أزمة الوراثة في مُلْـك أصابه البِـلا

الخلدونية السعودية في مرحلتها الأخيرة

فهد: رأس الجناح السديري

مات الملك فهد عن عمر تجاوز 87 عاماً حسب التقويم الهجري، و84 عاماً حسب التقويم الميلادي.

والملك عبد الله الحالي يبلغ من العمر 84 عاماً حسب التقويم الهجري، و81 عاماً حسب التقويم الميلادي.

أما ولي العهد الجديد الأمير سلطان فيبلغ 82 عاماً و79، حسب التقويمين الهجري والميلادي.

ومع أننا لا نعلم من سيكون النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء (رغم أنه من المتوقع أن يكون الأمير نايف) فإن كل الإحتمالات تفيد باحتمال وصول أشخاص تجاوزوا الرابعة والسبعين من العمر على الأقل.

هذا يدفعنا الى التساؤل التالي:

ماذا سيحدث لو مات الملك عبد الله؟ أو قبله أو بعده مباشرة ولي عهده سلطان؟ ولماذا تكون الدولة مرهونة لعجزة مضى على وجودهم في السلطة أكثر من أربعين عاماً؟

الأعمار بيد الله! لا شك في هذا.. ولكن حسب سنّة الله في خلقه فإن أفضل التوقعات لا تعطي الملك عبد الله سوى بضع سنين ليبقى في الحكم.. فاحتمالات موته مفتوحة، وقد كان البعض يتوقع موت عبد الله قبل موت الملك فهد نفسه، والسبب أن الرجل مصاب بالقلب وقد وقع أكثر من مرة صريع المرض، جرى الحديث معها عن (انفلونزا) حادة أدخلته المستشفى!.

كذلك فإن ولي العهد الجديد الأمير سلطان مبتلى بأمراض عديدة بينها الكلى والمعدة والركبة وقد أُدخل المستشفى قبل بضعة أشهر لاستئصال ورم من المعدة، وسرت شائعات بأنه مصاب بسرطان الأمعاء.

سلطان: الخليفة الجشع

إن أعضاء اللجنة المركزية من الأمراء القابضين على السلطة في المملكة ـ من جيل أبناء الملك المؤسس عبد العزيز ـ لا يستطيعون اليوم تقديم شيء جديد للبلاد، ولا يمكن أن يتوقع منهم أن يفعلوا ذلك كونهم كانوا على رأس السلطة فترة طويلة من الزمن وقد نضبت لديهم الأفكار والإبداعات، وتجمّد النظام كلما تقدّمت بهم الشيخوخة.. والأزمة في واقع الأمر أبعد مدى من البحث عن إبداعات حلول لمشاكل البلاد المعاصرة، بل تتجلّى في احتمالية أن يكون الموت ـ كلاعب سياسي أول ـ عنصراً مدمّراً لقواعد المُلك وحسابات الوراثة.

إن المملكة ـ كما غيرها من الدول، خاصة غير الديمقراطية ـ لا تستطيع أن تتحمل وفاة قيادتها كل سنة أو اثنتين، وربما أقل أو أكثر، حسب حكمة الخالق وتقديره؛ فتوازنات القوى التي لا تُبتنى إلا بصعوبة بالغة في بلد يزيد فيه عدد أعضاء العائلة المالكة على العشرين ألف نسمة! فإذا ما فاجأهم موت ملك جديد تهدّم ما ابتني، على أمل إعادة تشكيل السلطة بأقل الخسائر وبدون نزاعات حادّة. ولعلنا ندرك خطورة دور الموت (كلاعب سياسي) بملاحظة أنه بالرغم من غياب الملك فهد عن الساحة السياسية المباشرة لنحو عقد مضى قبل موته إلا أن أخوته لم يتوصلوا الى ترتيب الأمر وتقاسم السلطة في غيابه، وحتى اليوم وبعد أن مات الملك فهد، فإن الأمور لم تحسم سوى القليل منها: أي تحديد من هو الملك ومن هو ولي عهده! وبقي منصب النائب الثاني ووزارات السيادة وأمراء المناطق والوزارات وحتى المحافظين وغيرهم.

