السعودية.. عرّابة صفقة القرن!

فريد أيهم

يوما بعد آخر، تتكشف تفاصيل صفقة القرن التي أعدتها وشرعت بتنفيذها الإدارة الأميركية، دون انتظار عرضها على الشركاء الدوليين، ودون استشارة المعنيين من الفلسطينيين والعرب.

 
دور سعودي ـ صهيوني ـ أمريكي خبيث في تصفية قضية فلسطين

الأمر يطرح العديد من التساؤلات على حلفاء واشنطن في المنطقة. فهل تم تجاوزهم فعلا في هذه القضية؟ أم أنهم على علم بها ويغمضون عيونهم عن الجريمة التاريخية التي ترتكبها الادارة الاميركية بالتواطؤ مع الصهيونية العالمية؟ وماذا يعني تحالفهم مع واشنطن اذا كانت تنفذ أبشع الجرائم بحق العرب والمسلمين؟ وهل تخلّى خادم الحرمين الشريفين عن التزاماته التي يزعم أن أسلافه تعهدوا بها وحافظوا عليها لنصرة الشعب الفلسطيني؟

لقد كان من اللافت أن يلجأ الملك سلمان الى إطلاق إسم (قمة القدس) على القمة العربية التي استضافتها السعودية في الظهران منتصف أبريل الماضي. وفي مستهل كلمته بالقمة تلك، أكد الملك سلمان أن «القضية الفلسطينية هي قضيتنا الأولى وستظل كذلك». وبرّر الملك سلمان إطلاق إسم القدس على القمة العربية، لكي يعلم «القاصي والداني أن فلسطين في ضمير الشعوب العربية».

المراقبون فوجئوا بهذه الانعطافة الحادة للنظام السعودي لاحتضان القضية الفلسطينية، التي تخلّى عنها، وظلّت على هامش سياساته عقوداً طويلة، ورأوا فيها محاولة للتذاكي، وتغطية سقطات النظام بالورقة الفلسطينية، التي لا تزال تحظى باهتمام شعوب المنطقة، على عادة الأنظمة العربية التي برّرت كل سوءاتها، وتخلّفها، ودكتاتوريتها طيلة العقود الماضية، بمزاعم الانتصار للشعب الفلسطيني، ومواجهة التحديات التي تفرضها الصهيونية العالمية، وكيانها الغاصب على المنطقة.

ورأى آخرون أن هذه الخطوة هي واحدة من الخطوات غير المدروسة، وأحد ردود الفعل التي ينصح بها مستشارو ولي العهد السعودي، لسحب هذه الورقة من يد إيران، التي تنتهج سياسة ثابتة في دعم الشعب الفلسطيني، والوقوف في وجه الكيان الاسرائيلي.. وهي محاولة لتأكيد زعامة السعودية عربيا وإسلاميا بعد ان اخفقت كل محاولاتها، بحثاً عن الزعامة، بدعم الجماعات الارهابية بزعم إسقاط الأنظمة الدكتاتورية، أو شنّ الحروب الدموية، كما هي الحال في اليمن، بحجة التصدي للتدخل الأجنبي، وحفظ سلامة الأمن القومي العربي.

وفي كل الأحوال، فإن الالتزامات الكلامية لم تعد تكفي، ولا تقديم فتات الدعم المالي الذي لا يعلم أحد الى أين يصل، لاكتساب شرف دعم القضية الفلسطينية، خاصة أن هذه القضية الآن تمر بأصعب مراحلها، بعد أن باتت هدفا للتصفية الكاملة من قبل الادارة الاميركية.

فكيف يترجم النظام السعودي قول ملكه، بأن القضية الفلسطينية تبقى ضمير الأمّة، والقضية الاولى لشعوبها؟ وهل يتواطأ النظام السعودي مع راعيه الاميركي لتصفية حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية، وبيع المقدسات الإسلامية للصهاينة؟

ضغوط سعودية على السلطة الفلسطينية

وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، فقد اقترح محمد بن سلمان على الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال زيارة مفاجئة في 6 نوفمبر2017، الحصول على دولة غير متصلة في الضفة والقطاع، من دون أن تكون لدى الفلسطينيين السيادة الكاملة على الأراضي الواقعة تحت سيطرتهم؛ ودون إخلاء المستوطنات، والتسليم بالقدس عاصمة لاسرائيل.. على أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية في أبو ديس ـ القرية المجاورة، وإسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين.

