضير من ولي عهد الامارات محمد بن زايد، ناقش ما يسمى «صفقة القرن» واعتراف الولايات المتحدة بالقدس المحتلة عاصمة لاسرائيل. وكشف تقرير للصحيفة الفرنسية “إنتليجنس أونلاين”، أن رؤساء الأجهزة الاستخباراتية لإسرائيل والسعودية ومصر والأردن والسلطة الفلسطينية، عقدوا قمة سرية في الـ17 من يونيو في العقبة الأردنية برعاية أمريكية.

والمعلومات حول هذه المسألة كثيرة ومتواترة، ولم يجر نفيها من الدوائر السعودية المعنية، مما يشير الى صحتها، أو الى أن السلطات السعودية ترغب في ترويج هذه الشائعات بهدف تهيئة الراي العام السعودي واعداده لخطوة علنية منتظرة على هذا الصعيد.

ولا يقل عن ذلك خطورة الكم الكبير من التصريحات والمقالات والتغريدات التي ينشرها سعوديون وتصدر بألسنتهم، حول الدعوة الى بدء علاقات ديبلوماسية واقامة سفارة للكيان الصهيوني في الرياض، وهي دعوات مجرمة قانونا، الا انه يجري التغاضي عنها، مقابل انزال عقوبات مغلظة بالسجن والتشويه لمن يتجرأ على نشر تغريدة للمصالحة مع قطر أو وقف حالة العداء مع ايران.

وبات من المسلم به أن تتحدث وسائل الاعلام السعودية عن توافق الاهداف والتقاء المصالح بين النظام السعودي والكيان الصهيوني في مجمل الملفات المتفجرة في المنطقة.

وتعبير التقاء المصالح عندما يكون شاملا ومتعدد الاوجه يصبح ساذجا ومضللا، للتستر على نهج سياسي متكامل للتطبيع والتحالف، والاتكاء على الهراوة الاسرائيلية لحماية النظام السعودي، نيابة أو في غياب الراعي الأميركي.

ملخص القول هنا، ان الرياض لا تأبه بعلاقات مع العالمين العربي والإسلامي بقدر ما تهتم بعلاقات مع إسرائيل وأمريكا تحديداً. وان الإنحصار في هذه العلاقات المأزومة تمثل رهاناً على حصان خاسر، فلا ترامب ولا نتنياهو قادران على رفع مكانة الرياض وآل سعود من الحضيض، بحيث تستعيد نفوذها الضائع. ولا هما قادران على مجابهة منافسة ايران، فضلاً عن الهجوم عليها عسكرياً، وبالتالي فإن الرياض تخسر إقليميا من سمعتها ومكانتها، ويتقلص عدد أصدقائها، والأهم تنتقص شرعية النظام السعودي داخلياً، بحيث لو حدث أي أمر، فإن أحداً لن (يفزع) لنصرتهم. ولعلّ هذه المواقف السعودية تفسر سؤالاً يتردد بين المواطنين: لماذا يكرهنا العرب والمسلمون؟ وهو ذات السؤال الذي طرحه بوش الإبن: لماذا يكرهنا العالم؟ سبب الكره للسعودية واضح وباختصار: انها تخلّت عن كل ثوابتها، وانقلبت الى النقيض، وصارت جزء من الحروب على العرب والمسلمين، ولم تعد تمارس دور الزعامة التي تزعمها لنفسها.

عاصفة الترفيه
 
حرب اليمن.. الهزيمة المحتمة!

أعلنت الهيئة العامة للترفيه الحكومية بالسعودية في 22 فبراير 2018، أن الرياض تعتزم استثمار نحو 64 مليار دولار في قطاع الترفيه خلال السنوات العشر القادمة. وأضافت الهيئة أن القطاعين العام والخاص سيشاركان في تمويل المشاريع التي تتضمن بناء دار للأوبرا.

ما اعلنت عن اقامة 5500 فعالية خلال الاشهر الستة الاولى من العام الحالي، من بينها حفلات مصارعة أميركية، وعروض أزياء، وحفلات غنائية لمطربين عرب واجانب.

