لتبييض الصفحة

السعودية تتبنى مؤتمر مكافحة الارهاب

كانت السعودية تريد من مؤتمر مكافحة الارهاب شيئاً كثيراً، فهو يأتي كمحاولة للاصطباع بدم الضحية، وفك الطوق الخانق الذي فرضه العنفيون عليها منذ الحادي عشر من سبتمبر، وسلسلة التفجيرات اللاحقة التي باتت أصواتها تسمع في أرجاء عديدة من العالم.. لقد حاولت العائلة المالكة بكل عبقرية النفي والاستنكار أن تدفع عن نفسها التورط في ماكنة العنف وأن تنأى عما تورطت فيه لعقود، ولكن حضور العنفيين في الميدان كان مدوّياً، حتى أنهكت أصداء الانفجارات ورسائلها الاعلامية قدرة العائلة المالكة على الدفاع والتنصل من أبنائها البررة الذين أقحمتهم في محرقة ليعودوا رافعي مشاعل النار الى ديارها والديار القريبة منها.

قررت أن تحتضن مؤتمراً لمكافحة الارهاب، والكل يدرك تماماً بأن المؤتمر لايعدو أكثر من غسيل العار الذي التصق بها طيلة الاعوام الماضية، وهو عار لم يكن محوه سهلاً، لأن الدماء التي أريقت في بقع عديدة من العالم لم تجف بعد بفعل العنف المنتج محلياً والمصدّر للخارج.. لم تعد قدرة الامير نايف وزير الداخلية على المكابرة في دفع تهمة تورطه وتورط عائلته في العنف تنجيه من عدواة كثير من الشعوب والدول لهذه البلاد التي يدفع أبناؤها ثمن حماقات الاقلية الحاكمة والمتنفذة.

بات معلوماً الآن أن السعودية لا تملك من أمرها شيئاً كثيراً فيما يرتبط بضلوعها في الترويج لثقافة العنف واستعماله كوسيلة لتغيير المجتمعات المصنّفة في قائمة الكفار والمشركين وأهل الضلال والبدع، ولذلك صار إقرار الامير نايف بأن من يقوم باعمال العنف هم من مواطني هذا البلد ومن حملة جنسيته إذعاناً لحقيقة ظل يكابر عليها وواقعاً يحاول تزويره او الهروب منه.

مؤتمر مكافحة الارهاب كان رسالة للسعودية وقضية حملها المشاركون لها، وقد أبلغ كثير منهم القيادة السعودية بما تركه الفكر العنفي السلفي من آثار في ديارهم.. رسالة العائلة المالكة من المؤتمر كانت واضحة، وهي ببساطة تمزيق الاطار الذي تم تصنيفها فيه باعتبارها وكراً للفكر الارهابي ومفرخة للارهابيين في مقابل قائمة طويلة من الضحايا الذين وان حضروا مؤتمر الرياض الا أنهم جاءوا اليهم شاكين منها.

بيد أن ما يلفت الانتباه أن هذا المؤتمر أخفى خلافاً عميقاً بين ولي العهد الامير عبد الله ووزير الداخلية الامير نايف، وهو على أية حال ليس الخلاف الأول والاخير، فملف الخلافات بين الشخصيتين في موضوع العنف حافل. المؤتمر من وجهة نظر الامير نايف كان إفتئاتاً على سلطانه ومجاله الحيوي، وأن امساك الامير عبد الله بالمبادرة في هذا المؤتمر قد أغاض الامير نايف الذي كان يأمل في أن يلعب الدور الرئيسي في هذا الملف، خصوصاً وأن تورطه في قضية العنف مازال مطروحاً ومورد تداول لدى كثير من الحكومات الاقليمية والدولية.