إذن لماذا لم تنتقل السلطة الى الجيل الشاب لتجنّب عواقب الإنكسار؟ لماذا لم يتفق الأمراء الكبار على إقحام أبنائهم في السلطة ليحلوا محلّهم؟

لا يبدو أن ما يسمّى الجيل الثالث ـ جيل حفدة الملك المؤسس ـ سيصل الى السلطة العليا في المدى المنظور. فالآباء مصرّون على تولي زمام السلطة مباشرة كلٌّ في موقعه (وزارة الداخلية والدفاع والحرس الوطني وغيرها). وبالرغم من أن الأبناء أخذوا باحتلال مواقع لهم في السلطة كمساعدين لآبائهم وراحوا يديرون سلطة آبائهم بكثير من الصلاحيات (محمد بن نايف في الداخلية وخالد بن سلطان في الدفاع ومتعب بن عبد الله للحرس الوطني ومنصور بن متعب في البلديات) إلا أن ذلك جعلهم مجرد أدوات في معركة آبائهم الرئيسية لتسنم كرسي الملك، أي أنهم مجرد جنود في معركة، المنتصر فيها هو آباؤهم.

لا يبدو أن هناك مبررا لعدم الإنسحاب من السلطة ـ بالنسبة لجيل أبناء الملك المؤسس ـ سوى القول بأن السلطة مغرية، بل شديدة الإغراء، يصعب التنازل عنها حتى للأبناء المقربين، فكيف يمكن أن يتنازل عنها لأبناء الأخ الشقيق وغير الشقيق؟!

الآن وقد رحل الملك فهد وتولى عبد الله كرسي الملك، فإنه مطالب وهو في (شهر عسله) أن يشكل حكومة جديدة، يفترض أن تعلن في منتصف سبتمبر القادم، فما عساه فاعل؟

نايف: كرباج الداخلية

إن الإتجاه الذي يبدو محتملاً جداً أن لا تتوسع قاعدة السلطة من جهة إشراك أمراء جدد كثيرين اعتبروا مقصيين من قبل الجناح السديري المسيطر على الحكم لثلاثين عاماً خلت.. فالأمير عبد الله وإن لم يكن سديرياً فإنه يتجه لقبول تقاسم السلطة، وضمان شيء منها لإبنه متعب.. وهو بهذا يجعل المعركة داخل العائلة المالكة وكذا المنافسة محصورة في نسل القائمين على الحكم حالياً. وهذا يجعل من عبد الله وحيداً ويفجر الوضع لديه مثلما سيفجر الوضع لدى الجناح الآخر.

كيف؟

المساومات داخل العائلة المالكة

ستكون المساومة الأولى حول منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، حيث يصرّ سلطان على أن يكون نايف وزير الداخلية هو ولي العهد القادم. وهذا ما لا يقبله الملك عبد الله ومن ورائه الأميركيون، كلّ لغرضه: فعبد الله يريد تعيين مرشحه متعب وزير البلديات أو بدر نائب رئيس الحرس الوطني أو عبد المجيد أمير مكة، وهو أقوى المرشحين لدى عبد الله، إضافة الى وجود إسم طلال وهو أضعف المرشحين على الأطلاق.

كل هؤلاء المرشحين هم أضعف من الناحية الفعلية من نايف. وسيغضب هؤلاء إن تنازل عبد الله لنايف.

أما الأميركيون فيريدون تجديد شباب (مملكتهم) حتى يطول عمرها، ويطول نهبهم لها.

وفي الجناح الآخر، فإن سلطان يجد نفسه مجبراً على ترشيح نايف كنائب ثان، بالرغم من أن عبد الرحمن ـ نائب وزير الدفاع ـ أكبر من نايف سنّاً، وهو يرفض إلا أن يحتل مكانه. كذلك فإن الأمير سلمان يطمح أن يكون مرشح تسوية، بديلاً لنايف ولمرشحي الملك عبد الله.