هذا الانجراف باتجاه الترفيه لا يجري وفق خطة مبرمجة أو هادفة، ولا يترافق مع أي دراسات اجتماعية أو اقتصادية، بل أن المراقبين يقفون بدهشة امام حجم الاستثمار المالي والاعلامي والسياسي في الترفيه، وهو ما لم يسبق أن وفرته الدولة لقطاع اكثر اهمية وحيوية بالنسبة للمواطنين وهو قطاع الإسكان، حيث لا يزال اكثر من ٨٠ في المئة من السعوديين لا يملكون منازل لعوائلهم.

وتشير التقديرات بحسب المصادر السعودية الرسمية إلى أن نحو 1.2 مليون سعودي عاجزون عن امتلاك مسكن بإمكاناتهم الذاتية. وتبدو مساعدتهم في تحقيق ذلك الحلم ضرورية لإقناعهم بأن خطة الإصلاح لن تفيد كبار الأثرياء فقط. ويقول إبراهيم البلوشي رئيس شركة جونز لانج لاسال للاستشارات العقارية، أن البيت الذي تبلغ مساحته 250 مترا مربعا في مدن السعودية يتراوح سعره بين 186 و226 ألف دولار، أي ما يعادل 10 أضعاف المرتب السنوي لأسرة محدودة الدخل.

واذا كان من المستغرب أن تتحدث في دولة مثل السعودية عن ازمة رواتب، فإن هذه الحالة صارت شائعة لدى المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة. وكان من ابرز القرارات التي اصدرتها الحكومة السعودية قانون الافلاس لمواجهة ظاهرة اغلاق المؤسسات والشركات وعجزها عن الاستمرار.

وحذر اقتصاديون من أن انهيار شركة «سعودي أوجيه» يضع عدداً من الشركات الكبيرة والصغيرة في دائرة الخطر، وقالوا أن حجم الديون على الشركات يتجاوز 300 بليون ريال، بحسب أرقام غير رسمية. وقد انهارت الشركة، وشركات كبرى أخرى، مثل شركات ابن لادن، وآلاف الشركات الوسطى والصغيرة.

وبحسب مصادر رسمية سعودية اظهرت نتائج نشرة سوق العمل للربع الاول لعام 2018 الصادرة عن الهيئة العامة للاحصاء ارتفاع عدد السعوديين العاطلين عن العمل الى 12.9 في المئة، وهي نسبة قياسية. وهذه الأرقام مضللة ايضاً، فالاقتصاديون السعوديون يتحدثون عن ارقام مضاعفة.

ويعزو الاقتصاديون اسباب هذه الظاهرة الى ضعف الاستثمار الحكومي في اقتصاد تعتبر فيه الحكومة المستثمر الاول ومحرك الاقتصاد الداخلي، اضافة الى هروب الرساميل الخاصة الى الخارج. وقد ترافق الاتجاه لافلاس الشركات السعودية مع هجرة اليد العاملة الاجنبية تحت ضغط سياسات السعودة العشوائية، وفرض ضرائب على العمال الوافدين وعائلاتهم.

وأظهرت أرقام أصدرتها إحدى مؤسسات الأمم المتحدة في 8 يونيو الماضي تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة الجديدة في السعودية إلى أدنى مستوياتها في 14 عاما.

ويتناقض هذا التراجع مع الاتجاه العام السائد في دول الخليج العربية الأخرى المصدرة للنفط. فقد زاد الاستثمار الأجنبي المباشر في الإمارات، ثاني أكبر اقتصاد عربي بعد السعودية، إلى 10.4 مليار دولار العام الماضي من 9.6 مليار.

وينبغي ان لا يغيب عن بالنا، بأن انشاء هيئة الترفيه، جاء ليخدم أهدافاً سياسية عدّة، من بينها:

الأول ـ عزل القوى الاجتماعية النجدية تحديداً، والوهابية بشكل خاص، عن التأثير في القرار السياسي، وتجريدهم من القوة الاجتماعية النجدية، وقد نجح ابن سلمان في ذلك، كون ممارسات الوهابيين التي خدمت النظام، استخدمها آل سعود ضدهم وهم يعلمون ان المجتمع كاره لهم ولأفعالهم.

