إلغاء بيع شركة أرامكو

هل وجّه سلمان لطمة لإبنه ولرؤية ٢٠٣٠؟

ناصر عنقاوي

معظم مشاريع محمد بن سلمان العسكرية والسياسية والاقتصادية والمالية آلت الى فشل ذريع.

كل رؤيته ٢٠٣٠ وصلت الى طريق مسدود. فمفاصلها الأساسية غير قابلة للتحقيق.

 
رويترز، خاص: إيقاف بيع أرامكو وتسريح
الموظفين على مشروع الاكتتاب

عبثاً حاول اصلاح وتعديل الرؤية ولكن لا فائدة.

مستقبل ابن سلمان مظلم، بل أن هاآرتز الصهيونية كتبت عن نهايته.

أحد أعمدة رؤية ابن سلمان الاقتصادية كان بيع شركة أرامكو النفطية، أي بيع البطة التي تبيض ذهبا، بعد ان جرى تأميمها في ١٩٨٥ بمبالغ خيالية، ولا يعلم أحدٌ حتى اليوم، كم دفعت الرياض للشركات النفطية الكبرى لتحقيق غاية التأميم السعودي، ولكن من المؤكد ان الرياض لاتزال تدفع مبالغ لتلك الشركات سنوياً كجزء من عملية التأميم.

حين طرح ابن سلمان عرض بيع شركة أرامكو في الأسواق العالمية، أُصيب المواطنون بصدمة. واعتبروا ذلك تفريطاً بمستقبل الأجيال القادمة، وإدخال الإستعمار المباشر من جديد. وحين قال ابن سلمان بأن الغرض من بيع أرامكو: تنويع مصادر الدخل، وتحفيز الإستثمار الحكومي وتنويعه في مجال الطاقة على مستوى العالم. قال محللون محليون وهم قلة ـ بسبب كتمان الأنفاس قمعياً ـ بأن لا معنى للإستثمار في الطاقة من خلال بيع أرامكو، لأنه من نفس أعمال أرامكو الحالية.

بالطبع رحّب الأمريكيون والبريطانيون وغيرهم بخطوة تخصيص بعض من أرامكو، وتنافست لندن ونيويورك على عرض أسهم أرامكو في بورصتها، لكنهم أرادوا شراء أرامكو بسعر بخس، عبر تخفيض قيمتها الحقيقية وقيمة المخزون النفطي داخل الأرض، والذي لم يُنتج بعد.. في حين قالت الصين أنها مستعدة لشراء كل النسبة التي تعرضها السعودية للبيع من أسهم أرامكو (وكانت البداية التي اقترحتها السعودية ٥٪ من الشركة) لكن الرياض لم تكن تنظر الى الموضوع من زاوية اقتصادية بحتة كما زعم ابن سلمان، بل كان الموضوع السياسي في صلب عملية البيع.

لهذا لم ترد الرياض على الصين، لأن آل سعود كانوا يريدون البيع للغرب، حكومات ومؤسسات اقتصادية، بهدف جعل مصالح الغرب دافعاً اساسياً للدفاع ولحماية النظام السعودي نفسه في حال تعرّض للخطر.

حين أُعلن عن عرض بيع أرامكو، كانت الرياض في أزمة مالية قاربت الإفلاس، حسب تصريحات مسؤولين ووزراء سعوديين. ولكن بعد نحو عامين، وتحول الاقتصاد من (ريعي) الى (ضرائبي) وجدت الرياض الكثير من المال في يدها، بل أصبح لديها فائض في الأموال، فكرر بعض المحللين ضرورة الإستغناء عن بيع أرامكو، مادام المواطن دفع من راتبه وضرائبه وانخفاض مستوى معيشته ثمناً باهظاً لبقاء أرامكو ضمن أملاك الدولة.

 
الكاتب عصام الزامل انتقد بيع أرامكو، وقال ان الاكتتاب لن يحدث ابداً!

