السعودية والعراق والقادمون الجدد

معركة النفط في المرحلة القادمة

بعد هجوم الخبر مباشرة، ارتفعت اسعار البترول ووصل سعره في بورصة نيويورك الى 42 دولار للبرميل الواحد وهذا يعد أعلى سعر وصل اليه في تاريخه.. بعدها بأيام صدرت تصريحات من وزير النفط السعودي تهدف الى إشاعة أجواء من الطمأنينة في الاسواق النفطية العالمية من أن المنشآت النفطية السعودية آمنة، وفي الوقت ذاتها صرّح وزير الخارجية الاميركي كولن باول بأن حكومته واثقة بأن السعودية ستؤمّن تدفق الشحنات المقررة للولايات المتحدة من النفط.

تحدّي النفط العراقي

وقبل هجوم ينبع في الثاني من مايو الماضي كانت تقارير الشركات النفطية وأخرى اعلامية قد أثارت أسئلة حول قدرة السعودية على تأمين حاجة السوق العالمية من النفط، وتحقيق التوازن المطلوب بين كمية الانتاج ومعدل الاسعار. إن ارتفاع أسعار النفط في الولايات المتحدة الى معدلات عالية قد أثار دون ريب المخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي. وهذا ما أدى الى ضغوط مباشرة على الاعضاء في منظمة أوبك من أجل زيادة الانتاج ووقف التصاعد المستمر في الاسعار الذي بدأ في ديسمبر 2003، حيث تجاوزت أسعار النفط 30 دولاراً للبرميل الواحد.

يرفض خبراء الطاقة الربط بين الاضطراب في أسواق النفط والفشل في إنهاء الهجمات الارهابية في العراق والسعودية، وهي حوادث يظهر بان لها تأثيراً ضئيلاً على صادرات النفط السعودية أو حتى على قدرة العراق على تعزيز قدراته الانتاجية. وكذا الحال بالنسبة لارتفاع السعر، كما يحاول إثباته بعض المعارضين للسياسة النفطية في واشنطن.

في شهر نوفمبر من عام 2001 أعلن الرئيس جورج بوش قراراً من أجل زيادة احتياطيات البترول الاستراتيجي الاميركي من 544 ميلون برميل الى 700 مليون برميل بنهاية عام 2005. ولذلك، فإن الزيادة التدريجية في مستودعات التخزين الاميركية خلال السنوات الثلاث الماضية كان من المفروض الا تكون خلقت نقصاً حاداً في النفط العالمي الذي يبرر إرتفاع الاسعار فوق 40 دولاراً للبرميل الواحد.

إن ما يظهر حالياً هو أن الاسعار العالية الحالية هي جزء من خطوة محسوبة للغاية ومتصلة بأوضاع السوق النفطية العالمية. وبناء على توقعات الصناعة النفطية العالمية فإن الطلب على النفط سيتسارع بصورة حادة في العقدين القادمين من 78 الى 92 مليون برميل في اليوم. وفي الوقت نفسه، فإن بعض الخبراء يتنبؤون بأن صادرات النفط لن تتجاوز 68 مليون برميل في اليوم. يضاف هذا الى نقص مقداره 24 مليون برميل يومياً خلال العشرين سنة القادمة، مع التذكير بأن هذا التحليل لا يأخذ في الحسبان تطور حقول النفط في المستقبل.

وقد شرعت وزارة الطاقة الاميركية في التحذير من مخاطر النقص في كمية النفط المتوفر في السوق العالمية في أواخر التسعينيات، مع إهمال الجهد الدولي لتطوير حقول النفط في بحر قزوين، وروسيا وافريقيا الغربية. إن تطوير حقل النفط في الشرق الاوسط بقي جامداً باستثناء ايران التي حاولت لسنوات عديدة تطوير قدرتها من اجل تعزيز كفاءتها الانتاجية فيما تقوم بتجاوز إجراءات الحظر المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة. أما بالنسبة للسعودية، التي ترقد على ربع احتياطي النفط العالمي الثابت، فتقول بأنها قادرة على الوصول الى انتاج 10.5 مليون برميل يومياً، وقد رفضت الاستجابة لنداءات من أجل تصميم نظام للانتاج بهذا الحجم، قائلة بأنها تحافظ على الكمية الاضافية البالغة أكثر من مليوني برميل يومياً.

بالنسبة للعراق الذي مازال يقاوم من أجل العودة الى السوق النفطية العالمية بكفاءة أعلى مما كان عليه قبل سقوط النظام وبالتأكيد أفضل من وضعه الحالي، فإن التنبوء الحالي يفيد بأن العراق سينتج عما قريب 2.7 مليون برميل يومياً. فالعراق الذي كان تحت حكم صدام حسين ووجود نظام الحظر الدولي قد حُرم من الافادة من مصادره الطبيعية على مدار أكثر من عقد من أجل تطوير حقول نفطية جديدة. إن المنشآت والحقول الراهنة قد تضررت كثيراً بسبب الحظر، وقد بدأ الاميركيون باعادة بناء حقول النفط العراقية وهكذا القدرة التصديرية بعد غزو العراق في مارس 2003، وأن المشروع قد تحرّك بصورة سريعة خلال السنة الماضية. ولذلك فإن الخبراء يرون بأن إنتاج العراق من النفط قد ازداد من 2.4 مليون برميل يومياً الى 2.7 مليون برميل بنهاية يونيو بالقياس الى 1.33 مليون برميل يومياً في سنة 2003. وفي هذه المرحلة، فإن الولايات المتحدة تركّز على حقول النفط الحاليّة، والتي بإمكانها إنتاج على الاقل 4 الى 5 ملايين برميل يومياً من النفط، وبالتالي فهي ليست بحاجة في الوقت الراهن والعاجل الى تطوير حقول نفطية جديدة.

