تخفيض أعداد «الأجانب»..هل هو الحل؟

السعودة.. أم «الرؤية» المأزومة؟

سياسة السعودة الجارية، وإن بدت مغرية في الظاهر، تعكس أحد أوجه الإخفاق الاقتصادي، كما تعكس الإرتجالية في القرار، والعناد القاتل، حيث الهبوط الحاد في الاستثمار الأجنبي، والأخطر هروب رأس المال المحلي بوتيرة متسارعة

ناصر عنقاوي

جاء في موقع «الهيئة العامة للإحصاء» أن إجمالي عدد السكان في السعودية في العام 2017 هو: 32,552,336 من بينهم: 20,408,362 سعودياً، أي أن هناك ما يربو عن 12 مليون أجنبي في البلاد. وفي تقرير الهيئة عن سوق العمل للربع الأول للعام 2018 مقارنة بالربع الأول من العام 2017، يظهر أنه في الربع الأول لعام 2018 كان اجمالي المشتغلين هو 13.333.513 مليون من بينها 11.845.299 مليون ذكر؛ ويبلغ عدد المشتغلين غير السعودين 10.183.104 مليون عاملاً؛ أما السعوديون فيصل عدد الى 3.150.409 مليون عاملاً.

في الربع الأول من العام 2017 كان هناك 13.581.141 مليون، من بينهم 10.417.295 أجنبي أما السعوديون فعددهم 3.163.846 مليون عاملاً. بصورة اجمالية، فإن نسبة العمالة الاجنبية (ذكوراً وإناثاً) تصل الى ما يربو عن 76 في المائة من اجمالي المشتغلين في السعودية.

في المقابل، تتداول وسائل الاعلام المحلية والعالمية أنباء متضاربة عن أعداد الأجانب المغادرين من المملكة الى بلدانهم. وفي أدنى الاحصاءات، أن هناك 800 ألف أجنبي غادروا المملكة منذ أواخر 2016 وهو ما لم يظهر في بيانات الهيئة العامة للإحصاء، بل على العكس تكشف البيانات عن زيادة في حجم العمالة الوافدة، حيث بلغ عدد الأجانب الذين جاءوا الى المملكة في عهد الملك سلمان نحو مليوني أجنبي.

أما تقرير سوق العمل للربع الأول لعام 2018 والذي نقلنا بعض الاحصاءات منه فيؤكد أن تراجع عدد المشتغلين الاجانب لا يتجاوز 230 ألف أجنبي، فيما لم يزد عدد المشتغلين السعوديين سوى ما يربو قليلاً عن 12 ألف مشتغلاً سعودياً، وهذا لا يشكل رقماً فارقاً مقارنة بسوق عمل يهيمن الاجنبي عليه بنسبة تتجاوز الثلثين، أو ما يزيد عن عشرة ملايين مشتغلاً.

على أية حال، وعلى فرض صحة خروج 800 ألف مغترباً منذ آواخر 2016 حتى الآن، فإن المشكلة لا تكمن في مجرد خروج هذا العدد أو أضعافه، وليست المسألة ملء فراغ، بل نحن أمام مشكلة شديدة التعقيد، فمن سوف يملأ الفراغ، وماهي الاشغال التي سوف يضطلون بها، وماهي الأكلاف التي سوف تتحملها شركات القطاع الخاص على مستوى المال والأداء. الموقف الدارج لدى أرباب العمل في القطاع الخاص: أن الشباب والشابات يعانون من الكسل ولا يبالون بالعمل.

من سوء طالع محمد بن سلمان أن تتزامن سياسة السعودة مع خروج الأجانب وانخفاض الاستثمار الأجنبي. فبعد أن عانت المملكة السعودية من انهيار أسعار النفط منذ أكتوبر 2014، أصبحت تعاني من هبوط حاد في الاستثمار الاجنبي وهروب رؤوس الأموال للخارج، فيما يحاول محمد بن سلمان عبر ضخ مليارات الدولارت من أجل إقناع المستثمرين بالدخول الى السوق السعودية.

