فضيحة إعلامية سعودية بطلها (نيوزويك)!

خالد شبكشي

إنها فضيحة إعلامية من العيار الثقيل؛ تلك التي وقع فيها الإعلام السعودي الرسمي، صحافة وفضائيات، وأيضاً وقع في قعرها جيش (الذباب الإلكتروني)، او (الجيش السلماني). بطلها مجلة نيوزويك، التي وضعت ابن سلمان على غلافها، مع محتوى نقدي حاد له، فظنّ اعلاميو آل سعود بأنها تمتدحه، فسوّقت للمجلة الأمريكية، وكأنهم اعتقدوا بأن وضع ابن سلمان على الغلاف جزءً من حملة إعلامية سعودية ـ مدفوعة الثمن ـ تواجه حملة النقد في الصحافة الغربية.

 
غلاف نيوزويك الذي لم يفهمه الاعلام السعودي!

سبق وأن كتبت صحيفة التايمز البريطانية المحافظة، بأن أيام ابن سلمان معدودة، وان اصلاحاته اسفرت عن (لا شيء). وقد استعرض موقع البي بي سي بعضاً من المقالة.

السي ان ان، كتبت عن شخصية ابن سلمان الغبية والمتهورة وأفردت مساحة كبيرة لاخفاقاته السياسية والاقتصادية.

الواشنطن بوست كتبت عن بربرية القمع لابن سلمان وأبيه.

وميدل ايست آي كتبت مقال مراجعة لحكم ابن سلمان، وعددت فشله الذي يكاد يكون في كل شيء تقريباً.

وحتى صحيفة لوموند الفرنسية، قالت ان ابن سلمان يتقدم خطوة ليتراجع عشراً، وان دعمه من قبل الغرب سيفجر الشرق الأوسط، وانه حان الوقت لوقف سياساته العدوانية.

في خضم هذا كله.. ظهر ابن سلمان على غلاف مجلة نيوزويك، بعنوان أساس: اجعل السعودية عظيمة مرة أخرى؛ وهو عنوان ساخر، بل هو احد شعارات حملة ترامب: اجعل أمريكا عظيمة ثانية.

اعتاد القراء، خاصة في السعودية، ان صورة ابن سلمان على غلاف مجلة ما، لا بد أن يكون مدفوع الثمن من جهة رسمية، وان المحتوى تطبيلي تلميعي دعائي.

هذه المرة كان الأمر مختلفاً، فوقع الطبّالون والذباب الالكتروني في المصيدة، وأساؤوا الى ابن سلمان بالترويج لنيوزويك بدلاً من مهاجمتها، حيث ظنّوا انها تحمل مديحاً كما هي العادة.

الإعلامي عبدالله البندر، وهو احد قادة الذباب الالكتروني، افتخر بتصدّر ابن سلمان غلاف نيوزويك، وترجم العنوان خطأ: (يعيد امجاد العرب مرة أخرى). ورئيس اللوبي السعودي الدعائي في أمريكا، سلمان الأنصاري، روّج للمجلة الأمريكية قبل ان يقرأ المحتوى، فقام الذباب الالكتروني بترويج ما روّج. وتفاخر الانصاري فقال: (حينما تتصدر قيادة بلدك حديث العالم وإعلامه، فاعلم بأن رجال وطنك مالئي دنياهم وشاغلي ناسها).

تلقف عشرات الألوف من الذباب الخبر وصورة الغلاف ونشروه، وقال عبدالله القحطاني مفاخراً بأن نيوزويك تزيّن غلافها بصورة ابن سلمان. أحد مسؤولي الذباب الالكتروني ـ قس بن ساعدة، على موقع تويتر، تحدث عن مجد ابن سلمان، ودعا له واعتبره عظيماً يصنع التاريخ. ومثله فعل مسؤول ذبابي آخر اسمه تركي الدعجاني؛ وعمدت "عواجل" السعودية الكثيرة أطنبت في المديح اعتماداً على الغلاف. حتى القنوات السعودية التلفزيونية، جعلت غلاف نيوزويك مجالاً للمديح والاستعراض من قبل طبالين تافهين جاءت بهم للحديث عن غلاف نيوزويك وليس محتوى ما قالته.