هذا ما أكدته أيضا صحيفة التايمز البريطانية، مشيرة الى أن ولي العهد يفتتح جبهة جديدة لتغيير وجه الشرق الاوسط، وذلك بفرض حل للقضية الفلسطينية، يتواءم مع وجهة النظر الاسرائيلية التي تبنتها واشنطن بالكامل.

واضافت الصحيفة أن الامير محمد بن سلمان يمارس ضغوطاً، وابتزازا مالياً، لاجبار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، على قبول خطة جاريد كوشنير، المعروفة بصفقة القرن.

ومع ذلك، واصلت اجهزة اعلام عربية مموله سعوديا، واجنبية، التمويه على هذه الحقيقية، ونفي وجود خطة اميركية باسم (صفقة القرن)، وهو ما فعله الرئيس الفلسطيني مرارا بنفيه الضغوط السعودية عليه.

الا ان عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني، كشف أن المقترحات الأميركية حول عملية التسوية في الشرق الأوسط - المعروفة بصفقة القرن - قد نقلت إلى السلطة الفلسطينية في رام الله عبر السعودية.

وخلال مقابلة مع التلفزيون الرسمي للسلطة، قال مجدلاني إن (الصفقة المذكورة تقوم على تصفية القضية الفلسطينية، وإنشاء حلف إقليمي ضد ما يسمى النفوذ الإيراني في المنطقة تكون «إسرائيل» جزءا منه).

وفي 12 نوفمبر 2017، كشف عضو في اللجنة المركزية لحركة فتح عن ضغوطات كبيرة تمارسها السعودية ودول عربية على الرئيس الفلسطيني، للقبول بـ»صفقة القرن» المزمع طرحها من قِبل الإدارة الأمريكية دون أي شروط فلسطينية. وقال المصدر، بأن دولاً عربية، على رأسها السعودية، تحاول من خلال الضغوطات تارة، وتقديم الوعود تارة أخرى، إقناع عباس بقبول التعامل بكل إيجابية مع (صفقة القرن) وإحياء مشروع التسوية مع إسرائيل دون أي شروط مسبقة.

 
قمة فلسطين في الظهران..
سلمان يتراجع تكتيكاً لصالح التخلّص من (فلسطين)!

وأمهلت السعودية الرئيس عباس مدة شهرين لقبول الخطة، أو مواجهة ضغوطات تطالبه بالتنحي عن منصبه، لصالح شخص أكثر استعدادا لقبول الاقتراح. حيث أفاد موقع “ميدل ايست آي” في 15 ديسمبر2017، أن السعودية مارست ضغطاً على الرئيس عباس والملك عبد الله الثاني؛ لثنيهما عن المشاركة في القمة الإسلامية التي عقدت في تركيا في 13 ديسمبر2017، لبحث إعلان ترامب إزاء القدس، من أجل إضعاف القمة وإفراغها من جوهرها، ولكنهما رفضا.

وفي الزيارة الثانية للرئيس عباس إلى الرياض التي تمت في 20 ديسمبر2017، كشفت صحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية أن محمد بن سلمان، لم يلجأ كما في المرة السابقة إلى التهديد والوعيد، بل لجأ إلى الدبلوماسية من أجل إقناع الرئيس الفلسطيني بالخطة التي تعدها الإدارة الأميركية. ووفقاً للصحيفة، بيّن محمد بن سلمان للرئيس عباس، بأن الولايات المتحدة هي الجهة الوحيدة التي بإمكانها أن تضغط على إسرائيل في أي عملية سلام، ولا يمكن لأي جهة أخرى القيام بذلك. وطلب من عباس استقبال نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، بعد أن رفضت السلطة الفلسطينية استقباله سابقاً.

وفي 17 مارس 2018 كشفت صحيفة قطرية انه رغم الرفض الفلسطيني الرسمي والشعبي القاطع لما يسمى بصفقة القرن الأميركية المشبوهة، لا تزال السعودية تُجري الاتصالات وتقدم الإغراءات للفلسطينيين، مقابل التراجع عن رفضهم والتجاوب مع الصفقة.

الرئيس محمود عباس عملياً أغلق معظم الأبواب في وجه الصفقة، وهذا ما ظهر خلال تصريحاته بعد إعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب، اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولكنه ترك «باب الدبلوماسية» مفتوحاً لإمكانية دخول الوساطات، وتعديل الصفقة، وإحداث اختراق ببعض ملفاتها الجوهرية، وهذا ما كانت تبحث عنه الرياض التي تبنت «صفقة القرن”.

