مهما بعد فلا بدّ أن يعود الى جذوره

الأمير طلال: تقلبات السياسة والحكم

لا أحد ينكر أن الأمير طلال شخصية مختلفة عن أكثر إخوانه الذين يمسكون بمقاليد السلطة اليوم.

ولا أحد ينكر أنه تبدر منه بعض المواقف الشجاعة.

والجميع يعلم بأن للأمير تراثاً في المعارضة، وإن كان محدوداً، في فترة الستينيات الميلادية، أدّت في نهاية الأمر الى حرمانه من تبوأ مناصب في السلطة، على أساس خلفيته العائلية كإبن لمؤسس الدولة.

والأمير الذي ينادي عادة بالإصلاح السياسي، وبتأسيس منظمات المجتمع المدني، وبحقوق المرأة، وغير ذلك، يدهشنا بين الفينة والأخرى بمواقف متناقضة، حتى ليبدو في بعض الأحيان أنه أكثر تشدداً من متشددي العائلة المالكة أنفسهم وفي مقدمتهم نايف.

طلال: إصلاحي يهاجم الإصلاحيين!

من المتناقضات التي يظهر بها علينا الأمير أنه يطلب أحياناً بالإنتخابات الشعبية وفي أحايين أخرى يرى عدم جدواها، وعدم أهلية المجتمع لذلك.

وحين يتحدث عن حكم القانون، فإنه يؤيد في بعض الأحيان إجراءات حكومية تخالف القانون والشرع.

وحين قامت الحكومة باعتقالاتها للإصلاحيين، وقف معها، وحتى قبل ذلك، فإنه وقف ضد الإصلاحيين، أو على الأقل لم يدعمهم في فترة إرسال العرائض.

بعض النابهين لاحظ أن الأمير طلال يؤيد إصلاحات، ولكنه يؤيد العائلة المالكة وحقها في الحكم المطلق قبل ذلك! وهذان امران لا يستقيمان! وهو حين يشعر بأن العائلة المالكة في خطر، فإنه يتراجع عن مواقفه وأفكاره، مثلما حدث في فترة الضغوط الأميركية على الأمراء من أجل التقدم بإصلاحات.

وقد كشفت الإعتقالات الأخيرة للإصلاحيين، أن الأمير طلال ليس ظهيراً لأحد، ولا معيناً لأحد، حتى لأولئك المقربين منه لسنوات طويلة، ونخصّ بالذكر منهم محمد سعيد طيب.

فهو ليس فقط لم يدافع عن صديقه أولاً، وشريكه في الأفكار ثانياً، بل أيّد ضمنياً اعتقاله، ورفض التدخل من أجل اطلاق سراحه، بل وزاد على ذلك ان انبرى فهاجم الإصلاحيين علناً، ثم وصل الأمر الى (شتم) الأستاذ محمد سعيد طيب، ووصفه في مجالس عامة بأنه (تافه) الأمر الذي أشعر الحاضرين بأن الأمير طلال مزاجي، ولا توجد له حدود في العلاقات، إذ قد ينقلب بين ليلة وضحاها في المواقف، كما أنه شديد الترفّع والإستعلاء، شأنه شأن بقية الأمراء.

والظاهر أن الأمير طلال كان يبحث عن موقع متميز داخل العائلة المالكة برفع راية الإصلاح. ولربما وجد أن غيره أقدر على تمثل الإصلاحات والمطالبة بها والدفاع عنها ودفع ثمن تلك المطالب من نفسه وعمله وراحته. وحين راجت الافكار الإصلاحية، و(ترمّزت) شخصيات، لم يكن أمام الأمير طلال وهو يعدّ نفسه حاضناً للنشاط الإصلاحي، إلا أن يبقي على خيط رفيع من العلاقات معها.

لكن وكما يبدو أن الأمير طلال قد انتابه القلق من خروج الحركة الإصلاحية عن مسارها الذي أراد هو أن يمثله. ولربما رأى ـ كما رأى أخوه وزير الداخلية ـ ان الإصلاحيين في محصلة الأمر أشدّ خطراً على الحكم الإطلاقي التسلطي لآل سعود، ولهذا السبب لم تكن الإعتقالات تعني شيئاً لطلال، كما لم تعنِ له صلاته وعلاقته مع بعض الرموز الإصلاحية أية شيء.

ومنذ وقعت الإعتقالات وحتى الآن، لم نسمع من طلال كلمة حق أمام جور سلطان إخوته. بل أخذ يصفع الجميع بتصريحاته المتهورة والمنددة بالإصلاحيين وما يقومون به، فضلاً عما يتقوله في مجالسه.

حين يخير الأمير بين الإصلاحات وبعض الضغط على عائلته المالكة، فإنه عودنا على الإصطفاف مع العائلة المالكة مهما كانت النتائج.

تتوقف الإصلاحات عند طلال إن كانت تعرض أو تمس مصالح إخوته.

وهو يريد إصلاحاً يجعله رأساً في اللعبة السياسية، وليس مجرد شخصاً في تيار.

إن مواقف الأمير طلال تجاه الإصلاحيين المعتقلين مؤسفة. ولعله يغير هذا الموقف في المستقبل حين يدرك أن إخماد حركة الإصلاح صار أمراً مستحيلاً، وأن صلاح البلاد والعباد، بمن فيهم العائلة المالكة، لا يتم إلا بحلول سياسية سريعة قبل أن تصاب الدولة بالجلطة القاتلة.

الصفحة السابقة