سخر الكثيرون من سخف الاعلام السعودي، ومن تطبيل جيش الذباب الالكتروني. وهاجم المعارض غانم الدوسري مسؤول اللوبي السعودي في أمريكا سلمان الانصاري، وسخر منه، وقال بأنه (جاب العيد)، حيث امتدح نيوزويك التي تقول ان ابن سلمان يدعم القاعدة في اليمن. واضح ان المشكلة تكمن في أن أحداً من المطبلين لم يقرأ محتوى المجلة، الذي كان في مجمله كتلة من النقد الحاد، لذا نصح معلق المطبلين بالتمعّن والقراءة: (لا تطبّل على عمى).

وفي حين استعرض اعلاميون بعضاً مما حوته مواضيع غلاف نيوزويك.. وجد الإعلامي السابق في قناة الجزيرة ياسر أبو هلالة فرصة لتوجيه سهامه للإعلام السعودي، وليسخر من أن زعيم اللوبي السعودي في أمريكا والذي يتقن الإنجليزية روّج لنيوزويك بظن انها تمتدح ولي أمره.

 
سلمان الانصاري، رئيس اللوبي السعودي بأمريكا

نعم.. حوت مجلة نيوزويك العديد من المقالات الناقدة لابن سلمان؛ بينها مقالة لجوناثان برودر، قارب فيها بين شخصيتي ترامب وابن سلمان وانتقد سياسات الأخير. وكتبت الدكتورة مضاوي الرشيد مقالة تحدثت فيها عن انهيار لشرعية النظام ومشاريعه السياسية والاقتصادية وقمعه المتواصل. وسبق ان كتب توم اوكونور مقالة عن ابن سلمان وشرائه الأسلحة الأمريكية وخلافه مع كندا.

اكتشف الذباب الالكتروني وسادتهم متأخرين ان غلاف نيوزويك لا يحوي مدحاً، فعمد اكثرهم الى مسح التغريدات، واعترف احد قادة الذباب على موقع تويتر بإسم «طيّار ركن»، بأن العنوان مجرد غلاف للإساءة لقيادة المملكة. وقال ان العيب على من سوّقَ هذا العنوان وبدون أن يقرأ وهو يجيد الإنجليزية. وهنا سخر بوغانم القطري فردّ متهكما: (صحيفة نيوزويك خلّت ولي عهدك مسخرة)!

الرد السعودي فضائياً!

مالعمل الآن؟! وكيف يمسح الذباب الالكتروني آثار ما كتبته الصحف والمجلات الغربية التي وصلت الى قناعة بأن مشروع ابن سلمان ورؤيته قد أفلستا تماماً؟

لا حلّ بغير اطلاق بضعة هاشتاقات، لعلّ وعسى. فلا مجال للنصر السعودي في أي معركة سياسية او عسكرية الا في الفضاء الالكتروني الخيالي.

كان هناك هاشتاقان اساسيان: احدهما بعنوان (# السعوديون دون محمد بن سلمان)، والثاني (# محمد بن سلمان صانع الأمجاد).

سلمان الانصاري، رئيس اللوبي الإعلامي في أمريكا، خاطب الملك “الحازم!” وكأنه يعتذر: (نحن جنودك، وأنصارك، فامض بنا للنصر المؤزر، فوالله لو اجتمعت كل جيوش الشر ضد السعودية لما زادنا الا ثباتاً).

