استراتيجية الاعتراف لتخفيف الضرر

١٠ خطوات في كيف تغطّي على جريمتك (النسخة السعودية)؟!

فريد أيهم

لدينا الاسباب الكافية للاعتقاد، بأن خبراء الدعاية والعلاقات العامة الذين يوظفهم ولي العهد السعودي لتصنيع صورته في الخارج، يعملون دون كلل مع المستشارين المعروفين والسريين في دوائر قصره، لمواجهة المضاعفات الخطيرة التي نجمت عن جريمته، في اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي.

لم يعد محمد بن سلمان مهتما اليوم بكل ما يمكن ان يقال عن سياساته، وتناقضاتها، والتراجع المستمر في مواقفه، والكذب الصريح في كل ما يعلنه عن اغتيال خاشقجي... فكل همه ان يستطيع النجاة وانقاذ حياته السياسية.. فلطالما منّى نفسه بحكم السعودية خمسين عاما، لم تبدأ رسمياً بعد، وأنه قدر لا يمكن أن يمنعه من الحكم كل تلك الفترة إلا (الموت) الجسدي.. فكيف سيقبل ابن سلمان الآن.. السقوط بعد اقل من ثلاث سنوات على حافة الكرسي الذي يحلم به؟.

ربما يمكننا رسم خط بياني للاسراتيجية التي يتبعها محمد بن سلمان في إدارة الأزمة التي صنعها هو بيديه حين أمر بقتل جمال خاشقجي وتقطيع جسده. فالمسافة بين انكار ابن سلمان ان يكون حصل شيء في قنصليته في اسطنبول، وبين الاقرار بالجريمة، وانها حصلت عمدا وعن سابق قصد وترصد.. مسافة غير قليلة، بل مؤلمة جدا لرجل يحكمه النزق والعجرفة والاستهتار بالعالم حوله.

 

واكثرمن ذلك، فان سرعة التراجع السعودية، والاعتراف بالجريمة، فاقت التوقعات التي يحددها خبراء الاعلام وعلم الجريمة.. اذ لم تعد تفصلنا عن الحقيقة الكاملة التي ينتظرها العالم، الا خطوة او خطوتان، ويطبق الطوق على رقبة الجاني الذي يسير بقدميه الى المقصلة، وهو يظن انه يبعد نفسه عنها.

فكل اعتراف سعودي بحلقة من حلقات المؤامرة، تجعله اضعف في مقاومة الضغوط الخارجية.

وكل خطأ او ثغرة يتركها في روايته، تضطره الى تكذيب نفسه أولا، ثم الاعتراف بجزء من الحقيقة ثانياً.

فالمسألة صارت مسألة وقت، وكل سترات النجاة التي رماها له الراعي الأميركي، ابتلعها ـ حتى الآن ـ موج الجريمة الهادر.

آخر خطوات النظام السعودي العامل بإمرة رجل واحد ـ كما قال الرئيس الاميركي، جاء على لسان النائب العام السعودي الذي قال في الخامس والعشرين من اكتوبر: إن النيابة العامة تلقت معلومات من الجانب التركي تشير إلى أن المشتبه بهم في واقعة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي (أقدموا على فعلتهم بنيّة مسبقة).. اي نتيجة مؤامرة معدة سلفا، وجرى اعدادها، وتأمين كل وسائل نجاحها، في الرياض.. وذلك عبر اجهزة الدولة المتعددة، الامنية والمالية والخارجية والاعلامية.. وهو ما يناقض بيانات رسمية سابقة، تقول أن القتل او الخنق لم يكن متعمداً.