هناك شكوك متزايدة في كفاءة محمد بن سلمان، ويرى مراقبون بأن اطروحته في الاستثمار غير واقعية، وأن خطط تحديث الاقتصاد تفتقر الى العلمية والدقة. وزد على ذلك، أن رفع نسبة السعودة لشغل وظائف في القطاع الخاص أخاف المستثمرين بدلاً من إراحتهم وطمأنتهم، في ظل تقارير تتحدث عن عملية التفافية تقوم بها شركات القطاع الخاص للهروب من توظيف مواطنين لا يتحملون أشغالاً شاقة مثل البناء والتشييد، وهو المجال الذي يمثّل خمسين في المائة على الأقل من الأشغال التي يتولاها القطاع الخاص. هجرة العمالة الوافدة لا يعد مؤشّراً إيجابياً من وجهة نظر شركات القطاع الخاص. فهناك قلق لدى الشركات المحلية من أنه لا يمكن استبدال الأجانب بسهولة.

إن هجرة الأجانب هو جزء من محاولة محمد بن سلمان للحد من اعتماده على النمو الاقتصادي، وهو عنصر مهم يتضمن إقناع السعوديين في حالة التوظيف - التي تشكل ثلث العمالة المحلية. السلطات السعودية تزعم بأنها بصدد توليد 450 ألف فرصة عمل للسعوديين في القطاع الخاص بحلول العام 2020. وهذا رقم لا ينسجم والعدد الزهيد للغاية من الفرص الوظيفية التي حصل عليها المواطنون منذ الاعلان عن الرؤية وتطبيق سياسة السعودة بصورة صارمة ودفع الأجانب على الهجرة.

نشير الى ان وزارة العمل والتنمية الاجتماعية أعلنت في 25 إبريل الماضي أنها تعتزم خلال الفترة القادمة رفع نسب توظيف المواطنين في القطاعات الاقتصادية، في خطوة تهدف لخفض معدلات البطالة، أي خفض معدل البطالة من 12.1 % حاليا إلى 9% بحلول عام 2020.

يبقى أن مثل هذه الأرقام تفتقر الى الواقعية، لأن ما حصل منذ الاعلان عن رؤية السعودية 2030 في إبريل 2016 حتى الآن، أي بعد مرور ما يربو عن عامين لم يتحقق ما هو أدنى من ذلك بكثير، بل تزايدت نسبة البطالة، وتزايد عدد الأجانب في سوق العمل المحلية.

سعى ابن سلمان الى تسريع وتيرة هجرة العمال الأجانب، الذين يشكلون ثلث السكان المحليين وأكثر من ثلثي قوة العمل المحلية، من خلال تعزيز عملية ما يسمى بالسعودة - والهدف النظري وراء ذلك هو أساساً خلق قوة عاملة محلية أكثر إنتاجية. ومن أجل الحد من توظيف الاجانب، فرض محمد بن سلمان على الشركات التي توظف غير السعوديين، دفع رسوم المعالين، وتقييد القطاعات التي يعملون فيها، مع العمل في مناطق كثيرة من التجزئة والخدمات والتي باتت الآن محصورة بشكل صارم للسعودين.

 
اكتتاب أرامكو: مؤجل ام تم الغاؤه؟

لكن أرباب العمل السعوديين يواجهون صعوبات في الحصول على عامل محلي، معتاد على العمل المتعثر في الدولة ومزايا البطالة السخيّة. تشير التقارير إلى أن العديد من السعوديين يجري تأجيل توظيفهم بسبب ما يبدو أنها وظائف ضعيفة الأجر، وذات وضع متدنٍ. مشاكل التوظيف أثارت الكثير من القلق لدى الشركات المحلية ولدى المستثمرين، وعكست نفسها على الأداء الاقتصادي بصورة عامة.