وفي التفاصيل المبررة لعدم بيع أرامكو، قال محللون محليون بان الرياض ستكون عاجزة عن بيع جزء من الشركة فحسب، فإما أن تبيعها كلها دفعة واحدة، او لا تبيع شيئاً، والا فلن تُدرج في الأسواق المالية العالمية. ثم ان الرياض مطالبة بتقديم كل المعلومات عن الشركة وأملاكها وعقودها وما ينهب منها للمالكين الجدد، وقد قيل ان هذا كان سبباً في الغاء بيع أرامكو (او على الأقل تأجيل ذلك).

حين اعترض كتاب واقتصاديون مثل عصام الزامل وجميل فارسي وغيرهما على خطوة البيع لشركة ارامكو، جرى اعتقالهم، ولازالوا الى الآن في سجون ابن سلمان.

ولربما كانت مفاجأة جميلة للمواطنين، حين سرّب آل سعود لمراسلي رويترز في الرياض، بأن الملك سلمان أوقف عملية البيع، وسرّح القائمين عليها من اشخاص او بنوك أجنبية او شركات استشارية.

سعد بن عمر العامل في الاستخبارات السعودية، قال ان افراحاً وطنية غمرت الشعب. والناقد عبدالله الغذامي التمس الأعذار، بأن الرؤية تعني المراجعة الدائمة، لكنه أكد ايضاً بأن هناك فرحاً شاملاً من السعوديين والسعوديات، ليس تجاه إيقاف بيع أرامكو، ولكن تجاه رؤية ابن سلمان العمياء!. لكن وزير الطاقة السعودي نفى ما قالته رويترز، بعد ساعات من نشرها التقرير، وقال ان طرح أرامكو الأولي قائم بانتظار ظرف ملائم، دون ان يحدد زمناً.

المؤسسات الآعلامية وقنوات التلفزة والصحف الغربية، لم تأبه لنفي الوزير السعودي، اذ انها شهدت توقف عملية الطرح منذ ابريل الماضي؛ وان أعمدة رؤية ٢٠٣٠ لم تعد مغرية ولا قابلة للتطبيق في المدى المنظور.

 
بريطانيا تمتلك اسرار المعابد الخليجية!

سبق للكاتب الاقتصادي عصام الزامل ان كتب قبل عامين (قبل اعتقاله) تعليقاً على كلام وزير الطاقة الفالح بأن طرح أرامكو سيكون في مطلع ٢٠١٨، قال الزامل: (ضعوها بالمفضلة: أرامكو لن تُطرح للإكتتاب أبداً). وهذا ما حدث.

الدكتور محمد الأحمري ـ الذي تخلّى عن جنسيته السعودية لصالح القطرية ـ رأى التراجع عن بيع أرامكو صائباً (ولو تمت الاستجابة للضغوط الاستعمارية بالبيع لأصبح المستقبل بأيدٍ أجنبية) وشكر الزامل الذي قال الحق فسُجن.

مصعب إبراهيم قال ان كل مزاعم بيع أرامكو كان (كذبة رسمية) فـ (أرامكو لم تكن يوماً للبيع ولن تكون. كل ما في الأمر ان السعودية استخدمتها كورقة لتسييل لعاب بعض الدول والحصول على ما تريد، وانتهى دور هذه الورقة)، حسب زعمه.

لكن ما أزعج كتاب آل سعود، من رويترز، هو التفاصيل، وكيف ان إيقاف بيع أرامكو كان بيد الملك وانه وجه بذلك صفعة لولي العهد، وان الإيقاف يمثل نهاية لرؤيته، كون مشاريع ابن سلمان الكثيرة (نيوم، قدية، البحر الأحمر وغيرها) قائمة على مشروع بيع ارامكو.

ولذا جاءت الشتائم لرويترز التي دأبت على تسريب ما يريده ابن سلمان، ومن بين ذلك سبب الإطاحة بولي العهد محمد بن نايف.

صاحب موقع ايلاف، عثمان العمير، وصف رويترز بأنها ضمن (مستوطنات الأخبار الكاذبة) التي لا يمكن ازالتها. رد احدهم ساخراً: (كانت رويترز ذات مصداقية، عندما كانت تغرد داخل الحَوْشْ مع السرب؛ وفقدت المصداقية عندما...).. عندما غردت خارج السرب السعودي.