سلمان: مرشح تسوية

المساومة الثانية ستكون في محيط حلفاء الملك عبد الله، فهذا الأخير سيجد نفسه مرغماً ـ وقد أصبح ملكاً، ومن ثمّ قائداً أعلى للقوات المسلحة ـ أن يتخلّى عن رئاسة الحرس الوطني التي تشبّث بها الى آخر لحظة لضمان وصوله الى كرسي الملك. المرشحون لمنصب نائب الحرس الوطني هما: بدر بن عبد العزيز كنائب للرئيس، ومتعب بن عبد الله الذي يقوم فعلياً بإدارة الجهاز بالنيابة عن والده. من يتولى رئاسة الحرس الوطني فإنه يضمن لنفسه ـ وإن شاء لأبنائه ـ مقعداً مهما في السلطة، ولهذا فإن من المحتمل أن تسند رئاسة الحرس لمتعب، وهذا ما سيفجر الخلاف بين عبد الله وحلفائه.

المساومة الثالثة ستكون في حريم الجناح السديري الذي يريد أن يبقى قابضاً على السلطة بوجود الملك عبد الله أو بدونه، فقد يرى ولي العهد ـ الأمير سلطان ـ التنازل عن وزارة الدفاع لإبنه خالد وليس لنائبه وشقيقه عبد الرحمن، وهذا الأخير قد يخسر منصب النائب الثاني ووزارة الدفاع معاً، وحينها سيجد من الصعوبة بمكان أن يأتمر بأمر الوزير الجديد، وهو ابن اخيه خالد بن سلطان.

هناك احتمال أن يتولى الأمير نايف وزارة الدفاع مقابل تخلّيه عن وزارة الداخلية التي قد يتولاها سلمان ـ أمير الرياض ـ وهذا احتمال ضعيف، فوزارة الداخلية من حيث الصلاحيات أكبر وأقوى من وزارة الدفاع، وهي ـ أي الداخلية ـ توظف نحو نصف إجمالي موظفي الدولة، وهي الأقرب في السيطرة والحضور في ذهنية المواطن، فضلاً عن أن الداخلية تحت إمرة نايف قد سلبت العديد من الوزارات والمؤسسات كثيراً من صلاحياتها: كوزارة الإعلام ووزارة العدل ووزارة الحج وغيرها.

المساومة الرابعة هي أن نايف لن يتخلّى ـ كما يعتقد ـ عن وزارة الداخلية إلا في حالات صعبة: أن يصبح نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، وحينها قد تنتقل وزارة الداخلية الى إبنه (محمد بن نايف) وليس لأخيه ونائبه في الوزارة (أحمد بن عبد العزيز). لكنه قد يقايض وزارة الداخلية بمنصب النائب الثاني، وقد تخرج الوزارة الى أعضاء في الحزب السديري: كأخيه الأمير سلمان. ومن المحتمل جداً أن يرفض الملك عبد الله أن تبقى وزارة الداخلية في يد الجناح السديري إذا ما سيطر الجناح نفسه على منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء (الرجل الثالث في الدولة).

إذا ما أصبح نايف نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، فإن إخوته السديريين لن يقبلوا بأن يكون إبنه وزير داخلية، فالأمير سلمان ـ أمير الرياض ـ سيحتل واحداً من ثلاثة مناصب ستكون شاغرة: إما أن يكون نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء ـ كمرشح تسوية ـ أو أن يتولى وزارة الدفاع والطيران خلفاً لولي العهد سلطان، أو أن يكون وزيراً للداخلية خلفاً لنايف في حال أصبح رجل الدولة الثالث.