الثاني ـ تعويض المواطنين عن الحريات السياسية بشيء من الحريات الاجتماعية، وجعلهم يبلعون خطط النظام الاقتصادية الضرائبية. أي ان هيئة الترفيه مجرد وسيلة لتنفيس الاحتقانات المزمنة من الإنفجار.

الثالث ـ إرضاء الغرب وتحسين صورة محمد بن سلمان في وسائطه الإعلامية والسياسية، وكيف أنه (قتل) هيئة الأمر بالمعروف الوهابية المتشددة، لصالح (قيام) هيئة الترفيه!

من الرفاه والريعية.. الى الدولة الضرائبية
 

لقد كانت السعودية قبل سنوات تملك سيولة كبيرة بفضل عائدات تصدير النفط، وساعد ذلك في توفير نظام رفاه للمواطنين من المهد إلى اللحد دون فرض أي ضرائب تقريبا. وكثيرا ما يقال أن هناك صفقة غير مكتوبة بين المواطنين والنظام، تقضي باعطاء المواطنين جزءا من عائدات ثروة بلادهم النفطية على شكل تقديمات اجتماعية مقابل الولاء والبيعة، وعدم المطالبة بالحقوق السياسية.

الا أن النظام السعودي نقض هذه الاتفاقية وشرع بفرض الضرائب والرسوم على الخدمات العامة من ماء وكهرباء ومعاملات ادارية. كما شرع النظام السعودي ضريبة القيمة المضافة على جميع السلع والخدمات التي يتم شراؤها وبيعها من قبل المنشآت. والتزمت المملكة بتطبيق هذه الضريبة بنسبة 5% بدءاً من 1 يناير 2018 ، وهو ما ادى الى ارتفاع مطرد في اسعار المواد الغذائية والاستهلاكية بنسبة مماثلة.

وبعد أن كان المواطنون يشكون من ضعف الراتب، وعبروا عن ذلك صراحة عبر هاشتاق (# الراتب ما يكفي الحاجة) الذي شارك فيه ملايين منهم، ضج المواطنون في الشهر الماضي باسعار فاتورة الكهرباء التي تجاوزت حدود المعقول، وشابتها اخطاء متعمدة لسرقة اموال السعوديين كما قال العديد منهم.

ورصدت صحيفة «عكاظ» في 1 مارس 2018 ارتفاع أولى فواتير التسعيرة الجديدة للكهرباء السكنية التي صدرت قبل يوم واحد، بنسبة تراوحت بين 35 و253%، شاملة ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% من إجمالي الفاتورة، إذ قفزت الفاتورة التي يبلغ استهلاكها 2000 كيلوواط في الساعة من 110 ريالات إلى 388.5 ريال، بنسبة زيادة بلغت 253%، وتعد هذه الشريحة أعلى نسبة ارتفاعات في تكلفتها المادية.

هناك فشل واضح في مشاريع ابن سلمان ورؤيته العمياء الاقتصادية، والخدمية، وتحويل البلاد الى دولة ضرائبية، دون تنازلات سياسية او لنقل: إصلاحات سياسية، انما يوفر مناخاً ملائماً لظهور داعش جديدة بين ظهراني المجتمع النجدي، الذي ينتسب اليه ال سعود ويستقوون به على بقية الشعب. لن يطول الوقت بعد أن رأينا النُذُر. فالوضع السياسي والاعتقالات الأمنية، وتهميش المؤسسة الوهابية، وازدياد البطالة، والفشل في السياسة الخارجية، وفشل الحرب في اليمن، وتردّي الخدمات، وتصاعد الضرائب وغيرها، كلها تشكل ملمح المناخ الجديد لسعودية ابن سلمان التي تقترب من حافة التفجير. وهذا ما حذّر منه غربيون في أبحاث خاصة في العامين الماضيين.

خاتمة
 
زمان الترفيه.. وليس زمن هيئة المنكر!

