«صفقة القرن»..

لعبة الأثمان بين الرياض وواشنطن

محمد فلالي

السعودية على استعداد للذهاب في تطبيع العلاقة مع الكيان الاسرائيلي الى أقصى مدى، بشرط إبقاء العداء الاميركي لإيران. وتفيد المؤشرات بتمسّك السعودية بخيار التطبيع وربط ابن سلمان مصيره السياسي بقدرته على إنجاح «صفقة القرن». وما يقال عن استعادة الملك سلمان ملف فلسطين من نجله ليس صحيحاً، فالملك استعاد مكانة تكاد تخسرها، ولا تملك أوراقاً ربح كثيرة برغم تماهيها مع واشنطن.

تصريحات محمد بن سلمان في 2 إبريل الماضي لمجلة «ذي أتلانتيك» الأميركية والتي يرأس تحريرها السجّان الإسرائيلي السابق جيفري جولدبرغ حول حق اليهود في دولة خاصة بهم قيل بأن لا يضاهيها سوى وعد بلفور في 2 نوفمبر سنة 1917. يقول جولدبرغ عن ابن سلمان، ما نصّه: (عندما سألته ما إذا كان يعتقد أن الشعب اليهودي له حق في دولة قومية في جزء من موطن أجداده على الأقل، قال: «أعتقد أن كل شعب، في أي مكان، له الحق في العيش في سلام»..). وأضاف: (أعتقد أن للفلسطينيين والإسرائيليين الحق في امتلاك أرضهم الخاصة بهم). ونقل جولدبرغ تعليق مفاوض السلام الأمريكي السابق دينيس روس بقوله: (تحدّث القادة العرب المعتدلون عن حقيقة وجود إسرائيل، لكن لم يرَ أي منهم أي نوع من “الحق” لليهودية بكونها أرض الأجداد وذلك خطً أحمر لم يتجاوزه أي زعيم حتى الآن)، ولكن محمد بن سلمان فعل ذلك. وكانت خلفية المواقف الاستسلامية التي أطلقها ابن سلمان خلال زيارته للولايات المتحدة في مارس الماضي هي تسويق لشخصيته كملك قادم، معتدل، وعلى استعداد لأن يقدّم مواقف في ملف الصراع العربي الاسرائيلي ما لم يقدّمه أي زعيم عربي آخر..

كان المقرّر اطلاق «صفقة القرن» من القمة العربية التي عقدت في الظهران في 15 إبريل الماضي، وهو ما ألمحت اليه صحيفة (الرياض) قبل يوم من انعقاد القمة حيث ذكرت بالنص: (قمة الظهران لن تخرج إلّا بقرار تاريخي..السلام مع إسرائيل ومواجهة مشروع إيران الطائفي، لأن النتيجة من يرفض السلام يخدم إيران، وعليه أن يتحمّل تبعات قراره).

للتذكير، فإن قمة الظهران عقدت بعد يوم من الضربّة الجوية الأميركية على سوريا على خلفية الاستخدام المزعوم لمواد كيماوية في الهجوم على الغوطة الشرقية للعاصمة، دمشق. كانت السعودية تنتظر ماذا سيفعله ترمب في الميدان السوري لتقرر على الشيء مقتضاه. بكلمات أخرى، ما كانت تأمله القيادة السعودية هو أن تشن الولايات المتحدة هجوماً عسكرياً قاصماً لظهر النظام السوري. ولكن ما حصل عكس ذلك تماماً، فقد نفّذ ترمب وعده بالضربة الجوية، ولكن على أهداف متّفق عليها سلفاً مع القيادة الروسية، وقد أخليت المراكز المستهدفة قبل ساعات من الضربة، فكانت ضربة رمزية لحفظ ماء الوجه.

 
سمان وابنه لم يتخلّيا عن صفقة القرن

خيبة أمل كبيرة أصابت الملك سلمان، وقرّر على الفور ودون الرجوع لا الى الامانة العامة للجامعة العربية ولا للقادة العرب المشاركين في القمة بأن ينتقم من ترمب ولكن على طريقته. فقد أطلق على قمة الظهران نعت «قمة القدس» مخالفاً سير الأمور المتفق عليها بين الرياض وواشنطن وصولاً الى الاعلان عن صفقة القرن. كانت الرسالة السعودية واضحة الى القيادة الاميركية بأن ترمب لم يلتزم بما تعهّد به في الملف السوري، ونحن بدورنا ـ أي السعودية ـ لن نلتزم بما تعهدنا به في ملف السلام مع الكيان الاسرائيلي، أو بالأحرى صفقة القرن.