الذبابة الالكترونية محمد نافع، هو من أنشأ الهاشتاق: # السعوديون دون محمد، وطلب من بقية الذباب المشاركة، (لكي يعلم العالم اننا كلنا نفديه بأرواحنا وما نملك) حسب تعبيره. وبشّر نافع جيش الذباب بالتالي: (سوف نغزو الهاشتاقات العالمية. يجب تحضير تغريدات بالإنجليزية عن دور ومكانة السعودية). وأضاف: (نحاول ان يكون لنا وجود بقوة للتعريف بدور ومكانة السعودية العظمى عالمياً). رد عليه احدهم: (أهم شيء ان الغزو مجرد هاشتاقات. اما ايفانكا وأبوها فقد غزيا سلمانكو ودبّه الداشر بنصف تريليون دولار).

 
المطبلون شوهوا الدب الداشر

المعارض السابق كساب العتيبي القى باللائمة على قناة الجزيرة، كما هي العادة، وزبائنها ومرتزقتها المشردين. وأضاف كما يفعل الطبالون: ان كان الدفاع عن الوطن تطبيل فكلنا ذلك الرجل.

وكتب رجل مباحث بأنه ليس فقط السعوديون دون محمد (يقصد يدافعون بأنفسهم دون محمد بن سلمان) بل حتى جنوبيو اليمن بل كل عربي شريف يفتدي محمد بن سلمان، حسب تعبيره. أما الأمير منصور آل سعود فقال ان ابن سلمان مثال في البناء ومكافحة الفساد وان امة العرب والإسلام كلها تعلق آمالها عليه!، فرد أحدهم على الأمير: (تضحك على نفسك أم ماذا؟! أي تطور وأي محاربة للفساد تتحدث عنه، وأنتم كلكم رؤوس فساد. استمر في الضحك على نفسك الى ان يأتي اليوم الذي نقتص فيه منكم).

وقفز عبدالملك المالكي ليهتف مطبلاً: (روحي وأبنائي وما أملك دونك سيدي) يقصد ابن سلمان. اما الإعلامي الساخر غانم الدوسري، فطالب بتعديل الهاش (وحطوا الدب الداشر حتى يعرف الناس من المقصود)، بمعنى: أيّ محمد هو المقصود؟ وصحح احدهم بأن السعوديين دون محمد صلى الله عليه وسلم، أما غيره فلا.

وتكرر نص نقله الذباب الالكتروني يقول: (لن تؤثر بنا صحف العالم كلها لو جمعت حثالتها لكتابة مقالات). وانتقد الأمير منصور بن سعد صحيفة التايمز وقال انها مستعدة للتضحية باسمها مقابل شعبية صانع المجد ابن سلمان. ومعلق رياضي اسمه بدر فرحان، يقول ان التايمز والواشنطن بوست ونيويورك تايمز لا يعنونه في شيء. وأكمل آخر بأن تلك الصحف، لن توقف حب الشعب لابن سلمان، الى غير ذلك من المديح المذموم.

الإعلامي الرسمي فهد ديباجي، يقول ان ابن سلمان اسقط “محور الشر”، لذا كانت الحملة على ابن سلمان عبر الإعلام والخزعبلات. والإعلامي الآخر فضل البوعينين، لا يرى ان انتقاد ابن سلمان امر سياسي. كلا. فمن هو عدو لمحمد بن سلمان لا بد ان يكون عدواً للإسلام ولقبلة المسلمين.

السؤال: كيف يبرر الذباب الهدف من حملته الالكترونية، وعلى من يقع اللوم؟

 
بربرية سعودية

يقولون ان هناك حملة على ابن سلمان، وان الاعلام السعودي مقصر وضعيف، وان قطر وغيرها تدفع المال للإعلام الأجنبي!

قال بعض الذباب الالكتروني، بان هناك حملة تشوية تستهدف هز الثقة بالقيادة، وتشكك بمستقبل السعودية، وان ابن سلمان ينجح فيزداد النباح. آخر قال ان الحملة الإعلامية الغربية سببها ان ابن سلمان قلب الطاولة على مشروع الغرب الاستراتيجي، ومزق خرائطه واحلامه. هذا في حين ان ابن سلمان في حقيقة الأمر مجرد أداة في مشروع الغرب.