فهل يُعقل أنه تم تنفيذ الجريمة بكل تفاصيلها الدقيقة، دون معرفة صاحب القرار الأوحد في المملكة السعودية؟

هل يمكن لافراد من مؤسسات وجهات امنية وسياسية وقضائية مختلفة ان يجتمعوا من انفسهم؟ ومن الذي يملك السلطة والاشراف على كل هذه المؤسسات في آن معا؟

اسئلة كثيرة يمكن مناقشتها في هذا الصدد، الا ان ما يهمنا هنا هو ملاحقة الخط البياني لمسيرة الاعتراف بالجريمة، والبحث عما اذا كان يخضع لنسق معين، وليس عشوائيا كما يبدو في ظاهره.

كل ما أقرّ به النظام السعودي حتى الان، سبق ان نشرته الصحف التركية والعالمية، استنادا الىى تسريبات من مصادر تركية، ويبقى ان ننتظر الاقرار بما كشفته صحيفة (يني شفق) الموالية للحكومة التركية، مستندة إلى التسجيل الصوتي الذي قيل ان السلطات التركية تملكه وقد اعطت نسخة منه الى مدير السي اي ايه الاميركية، وفيه أن قتلة خاشقجي عذبوه بقطع أصابعه أثناء استجوابه ثم قطعوا رأسه بعد ذلك.

نحن ـ كما العالم كلّه ـ ننتظر أمرين أساسيين:

الأول ـ الكشف عن جثّة خاشقجي، وهو أمرٌ يستحيل ـ بنظرنا حتى الآن ـ ان تساهم فيه السعودية، وتعترف أين هي، لأن المساعدة في إيجادها يكشف تفاصيل الجريمة، وأسباب تقطيع الجثة، وربما تضييعها في أماكن عديدة (قيل أنها قُطّعت الى ١٥ قطعة)؛ وتالياً التأكد ما إذا كان (التقطيع) عملاً يستهدف التغطية على مصير رأس خاشقجي، الذي تشير الإتهامات الأولية الى أنه قد أُخذ الى محمد بن سلمان في الرياض، بناء على أوامر مباشرة من مستشاره المُقال: سعود القحطاني، الذي قال للقتلة الذين كان يتواصل معهم عبر سكايب (جيبوا لي راس الكلب).

الثاني ـ الكشف عن أن محمد بن سلمان، ولي العهد، هو الذي أمر بتنفيذ بعملية تصفية خاشقجي، على النحو الذي شهدنا جزءً منه حتى الآن. وإن إثبات تفاصيل الجريمة وتقطيع الجثة، سيضعه تحت الضغط الدولي والمحلي من أجل إقالته، ولا نقول محاكمته، في مملكة غاب عنها العدل. مع أننا لا نُرجّح أن يتنازل الملك فيسعى الى استبدال ابنه ولي العهد، بأخيه خالد ـ السفير في واشنطن، أو أي أمير آخر.

أما فيما يتعلق بتسلسل التراجع السعودي عن روايته الأولى المفعمة بالنفي، وأن خاشقجي قد خرج من القنصلية ومن ثم الإعتراف ببعض الحقيقة وكثير من الكذب. فإنه يجب التأكيد والتذكير بنفي المسؤولين السعوديين بادئ الأمر، أي ضلوع في اختفاء خاشقجي، ثم ألقوا باللوم في موته داخل القنصلية السعودية باسطنبول، على محاولة فاشلة لإعادته إلى المملكة.

واحتجزت السعودية 18 شخصا، وأعفت خمسة من كبار المسؤولين الحكوميين من مناصبهم في إطار التحقيق في مقتل خاشقجي، تمهيدا لتحميلهم المسؤولية وافتداء اميرهم محمد بن سلمان.

فكيف تجري عجلة الاعترافات السعودية والى اين يمكن ان تصل؟.

المقال التالي الذي كتبه ستيفن والت في الفورين بوليسي، يكشف فيه خطة مدروسة، تعرفها الاجزة الاميركية المختصة، والتي يستعين بها ولي العهد السعودي لرسم خطوط استجابته للواقعة.

فقد كتب والت تحت عنوان: (كيف يمكنك ان تقتل وتتملص من الجريمة.. النموذج السعودي)

وهذا مضمون ما جاء في المقال:

 
أنا بريء.. صدقوني!