في لقاء جمع وزير العمل والتنمية الاجتماعية علي الغفيص مع رؤساء غرف التجارة والصناعة في البلاد بمكاتب الوزارة بالرياض في فبراير الماضي أبلغهم فيه أن وزارته ستطبق برامج السعودة كما هو مخطط لها وبدون تأخير حسب ما أوردته صحيفة مكة في 18 فبرير الماضي.

اللقاء كان صاخباً، أفصح فيه رجال الأعمال المحليين عن قلقهم إزاء سياسة السعودة غير الممنهجة والارتجالية التي تنطوي على أضرار فادحة بالنشاطات التجارية للشركات. الوزير الغفيص الذي يطبق سياسة أمليت عليه من أعلى أصرّ على: «إن الوزارة لن تتراجع عن أي قرار».

عدد من المشاركين في اللقاء طالبوا الوزارة إعفاء القطاع الخاص من السعودة بنسبة 100 بالمائة، خاصة في بعض الوظائف التي يصعب ملؤها من قبل السعوديين. وطلبوا من الوزارة تشكيل لجنة لدراسة أي قرارات بشكل كامل قبل الإعلان عنها.

رئيس غرفة تجارة وصناعة الأحساء عبد اللطيف العرفج نقل عن رؤساء الغرف التجارية قولهم أنهم ليسوا ضد السعودة «لكن لديهم بعض التحفظات على الآلية التي تبنتها الوزارة». وأن هذه الآليات «سيكون لها تأثير سلبي على القطاع الخاص وتتسبب في إغلاق العديد من الشركات». وتشير تقارير اقتصادية الى توقف عشرات الشركات المتوسطة الحجم عن العمل في الشهور الأخيرة فيما تعاني الشركات الكبيرة من مصاعب مالية كبيرة نتيجة سياسة السعودة المفروضة عليها والمرفقة بسياسة ضريبة صارمة.

وقد طالب أصحاب العمل وزارة العمل بعدم مشاركة السعوديين «في بعض الوظائف في الوقت الحالي لعدم وجود سعوديين مؤهّلين ليحلوا محل المغتربين، خاصة في قطاع البناء. لكن الوزارة أصرّت على أنها ستنفّذ القرارات كما هو مخطط لها».

وقال العرفج إن رؤساء الغرف يشعرون بالقلق من أن بعض تدابير وقرارات الوزارة قد يكون لها تأثير سلبي على الاقتصاد الوطني، وقد تؤخر تحقيق أهداف الحكومة.

كان اللقاء حادّاً وصريحاً من جانب رجال الأعمال، حتى أن رئيس اللجنة التجارية بغرفة الشرقية علي برمان والذي حضر الاجتماع الأول قال بأن «وزارة العمل أصرّت على مواقفها ولم تستمع لأي مناشدات من قطاعات الأعمال الذين طلب عدد منهم من المسؤولين بالوزارة توفير العمالة في بعض التخصصات بنفسها – إن توفّرت - لكي يوظفهم القطاع الخاص فوراً»، في تحدٍ واضح لمطالب الوزارة، وفضحاً لإهمالها في وضع خطط تدريب وسياسات توظيف تتناسب ومطلب السعودة، إذ لا يمكن السير في التوظيف دون برامج تأهيل، وهذه تتطلب وقتاً طويلاً، ولا يمكن تطبيقها على الفور.

توقع برمان أن يكون لمحاولة التوطين الإجباري «دون تجهيز أعداد كافية من السعوديين المدربين للعمل في القطاعات المستهدفة نتائج سلبية ستنعكس على المنشآت الصغيرة والمتوسطة العاملة في مختلف القطاعات تساهم في خروج الكثير منها من السوق، فيما سترتفع أسعار الخدمات بشكل ملفت، منوّهاً بأن الاعتراف بالواقع هو من مفاتيح الحل، مبينا أن كثيراً من الوظائف الفنية مثل السباكة، والكهرباء، والوظائف الإنشائية، لا يوجد فيها سعوديون بالأعداد الكافية، فيما يصعب وجود سعوديين في بعض الوظائف غير المرغوبة من الأصل».