هنا تبدو التغييرات عاصفة في الجناح السديري. فبالرغم من أنه لم يخسر كثيراً من سلطاته بموت الملك فهد، كما كان متوقعاً، وبالرغم من أن هذا الجناح في طريقه للسيطرة على الأمور وإدارة دفّة الدولة من وراء عبد الله (كديكور) اللهم إلاّ إذا فاجأنا الملك عبد الله بشيء غير متوقع، وأظهر شجاعة وبراعة في تكسير القوى المنافسة.. بالرغم من هذا، فإن محاولات توريث مراكز القرار والوزارات من الآباء الى الأبناء ستكون عاملاً حاسماً في إضعاف السديريين كما في إضعاف خصومهم، وبينهم الملك عبد الله.

(الخلدونية) السعودية

محمد بن فهد: هل يخسر منصبه؟

إن ما أسماه ابن خلدون بـ (الإنفراد بالمجد) سيكون السمة الفاقعة في الحكم السعودي الجديد ـ القديم. وكما تفككت عصب كثيرة داخل العائلة السعودية المالكة فأزيحت لصالح عصبة الملك المؤسس (كما في: العرائف، آل الثنيان، آل الفرحان، آل جلوي، أخوة الملك المؤسس وأبناء إخوته، وغيرهم).. فإن عصبة الملك المؤسس (أصحاب السمو الملكي!) قد تفتتوا وأزيح الكثيرون من دائرة صنع القرار.

لقد رحل الأبناء الأقوياء والكبار أبناء الملك عبد العزيز، فآلت السلطة الى البيت السديري.

رحل تركي، الإبن الأكبر للملك عبد العزيز، باكراً، وقد تولى ابن تركي (فيصل) فيما مضى من العقود مناصب عالية قبل ان ينطفئ ذكر هذا الجناح.

ورحل سعود، الملك، وانتهى هو وأبنائه هملاً، رغم أنه خلّف نحو 64 إبناً ومثلهم وأكثر من الإناث. وقد تولى بعض أبنائه في حياته مناصب عالية بينها الحرس الملكي ووزارة الدفاع. وقد (طار) الجناح بإقالة أبيهم ولم يتول أحد منهم منصباً اللهم إلا في رئاسة بعض أندية الكرة! وطفر واحدٌ منهم لمنصب عالٍ (مشاري) فصار (مسؤول الحرس الوطني في الشرقية!) ثم أصبح مسؤول أمارة صغيرة!

جناح وزير الدفاع الأول منصور انتهي أيضاً، وقد كان مقدّراً للرجل لو بقي على قيد الحياة أن يكون الملك الثالث للسعودية. وقد كانت هناك فرصة لشقيقه (مشعل) أن يمسك بزمام الأمر فيصبح ملكاً، لكنه أضاع الفرصة، فخسر وزارة الدفاع أولاً، وخسر ولاية العهد ثانياً، رغم أنه أكبر سنّاً من سلطان. قيل أن هذا الأخير استرضاه بالمزيد من المال ووعده بتعيين أبنائه أو بعضاً منهم في مناصب في الدولة، ضئيلة الأهمية. وكان مشعل في محاولة منه لإلفات النظر الى قدرته على المشاكسة، قد انحاز الى جناح ولي العهد، فصار يظهر معه في حلّه وترحاله، وكأن في ذلك إشارة الى أنه الرجل القادم لولاية العهد كونه أكبر سنّاً، ثم ما لبث ان عقد صفقته مع سلطان قبل نحو أربعة أعوام.

هناك أيضاً أبناء الملك خالد وأبناء محمد أبي الشرين وأبناء ناصر وسعد وغيرهم، تمّ تجاوزهم، مثلما تم تجاوز الآباء ـ بالنسبة لناصر وسعد وحتى محمد. وهناك مساعد الذي تزوج شمّرية أولدت له إبناً (خالد) قتله فهد في مظاهرات 1964 حين كان الأخير وزيراً للداخلية احتجاجاً على تأسيس محطة تلفزيون! أي متطرف ديني! كما أولدت آخر (فيصل) انتقم لمقتل أخيه فقتل الملك فيصل!