التراجع السعودي.. تكتيكي

كل هذه المعلومات لم تنفها السلطات السعودية، ولم تقدم اي تفسيرات لها، الا ان سياساتها الاعلامية مارست حملات منظمة ضد الفلسطينيين، لتوهين عزائمهم، واقناعهم بأن المستقبل امامهم مغلق، ما لم يسيروا في ركاب التسوية الاميركية الجديدة.

الا ان تقلبات الاوضاع في المنطقة لم تكن تسير في اتجاه تسهيل المهمة السعودية لجرّ الفلسطينيين الى بيت الطاعة الاسرائيلي.. وامام التعقيدات التي ظهرت في طريق هذه الصفقة، والرفض الفلسطيني الحازم والشامل للمشروع الاميركي، والتطورات الدراماتيكية في صراعات المشرق العربي، وخصوصا على صعيد الأزمتين في سوريا والعراق، والتقدّم الذي احرزته المقاومة في لبنان في الانتخابات التشريعية اللبنانية، وتعزيز مكانتها في المجتمع اللبناني، مما سيشعرها بالاطمئنان لمواصلة نشاطها في التصدي للمخططات الاسرائيلية.. كل هذه، أعطت دفعة جديدة للفلسطينيين، وعززت موقفهم المتمسك بحقوقهم الوطنية المشروعة.

وامام هذه التعقيدات، وجد النظام السعودي نفسه أعزلاً، وبات أمام فضيحة الخيانة بالتفريط بالقضية الفلسطينية بشكل صريح.. وهو ما لا تحمله الشعوب العربية ومن بينها شعوب الجزيرة العربية. هنا عادت وسائل الاعلام الصهيونية والاميركية لإثارة الدخان والغبار للتضليل وتغطية الموقف السعودي، وابعاد الشبهات عنه، في انه يعمل على فرض صفقة القرن على الفلسطينيين، وانه يتحالف علنا مع الكيان الاسرائيلي الغاصب.

وتبرعت صحيفة معاريف العبرية للدفاع عن المملكة السعودية زاعمة انها قضت على آمال «صفقة القرن» الأميركية بعد توجيهها رسالة قاسية إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وكتب المحلل السياسي للصحيفة الصهيونية على موقعها الإلكتروني، شلومو شامير، في 31 يوليو 2018 أن هذه الرسالة السعودية تعني نهاية «صفقة القرن»، وإن لم تكن إعلاناً رسمياً، لكنها على ما يبدو تمضي في هذا الطريق.

الا ان صفقة القرن لم تنته كما افادت الوقائع الميدانية المتلاحقة منذ ذلك التاريخ، ما يؤكد ان هذه المقالات كانت محاولة لذر الرماد في العيون، وصرف الانظار عن الدور السعودي الحيوي في تمرير الصفقة الاميركية الصهيونية.

وكان كلام الصحيفة الصهيونية قد جاء تعليقا على ما نقل عن الملك سلمان من انه سحب الملف الفلسطيني من يد ابنه، وانه أكد بأنه هو من يتخذ القرار في هذه المسألة، بعد ان أشاعت مصادر سعودية ان المملكة السعودية لن تقبل بأي خطة سلام إقليمية، تخفق في معالجة وضع الأراضي العربية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، وخاصة مدينة القدس الشرقية، كما أكد البيان على حق العودة للاجئين الفلسطينيين الى وطنهم.

الحملة الاعلامية التي تبنتها الصحافة السعودية، وبعض الصحف الغربية التي تنسب معلوماتها الى مصادر غير محددة، سعت الى تبديد التضارب في المعلومات، حول ما أُشيع في الأشهر الأخيرة عن تقارب سعودي - إسرائيلي، ولا سيما على ضوء تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الصحفية عن «حق إسرائيل في الوجود» ودعوته الفلسطينيين «ليقبلوا ما يُعرض عليهم أو يصمتوا ويكفوا عن التذمر»، إلى جانب لقاءاته المتعددة بقيادات يهودية لا سيما خلال زيارته الولايات المتحدة.

