الحديدة: معركة بحجم الفضيحة

لا هدف آخر لدى التحالف العربي بقيادة السعودية في معاركه على الساحل الغربي من اليمن سوى احتلال مدينة الحديدة ومينائها البحري، بناء على الأهمية الاستراتيجية للمدينة والميناء، واعتقاداً منه بأن اسقاطهما يعني اغلاق كل المنافذ الحيوية لليمن، وبداية العد العكسي لنهاية العدوان لصالح السعودية والامارات..

يقول اليمنيون بأنها معركة الامارات بدرجة أساسية وعينها على رئتها الاقتصادية الوحيد، أي ميناء دبي الذي سوف يتوقف عن العمل في حال استعادت موانىء اليمن دورها التجاري والاستراتيجي. وفي المشهد العسكري هي معركة مصير بالنسبة للسعودية، التي لا تجد سوى خوضها حتى النهاية ومهمّا كلّفت من أثمان، لأن دون ذلك يعني الهزيمة.

جاءت السيطرة الجزئية والعابرة على مطار الحديدة من قبل قوات التحالف، وبقيادة الامارات هذه المرة في 16 يونيو في اليوم الثالث من هجومهم للاستيلاء على مدينة الميناء المهمة على البحر الأحمر، على أنها نصر استراتيجي، ما لبث أن انقلب الى انتكاسة عسكرية أو بالأحرى «فضيحة» ميدانية.

فقد عجزت الإمبراطورية الإعلامية التي تقودها السعودية والامارات عن تقديم أدلة مصوّرة تثبت مزاعم السيطرة، فيما ضخت الماكينة الإعلامية للجيش واللجان الشعبية، برغم تواضعها قياساً بالجهاز الأعلامي الجبّار لدى التحالف، صوراً من داخل المطار ومن الحديدة المدينة والميناء. وهذا ما اضطر وزراء اعلام التحالف السعودي الى عقد اجتماع عاجل من أجل مراجعة الخطة الإعلامية التي وضعت جنباً الى جنب مع الخطة العسكرية، حيث بدا الإخفاق شاملاً عسكرياً واعلامياً.

ثمة حقائق في معركة الحديدة تجدر بالتأمل لمعرفة حجم الإخفاق العسكري:

ـ لقد حشد التحالف السعودي نحو 25 ألف جندياً يتألف من وحدات عسكرية تابعة لهادي ومن الجنوب اليمني ومن المقاتلين المرتزقة من السودان وكولومبيا. هؤلاء جميعاً يقاتلون نحو 2000 عنصراً من الجيش واللجان الشعبية فقط، وكان الهدف هو السيطرة على الساحل الغربي البالغ طوله 700 كم. ما حصل أن التحالف استخدم كل ما لديه من عتاد وقدرة نارية في الهجوم على المطار بهدف السيطرة عليه لاحراز نصر إعلامي على الأقل، وقد استولت قوات التحالف على مواقع حول مطار الحديدة، وهي في الغالب سيطرة نارية، بحيث لا تستطيع الطائرات من الإقلاع أو وصول المساعدات عن طريق الجو.

في قناعات التحالف، أن القوة المهاجمة ليست بحاجة إلى استدعاء الاحتياطيات الاستراتيجية التي أعدت خارج المطار نظراً لما يعتقدونه حالة الوهن التي أصابت الحوثيين. كانت الحسابات خاطئة كما هي العادة.

بعد عدة تأجيلات في العام الماضي، أعطى دونالد ترامب، الذي يعتبر محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، كحلفاء، الضوء الأخضر للمضي قدماً. وتتكون المساعدات الأمريكية من معلومات استخباراتية لتحديد الأهداف، وأسلحة دقيقة لوحدات سلاح الجو السعودي والإماراتي، ووحدات المدفعية، والتزود بالوقود في الجو لغارات التحالف الجوية.