أحيانا تقوم الحكومات بأعمال سيئة. وفي بعض الأحيان تفعل أشياء سيئة جدا. عندما تتكشف هذه الأعمال الشائنة، تحاول السلطات دائما أن تقلل من نتائجها السلبية من خلال اطلاق سحابة من الإنكار، والأعذار، والتبريرات، واللف والدوران، وسفسطات كلامية أخرى.

لقد كتبت عن هذه الظاهرة من قبل، في مقالتين: «الدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه: دليل إرشادي» و»كيفية تبرير أي سياسة، مهما كانت سيئة». الأولى هي قائمة من 21 خطوة، يمكن أن تجعل أي عمل سيئ يبدو مقبولا. والثانية تخفض الخطوات إلى مجرد 10.

وتشير الأحداث الأخيرة إلى أن الوقت مناسب الآن لإعادة النظر في القائمة. وعلى وجه التحديد، نسأل إلى أي مدى تتناسب استجابة المملكة السعودية (وإلى حد ما، رد إدارة ترامب) لمقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، مع المخطط الذي رسمته في المقالات السابقة؟

أشك في أن أي شخص في أي من الحكومتين يقرأ أي مقال. اذ ان معظم السياسيين لا يحتاجون إلى دروس مني بشأن كيفية تغطية السلوكيات السيئة. ومع ذلك، فمن المدهش مدى ارتباط سلوكهم بالتقنيات التي وصفتها منذ بضع سنوات.

لجعل هذا الأمر بسيطًا، دعنا نطبق الإصدار المؤلف من 10 خطوات.

(١/ لم يحدث قط): اذا اتُهمت بفعل شيء سيئ، فإن رد الفعل الغريزي الأول هو إنكار حدوثه. بيل كلينتون لم يمارس الجنس مع تلك المرأة لوينسكي. كما أنكرت الحكومة السعودية في البداية حدوث أي شيء غير مرغوب فيه مع خاشقجي. لقد جاء إلى القنصلية السعودية في اسطنبول، كما قال السعوديون، وغادر عبر مدخل خلفي، ولم يكن لديهم معرفة بمكانه. هذه الحكاية السخيفة لا تنطلي على أي شخص، وتتفكك على الفور تقريباً، لكن الإنكار الشامل هو غريزة كل شخص تقريباً عندما يُقبض عليه متلبسا بأي عمل قبيح.

(٢/ إلقاء اللوم على شخص آخر): ظهر هذا التكتيك عندما عرض ترامب فكرة لا أساس لها من الصحة، والتي تقول إن قتلة “مارقين” قتلوا خاشقجي، مما يعني أنها لم تكن عملية رسمية. ربما كان ترامب صادقا تقنياً، إلا أن «القتلة المارقين» كانوا في الواقع عملاء سعوديين، يتصرفون بالنيابة عن زعيم مارق بشكل متزايد.

إن البديل من هذه القصة هو الآن الخط السعودي الرسمي: في محاولة لانقاذ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وتبرئته من أي مسؤولية، سيجد السعوديون ضحايا في أجهزة استخباراتهم، ويلقون باللائمة عليهم في الجريمة برمتها. وسيحصلون بلا شك على بعض المساعدة من ترامب، الذي يبدو حريصاً على منح ولي العهد البراءة، بغض النظر عن مدى صدقية الأدلة التي تشير إليه.

(٣/ حسناً، لقد ارتكبنا فعلاً سيئاً): والحجة المألوفة هي في الادعاء بأن موت خاشقجي قد حدث أثناء استجوابه بالصدفة وبشكل غير متوقع.. أو التأكيد بأنه بدأ يصرخ (لماذا كان يفعل ذلك؟) وتوفي بسبب خنق غير مقصود. نعم، علينا أن نعترف بأن الرجل قد مات، لكن لم يكن أحد يعتزم قتله. لم يكن ينبغي عليه أن يخوض معركة مع 15 من رجال الأمن المحترفين المدربين تدريباً جيداً، أو أنه لم يكن ينبغي عليه أن يبدأ بالصراخ عندما سألناه بعض الأسئلة المهذبة. إنه أمر مؤسف ولا ينبغي لأحد أن يحمّلنا المسؤولية. ورجاء التوقف عن مضايقتنا بأسئلة مزعجة عن خبير التشريح، ومناشير العظام، ومكان وجود الجثة.