الا ان هذه المزاعم الاعلامية السعودية، لا تكفي لتغيير الصورة الراسخة في الاذهان حول التقارب السعودي الاسرائيلي من جهة، وتبني الرياض تنفيذ صفقة القرن الاميركية. حيث ان الممارسات السعودية تشكل الارضية الضرورية لانهاء الصراع العربي الاسرائيلي، وتيئيس الفلسطينيين واجبارهم بالضغوط السياسية والاعلامية والمالية، على قبول ما يعرض عليهم باعتباره الحد الاقصى الممكن في الظروف الراهنة.

صفقة القرن
 
محمد بن سلمان لعباس: وقّع وإلا أتينا بدحلان!

الى الان، لاتزال الجهات الصهيونية والسعودية تنفي وجود ما يسمى (صفقة القرن) التي لم تعلنها الولايات المتحدة رسمياً، واكتفت بابلاغها الى بعض الجهات العربية ذات الصلة بالتنفيذ.

والسؤال عن هذه الصفقة والدور السعودي فيها لم يعد افتراضيا. فالاستراتيجية الاميركية في هذا الصدد بانت معالمها، وباتت موضوعة على نار حامية لتنفيذها بأقصى سرعة ممكنة، في فترة رئاسة دونالد ترامب في البيت الابيض، والذي اثبت انه اكثر الرؤساء الاميركيين طواعية للمطالب الصهيونية.

ففي غضون أشهر قليلة جدا، أنجز ترامب مراحل كبيرة من صفقة القرن التي جرى تداول الحديث عنها منذ نهاية العام الماضي. حيث قدّم القدس العربية الاسلامية هدية للكيان الصهيوني، من خلال الاعتراف بها عاصمة لاسرائيل في السادسة من ديسمبر 2017، ووجه الخارجية الاميركية بالعمل على نقل السفارة الاميركية الى القدس المحتلة، وهذا ما تم فعلا في 14 من مايو الماضي في احتفال حضره ممثلو اثنتين وثلاثين دولة.

وقد تعمّدت الادارة الأميركية، ان تصفع العرب بهذه الخطوة المهينة، عشية اليوم الذي تحتفل به اسرائيل في ذكرى إقامة كيانها على الأرض الفلسطينية، وتشريد ملايين الفلسطينيين منذ سبعين عاما الى اليوم.

وبات واضحا، ان إخراج القدس من دائرة الصراع والحلول السياسية، كما قال ترامب نفسه، إنما هو جزء من حرب شاملة قذرة ضد الفلسطينيين، على ان تشمل تصفية قضية اللاجئين، وهما القضيتان الاساسيتان المتبقيتان لحفظ حقوق الفلسطينيين، وابقاء القضية الفلسطينية قيد التداول في المحافل الدولية.

ولم يطل الوقت حتى بادرت الادارة الاميركية الى التصويب على حق العودة للفلسطينيين، فجاء التصويب اولاً على وكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين المعروفة باسم (الاونروا)، والتي تكمن اهميتها ليس فقط في ما تقدمه من خدمات لنحو 5 ملايين فلسطيني في مخيمات اللجوء، داخل فلسطين وخارجها، بل في كونها جزءا من الاعتراف الدولي بقضية اللاجئين، وبالتالي (حق العودة) المكرّس في القرار الدولي رقم 194، الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي يقضي بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض معاً.. وأصرّ المجتمع الدولي على تأكيد هذا القرار منذ صدوره عام 1948 أكثر من 135 مرة، ولم تعارضه إلا (إسرائيل) وأميركا لاحقاً بعد اتفاقية أوسلو.

وأتبعت الادارة الاميركية هذا القرار، بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وهذا يعني ان الادارة الاميركية ستسحب اعترافها بالمنظمة، التي بدأت أصوات في ادارة ترامب تصفها بأنها منظمة ارهابية. وبعد يومين من ذلك، أي في السابع عشر من سبتمبر ٢٠١٨، ألغت الولايات المتحدة إقامة السفير الفلسطيني لديها حسام زملط، وأغلقت الحسابات المصرفية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في خطوات وصفتها المنظمة «بالانتقامية”.

وأكد زملط أن السلطات الأميركية ألغت تأشيرات الإقامة لعائلته، وطالبتهم بالمغادرة فورا. واعتبر السفير الفلسطيني أن هذه الإجراءات جزء من الهجمة على القضية والشعب والقيادة الفلسطينية، انتقاما لموقفهم الرافض لما أسماها صفقة القرن.