توقف قطار التسوية بعض الوقت، فجاء جاريد كوشنر، صهر ترمب، ومعه مبعوث الرئيس الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات في 21 يونيو الماضي بهدف الترويج للصفقة، وزارا الرياض وعمّان والقاهرة وتل أبيب.

كانت الأمور تسير كما جرى التخطيط لها، وحتى الموقف الأردني المتشدّد، تم تليينه، قبل وصول كوشنر وجرينبلات الى المنطقة، حيث تم استعمال الورقة المعيشية للضغط على القيادة الأردنية فاشتعلت شوارع الأردن بالمظاهرات واستدرج عبد الله الثاني الى اجتماع في مكة في الحادي عشر من يونيو مع الملك سلمان وأمير الكويت صباح الأحمد وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد. كان الاتفاق على أن ينال الاردن هبة مالية خليجية مقابل تسهيل صفقة القرن. اجتماعات في الاردن بحضور رئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو وولي العهد السعودي في 18 يونيو كما كشفت عن ذلك صحيفة (معاريف) في 22 يونيو. بعدها طار عبد الله الثاني الى واشنطن للاجتماع بترمب بهدف الاطمئنان على العرش الهاشمي في الاردن بعد دخول «صفقة القرن» حيز التنفيذ.

وحتى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وبالرغم من تشدّده الظاهري حيال صفقة القرن، كانت الادارة الاميركية، ومعها السعودية والامارات ومصر، على استعداد للبحث عن بديل عن أبو مازن في حال أصر على رفض إمضاء الصفقة.

كانت الأجواء توحي بأننا بتنا على حافة الإعلان النهائي عن صفقة القرن، وكانت الاستعدادات تجري على قدم وساق لهذه اللحظة التاريخية البائسة. بطبيعة الحال، بالنسبة لدولة عظمى مثل الولايات المتحدة لا تمثّل «صفقة القرن» سوى واحدة من الملفات، ولديها ملفات أخرى كثيرة تفاوض عليها، وتتجاذب أطراف التسوية فيها. كوريا الشمالية، ايران، روسيا، الصين، العراق، النفط الصخري، اليمن، لبنان، فلسطين، أوروبا، هي ليست مجرد أسماء عادية بل هي ملفات مفتوحة ويتداخل التأثير فيها بصورة مباشرة واستراتيجية. لناحية السعودية، المطلوب من ترمب الوصول بالأزمة مع ايران الى أقصاها، وإن تطلّب الأمر اشعال حرب كبرى في المنطقة تأتي على كل شيء، فيما تتحمّل الرياض وأبو ظبي فاتورة الحرب، ولا تزال الآمال معقودة على هذه النتيجة.

لناحية الولايات المتحدة، فإن الحوار مع كوريا الشمالية، وتالياً مع إيران، الذي يتنافى قطعياً مع الرغبة السعودية، يندرج في سياق محض المصالح القومية الأميركية. ونحن هنا أمام رؤيتين: رؤية سعودية إقليمية تضع ايران في صميم العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، ورؤية أميركية جلوبالية قد تتوافق أو تتعارض مع مصالح حلفائها الاقليميين. لا شك، أن الحوار مع كوريا الشمالية وايران يخضع لشروط الاستراتيجية الكونية الاميركية وليس لمصالح الرياض أو تل أبيب.

في ضوء ما سبق، نحن أمام رؤيتين متعارضتين: سعودية/ إقليمية، واميركية/ جلوبالية، وهي اليوم تعكس نفسها في التعاطي مع صفقة القرن. فالسعودية على استعداد للذهاب بعيداً في الاعتراف بالكيان الاسرائيلي وتطبيع العلاقة الى أقصى مدى، وهذا مشروط بإبقاء العداوة الاميركية مع ايران في ذروتها. وعلى الضد، فإن الحوار الأميركي مع ايران يعني لا صفقة قرن يمكن لها أن تنجح، أو بالأحرى لا ضمانة سعودية بنجاحها، لأن ذلك سوف يكون على حساب نفوذها، ودورها، وتالياً مصيرها.