محمد الطيار، احد مسؤولي الذباب الالكتروني، يخاطب ابن سلمان: (الشعب كله متحد خلف ملكنا وخلفك ويعيش اعظم فترات الولاء والحب). وكل هذا من الكذب والدجل والتطبيل الذي لا فائدة منه.

مسؤول ذبابي آخر، هو الإعلامي مثيّب المطرفي، وفي محاولة لتخفيف الوطأة، قال بأن (كل ما تشاهدونه من تقارير صحيفة غربية هي بالأموال، يعني تقدر تدفع مبالغ طائلة وتخليهم يكتبون عنك شخصياً). واتهم المطرفي قطر ومن خلال علاقاتها مع شركات الدعاية والصحافة الغربية بأنها وراء كل ذلك. كما اتهم كل القنوات تقريباً بأنها عدوة لآل سعود، بما فيها روسيا اليوم وبي بي سي عربي، ودعا الى استثمار اليوم الوطني السعودي (يوم ٢٣ سبتمبر) كمناسبة لمواجهة الحملات المضادة. بعدها زعم مثيب المطرفي بان صحف إسرائيل وتركيا وقطر وبريطانيا تنسق فيما بينها لمهاجمة ابن سلمان!

ومن مسؤولي الذباب منذر آل الشيخ الذي لاحظ كثرة ما أسماه بالإساءات الممنهجة القادمة من الخارج تجاه ولاة امره. وهناك موقع خارجي باسم صحيفة الخليج، وصفته مضاوي الرشيد بـ (الزبالة) اتهم الرشيد بأن قطر دفعت عشرة ملايين جنيه لها من أجل تجنيد شخصيات عربية واجنبية ضد ابن سلمان. الى آخر الترهات.

نقد الإعلام السعودي

العسكري إبراهيم آل مرعي يقول انه غير راض عن الاعلام السعودي، خاصة في تغطية حرب اليمن، وفي مواجهة الحملة الإعلامية المعادية. وزاد بان من لا يستشعر خطورة الحملة الإعلامية يفتقد الى الدهاء، وسأل الله ان يستره بالمغردين (أي يقوم الذباب بتغطية العجز).

وطفح الكيل بالنسبة للإعلامي حسين الغاوي من جمود اعلام آل سعود الخارجي، فهو بدون استراتيجية لمواجهة الحملات الإعلامية المضادة؛ وقال لمسؤولي الاعلام: ان المتلقي يريد معلومة، اما أسلوب المهاترات والمناكفات فلا يقدم نتيجة. ويعود مثيّب المطرفي فينصح الاعلام الرسمي (بالتخلي عن الحديث عن أنفسنا بلغتنا)، وطالب بانشاء قنوات تتحدث بلغة الآخرين ومهاجمتهم بلسانهم.

الدكتور المعارض فؤاد إبراهيم ذكّر جيش الذباب ومن وراءهم، ممن يقولون بأن الصحافة الغربية التي هاجمت ابن سلمان مسكونة بالحسد من إنجازاته، بأن هذه الصحافة التي يشتمونها حصدت من الأموال السعودية في عهد ابن سلمان اكثر من أي عهد سعودي آخر. وأعاد الدكتور فؤاد المشكلة الى حقيقة انه من الناحية النظرية فإن الصحافة سلطة رابعة، لكن النفاق في السعودية أضاع بوصلة الكثيرين، فاعتقد المطبلون بأن الصحافة إنما هي للتطبيل وليس للنقد. اما ان سهام الإعلام الأجنبي توجهت لابن سلمان، سخرية وتعريضاً ونقداً، فالسبب هو: (هل ترك ابن أُمّهِ للخيل مضرب؟ فقد جاب العيد في كل الملفات التي بحوزته، ولم يبق لديه سوى شويّة مطبلين كإسعاف طوارئ).

الصفحة السابقة