وبالتزامن مع ذلك عادت الى الواجهة الاعلامية مسألة توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول التي يقيمون فيها، حيث شرعت الادارة الاميركية والسلطات السعودية، بممارسة الضغوط على الاطراف اللبنانية، والرئاسة في بعبدا، للقبول بتوطين الفلسطينيين، رابطة بين استمرار الازمة الحكومية واجهاض عهد الرئيس اللبناني ميشال عون، وتحريك المحكمة الدولية والتلويح بصدور احكام في قضية اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري.. لابتزاز كافة الاطراف ومقايضة الاستقرار في لبنان بقبول توطين الفلسطينيين فيه.

وهذا ما دعا وزير الخارجية اللبنانى جبران باسيل، لاعادة التأكيد بأن بلاده لن تقبل أبدا بتوطين الفلسطينيين: «لو أن العالم كله قبل به، فنحن لن نقبل أبداً، وكما هزمنا إسرائيل بإزالة احتلالها، سنهزمها بمشروع التوطين، وبحق العودة الذي سيبقى مقدسا» كما قال.

تصاعد الحملة على الفلسطينيين

وهكذا بات واضحا ان الحرب القذرة ـ كما سماها الفلسطينيون على قضيتهم ـ في تصاعد مستمر، وتأخذ اشكالا لا يتوقعها احد.. ويصب في ذلك ما قامت به ادارة البيت الابيض مؤخرا بسحب 25 مليون دولار مخصصة لمستشفيات القدس، التي تديرها الكنائس، وتقدم خدمات كبيرة للمرضي الفلسطينيين في القدس والضفة وغزة وسائر الارض الفلسطينية، ما يعني ان لا حدود لهذه الحرب.

وكان الرئيس الاميركي دونالد ترامب قد اعلن في 22 اغسطس الماضي، وخلال خطابه أمام تجمع لأنصاره في ولاية فيرجينيا الأميركية، ان قراره المتعلق بالقدس «شيء جيد كان يجب فعله إذا كان للسلام مع الفلسطينيين أن يتحقق في يوم ما”. وقال: «لقد سحبنا القدس من طاولة البحث. ففي كل مرّة كانت هنالك مفاوضات سلام، لم يتركوا فرصة لإثارة إشكاليّة الاعتراف بالقدس عاصمة لهم، لذلك قلت دعونا نسحبها من الطاولة”.

هكذا بهذا الاستخفاف يتعامل الرئيس الاميركي مع قضية مركزية للأمن القومي العربي، ومدينة مقدسة للمسلمين في العالم، دون اي رد فعل سعودي او عربي او اسلامي. ونخص السعودية لأنها تزعم بأنها قائدة العالمين العربي والإسلامي، وأنها تطبق الشرع، وأنها تحتضن الأماكن المقدسة، وأن ايديولوجيتها الدينية من أصفى الأيديولوجيات كما تزعم.

وتوقع وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، ان تشهد المرحلة المقبلة مواجهة شرسة ضد القضية الفلسطينية، من قبل الإدارة الأمريكية، التي قال انها لا تحترم قانونا ولا مبادئ. وفي 17 سبتمبر 2018 قال المالكي لإذاعة صوت (فلسطين الرسمية)، إن الإدارة الأميركية ستحاول أن تطال كافة مناحي الحياة للشعب الفلسطيني، من خلال البحث عن قيادة بديلة، وفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة.

كم قال القيادي المفصول من حركة “فتح” والمقيم في دولة الإمارات، محمد دحلان، إن صفقة القرن تم تنفيذها بالفعل على الأرض، ولم يعد للفلسطينيين ما يتفاوضون عليه. ونعى دحلان ـ الذي تعده واشنطن لتولي مهمة التوقيع على انهاء القضية الفلسطينية، اذا تعذر اجبار عباس على ذلك ـ نعى القضية التي ناضل من اجلها الفلسطينيون والعرب سبعين عاماً، ولا يزالون، وأضاف في مقابلة مع بي بي سي، في 13 سبتمبر، أن القدس انتهت، وان إسرائيل لا تعترف إلا بيهودية الدولة.

الدور السعودي القاتل
 
كوشنير وابن سلمان يشربان نخب نتنياهو وبيع فلسطين!