ـ اتضح أن نطاق الدعم الإيراني للجيش واللجان الشعبية كان مبالغاً فيه. ويتلخص أساسا في توفير القذائف، بما في ذلك الأسلحة من الأرض إلى البحر والتكنولوجيا المستخدمة في بناء وإطلاق الصواريخ. لم تكن مساعدة طهران العسكرية للحوثيين في أي مكان قريب من استثماراتها في مجموعة حزب الله اللبنانية.

ـ تم إطلاق الهجوم المشترك بعد أقل من أسبوع من تأسيس المملكة السعودية والإمارات رسمياً منظمة خليجية جديدة تسمى مجلس التنسيق السعودي الإماراتي، والذي يستولي فعلياً على سلطة مجلس التعاون الخليجي المخضرم. من خلال المجلس الجديد النابض بالحياة، سيحصل ابن سلمان وابن زايد وترامب على آلية لرسم سياسات محددة في منطقة الخليج.

في النتائج، فشلت الجولة الأولى من الهجوم على الحديدة، والتي أريد منها أن تكون فاتحة لمعركة السيطرة على الساحل الغربي بأكمله ومن ثم البدء بالتوجه الى صنعاء واسقاط الحكومة. كانت النتائج صادمة للتحالف، وهو ما اضطر قيادته الى التخلي عن كثير من الخطط، واستبدال سياساته الإعلامية واستراتيجيته العسكرية..

الهدف لا يزال قائماً، لأنها حرب وجود بالنسبة للإمارات والسعودية، وكل له أهدافه، التي تلتقى مع اهداف إدارة ترمب. فالامارات تريد السيطرة على كل الموانىء التي تهدد شريانها الاقتصادي المتمثلة في ميناء دبي، والسعودية تريد منع ايران من تمديد نفوذها في المنطقة، وقيام دولة مستقلة لا تخضع لسيطرة الرياض.

تحضيرات الجولة الثانية قد بدأت، وتجنيد المقاتلين يسير على قدم وساق. معسكرات جيبوتي ومدينة زايد لتدريب المقاتلين مفتوحة لاستقبال أفواج من المرتزقة سواء كانوا من جنوب اليمن أو شماله أو من دول أفريقية أو أميركا اللاتينية إلى جانب المشاركة اللوجستية والاستخبارية والتسليحية الأوروبية.

وضعت معركة الحديدة بوصفها مفتاحاً لكل الصفقات السياسية على المستويين القطري والإقليمي. فالحكومة اللبنانية، على سبيل المثال، يجري المماطلة في تشكيلها على أمل أن تغيّر نتائج معارك الساحل الغربي المعادلات في المنطقة عموماً، وكذلك ترتيبات صفقة القرن، التي يشترطها ابن سلمان وابن زايد على كوشنر بتوفير كل الدعم المطلوب في معركة الحديدة من أجل تمريرها.

في كل الأحوال، معركة الحديدة ستكون فاصلة استراتيجية وستحدث تغييرات هائلة في المنطقة، وربما العالم، وهذا يكشف حجم الإمكانيات الهائلة التي وضعت في هذه المعركة بما يكشف الأهمية القصوى والفارقة، والتي على أساس سوف يتحدد مستقبل المنطقة.

وفيما كانت التحضيرات تسير كما خطّط لها، أعلنت الامارات من جانب واحد عن تجميد مؤقت للجولة الثانية من معركة الحديدة للإفساح في المجال أمام جهود المبعوث الدولي جريفيث من أجل إقناع حركة أنصار الله بتسليم الحديدة ولا سيما الميناء دون قتال.

جاء جريفيث الى صنعاء وتباحث مع قيادة حركة أنصار. وفي محادثة متلفزة شاهد واستمع المبعوث الدولي زعيم الحركة السيد عبد الملك الحوثي، وقد أعجب بمرونته وحكمته لناحية تسهيل مهمة المبعوث ومنع العدوان، فكانت الفضيحة الأخرى من جانب تحالف العدوان الذي يريده نصراً مجانياً وبدون قتال، وما لم يستطع أخذه بالسلاح يريد أخذه بالسياسة.. فكان الجواب: “تحلمون”!

الصفحة السابقة