المخاوف من توقف العشرات من الشركات المحلية عن العمل بات حقيقة واقعة. نشير الى أنه في الفترة ما بين مايو ـ يوليو سجّلت 5000 غرامة على شركات تعمل في السعودية على خلفية انتهاك قواعد السعودة في قطاعات، منها الاتصالات، والفندقة، وتأجير السيارات.

في النتائج، فإن سياسة السعودة التي يجري تطبيقها تمثّل أحد أوجه الإخفاق الاقتصادي الذي يتسبب فيه محمد بن سلمان. هو يعكس الارتجالية في القرار، والعناد غير المبرر مهما كانت النتائج، وإن بدا ظاهر القرار مغرياً ولكن خاتمته كارثية.

من جهة ثانية، فإن تعثّر القرار الخاص بطرح ارامكو للإكتتاب العام الذي تأجل أكثر من مرة، دع عنك الجدل المتزايد حول القيمة السوقية للشركة، يشي بعدم توازن في حركة الاصلاح الاقتصادي الطموح، ويعكس قصوراً في الرؤية الشاملة لدى صنّاع القرار.

كان يفترض أن يشكّل الانخفاض الحاد في الاستثمارات الدولية خلال العام الماضي وارتفاع معدلات البطالة بين السعوديين (حتى مع مغادرة المزيد من العمال الأجانب) تحذيراً عالي المستوى، في ظل خصخصة لا تظهر عليها سوى علامات ضئيلة من النجاح، بل وفي رؤية اقتصادية بعيدة المدى تتلاشى الآمال المعقودة عليها بصورة تدريجية.

وبحسب دراسة بحثّية قدّمها (Jason Tuvey) ونشرت في 2 أغسطس الجاري حول تراجع فكرة طرح أرامكو للإكتتاب العام جاء:

«تشير التقارير التي تفيد بأن صندوق الثروة السيادية في المملكة السعودية يبحث عن مصادر تمويل بديلة إلى أن الحكومة تتحرك بعيداً عن فكرة بيع حصة في شركة أرامكو. وهذا يضيف إلى الدلائل على أن الزخم وراء إصلاحات الرؤية 2030 يتلاشى».

 
الرؤية العمياء ترفع نسبة البطالة وتزيد المشاكل

في السياق نفسه، قالت شركة فيتش سوليوشنز إن الإدراج العالمي لشركة النفط الوطنية «أرامكو السعودية» يبدو أنه بعيد المنال. وفي تقرير لها صدر في 2 أغسطس الجاري، ذكرت شركة فيتش أن الإشارات السلبية الصادرة عن الحكومة بشأن تطورات الاكتتاب العام، فضلاً عن الافتقار للشفافية الخاصة بعمليات الشركة، وتالياً اتفاقية الاستحواذ الذي أعلنته سابك مؤخراً، ألقت سحابة سوداء على إمكانية الطرح للاكتتاب العام.

وكان خالد الفالح، وزير الطاقة ورئيس شركة أرامكو السعودية، قد أعلن في مايو الماضي، إن عملية الاكتتاب قد تأجّلت إلى العام 2019، مشدداً على أن التوقيت لم يكن محدداً. أيضاً، أعلنت أرامكو في وقت سابق من شهر يوليو عن نيّتها الاستحواذ على سابك، ومن المرجّح أن توفّر صفقة نقدية كبيرة لصندوق الاستثمارات العامة (PIF)، والذي كان الهدف الرئيسي للاكتتاب العام لزيادة السيولة النقدية في صندوق الثروة السيادية لتمكينها من تنويع استثماراتها وتوليد إيرادات إضافية.

في النتائج، فإن الكف عن فكرة الإكتتاب العام من شأنه أن يبعث إشارات سلبية للمستثمرين الأجانب، ما يهدّد تمويل مشاريع تنويع الاقتصاد في المملكة.