في المعلومات، نقلت وكالة «رويترز» في 31 يوليو الماضي معلومات من مصادر سعودية وصفتها بـ «النافذة» أن الرياض لن توافق على أي خطة للسلام في الشرق الأوسط لا تعالج وضع القدس أو حق العودة للاجئين، أي أنها عادت للتمسك بمبادرة السلام العربية التي أطلقت منذ 16 عاماً، إلى جانب أن الملك سلمان بن عبدالعزيز استحوذ على ملف القضية وأبعد عنها ولي عهده نجله الأمير محمد، المعروف بتأييده المطلق للصفقة وتمويله

قبل يوم من خبر «رويترز» ذكرت صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية في 30 يوليو عن مصدرين دبلوماسيين ضالعين في “مباحثات خطة السلام الأميركية”، تأكيدهما أن السعودية ودولاً عربية أخرى أوضحت لإدارة ترامب أخيراً أنه لا يمكنها أن تدعم خطته ما لم تتضمن عاصمة فلسطينية في القدس الشرقية. ونقلت الصحيفة عن مصدر دبلوماسي مطلع على “صفقة القرن” أن السعوديين قالوا لإدارة ترامب: “ما كان بمقدورنا أن نفعله من أجلكم قبل القدس، لا نستطيع أن نفعله الآن”، في إشارة إلى نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بالمدينة عاصمة لإسرائيل.

 
أهداف قمة الظهران باعتراف سعودي

في السياق نفسه، كشفت مصادر دبلوماسية مصرية قريبة من دوائر صناعة القرار  أن السبب الرئيسي في تدخُّل الملك سلمان، ودخول السيسي معه على الخط في التعبير عن تراجع ضمني بشأن المقترحات المطروحة من الإدارة الأميركية، وتحديداً كوشنر، هو فشل الضغوط التي فُرضت على السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، والعاهل الأردني عبدالله الثاني، لإقناعهما بقبول التصورات الأولية التي طرحها كوشنر بشأن الصفقة، وتمسك الزعيمين بموقفهما.

وقالت المصادر إن عباس بعث برسائل عدّة للملك سلمان عبر وسطاء، أعلن فيها بشكل واضح التململ من الضغط الذي يمارسه عليه ولي العهد محمد بن سلمان للقبول بأمور من الصعب على أي فلسطيني الاستجابة لها، مؤكداً أنه «على مشارف ختام حياته ولن يقبل تنازلاً عن الثوابت المتعارف عليها عربياً فيما يخص القضية الفلسطينية».

وأوضحت المصادر أن العاهل الأردني كان موقفه أيضاً صلباً في هذه الجزئية، ولكن رفضه للخطة الأميركية جاء لتخوّفه من أن تحمل انتقاصاً من سيادة بلاده عبر انتزاع مجموعة الصلاحيات المنصوص عليها أممياً، وكذلك استقطاع أراضٍ أردنية ضمن الخطة، إضافة إلى تحميل بلاده أعباء متعلقة باللاجئين الفلسطينيين في الأردن.

سوف نتوقف عند جزئية على درجة من الأهمية تتعلق بالصراع التاريخي بين البيتين السعودي والهاشمي على المقدّسات. فبعد خسارة البيت الهاشمي الرعاية الرمزية للحرمين الشريفين في الحجاز، استعيض عنه القدس والمسجد الأقصى، حيث بويع الشريف حسين سنة 1924 بكونه وصياً على المقدسات الاسلامية في القدس. قبل النظام السعودي ذلك لبعض الوقت، ولكن حين أصبحت فلسطين على المحك، بدأت السعودية تتطلع نحو مدّ نفوذها المعنوي إلى القدس أيضاً، خصوصاً بعد قرار ترمب نقل السفارة الاميركية اليها باعتبارها العاصمة الابدية للكيان الاسرائيلي.

لا يصدر الموقف السعودي المتشدّد عن شعور فائض من المسؤولية حيال القدس وفلسطين عموماً، بقدر ما هو أحد شروط اللعبة السياسية والمناكفة التي تخوضها مع الادارة الاميركية لأغراضها الخاصة. في شهر يوليو من العام الماضي، على سبيل المثال، لم تعلن الرياض عن أي موقف عملي حيال اغلاق المسجد الأقصى الذي دام أيام عدّة، إلى جانب المواقف الاستسلامية والتطبيعية التي كان يطلقها مثقفون وسياسيون مقرّبون من النظام السعودي، وبعضها اشتمل على تحريض على الفلسطينيين بكونهم باعوا أراضيهم، وكانت هناك دعوات علنية للتطبيع مع الكيان الاسرائيلي.

