«المراعي» والغضب الشعبي

في سنوات خلت كان النظام السعودي يتحصّن داخل حزمة واسعة من الرموز التي تعكس سطوته، وكثافة حضوره المعنوي، وأيضاً احتكاره للسلطة في تظهيرها التجاري. من بين الرموز التجارية للنظام السعودي كانت «شركة المراعي» المملوكة للأمير سلطان بن محمد بن سعود الكبير التي مثّلت مكوّناً سلطوياً الى جانب نشاطها التجاري المحض.

في ظل التردي المتواصل للأوضاع المعيشية، أصبحت «المراعي» رمزاً لمعاناة الناس، وعليه باتت داخل مشهد الغضبة الشعبية على ارتفاع الأسعار، بما يعيد إنتاج العلاقة بين السلطة والتجارة، أو بالأحرى بين الأمراء وعالم المال والأعمال. هنا، نحن أمام نوع من المجابهة غير المباشرة مع السلطة، أي مع الأمراء، حيث يأخذ التمرد على الأمراء شكلاً آخر موارباً، إذ بدلاً من التصادم المباشر مع سلطة الأمراء الحاكمين، يصبح التصادم مع أحد أبرز رموزها التجارية.

في خطوة لافتة ومعبّرة، تفجّر الغضب الشعبي على مواقع التواصل الاجتماعي من ارتفاع أسعار الحليب ومشتقاته من منتجات شركة «المراعي»، والذي بات موضوعاً لحملة اعلامية اجتماعية لمقاطعة منتجات الشركة، وتأتي الحملة استكمالاً لغضب شعبي من ارتفاع فواتير الكهرباء بعد خفض الدعم بنسب عالية.

لم يعد ينظر الى «المراعي» بكونها مجرد شركة تجارية معزولة، بل هي جزء من التكاليف الباهظة التي يدفعها المواطن في سياق إعادة تشكيل اقتصاد المملكة السعودية التي يقودها إبن سلمان.

انتشرت حملات على وسائل الاتصال الاجتماعي لمقاطعة منتجات المراعي، من بينها «الحملة الشعبية الوطنية لمقاطعة منتجات شركة المراعي» وهاشتاغ (المراعي تتلاعب بالأسعار).

حملة تبدو كما لو أنها محاولة التفافية على الهيمنة التي فرضها ما يعرف بالذباب الالكتروني بقيادة المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني. وتشي الحملات بأن ثمة تذمراً مكتوماً في الداخل السعودي يحاول استغلال أي فرصة للظهور الى العلن والتعبير عن نفسه بعيداً عن سطوة التهويل الرسمية. فقد عبّرت واحدة من حملات التواصل الاحتماعي من خلال تعميم الصور والشعارات المحذّرة من شرب مشتقات حليب المراعي، وقد دمغت بملصقات مع عملاء X حمراء وعبارة «خليه يحمض» بعد أن رفعت شركة المراعي سعر اللتر الواحد من الحليب بنسبة 0.25 ريال، أو ما يعادل 7 سنتات.

لم تكن المقاطعة شكلية، فقد حملت في طياتها رسالة شديدة اللهجة لمشاريع الشركة. وبحسب مدير توزيع في «المراعي» يقول: في حال استمرار المقاطعة مدة شهر أو شهرين فسوف تحل كارثة بالشركة، لاسيما بعد انخفاض مستوى الطلب على منتجات الشركة الى مادون الربع، فيما اضطرت كثير من المتاجر الى رفض استقبال منتجات جديدة من الشركة بسبب تكدّس المنتجات القديمة..

ناشطون جاهروا بنقد الشركات الجشعة في سياق نقد ارتفاع غلاء المعيشة، وسياسة الضرائب، حيث لا يسمح النظام السعودي للمواطن بممارسة حرية التعبير. ارتفاع قيمة الفواتير، ومعها درجات الحرارة في الصيف، وتناقص مصادر الدخل لدى المواطنين، وزيادة الضرائب، وإخفاق محمد بن سلمان في اطلاق حركة نمو اقتصادي حقيقي في ضوء رؤية السعودية 2030 باتت موضوعات الساعة على منصّات التواصل الاجتماعي.

يستغل المواطنون أي نافذة لإيصال شكاواهم، وفيما أوقفت صحيفة (المدينة) أحد صحافييها على خلفية كشفه أسرار/ فضائح وزارة الصحة، ذكرت صحيفة (عكاظ) بأن أعداد كبيرة من زبائن الشركة السعودية للكهرباء كانوا يسجّلون شكاوى ضد الشركة في مكاتب المرافق الخاصة بها، ما جعل الشركة «حديث الناس». وقد اضطرت شركة الكهرباء لإصدار بيان توضّح فيه ان البيانات الواردة في الفواتير الصادرة عن الشركة تتسم بالدقة، في رد فعل على الانتقادات الموجهة لارتفاع أسعار الكهرباء.

في الدلالات، شكّلت الحملة الاهلية على مواقع التواصل الاجتماعي لمقاطعة منتجات المراعي اختباراً على قدرة المواطنين لتجاوز محاولات مصادرة إرادتهم، وحرف اهتمامهم عبر التغرير والتهويل، فهناك جمهور لا يزال خارج سيطرة السلطة، وهو لا يزال برغم التدابير القمعية قادر على اجتراح خيارات موازية للإفصاح عن همومه العامة.

الصفحة السابقة