نشير هنا الى تراجع أداء الاقتصاد السعودي في العام الماضي، وقد دخل في مرحلة ركود، ولكن في إبريل الماضي، ونتيجة ارتفاع ملحوظ في أسعار النفط، عاد صندوق النقد الدولي ورفع توقعات النمو الاقتصادي في المملكة السعودية للعام 2018 إلى 1.7٪، فيما خفّض تقديرات النمو للعام 2019 الى 1.9 في المائة من التوقعات السابقة، أي 2.2 في المئة.

وذكر صندوق النقد الدولي في تقريره عن «آفاق الاقتصاد العالمي»: «في حين أن أسعار النفط القويّة تساعد في استعادة الطلب المحلي على المصدّرين النفطيين، بما يشمل المملكة السعودية، فمن المتوقّع أن يؤثر التكيّف المالي الذي لا يزال مطلوباً على آفاق النمو».

لكن العودة إلى النمو تعتمد بشكل أساسي على الارتفاع في أسعار النفط، وهو ما يمكن بدوره أن ينعكس على زيادة الإنفاق الحكومي، وفقا لما ذكرته كابيتال إيكونوميكس. بعبارة أخرى، يعتمد الاقتصاد كما كان في أي وقت مضى على إيرادات النفط التي يتم توجيهها إلى الإنفاق العام.

الاقتصاد غير النفطي ينمو، ولكن بوتيرة بطيئة. وبحسب شركة جدوى للإستثمار، ومقرّها الرياض، أن الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي ينمو بنسبة 1.4 في المائة هذا العام، مقارنة بنسبة 1 في المائة في العام 2017. ومع ذلك، يعد أداء القطاع غير الحكومي ضعيفاً نسبياً. وتتوقع «جدوى» نمو القطاع الخاص غير النفطي بنسبة 1.1٪، هذا العام، مقارنة بنسبة 0.7٪ في العام الماضي.

في قراءة وتيرة تطبيق رؤية السعودية 2030 منذ الاعلان عنها، حيث كان ابن سلمان في عجلة من أمره، في متابعة ما يعتقدها اصلاحات راديكالية ليس للاقتصاد السعودي بل ولهياكل الدولة عموماً، ولكن هذه الجهود تباطأت تدريجياً، وما كان يعتقده محمد بن سلمان اقتصاداً بسرعة الغزال ظهر اقتصاداً بسرعة السلحفاة. الأهداف الطموحة والبعيدة تتطلب تغييرات جوهرية وشاملة. وبحسب تقرير (ستارتفور) الصادر مؤخراً: “أن كل شيء في المملكة، من الممارسات الاجتماعية إلى الأنظمة، لا يزال يخضع لسيطرة شديدة من قبل الدولة».

بعد أن أعلن إبن سلمان عن إطلاق خطة الإصلاح الاقتصادي الشاملة في ابريل 2016، قامت الحكومة بعدد من التغييرات. كانت الرؤية مصمّمة لتحقيق أهداف كبيرة من أبرزها: تنويع الاقتصاد، وتوطين الصناعة، وتسهيل النشاط الاستثماري، والحد من البطالة، وزيادة الابتكار، وتحديث البلاد بطرق لا حصر لها على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي. الآن رؤية 2030 فشلت، أو بالأحرى تتساءل وسائل الإعلام الرئيسية ما إذا كانت رؤية 2030 فشلت بالفعل.

منذ أن تبنّت السعودية خطة الإصلاح الاقتصادي واجهت معوّقات لا مفر منها. كما كان متوقعاً، اعتاد السعوديون على الحصول على مزيد من الاهتمام من الحكومة، وكان هناك تكتّم على مراجعة التوقعات من الرؤية. سعت البلاد أيضاً لفتح اقتصادها – وهو من الاقتصادات الكبيرة عالمياً ولكن يدار من قبل الأجانب. والآن، وبعد ارتفاع أسعار النفط، لا تزال السعودية تعمل على إصلاح بعض النواحي، على الرغم من أن العمل على المدى الطويل لناحية تنويع وتحفيز نشاط القطاع الخاص لا يزال يمثل أولوية، وهو تحدٍ على أية حال.

