هل لا يزال إم بي إس يعيش في جلباب أبيه؟

توفيق العباد

نظرياً، وبناء على منطق الأشياء وقوانين التوريث، فإن سلمان ملزم بإدارة عملية نقل السلطة الى جيل الأحفاد، خصوصاً بعد أن غاب أفراد الجيل الأول، وبناء على المحاجّة التي ساقها لأخيه غير الشقيق مقرن بن عبد العزيز، ولي العهد الأسبق، حين أبلغه بقرار الاعفاء في 26 إبريل 2015، بأننا ـ أي الجيل الأول ـ يجب أن نعطي الفرصة للجيل الجديد.

لاريب، أن سلمان لم يشمل شخصه بالمحاجّة، ولكن نحن معنيّون بالمبدأ (ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم) وإن كذباً، لاسيما وأن النظام الأساسي ينص على أن (يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء، ويُبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله وسنة رسوله).

 
بروس ريدل

وفق المادة هذه، وبصرف النظر عن موقف الشعب، ومهما تكن الدعاوى والمزاعم التاريخية والايديولوجية، فإن أحفاد عبد العزيز، يرون لهم حقاً متكافئاً في العرش، ولا فضل لأبناء الملك سلمان عليهم، فحقهم المزعوم ورثوه عن جدّهم المؤسس.

لناحية سلمان، فإنه تصرّف بما يملي عليه نزوعه الاحتكاري للسلطة، وحصرها في أبنائه، وليس في كل أبنائه، وإنما في أبناء زوجته فهدة بنت فلاح الحثلين العجمي، التي تكثر الروايات منذ شهور حول دور لنجلها (ام بي اس) في إخفائها او اعتقالها.

تضيق حلقات السلطة في آل سعود، الذين يقدّر تعدادهم بنحو عشرين ألف أمير وأميرة، ويمسك ابن سلمان المفاصل الرئيسية والتفصيلية لشؤون الحكم، فقد بات الأمر كله بيده. والسؤال المطروح حالياً: هل لا يزال ابن سلمان في حاجة الى والده لاستكمال مسيرة تعزيز سلطته؟

سؤال طرحه بروس ريدل، الباحث في معهد بروكنز، والخبير في شؤون الشرق الأوسط في مقالة نشرت في 6 يوليو الماضي في موقع (المونيتور) بما نصّه: لماذا لا يزال ولي العهد السعودي بحاجة إلى والده.

من وجهة نظر ريدل، فأن محمد بن سلمان برغم كونه اللاعب الرئيسي في البلاد، فإنه لا يزال يعتمد على شرعية والده ليكون الوريث الوحيد.

في المعطيات، أزاح سلمان إبن شقيقه محمد بن نايف من المركز الثاني في المملكة بدون أي تفسير، وقدّم إبنه مكانه (ظهر تسريب شبه رسمي بأنه مدمن مخدرات). مع أن ابن نايف نجح في ملف الارهاب ضد تنظيم القاعدة، وساهم في إحباط هجمات إرهابية في امريكا وأوروبا. ومنذ إبعاده، بقي ابن نايف رهن الاقامة الجبرية في منزله ويجري رصد تحرّكاته، وتواصله شبه معدوم مع العالم الخارجي، كما تمّ تجميد حساباته المصرفية في نوفمبر الماضي.

في التجربة الادارية، سيطر جناح نايف على وزارة الداخلية منذ السبعينيات. إنها تجربة طويلة ومليئة بالأفراد الذين يدينون بوظائفهم لبيت نايف. وتقول مصادر أمنية، حسب ريدل، أن المعنويات وسط موظفي وزارة الداخلية قد تراجعت بشكل كبير منذ اعفاء ابن نايف من منصبه.

وقد أكّدت مصادر عديدة أن أحد الأمراء البارزين كان رهن الاعتقال منذ موجة الاعتقالات التي وقعت في الخريف الماضي ضد كبار المسؤولين من العائلة المالكة والعائلات البارزة، ولم يُتهم معظم المعتقلين بأية جرائم، ولم يطلق سراحهم إلا بعد دفع أموال تحت وطأة الابتزاز.

الأمير تركي بن الملك عبد الله، لم يتم تقديم أي تهم ضدّه، وتم منعه من الحصول على المشورة القانونية، وما هو مسموح له هو فقط مكالمات هاتفية قصيرة مع عائلته الصغيرة. أما مدير مكتبه اللواء علي القحطاني فخضع للتعذيب حتى الموت، فيما تأكّد اعتقال إبن عم الأمير تركي.

تسبب اعتقال الأمير تركي في توتّر الاسرة المالكة، وحث الأخوان أحمد ومقرن، أخاهما الملك سلمان على إطلاق سراحه ولكنه رفض. وهذا أمر غير مألوف في العائلة المالكة، وهو يفسر درجة الاحتقان فيها.

وكان شقيق تركي، أي متعب بن عبد الله، وزير الحرس، قد اعتقل في 4 نوفمبر 2017 وأفرج عنه لاحقاً نتيجة تسوية مالية. أما تركي، فهو الرئيس التنفيذي لمؤسسة الملك عبد الله، والتي تبلغ قيمتها 20 مليار دولار.

ويرى بريدل، ان العائلة المالكة منقسمة بصورة عميقة. وفي وجود الملك، فمن غير المحتمل أن يحدث انقلاب داخل الأسرة. فسلمان لديه شرعية، كما انه غير عاجز، بل هو أكثر أهمية مما تروّج له وسائل الإعلام الغربية، فضلا عن انه لا يزال يوفّر الغطاء الشرعي لكل ما يجري ويتخذ من قرارات، كما أخبرني أحد كبار المسؤولين، يقول ريدل. ويضيف: إذا قدّر له العيش لعقد آخر، فإن الكثير سوف يتغيّر. وإذا مات هذا المساء، فإن كل الرهانات ستنتهي.

الإغتيال هو أيضاً احتمال وارد. فقد أغتيل فيصل. هناك العديد من التقارير التي تفيد بأن ابن سلمان تعرّض لمحاولة اغتيال في إبريل الماضي. بعدها كان بعيداً عن الأنظار لمدة شهر تقريباً. القصة برمتها غامضة، ولكنها تشير الى حالة الارتياب التي تشهدها المملكة. ويقال بأن ولي العهد مهووس بأمنه الشخصي.

المبادرة في السياسة الخارجية كانت لابن سلمان، وكان تجليها في الحرب على اليمن. السعوديون وحلفاؤهم أملوا أن تعكسر معركة ميناء الحديدة الجمود في حرب الثلاث سنوات ونصف. فعملية النصر الذهبي في اليمن كانت محاولة يائسة للخروج من المستنقع الذي كلف السعودي ثروة، ووضعت ملايين اليمنيين على حافة المجاعة وكانت نتائجها لصالح إيران، بنظر ريدل.

وأوضح ريدل بأن تورّط ابن سلمان في حرب اليمن قد يقوّض مستقبله السياسي، كما قوّض سلطة الملك سعود الذي كان هو الآخر ينزع نحو احتكار السلطة، حيث استخدم فيصل مبرر الحرب ومواجهة عبدالناصر لخلع سعود ونفيه لليونان.

وليتخيّل المرء كيف سوف يكون المشهد السياسي الداخلي في غياب سلمان، الذي يغطي ولده، ويمنحه شرعية، وغطاءً، ويراكم بيده المزيد من السلطة. هل سيكون الحال كما هو عليه الآن؟ نشك في ذلك.. والأيام بيننا!

الصفحة السابقة