الدكتور محمد القويز علّق بأنه تم تدنيس رويترز مثلما دُنّس المعبد الإعلامي بي بي سي، حتى أصبحت من اخوات المسيرة والمنار والجزيرة في رضاعة الكذب. هذا الكلام استفزّ الإعلامية ايمان الحمود، فامتدحت تدخل الملك لايقاف مسار بعض الملفات، وقالت ان اتهام رويترز بالتلفيق لا يجدي نفعاً وبررت ذلك بالقول أن (بريطانيا تملك أسرار كل المعابد في المنطقة، وتعرف كيف تصل الى المعلومة).

 
نفي وزير الطاقة لم يأبه به أحد!

عضوان الاحمري، الكاتب في الشرق الأوسط، اتهم رويترز بانها ليست مهنية، وكان مستاءً لأنها استخدمت كلمة (لطمة) وهي اللطمة التي وجهها سلمان لرؤية ابنه. يقول عضوان: (تخيلوا ان وكالة انباء تستخدم مصطلح «لطمة»! هذا انتقام وليست مهنية). أما الإعلامي الرسمي يوسف المحيميد، فقال ان وراء ما تنشره رويترز دوافع سياسية؛ في حين سخر جمال خاشقجي من منفاه فعلّق بأن (ترامب لا يعجبه غوغل وتويتر، وهناك من لا تعجبه رويترز وبلومبيرغ. طيّب والعمل؟ نعمّم نموذج برافدا والأهرام؟!).

مشعل الخالدي، الإعلامي الرسمي، والناشط مع الذباب الالكتروني، تحدث عن خرافة حرية وحياد الاعلام الغربي، وقال بأن ما تنشره السي ان ان والبي بي سي وغيرها ليس مجرد أخطاء مهنية، وانما وفق اجندة استراتيجية. وطالب اعلامي رسمي اخر، من جيش الذباب، محمد نافع، بمقاضاة رويترز حتى لا تتمادى، داعياً الى رد قوي وحازم. وحتى عضو مجلس الشورى فهد بن جمعة، فإنه دعا الى عدم الانجرار الى الاخبار المزيفة، وتلقي المعلومة من مصادرها الرسمية، وقال بأن خبر الغاء اكتتاب أرامكو هدفه تشويه رؤية ٢٠٣٠.

الشيء الثابت هو ان اكتتاب أرامكو ان لم يكن قد اُلغي تماماً، فهو مؤجل في رحم الغيب الى أمد طويل!

والمؤكد، ان الدول الغربية والمؤسسات الاقتصادية الكبرى، علمت بخبر إيقاف بيع أرامكو قبل اعلان رويترز.

والمؤكد الثالث هو أن الرياض هي من سرّب الخبر الى رويترز، وأن غضب الرياض ليس في نشر الخبر، وإنما في تأكيدها على تصدي سلمان الأب والملك للأمر، وقولها انه وجّه لطمة لإبنه ولرؤيته الاقتصادية. هنا بالضبط محل الإنزعاج السياسي والإعلامي السعودي. وإلا فإن رويترز دأبت على نشر التسريبات الحكومية، وخدمة أجندة ابن سلمان مراراً وتكراراً، ومكتبها في الرياض فاعل ونشط وله الحظوة!

بقي أن نؤكد، بأن الملك سلمان هو من يدير لعبة الدولة بمجملها. والقرارات الكبيرة لا يمكن ان تمرّ بدون قرار أساس منه، وحتى التوقيت لتلك القرارات تعود اليه، والتمهيد لتلك القرارات يعود اليه ايضاً، وفي كثير من الأحيان ـ وبعد ان يتوارى الى الخلف تاركاً لابنه مساحة التنفيذ واكتساب المُنجز ـ يتدخل مرة أخرى اذا ما بان عوار الأمر وخطر على العائلة والحكم، كما حدث في موضوع أرامكو. لذا فإن تدخّل الملك مجرد تكتيك وباتفاق مع ابنه الذي لا يُراد لسمعته الفاسدة ان تُستهلك، فيقوم الوالد بتحمل المسؤولية وكأنه يريد اصلاح الوضع، ويبقى لابنه هامشاً من حرية التبرير بأن اباه قد حسم الأمر خلافاً لما يريد هو!

الصفحة السابقة