وبرغم من التغييرات لا تزال المشكلات القديمة على حالها، فمعدلات البطالة ظلت ثابتة، وأن المواطنين غير راضين عن العديد من الإصلاحات الاقتصادية التي طبقتها الحكومة، مثل ضريبة القيمة المضافة.

من بعض النواحي، وبحسب ستراتفور فإن رؤية 2030 جرى تصميمها بحيث تكون أكبر من أن تفشل. مع تشجيع العديد من المبادرات في الصناعة وقطاعات المجتمع، فمن المؤكد تقريباً أنه سيتم إحراز بعض التقدم. لكن يمكن النظر إلى المشروع الكبير أكثر من اللازم ـ والحكومة تعرف ذلك. أهداف وردت في نص الخطة، مثل بناء «مجتمع نابض بالحياة»، و»اقتصاد مزدهر» و»أمة طموحة،» غامضة بصورة مقصودة وان كانت عناوين طموحة.

استناداً لهذه الرؤية، تحاول الحكومة السعودية إعادة هيكلة البلاد على مستوى أساسي للغاية، وهذه التغييرات لن تكون سريعة أو سهلة - خاصة عندما تتطلب ذلك.

اقتصادياً، شهدت المملكة السعودية بعض النجاح في جهود الإصلاح تكنولوجيا المعلومات والاتصالات منذ العام 2016. واحدة من الدوافع الرئيسية وراء رؤية 2030 كان ضرورة تنويع الاقتصاد للبلاد. لقد تعلمت الرياض درساً قاسياً ومؤلماً عندما انخفضت أسعار النفط في أكتوبر العام 2014. وفي الوقت الذي راكمت فيه السعودية عائدات نفطية كبيرة في السنوات التالية، وجدت نفسها أمام عجز موازنة ينمو بسرعة، وأن احتياطياتها من النقد الأجنبي تتعرّض للنزيف. إن تركيز رؤية 2030 على البحث عن بدائل لإيرادات النفط هو اعتراف بمدى ضعف البلد.

منذ العام 2016، ارتفعت الصادرات غير النفطية بصورة لافتة، أي بزيادة 26.5 في المائة على أساس سنوي في الربع الأول من العام 2018. ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى ضريبة القيمة المضافة والتي تم تنفيذها في يناير من العام الحالي، كما زادت الإيرادات غير النفطية بشكل كبير: 63 في المائة على أساس سنوي في الربع الأول من العام 2018. فقد أقرّت الحكومة حزمة ضرائب جديدة، وكذلك زيادة التعريفات على الكهرباء، والماء، والوقود. وتبنّت الحكومة جدولاً زمنياً بصورة صارمة لإطلاق سياسة رفع الاسعار (وقدرت شركة الكهرباء السعودية في يونيو الماضي أن الزيادة الأخيرة في الأسعار بلغت نسبة 67 في المائة على أساس سنوي).

لقد أكّد اعتماد السعودية على النفط ووارداته أنها لا تزال أسيرة لهذه السلعة، وإن مصدر الدخل الجديد هو «جيب المواطن»، الذي جرى تحميله مسؤولية عملية لفشل صانع القرار في البلاد، سواء في ارتفاع الأسعار التي زادت في الكهرباء على سبيل المثال بنسبة 145 في المائة، فيما فرضت ضرائب لا حصر لها على كل شيء تقريباً.

في نهاية المطاف، فإن مشكلة السعودة تترجم اخفاقاً شاملاً ولا تقتصر على مجرد المشكلة ذاتها، وإن الحل يكمن في تشخيص دقيق لمشكلات اقتصادية، وسياسية، وبيروقراطية، وثقافية، وقضائية..

الصفحة السابقة