ورحل من ابناء عبد العزيز كثيرون آخرون عن السلطة أو عن الحياة. طلال، الأمير الأحمر، يحاول في هذا الظرف أن يحصل على موطئ قدم في السلطة وتجاوز الفيتو العريض الذي امتد لأربعين عاماً من الجناح السديري! ها هي الآن فرصة، فهل يتم اقتناصها؟!

لقد دأب طلال يذكرنا بأحقية أبناء عبد العزيز في الحكم، وأحقية أحفاده كذلك، وهو ما أشار اليه النظام الأساسي الذي ما فتئ يذكرنا به طلال، وبالتالي أحقية أبنائه (الوليد خاصة) أن يرشح نفسه للحكم او لولاية العهد! حتى ابنة طلال ـ وبعد أن مات فهد ـ رأت أن من حق والدها أن يتولى دوره وأن يأخذ حقّه من السلطة، وفق قاعدة السنّ، فانبرى طلال ليقول بأن ما قالته ابنته مجرد رأي شخصي!

الملك عبدالله: ماذا بعد شهر العسل؟

ماجد ونواف، شقيقان أفل دورهما. الأول كان وزيراً للبلديات ثم اميراً لمكة قبل أن يتوفى، والآخر أصبح رئيساً للإستخبارات، الى أن تقاعد أو أُقيل وصار مستشاراً للملك، وهي الوظيفة التي تتسع لجيوش من العاطلين من الأمراء وموظفي الدولة الكبار العجزة! بيد أن كلا الشقيقين قد أمّنا لبعض أبنائهما دوراً في السلطة وغنائمها، كمحافظ جدّة، او وكيل إمارة، أو سفير في دولة أوروبية!

وهكذا لم يبق من الرؤوس الكبيرة إلا الجناح السديري ككتلة متبلورة متمرسة في الحكم ومستأثرة بالسلطة.

غير أن الداء الموصوف (خلدونياً) جاء ليفتت العصبة ضمن العصب الأخرى. فإذا كان السديريون قد سيطروا على الدولة بفعل عصبتهم وقوتها عددياً، فإنهم اليوم ـ وضمن المؤشر العام ـ الى أفول.

العصبة السديرية تكونت من سبعة أخوة: الملك فهد، سلطان ولي العهد ووزير الدفاع، تركي بن عبد العزيز: كان نائباً لوزير الدفاع حتى 1978م وقد خرج من المملك وهو يعيش في هلتون القاهرة منذ عقود!، وعبدالرحمن بن عبد العزيز وقد تولى منصب نيابة وزارة الدفاع، ونايف وزير الداخلية منذ الستينيات، وسلمان أمير الرياض منذ أكثر من نصف قرن!، وأحمد نائب وزير الداخلية.

لقد ترحّل إثنان بالإقصاء أو بالموت: الأمير تركي، والملك فهد.

الخمسة الباقون كانوا يشكلون عصبة قوية الى ما قبل موت الملك فهد، فهو رأس العصبة وعامل وحدتها حتى في مرضه.

الذي قد يتضح خلال الأسابيع القادمة الآتي:

ضعف أبناء فهد

إن أبناء الملك فهد سيضعفون بوفاة أبيهم، ولا يمنع إضعافهم سوى توازنات القوة مع جناح الأمير عبد الله. هذا الجناح يتكون من: محمد بن فهد (أمير المنطقة الشرقية) وهو أكبر الأبناء الأحياء بعد وفاة فيصل بن فهد رئيس رعاية الشباب (بسبب الإدمان على المخدرات)، وسعود بن فهد ويتولى منصب نائب رئيس الإستخبارات، ويقال انه أكثر اتزاناً من البقية وإن كانت صلاحياته قليلة، وسلطان بن فهد الذي اشتهر بالصلف ويتولى حالياً منصب الرئيس العام لرعاية الشباب بمرتبة وزير، وأخيراً هناك عبد العزيز بن فهد، ويطلق عليه لقب: (الطفل المعجزة!) وقد كان أثيراً لدى والده، وقد عُيّن وزير دولة لشؤون مجلس الوزراء، لا لسبب إلا لقربه من الملك (المقعد) قبل موته، وكأن ذاك جاء إرضاءً له.