وازاء هذه التطورات، لا بد من التساؤل عن الدور السعودي خصوصا، في تمرير هذه الصفقة، ومنع اي رد فعل عليها.. ولكن لماذا التركيز على النظام السعودي؟

لقد زعم هذا النظام انه يتصدى لكل ما يهدد الامن القومي العربي، وشن حرباً عدوانية مدمرة على الشعب اليمني بهذه الذريعة.. وفرض على القريب والبعيد التسليم بدوره في زعامة المنظومة العربية، وهو يتحكم في ادارة وقرارات الجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، التي تأسست بعد حريق المسجد الأقصى في 21 اغسطس 1969. حيث طرحت وقتها مبادئ الدفاع عن شرف وكرامة المسلمين المتمثلة في القدس وقبة الصخرة، وذلك كمحاولة لايجاد قاسم مشترك بين جميع فئات المسلمين.

وأنشأ النظام السعودي وترأس تحالفا عريياً، وتحالفا عشرياً، وتحالفا اسلامياً من اربع وثلاثين دولة، لمحاربة الارهاب، ويزعم انه يقيم تحالفات دولية، ومع الولايات المتحدة لحماية امن المنطقة. ثم ان النظام السعودي يدير مقدسات المسلمين في الحجاز، ويعتبر نفسه أميناً عليها جميعاً حتى تلك التي تحت إدارة الأردن ـ القدس؛ ولدى النظام السعودي إمكانات مالية ترتب عليه مسؤوليات دينية وقومية. زد على ذلك مزاعم النظام بأنه نظام إسلامي، يدافع عن المسلمين في سياساته الخارجية، ويتصدر الجميع بمزاعم كبرى تحت يافطة الدين.

فماذا فعل هذا النظام بكل هذه المؤسسات التي يرأسها ويديرها، للتصدي لاخطر هجمة تتعرض لها فلسطين وشعبها وقضيتها ومقدساتها، والتي تضم اولى القبلتين وثالث الحرمين، والتي قال الملك سلمان انها قضيته الأولى، وانها تمثل ضمير العرب؟

ان الصمت السعودي المريب، والضغط المتواصل على القيادة الفلسطينية، ووقف تمويل الاونروا والمؤسسات الفلسطينية، هي السيف القاطع لتمزيق وحدة الشعب الفلسطيني واضعافه امام الغزو الاميركي الصهيوني.

ان المسرحية الهزلية التي ظهر فيها الملك سلمان معلناً سحب الورقة الفلسطينية من يد ابنه في هذه المرحلة، عطفا عن انها ورقة توت لا تستر العورة امام الممارسات الفاضحة للنظام السعودي في خدمة المشروع الاميركي تجاه الفلسطينيين، فانها تؤكد ما اجمعت عليه الصحافة العالمية بشأن تواطؤ الامير محمد بن سلمان مع الصفقة الاميركية لتصفية القضية الفلسطينية.

وكان الصحفي الأمريكي بوب وودوارد قد كشف في كتابه الأخير: «الخوف»، عن خيوط اللعبة التي ادارها جاريد كوشنير ـ صهر الرئيس الأمريكي وكبير مستشاريه ـ لتنصيب محمد بن سلمان وليا للعهد، وعلاقة ذلك بما سمي بصفقة القرن لحماية امن إسرائيل، وتصفية القضية الفلسطينية الى الابد.

وأكد الصحفي الأمريكي على أن الغاية المركزية التي سعى إليها كوشنير، هي توثيق التحالف بين إسرائيل والسعودية. ويقول وودوارد، انه في الوقت الذي حذرت وكالات الاستخبارات الاميركية كوشنير من التعامل مع السعودية، باعتبار الامير محمد بن نايف هو رجلها القوي، والقاعدة الصلبة داخل المملكة، وان تفضيل محمد بن سلمان قد يؤدي الى صراع داخل العائلة.. الا ان كوشنير، تمسك باعتقاده ان الاخير هو المستقبل.

وقال كوشنير انه اذا أردنا ان تستمر الولايات المتحدة بالعمل في المنطقة، فانه يجب ان نساعد السعوديين والاسرائيليين على النجاح والتقارب بينهما، كما ان ترمب لن يواصل تحمل تكاليف حماية المنطقة اذا كانت دول المنطقة هي المستفيدة فقط.

كوشنير ابلغ ديريك هارفي، الذي عمل في البيت الابيض في العام الاول لولاية ترامب، وينتمي الى اليمين الايديولوجي، ان لديه معلومات استخبارية تشير الى ان مفتاح السعودية، هو ولي ولي العهد حينها محمد بن سلمان، باعتبار موقعه نقطة الانطلاق نحو النفوذ داخل المملكة مع توليه وزارة الدفاع وامتلاكه الرؤية والطاقة.