على الرغم من الرقابة الشديدة على وسائل الاعلام السعودية، وانعدام أي فرصة للتعبير الحر، فقد ارتفعت الشكوى من تراجع المستوى المعيشي للمواطنين، والجمود القاتل الذي يخيم على الوضع الاقتصادي. اذ تتقلص فرص العمل امام جيل الشباب، وتتزايد اعداد حاملي الشهادات الذين ينتظرون الوظيفة.. كما يتزايد عدد الوافدين الذين يغادرون المملكة للاسباب ذاتها، اضافة الى ارتفاع نبرة الخطاب العنصري تجاههم، وفرض الضرائب على مداخيلهم المتدنية.

وخلال عام واحد من عهده تمكن الأمير محمد بن سلمان من وضع المملكة في قائمة الدول التي تتناولها بيانات منظمات حقوق الانسان بالادانة بشكل دوري، سواء في ما يتعلق بحربها العدوانية في اليمن، أو بأجواء القمع وكم الأفواه والتمييز المنهجي في الداخل، الذي يطال المكونات الاجتماعية غير الوهابية وهي أقلية، إضافة الى القمع الموجه ضد المرأة والناشطين الحقوقيين، وما أكثر المعتقلات في عهد ابن سلمان على خلفية سياسية او تعبير رأي، او حتى بدون سبب سوى الريبة. لقد تخطى قمع بن سلمان الحدود المناطقية والمذهبية والقبلية ولم يعد الموالي للنظام آمناً فضلاً عن المعارض. ويمكن للمحلل الباحث ان يكتشف بأن المملكة تعيش أسوأ حالات القمع منذ تأسيسها عام ١٩٣٢ حتى الآن.

واذا واصلت العائلة المالكة السير في هذا الاتجاه، ولا توجد أي مؤشرات على عقلية المراجعة والنقد البناء في الدائرة المحيطة بولي العهد، فإن عوامل التذمر والكبت والحرمان تتكثف لتهدد بقرب ساعة الانفجار الاجتماعي الكبير. الا أن ما يحذر منه المراقبون هو ظهور موجات الاحتجاج على شكل اعمال ارهابية وصدامات مسلحة، وتعزيز وجود التنظيمات الارهابية. يأتي ذلك في ظل تحريم العمل السياسي ونشاطات القوى الاجتماعية المتنورة، واحتكار الساحة للقوى الظلامية التكفيرية، التي تستند الى ثقافة المؤسسة الدينية الوهابية السائدة.

ولن يطول الوقت حتى يكتشف السعوديون مدى الخيبة والفشل في المراهنة على التغيير الايجابي من خلال نظام دكتاتوري قمعي متخلف، وان تعليق الامال على هذا النظام لتحقيق وعوده في تنويع اقتصاد المملكة والثورة العلمية والتكنولوجية.. ليست الا سرابا خادعا ووعودا مضللة، لتمرير صفقات سياسية تمس جوهر الصراعات السياسية في المنطقة والقضايا المقدسة، ومنها قضية فلسطين وحقوق شعبها ومقدساتها، التي يستعد النظام للتنازل عنها لمصلحة الكيان الصهيوني، الذي بات حليفا، بل الحليف الوحيد لحكام المملكة في المنطقة.

ولن يطول الوقت ايضا ليجد الأمير نفسه امام الجدار في علاقاته مع الراعي الأميركي الذي لا يتوانى عن التخلي عن ادواته في أي لحظة، وليكتشف أن ترامب (العظيم) كما وصفوه، لا يختلف عمن سبقه في تقديم المصالح الأميركية والصهيونية على كل ما عداها، وتوظيف الاخرين واموالهم لخدمة هذه الاهداف.

وكما أن خيبة السعوديين كبيرة بأميرهم، فإن خيبة النظام ستكون كبيرة بمراهناته الخارجية ومغامراته العسكرية.. فهذه سنة اولى من الفشل والتراجع على كل صعيد، والجديد الوحيد فيها هو تجديد وتنويع ادوات القمع وتسعير خطاب الفتنة الاقليمية والمذهبية، مع بقاء جوهر النظام القمعي على حاله.. وهذه حقيقة لن يشذ النظام السعودي عن قوانينها، اذ أن أي تغيير اجتماعي حقيقي لا بد أن يقترن بالتغيير السياسي، وتوسيع دائرة الحرية والمشاركة الشعبية في السلطة وادارة الدولة.

الصفحة السابقة