ومن هنا فيحتمل أن يكون عبد العزيز أو (عزيّز) أكبر الخاسرين. والحقيقة فإن محمد بن فهد نفسه غير مرغوب فيه من بعض أطراف الجناح السديري (الأعمام) نايف وسلمان بالذات. فالأول لايزال غاضباً عليه رغم أنه زوج ابنته بسبب أنه اقتلع سعود بن نايف كنائب له، فأُرسل ليكون سفيراً في اسبانيا. والثاني ـ يقال ـ أنه مازال متأثراً بالمماحكات التي كانت بين ابنه فهد بن سلمان وقد كان أول نائب لمحمد بن فهد في إمارة الشرقية، قبل أن يتوفى بسبب الإدمان على المخدرات أيضاً.

بيد أن فرصة النجاة الوحيدة لأبناء فهد من الإبعاد هي الإختلاف حول البدائل. فالجناح السديري، أو لنقل رؤوسه الحالية: سلطان ونايف وسلمان، قد لا يمانعون في إزاحة أبناء فهد، خاصة محمد الذي جعل المنطقة الشرقية إقطاعية خاصة به، وعبد العزيز الذي طفا الى السطح السياسي بفعل المتناقضات وحب الملك فهد له. لكن تلك الإزاحة فيما لو أريد لها أن تحدث، فيجب أن يكون الإستبدال لها من داخل الطاقم السديري، او تدخل ضمن المساومات في عملية المحاصصة بين الجناحين المتنافسين. قد تحدث صفقة أوسع يُبعد فيهما بعض أبناء الملك فهد ضمن ترتيبات بعيدة المدى.

سلطان بن سلمان: وزيراً للسياحة

لقد قيل ـ وهو صحيح ـ أن عبد العزيز بن فهد كان أشد المتأثرين بموت والده؛ ولكن السبب ليس برّ الإبن بالأب الذي منحه كل الجاه والمال (بما فيها مليارات من الميزانية تسحب بإسم الملك المقعد، وحساب في البنك الأهلي تأتيه عوائد 300-500 ألف برميل يوميا، بإسم توسعة الحرمين الشريفين!) وإنما خشية على البطّة التي تبيض ذهباً، وأي ذهب! إنها مليارات من الدولارات سنوياً!. كان (عزيّز) مهووساً ببقاء أبيه حيّاً بأية صورة، وبالكيفية التي سيظهر بها أمام مجلس الوزراء، وقد كانت أحاديثه ومناقشاته مع الأطباء تدور حول هذا الأمر: كيف يظهر الملك ـ قبل موته طبعاً ـ بشكل غير ملفت أمام كاميرا التلفزيون السعودي. كان قلقه واضح الأسباب، حتى بعد أن تبيّن موت الملك سريراً في حدود يوم 26 يوليو، أي قبل نحو خمسة أيام من إعلان موته، كان من رأي عبد العزيز أن يبقى أبوه محنّطاً في المستشفى الى أن يشاء الله، الأمر الذي ولّد نزاعاً مكشوفاً بينه وبين أخيه سعود، الأمر الذي استدعى تدخّل أخيهم الأكبر مبيّناً لهم إن قرار بقائه من عدمه لا يعود إليهما وإنما الى (الأعمام).

وهكذا فإن احتمالية ضعف أبناء فهد قويّة جداً، ربما لا تصل الى إقصائهم التامّ. من المؤكد أن مخصصات الملك فهد ستتوقف عن (عزيّز) الذي هو ليس في حاجة إليها لتقوية موقفه السياسي، فلديه المزيد منها. ومن المحتمل أيضاً أن يحوّل عزيز وإخوانه على مناصب أدنى.