(٤/ لم يكن لدينا خيار): في بعض الأحيان، ستعترف الحكومات بأنها فعلت شيئاً مؤسفاً، لكنها ستصر في النهاية على أنه لا بديل لها عن ذلك. ولكي نكون منصفين، لم يتم نشر هذا الذريعة بشكل واضح في أعقاب مقتل خاشقجي، بمعنى أن لا أحد يحاول أن يقول إنه يشكل تهديداً خطيراً للحكومة السعودية، وأن قتله كان مبرراً. ولكن من الواضح في الحجة أن الوكلاء الضالعين في قتله بطريق الخطأ، كانوا هناك لاستجوابه (وربما اختطافه) ولم يكن لديهم «خيار» دون استخدام القوة عندما قاوم. لا يحاول هذا العذر تبرير الإجراء نفسه، بل يسعى لجعل النتيجة النهائية تبدو أقل شراً.

 
ابن سلمان لصلاح خاشقجي: البقية في حياتك. هذه الأشياء تحدث. قضاء الله وقدره!

(٥/ لقد كان ذلك من أجل خير أكبر): في كثير من الأحيان، تحاول الحكومات تبرير سوء التصرف من خلال الاعتراف بأنها قامت بأعمال مزعجة ومثيرة للجدل أخلاقيا، ولكنها في نهاية المطاف أعمال من أجل خير أكبر. وبعبارة أخرى، فإن الغاية تبرر الوسيلة. هذا هو الخط القياسي عندما تطلق دولة قوية حرباً على بلد أضعف: بغض النظر عن التكلفة البشرية لإطاحة صدام حسين أو معمر القذافي أو أي شخص، فإن ما يبرره هو الإدعاء بأن هذا الإجراء سيؤدي في النهاية إلى عالم أفضل.

هنا مرة أخرى، لم أر أحداً يجعل هذه الحجة صحيحة في العلن، لكن ترامب وآخرين استخدموا نسخة أخف منها. عندما يتحدث ترامب عن مليارات الدولارات من الأسلحة الأميركية التي وعدت السعودية بشرائها، أو عندما دافع كاتب العمود في صحيفة نيويورك تايمز توماس فريدمان عن تقييمه المشين لـ محمد بن سلمان كمنارة للتقدم في العالم العربي، في الواقع كان يقول: «انظر، أنا أعترف أن قتل الصحافي لم يكن لطيفاً للغاية، ولكن أبق عينيك على الصورة الكبيرة، وانظر إلى جميع المزايا التي سيحققها محمد بن سلمان.”

ليس من المستغرب أن البديل الأكثر دناءةً من هذا التكتيك، جاء من المحافظين الجدد المتشدديين الموالين لإسرائيل، الذين يتوقون إلى الحفاظ على التحالف الضمني بين محمد بن سلمان وحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. كيف يفعلون هذا؟ عن طريق تلطيخ سمعة خاشقجي باعتباره من المتطرفين الإسلاميين الذين كانوا متعاونين مع القاعدة، وكان قريباً من أسامة بن لادن.

وبالطبع، فإن التضمين هو أنه يستحق أن يُقتل أو، على أقل تقدير، أن موته لا ينبغي أن يزعجنا كثيراً.