وبدأت فكرة زيارة ترامب للسعودية تتبلور، حينما استعرض مسؤول ملف الشرق الأوسط في مجلس الامن القومي الجنرال المتقاعد ديرك هارفي امام جاريد كوشنير الخطر الرئيسي الذي تواجهه المنطقة، مؤكدا انه حزب الله.

وكانت قناعة هارفي انه في حال اندلاع حرب عربية إسرائيلية جديدة فإنها لن تكون كسابقاتها، في ظل عدم قدرة القبة الحديدية على عدم التعامل مع هذا العدد من الصواريخ، وحداثة الادارة الأميركية، وعدم وجود ميل لتوريط واشنطن في حرب جديدة بالمنطقة.

في اللقاء الثاني بين هارفي وكوشنير سأل الثاني «ماذا تعتقد لو زار الرئيس الرياض كأول محطة لجولته الرئاسية؟» فأيد هارفي الفكرة باعتبارها تعيد العلاقات مع السعودية وإسرائيل الى سابق عهدها بعد ان تدهورت في عهد اوباما.

ووفقا لوودوارد، فإن كوشنير بدأ يعمل على خطته في هذا السياق، في الأشهر الأولى من ولاية ترامب. ورغم أن ترامب عين صهره كي يقود طاقما يعمل من أجل التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، إلا أن وودوارد شدد على أن كوشنير فضل العمل على توثيق العلاقات الإسرائيلية – السعودية.

ولم يوضح وودوارد أسباب طرح كوشنير فكرة ترقية محمد بن سلمان الى رتبة ولي العهد على حساب ابن عمه، وبما يخرق النظام الذي تعمل به الاسرة السعودية، لكنه ذكر أن هارفي لديه «علاقات وثيقة منذ عشرات السنين في الشرق الأوسط»، بما في ذلك علاقات مع مسؤولين في إسرائيل، وأنه «كان مقتنعا بأن كوشنير على حق، ومحمد بن سلمان هو المستقبل”.

وهكذا تتضح بجلاء العلاقة بين تنصيب محمد بن سلمان وليا للعهد السعودي، ومنحه صلاحيات غير محدودة للسيطرة على سياسات بلاده الداخلية والخارجية، وبين الخطة التي أعدها كوشنير نفسه، لإنهاء القضية الفلسطينية، بعد أن أعدّ لها الرجال الذين يشكلون فريق العمل لتنفيذها.

ان كل ما يبدو متناثرا متضاربا من ازمات في المنطقة، وما يطلق عليه البعض اسم الفوضى الخلاقة او البناءة، او ما يعتبرونه ثورات وانقسامات اقليمية غير منضبطة.. هو في حقيقته جزء من استراتيجية اميركية مدروسة لنشر الفوضى، واشغال الافرقاء في حروب وازمات متواصلة، من مواجهة الإرهاب، الى مواجهة ازمات الماء والكهرباء والبطالة، مرورا بالصراعات الحزبية والاحقاد المتصاعدة بين ابناء الوطن الواحد والمنطقة الواحدة.

وهذه السياسة التي تستهدف زعزعة استقرار المنطقة والتي تساهم فيها السعودية بالجهد الاكبر، بالتحريض السياسي والتمويل، وتسعير الانقسامات المذهبية، والسكوت عن الممارسات العدوانية الإسرائيلية، بل واشاعة اجواء التقارب والتعاون والتطبيع على اكثر من صعيد، واخيرا الحروب العدوانية المباشرة، ومحاولة تفجير صراع عربي إيراني.. هذه السياسة هي الخلفية الضرورية التي يجري على أساسها تنفيذ صفقة القرن التي قطعت اشواطا عديدة ولم يعد ينقصها الا توقيع طرف فلسطيني عليها.

والسعودية تعهدت لتل ابيب وواشنطن ان تجبر الفلسطينيين على ذلك من بوابة الضغوط الاقتصادية، وتجويع الشعب الفلسطيني، وهو ما يواصله النظام السعودي بصمت وباصرار في آن معا.

واذا كانت الادارة الاميركية ـ بنصيحة صهيونية ـ قد تعمدت ابقاء بنود الصفقة سرية ومبهمة، فما الذي يدعوها لكشف لاعبيها ومنفذيها؟ ما داموا قادرين على أداء ادوارهم بكفاءة خلف ستار السرية الإعلامية؟

الصفحة السابقة