إن تطوير حقول نفطية جديدة في العراق والسعودية وايران سيدعو الى ضخ رأسمال ضخم، ولكن المستثمرين كانوا قلقين من أن عدم الاستقرار المحتمل في المنطقة يشكِّل خطراً بالغاً، سواء كنتيجة للقيود السياسية مثل الحظر المفروض على ايران أو بفعل رفض السعودية للسماح للشركات الاجنبية بتطوير حقول نفطية جديدة.

في ضوء سياسة الرياض، فإن تصريحات وزير النفط السعودي علي النعيمي في الرابع والعشرين من مايو الماضي حول أسعار النفط كانت مثير للاهتمام. فقد ذكر بأن سعر 30 الى 34 دولاراً للبرميل الواحد من النفط الخام في نيويورك كان يعكس تكاليف الاستثمار والصيانة في حقول النفط. وهذه التصريحات تفيد بأن الرياض تعتقد بأن 22 الى 28 دولاراً كحيز سعري تضعه أوبك منذ أربع سنوات لم يعد واقعياً. ولم يكن يعرف ما اذا كان أعضاء آخرون في الأوبك مثل ايران ونيجيريا وفنزويلا التي تريد دفع الاسعار الى أعلى الحيز السعري المقترح، على استعداد لتأييد السعر المقترح من قبل النعيمي أي 30 الى 34 دولاراً.

وفي أعقاب تصريحات النعيمي والوعد السعودي بزيادة كمية الانتاج للمراهنة على تخفيض الاسعار، فإن من المحتمل أن تستقر أسعار النفط في نيويورك خلال فترة قصيرة، وربما تكون خلال شهر، عند حوالي 30 الى 34 دولاراً للبرميل، وهذا بدوره سيمد حملة بوش بورقة انتخابية رابحة.

إن الربط بين سعر البترول وتكاليف المحافظة على حقول النفط الحالية وتطوير أخرى جديدة هو ربط مثير للاهتمام الخاص. وفي حال طبّق الحكام السعوديون ما ورد في تصريحات الوزير النعيمي، فإنه يظهر من المحتمل بأن تكون المملكة قد بدأت بالفعل تفكر أخيراً وبصورة جادة في تطوير حقول نفطية جديدة، سواء بمفردها أو بمساعدة شركات نفط دولية، كطريقة للتعامل مع الانخفاض المتوقع في النفط العالمي خلال العقدين القادمين.

وكما يظهر فإن التحذيرات المتواصلة من الانخفاض المتوقع أثمر في خطوة سعودية محسوبة، بالتنسيق مع إدارة بوش لرفع أسعار البترول من أجل جعل تطوير حقول جديدة مقبولة من الناحية الاقتصادية. إن العائق الوحيد هو الاسعار التي أخذت في الارتفاع خارج الحيز السعري المخطط له أي بين 30 و34 دولاراً للبرميل في نيويورك. في المقابل، فإن الخطة السعودية من أجل زيادة صادرات نفطها الى ما بين 600 ألف الى 1.5 ـ 2 مليون برميل يومياً من أجل تخفيض السعر الى المستوى الذي كانت تبحث عنه ادارة بوش.

في المقابل، بدأت تقارير تتحدث عن أن إعادة بناء العراق سيخفّض من أهمية النفط السعودي، وتقول التقارير بأن الاتفاق الاميركي الأوروبي على العراق والبرنامج النووي الايراني يغطي التفاهمات الرئيسية حول مصادر النفط العراقية.

ثمة مصادر تذكر بأن كافة أطراف الصفقة في العراق النفطي متفقة على أنه في حال التزام الاوروبيين بالموقف الاميركي حتى النهاية، فإن الولايات المتحدة ستفتح الباب لمشاركة أوروبية أوسع في صناعة النفط العراقية.

وقد بدأت الترتيبات بعد تشكيل الحكومة الانتقالية لاصدار العروض المدعومة بتمويل هيئة الامم المتحدة والبنك الدولي من أجل اعادة بناء وتحديث حقول النفط العراقية، وتم إعداد أوراق العمل ومسوّدة العقود من أجل برنامج استثماري طموح تصل قيمته الى ما يربو عن 45 مليار دولار.

فقد وافقت ادارة بوش على منح عقود التنمية والتطوير الى كل من بريطانيا، والمانيا، وايطاليا منذ انتقال مسؤولية نفط العراق الى حكومة بغداد الانتقالية. أما فرنسا وسوريا فبقيا مستثنيين حتى هذا الوقت ريثما يباركا الاجندة الدبلوماسية والسياسية التي وضعتها الادارة الاميركية.

وسيكون هناك كمية كافية من الذهب الاسود كيما يتقاسمه المتنافسون الجدد، وبناء على تقييمات أحد الخبراء فإن انتاج النفط العراقي سيصل الى ثلاثة ملايين برميل يومياً بنهاية هذا العام، بما يولّد مبيعات تصل الى 5.5 مليار سنوياً. وتأمل واشنطن بأن اعادة بناء أنابيب النفط العراقية ستساهم في زيادة الانتاج الى 5 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2006. إن تحديث حقول النفط العراقية وازدياد الصادرات من ليبيا وروسيا يجعل العالم الصناعي يسبح في بحر من النفط في السنوات القادمة حتى اذا تم اسقاط العائلة المالكة في السعودية أو أصاب الشلل الصناعة النفطية في المملكة.

الصفحة السابقة