(٦/ الجميع يفعل ذلك، وخصومنا يفعلون أكثر مما نفعل): لم أر أي شخص يستخدم هذا التبرير رسمياً على وجه التحديد - على الأقل ليس بعد - ولكني أراهن على الانتظار في هذه المرحلة. بمجرد تهدئة الضجة الاعلامية والصاق التهمة برجال ثانويين، واستئناف العمل كالمعتاد، توقعوا سماع المزيد من الشجب للأنشطة الإقليمية «المزعزعة للاستقرار» لإيران، وغيرها من الخطايا، والتي سيتم تصويرها على أنها أسوأ بكثير مما تفعله المملكة السعودية. والمطلوب: يجب أن نستمر في دعم تصرفات النظام السعودي، وان نواصل الحديث عن الخطر الايراني.

(٧/ التأكيد على ضبط النفس: كان يمكن أن نفعل شيئاً أسوأ بكثير): عندما تنحشر الحكومات في الزاوية، ولا تستطيع أن تنكر أنها تقوم بعمل خاطئ، فإنها تصرّ في بعض الأحيان على أنها تبدي قدراً هائلاً من ضبط النفس، وأننا يجب أن نكون ممتنين لها، لأنها لا تستخدم كل القوة التي تحت تصرفها.

لست متأكداً تماماً من كيفية عمل هذا التكتيك في هذا السياق - «مهلاً، على الأقل، لن نقتل الكثير من الصحفيين المعارضين!» - وهو ما قد يكون سبب عدم استخدامه حتى الآن.

لكن المرء يتساءل ما إذا كان الغرض من العملية أوسع من مجرد إسكات صوت معارض. أحد التفسيرات لهذه الحلقة هو أن العملية لها هدف مزدوج: 1) إسكات معارض مؤثر.. و 2) إرسال رسالة تقشعر لها الأبدان لأي شخص آخر قد يميل إلى انتقاد ولي العهد وحكمه غير المنتظم وغير الكفء بشكل متزايد.

في هذه النسخة من الأحداث (التي لا يمكنني إثباتها)، كان كل من جُنّد للذهاب والمشاركة في اغتيال خاشقجي، يعلم أن العملية لن تبقى سراً، وكان سعيداً للغاية بتحمل المسؤولية، خاصة لأنه سيبعث برسالة إلى الآخرين. بهذا المعنى، كان هذا الفعل هو الجزء الأكثر ضرراً من الحملة الأوسع التي تشنها المملكة السعودية لإسكات المعارضة اللاعنفية. وعلى الرغم من أن مقتل خاشقجي يتضاءل مقارنة مع الكارثة الإنسانية الجارية في اليمن، فإنه من المثير للقلق، الاعتقاد بأن محمد بن سلمان وشركاءه اعتبروا خاشقجي خطراً بما فيه الكفاية لتبرير أي عمل ضدّه على الإطلاق.

(٨/ التأكيد على الخصوصية: “ما فعلناه لم يكن خطأً حقيقياً لأننا مختلفون”): حتى الآن، لم تحاول المملكة السعودية الادعاء بأن تصرفاتها مبررة لأنها «الأمّة التي لا غنى عنها»، «حامية الكرسي الرسولي.. الأماكن المقدسة»، أو مصدر الوهابية. للقيام بذلك، بطبيعة الحال، يتطلب الامر الاعتراف بأن هذا كان أكثر من عملية مارقة ذهبت بعيدا عن هدفها. ولكن، كما أشرنا أعلاه، فإن هذا الذريعة هي أيضا موجودة ضمنيا، في الادعاءات القائلة بأن الأميركيين يجب أن ينظروا إلى الاتجاه الآخر، بسبب العلاقة الخاصة القائمة بين واشنطن والرياض، الصداقة المفترضة بين محمد بن سلمان وزوج ابنة الرئيس، جاريد كوشنير، والفوائد الاقتصادية التي يقدمونها وما شابه.

