اصطفاف سعودي مع ترامب وشماتة بتركيا!

هيثم الخياط

تركيا في الطريق لتكون (إيران الثانية) في المنطقة. أي العدو الآخر بنظر أمريكا وربما الغرب أيضا.

ما أعلنه ترامب من عقوبات، وما نطق به نائبه بلهجة آمرة تهديدية لتركيا (الحليف الإستراتيجي) ينبيء عن تحولات عظمى ستشهدها المنطقة.

ليس سبب الأزمة بين تركيا وأمريكا اعتقال قس امريكي متهم بالتجسس، ويطالب ترامب باطلاق سراحه. فلا ترامب ولا ادارته يهتمون بهكذا تفاصيل بحيث تقود الى مغامرات كبرى يمكن ان تغير خارطة منطقة بأسرها. هي حجة ومبرر لاتخاذ سياسة راديكالية تجاه الحليف التركي، سيعقبها تحولات استراتيجية مقابلة تركية.

ما يزعج امريكا والغرب من تركيا، هو ما يزعجها من ايران، وان اختلفت النسبة.

تركيا تتمدد سياسياً في محيطها الآسيوي. ولديها طموحات استقلالية وتطلعات قيادية في المنطقة تتصادم مع المصالح الغربية. وتركيا تقوم بأسلمة المجتمع على نار هادئة، بما يعيد الى ذاكرة اوروبا للماضي العثماني الذي اقتحم اسوار عواصمها.

“علمانية» تركيا، كانت تطمئن امريكا وإسرائيل، وهي المؤشر لتبعية تركية للغرب استمرت نحو قرن. والعلمانية التركية (الجزئية) لا تُخيف الغرب، ولا تحقق تنافسا على مستوى الأيديولوجيا، وهي تطمئن اسرائيل.

لكن رفض تركيا كعضو في الاتحاد الأوروبي، وتوجه الأخيرة الآسيوي على مستوى السياسات، وكذلك تطلعات اردوغان، كان فاتحة المشهد التركي، مثير الجدل. فأردوغان يريد نفض التجربة العثمانية والبناء عليها. يريد علمانية اتاتورك، لتجمع حوله القوميين الأتراك بهوية وطنية حادة. ويريد الاسلام كجزء من الهوية التركية. واجتماع القومية والإسلام كركنين للهوية التركية، يمثل تكراراً لتجربة العثمانيين التوسعية، ونذير مواجهة مع الغرب الذي لا يخفي قلقه.

إذن.. فلتُقلّم أظافر تركيا الآن قبل ان تطول وتستفحل. ورغم أن اردوغان ليس غبيا، فيستعجل المواجهة، الا أن سياساته غير المرحب بها غربيا ستقوده الى الاصطدام، او تقود الغرب الى تبكير المواجهة معه.

يمكن قياس تحولات تركيا حالياً من مثلث علاقاتها بأمريكا، وبإسرائيل، وبالسعودية. حيث من الواضح اتساع الهوّة بينها بشكل متصاعد.

اردوغان يريد التحلّل من الإرث الضاغط عليه والمانع لزعامة تركيا آسيويا وشرق أوسطياً، ومؤشرها الموقف من إسرائيل. فالعلاقة مع الصهاينة هي الخاصرة الرخوة لأردوغان، ويعتقد محللون بأن الوقت لن يمضي طويلا حتى تنفجر العلاقة بين الطرفين التركي والصهيوني.

هدوء اردوغان في الماضي، كان هدوء المراوغ حتى يتمكن من السيطرة على مفاصل القوة في تركيا. وقد نجح بامتياز، وحاز قدرا من القوة لم يحزها احد قبله عدا اتاتورك نفسه. ومن يفهم شخصية أردوغان، يعلم ان التهديدات الأمريكية ستؤتي نتائج عكسية، تحفّزه اكثر للمواجهة.