بصورة إجمالية، إن التحرّكات السعودية على مدى ثلاث سنوات تصبّ جميعها في خانة التطبيع مع الكيان الاسرائيلي والتخلي بصورة كاملة عن القضية الفلسطينية. ويكفي أن رد الفعل السعودي على قرار نقل السفارة الاميركية الى القدس كان شبه معدوم، ولا ينطوي على أدنى تهديد ولو معنوي لمصالح واشنطن في المنطقة.

في ضوء ما سبق، ما سر توقيت اعلان استعادة سلمان لملف فلسطين؟ وهل فعلاً تخّلت السعودية عن «صفقة القرن»؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟

عموم المؤشرات تفيد بتمسّك السعودية بخيار التطبيع مع الكيان الاسرائيلي، وقد ربط محمد بن سلمان مصيره السياسي، وربطه الاميركيون أيضاً، بقدرته على إنجاح «صفقة القرن». وهذا ثابت، وما عداه يندرج في سياق لعبة الاثمان، إذ تحاول الرياض الحصول على مكاسب هنا وأخرى هناك، وواشنطن، كذلك، تدرك أن النظام السعودي الذي دمّر النظام الرسمي العربي عبر حروب مباشرة وأخرى غير مباشرة وتدمّرت معها شبكة تحالفاته الاقليمية بات مرتهناً للحماية الاميركية المشروطة بالتطبيع مع الكيان الاسرائيلي.

لا ريب أن صفقة القرن، تعكس مستوى الجشع المتنامي لدى ترمب وصهره كوشنر، وإذا قبل بها ابن سلمان وابن زايد والملك البحريني حمد آل خليفة والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فهذا يعكس الدرك الأسفل الذي وصل اليه حال العرب وليس لكون الصفقة ممتازة.

قادة اسرائيل يغمرهم السرور لأن ترمب محاط بفريق من المتشدّدين والمهووسين بالحرب والمقرّبين من الكيان الاسرائيلي. ولكن هل هذا يكفي لنجاح «صفقة القرن»؟ في حقيقة الأمر، أن هذا الفريق، بالمواصفات التي يحملها، هو الشرط الموضوعي والمنطقي لفشل الصفقة، وأي صفقة تكون القسمة فيها عماداً.

 
وعد بلفور سعودي: اعتراف بحق الصهاينة بوطن في فلسطين

كوشنر قال في مقابلة مع صحيفة (القدس) الفلسطينية في 24 يونيو الماضي بأن «خطة السلام التي تعمل عليها الإدارة الأميركية ستكون جاهزة قريباً». يعني بذلك، أن كل شيء بات حاضراً، وأن الجولة التي قام بها هو ومبعوث الرئيس جرينبلات في دول المنطقة «تهدف لوضع اللمسات الأخيرة على ما بات تعرف بصفقة القرن».

ولكن ضمان نجاح الصفقة، أملى شرطاً تمهيدياً من أجل صون الاستقرار المرتبط بالكيان الاسرائيلي، ألا وهو ضخ استثمارات في قطاع غزة وتحسين الوضع المعيشي هناك، وهو ما تتكفل به دول الخليج، ولا سيما السعودية والامارات وقطر والكويت.

بعد فوزه بالرئاسة، قرّر ترمب ان يخرق سلسلة اجماعات والانسحاب من اتفاقيات، وكان من بينها حل الدولتين للصراع الفلسطيني الاسرائيلي. أي دولة فلسطينية على الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل العام 1967. مع مقايضة محدودة للأراضي للسماح لإسرائيل بإبقاء بعض المستوطنات اليهودية قريبة من خطوط ما قبل العام 1967.

الذي حصل، أن ادارة ترمب قررت في 14 مايو 2018 نقل السفارة الأمريكية في القدس، بكونها عاصمة الدولة العبرية، وبالتالي إلغاء فكرة أن القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المقترحة. أنصار صفقة القرن مثل السعودية والامارات لم تمانع القرار، بل عبّرت عن دعمها غير المباشر، والجميع متّحد ويتلطى خلف العداء المشترك تجاه إيران.