(٩/ لعب بطاقة اذنب واعتذر): يمكن للاعتذار المخلص أن يقطع شوطا طويلا لتهدئة النقاد، كما أثبت العديد من المشاهير والسياسيين. بالنسبة للقادة المنخرطين في أنشطة مراوغة، فإن الاختلاف الدقيق هو الادعاء بأنهم يشعرون بالسوء الشديد حيال الاضطرار إلى القيام بهذه الأشياء الفظيعة، لكي يوضحوا أنهم ليسوا قساة بشأن العواقب، أو لا يسعدون في معاناة الآخرين. وهكذا، قام البيت الأبيض في مرحلة أوباما بتكثيف عمليات القتل المستهدف، وتوجيه ضربات ضد الإرهابيين المشتبه بهم (مع العلم بشكل كامل أن بعض الأبرياء سيموتون نتيجة لذلك)، لكنه يصور الرئيس نفسه بأنه يتألم من هذه القرارات (التي ربما كانت غير قانونية). ومع ذلك، فإن التضمين هو أن الخطيئة ليست خطيرة جداً عندما تشعر بالسوء حيالها وتصفها انت بأنها مشينة.

وهكذا فقد أعربت الحكومة السعودية عن «أسفها العميق» للحادث، ووعدت بالتحقيق فيه. آمل أن تكون حساباتها المستقبلية للحادثة أكثر مصداقية من النسخ التي قدمتها حتى الآن، وأن كل شخص مسؤول يخضع للمساءلة. لكنني لا اراهن على ذلك. أعني: ليس مثل اولئك المسؤولين في الحكومة الأمريكية الذين اعطوا الاذن واشرفوا على إجراء الإيهام بالغرق مثلا اثناء التحقيق! أليس كذلك؟

(١٠/ دفاع رامسفيلد: «هذه الاشياء تحدث»): عندما تفشل في كل شيء، يمكن للمرء دائما أن يحاول طريقة دفاع دونالد رامسفيلد الكلاسيكية، وقاعدتها الشهيرة: أن «الأشياء تحدث». في الواقع، الادعاء بأن «الأشياء تحدث» هي سحابة من حبر صممت لكي يتمكن أي شخص من اقتراف اي جريمة دون ان يتحمل مسؤولية في هذا العالم المجنون. «الحرية تتعرض للاخطار»، والحياة معقدة، مما يجعل السياسة قضية غير مؤكدة، ومرؤوسين يخطئون في بعض الأحيان، والإجراءات التي يتم اتخاذها بأفضل النوايا غالباً ما تؤدي إلى عواقب وخيمة.

من كان يستطيع أن يعرف أن السيد خاشقجي المسالم سيقاوم محاولتنا للتحقيق أو التعذيب أو الخطف أو أي شيء كنا نعتزم القيام به؟!

وبالتالي، فإن المملكة السعودية تتبع الصيغة الكلاسيكية التي يستخدمها المجرمون بشكل روتيني من أجل تسهيل الأمر على المنتقدين، لتصريف غضبهم والمضي قدماً. وليس من المستغرب أن تحصل على مساعدة من البيت الأبيض، الذي تظهر لا مبالاته بارتكاب الجرائم حقيقة راسخة. ومع ذلك، لا يوجد شيء فريد من نوعه في مثل هذا السلوك؛ إذا كان هناك أي شيء، فإن الاستعداد الحقيقي للاعتراف بالمخالفة وتحميل المسؤولين عن المساءلة، هو الاستثناء وليس القاعدة في معظم الأنظمة السياسية.

ولكن إذا كان هذا النوع من السلوك واسع الانتشار، فلماذا نهتم؟ لأنه إذا كان بوسع الحكومة أن تقتل بدون عقاب - حتى على أرض أجنبية - فإن أولئك الذين يبدون استياءهم من خلال قول الحقيقة هم في خطر. عندما تصبح محاولة قول الحقيقة خطرة، تتكاثر الأكاذيب، ويمكن لأولئك الذين يملكون السلطة أن يمارسوا ذلك مع الإفلات من العقاب. النتيجة النهائية هي الكارثة عادة.

الصفحة السابقة