ولم يكن الامير نايف يفوّت هذه الفرصة دون أن يدلو بدلوه، في محاولة لاستعادة مركزية دور الجهاز الامني ودوره شخصياً في هذا المجال، والذي يعتقد ـ أي الامير نايف ـ بأنه ضمن اختصاصات وزارة الداخلية، بينما يدرجه ولي العهد في إطار اوسع يتعلق بسمعة المملكة وعلاقاتها الدولية. إن تصريحات الامير نايف خلال ايام انعقاد المؤتمر حملت مؤشرات واضحة على موقفها السلبي من قيادة الامير عبد الله للمؤتمر، خصوصاً وأن الأخير حظي بمباركة أميركية. فبعد أن أعلن الامير عبد الله في كلمته الافتتاحية للمؤتمر عن تأسيس مركز لمكافحة الارهاب في الرياض، عاد الامير نايف وأعطى تصريحاً يكذِّب اعلان الامير عبد الله عن اقامة المركز في الرياض، وبحسب تصريح الامير نايف فـ (إن شيئاً لم يتقرر بشأن مقر المركز الدولي لمكافحة الإرهاب)، بل وقلل من شأن المركز، مؤكداً مرجعية الأجهزة الامنية حيث ذكر بأن (تأسيس المركز لن يؤدي إلى توقف الأجهزة المماثلة بل هو مركزٌ معينٌ لها).

الامير نايف الذي واجه انتقادات شديدة من ولي العهد في موضوع مكافحة العنف وملاحقة الجماعات المسلحة، ينبري باستمرار لتبديد تلك الانتقادات عن طريق الاشادة بدور قوات الأمن وأنها (تؤدي دورها على الوجه الأكمل). ولاشك ان هذه الاشادة ذات مغزى خاص ولها خلفية حاضرة بقوة في تصريحات الامير نايف، الأمر الذي أثار انزعاج الامير نايف ودفعه لتبني مواقف متشددة فيما يتعلق بتوجيه الاتهام له او حتى لبلاده في موضوعة تورط سعوديين في اعمال ارهابية خارج الحدود، فهو لا يزال يتمسك بموقفه الرافض للرواية الاميركية حول تورط 15 سعودياً في هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

بيان المؤتمر.. أين السعودية منه؟

لاشك ان بيان مؤتمر مكافحة الارهاب تضمَّن مبادىء إنسانية كبرى مورد إجماع كافة دول العالم، فهو يؤكد أهمية ترسيخ قيم التفاهم والتسامح والحوار والتعددية بين الشعوب. كما أشاد البيان بجهود الدول التي تبذل في إطار لتوسيع المشاركة الشعبية، وتحقيق التنمية المستدامة. ولا ريب أن مثل هذه النقاط تبدو غاية في الاهمية وتحظى بإجماع الدول الديمقراطية وبخاصة الديمقراطيات الغربية، ولكن السؤال يبقى أين السعودية الحاضن للمؤتمر والذي منها أيضاً يتم الاعلان عن مبادىء كبيرة كهذه؟ فمن المعروف ان السعودية لم تشجّع قيم التفاهم والتسامح والحوار والتعددية بين شعبها فضلاً عن ترسيخ تلك القيم، فالواحدية والاقتلاعية والتنزيهية هي سمات الخطاب السعودي منذ نشأتها، وإذا كان الحوار الوطني قد أسس لبداية صحيحة في التفكير السياسي السعودي فإن هذا الحوار لم يتجاوز حد النوايا الايجابية التي لم تترجم في هيئة أعمال تعبر عن جدية حقيقية لدى القيادة السعودية.

أما الحديث عن مشاركة شعبية فأعتقد بأن القيادة السعودية لابد أنها تريثت كثيراً في تضمنيه في البيان، ولذلك عرفت قدر نفسها في هذا الصدد، فاكتفت بالتنويه بجهود الدول الاخرى التي قطعت مشواراً في مجال المشاركة الشعبية، ونتمنى ان لا يصل بها الافتراء الى حد الاندساس عن طريق الانتخابات البلدية في قائمة الدول التي تشجع المشاركة الشعبية!!

الصفحة السابقة