لا شك أن بنيامين نتنياهو في غاية السعادة وهو يستثمر هذا العداء لإيران من أجل مآربه الخاصة والكيانية، وبما يساعده على الدفع باتجاه التوصل إلى حل إسرائيلي للقضية الفلسطينية وتعزيز الجبهة الموحدة العدائية ضد إيران.

ولكن، في ظل حكومة متشددة في إسرائيل يحكمها اليمين المتطرف، متحالفة مع إدارة أميركية شعبوية في واشنطن مؤثّرة على تحالف يقوده السعوديون من العرب السنة، لا تبدو وكأنها تركيبة سلام ناجحة. قد لا يهتم القادة العرب مثل محمد بن سلمان، ولي العهد الشاب والحاكم الفعلي في السعودية، بقضايا مثل فلسطين والقدس. لكن إذا فعل الناس ذلك، فيجب عليهم - وأولويتهم الأولى الحفاظ على الذات.

إن المنخرطين في التفاؤل بنجاح «الصفقة النهائية» هم نفس الأشخاص الذين يتوقعون أن يتمكن ترامب من إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإخراج إيران من سوريا عندما اجتمعوا في هلسنكي في 16 يوليو الماضي. قد يكون بوتين هو الوحيد مع إسرائيل وإيران، لكن هذا خيالي. المصالح الروسية والإيرانية في سوريا، ما عدا إنقاذ الأسد، ليست هي نفسها، ولكن أيضاً لن يفرّط الروسي في تحالف خضع لاختبارات صعبة ونجح بامتياز في إثبات جدارته واستمراره.

لقد انتصر الأسد في الحرب على سوريا. وبما أن بوتين لن يزج بقوات برية كبيرة، فسوف يترك ذلك لإيران وقواتها شبه العسكرية.

كما تتبّدل الخارطة الجيوسياسية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، فإن الكثير من الأشياء بدأت تتبدّل بشكل «نهائي» وبشكل خطير دون أي علامة على «صفقة».

في واقع الأمر، أن نجاح المحور الايراني في سوريا والدخول في مرحلة استعادة النظام، قد أربك النظام السعودي الذي يبدو أنه خسر ورقة كان يعتقد بأنها «جوكر» اللعبة الاقليمية. الملك سلمان لا يستعيد ملف فلسطين من نجله، بل هو في واقع الأمر يستعيد مكانة تشارف على الخسارة. السعودية لا تملك أوراقاً كثيرة في الخارج تفاوض عليها، فهي لم تربح الحرب في اليمن، وخسرت قطعاً الحرب في سوريا، كما خسرت سياسياً في لبنان، وفي العراق.. وبرغم من تماهيها مع الادارة الاميركية الحالية، فإن الرهان على ترمب ينطوي على مجازفة، أثبتت التجارب بأنها خاسرة.

مفاعيل صفقة القرن قد تكون حقّقت جزءاً جوهرياً منها، وكما ذكر بسام أبو شريف، مستشار الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات، في مقابلة مع قناة (آر تي) الروسية في 2 أغسطس الحالي بأن العلاقة بين السعودية والكيان الاسرائيلي قديمة ولكنها اليوم تخرج من السر الى العلن، و»هو مقدّمة لشيء مخطط» بحسب وصفه. وأضاف بأن العلاقة بينهما ليست سياسية فحسب بل هي اقتصادية وأمنية ومعلوماتية ومشاركة في اغتيال علماء ايرانيين، وقادة سياسيين مثل وديع حداد، وأضاف «وربما، ربما أيضاً قتل ياسر عرفات».

لم يقرر الملك سلمان التخلي عن «صفقة القرن»، وهو ليس في وارد فعل ذلك، لأنه يعلم تماماً بأن هذه الصفقة ثمن العرش الذي يريده لابنه. وفي هذا رهان كبير ومصيري بالنسبة، خصوصاً مع شخص مثل ترمب الذي يلعب بقوانين التجارة وليس السياسة. وإنما حقيقة الأمر، هي إيران، الهاجس الحاضر بكثافة في تفكير صانع القرار السعودي، والذي يحضر كلما أحس بأن ثمة في الخفاء ما لا يعلمه أو يتفاجأ بنتائجه في حوار أميركي ايراني يجري بعيداً عنه.

الصفحة السابقة