وفي حين يمتلك الطرفان الأمريكي والتركي اوراق ضغط ومواجهة، متساوية التأثير تقريبا، فإن إيران تمثل البارومتر لما يمكن ان تفعله امريكا والغرب، ولما يمكن أن يتخذه اردوغان من خطوات. ذلك أن التجربة الإيرانية في مواجهة الحصار الأمريكي الغربي، والتهديدات الإسرائيلية والرعونة السعودية المتآمرة، يمثل تجربة ملهمة لدول عديدة بما فيها روسيا والصين وتركيا.

اوروبا خائفة من المواجهة الأمريكية التركية، خاصة ألمانيا، وترى أن تركيا وايران عمودا الشرق الأوسط، وباجتماعهما تتغير خارطة المنطقة والعالم. بالإضافة الى ذلك، فإن أي مواجهة بين ترامب واردوغان، فإن أوروبا ستكون ساحتها وليس فقط الشرق الأوسط. وقد يكون امل اوروبا اعادة العمل بسياسة استيعاب تركيا مجددا، قد فات اوانها.

من جانبها، تستعجل الرياض المواجهة مع تركيا، بل هي سبّاقة في هذا المضمار. واردوغان الذي وُصم بالخشونة والرعونة، لم يرد على الرياض وهجمتها الإعلامية المستمرة بحدة منذ اكثر من عشر سنوات.

لكن هذا لا يعني عدم الرد، او انه لن يأتي.

الرياض قلقة من تركيا منذ مطلع القرن الواحد والعشرين. هي كأوروبا قلقة من الماضي وتستحضر الماضي العثماني والصراع مع آل سعود في دولتهم الأولى. يذكرنا اعلام آل سعود بقبور العثمانيين، وبان الوهابية (التي دعت للتوحيد) نجحت في القضاء على (الروم) العثمانيين الكفار. هكذا كنا ندرس التاريخ صغارا، وهو ما يعاد انتاجه حاليا بأشكال مختلفة.

أملت الرياض أن تقف تركيا بوجه ايران. لكن اردوغان يسير على تجربة السلاطين العثمانيين المتأخرين باستمرار علاقات سلمية ومتميزة مع ايران، فليس من صالح تركيا الصدام، ولا ايران هي من ينافس تركيا في محيطها او يعترض على دورها. بل ترى وتتمنى ان يكون لتركيا دورا محوريا في المنطقة والعالم الاسلامي.

الرياض قلقة من انتقال زعامة المنطقة (ذات الأغلبية السنية) الى تركيا. لذا لا عجب ان يكتب الموالون بأن خطر تركيا لا يقل عن خطر ايران، بل كتب بعضهم ان خطر تركيا اكبر. ان استعادة الدور التاريخي التركي سيكون اول ضحاياه السعودية واسرائيل.

العلاقة التركية الإيرانية استراتيجية، وهي ليست وليدة اليوم. حتى في أحلك الظروف كانت هناك علاقات وتفاهمات قائمة. سواء في ظل حكم العسكر التركي، او غيره، فإن تركيا من صميم العلاقات الخارجية الإيرانية، والعكس صحيح ايضا. هي علاقة مصالح ورؤى ولها اسس متينة.

الرياض دخلت على خط العلاقات بين البلدين، وارادت تخريب العلاقات الايرانية التركية، واستبدالها بعلاقات فوقية استعلائية وبشراكة استراتيجية اسمية مع تركيا! لكنها لم تنجح.

ارادت الرياض جر اردوغان لحرب اليمن، وصفق بعض الإخوان ـ الأذكياء ـ لذلك، ولكن اردوغان الثعلب لم يقع في الفخ هذه المرة، ما سبب انزعاجا سعوديا اعاد آل سعود لمربع التوجس والحذر من تركيا التي تستضيف الآن العديد من المنفيين السعوديين الهاربين من جحيم محمد بن سلمان.

وفي وقت تشعر فيه الرياض ان السياسة التركية تتمدد الى قطر والسودان والصومال وتعتبر ذلك تحديا لأمنها القومي (المزعوم!)، فإن ايران ليس فقط لا تعترض بل ترحب بذلك، بل هي من دعت اردوغان ليرسل قواته الى قطر حتى وان غضبت امريكا. ايران لا ترى تركيا إلا حليفا الآن او المستقبل!

الصفحة السابقة