لقد حدث أن تم تجاوز أبناء الملوك بعد وفاة آبائهم كأبناء سعود وأبناء خالد، فالأولون كان مغضوباً عليهم من العائلة، واللاحقون كانوا ضعفاء الشخصية والكفاءة كوالدهم الملك خالد، بحيث انه لم يتول منهم أحد أي منصب ولم يشهد لهم موقع أو ذكر، اللهم إلا مؤخراً حين عيّن أحد أبناء خالد نائباً لإمارة منطقة عسير. أما أبناء فيصل فقد كانوا متعلّمين، وكانت هناك حاجة إليهم من جهة التوازنات السياسية، فبالرغم من أبناء فيصل يميلون الى سلطان باعتباره كان الأقرب الى أبيهم، فإن عبد الله الفيصل مثلاً ـ وهو بالمناسبة أكبر عمراً من عمّه الملك فهد! ـ على خصام مرير مع عمّه سلطان.. وأكثر أبناء فيصل وإن كانوا (مسالمين) تجاه الجناح السديري، إلا أنهم غير أثيرين. وفي طرف أبناء فيصل فإنه ظهر بينهم من يتهم الملك فهد، بأنه (مهندس) مقتل الملك فيصل بالتعاون مع الأميركيين.. هذا هو رأي محمد الفيصل، الأكثر قرباً من الملك الراحل فيصل، وقد تولى وكالة وزارة المياه.. وقد كان الى فترة ما ممنوعاً من العودة الى البلاد، ولازال مضايقاً من قبل الجناح السديري، ويجري التعتيم على نشاطاته، بل أن فيتو سياسية كبيرة تنتصب فوق رأسه.

في المقابل، لا يتمتع أبناء الملك فهد بخصال أبناء فيصل، لا من جهة التعليم ولا من جهة الكفاءة؛ كما أن توازنات القوى داخل العائلة المالكة لا تخدمهم مثلما خدمت أقرانهم أبناء الملك فيصل. ولهذا، فإن إمكانيّة التضحية بهم أقرب من بقائهم.

السديريون الجدد

من المتوقع صعود دور أبناء الثلاثي السديري الأمراء سلطان، ولي العهد ـ ونايف، وزير الداخلية ـ وسلمان، أمير الرياض. من بين أبناء سلطان الذين يتوقع لهما الصعود: خالد بن سلطان، الذي قد يصبح وزيراً للدفاع، أو الرجل الأول في الوزارة بمسمّى الرجل الثاني! أما الإسم الاخر، فهناك الأمير بندر بن سلطان، السفير السابق في واشنطن. فرغم أن استقالته كما تبدو ظاهرياً ليس لها علاقة بموت الملك، إلا أنها في صميم العلاقة بينه وبين عمّه الملك الحالي عبد الله الذي عمل على إقصائه، كونه العقبة بينه وبين ترطيب العلاقة مع الأميركيين الذين يقفون اليوم وراء عبد الله بكامل قوتهم، بعكس ما كانوا يعتقدونه بشأنه في السابق.

خالد بن سلطان: مرشح الدفاع

الآن وقد أُزيح من منصبه كسفير، فإنه قد يوضع في منصب سياسي أو عسكري، كونه في الأساس طيار عسكري. ومن المحتمل أن يصبح بندر وزيراً للخارجية بشروط تقييدية من الملك الجديد، وذلك خلفاً للأمير سعود الفيصل. الأخير هذا كان مرجحاً له أن يُقال أويتقاعد، خاصة وأنه مصاب بمرض (باركنسون) ليحلّ محلّه أخوه تركي الفيصل، السفير في لندن. لكن استقالة بندر وإن لم تكن مفاجئة، حتّمت وضع تركي الفيصل في واشنطن، وبالتالي فإن منصب وزارة الخارجية سيكون شاغراً أمام السديريين.

الأمير عبد الله لا يمتلك مرشحاً قوياً لوزارة الخارجية، فليس هناك ثمة أسماء معروفة ولها خبرة بالشأن السياسي؛ ويبدو أن بندر بن سلطان هو المرشح الأكفأ لهذا المنصب. وإذا لم يصل الجناحان المتنافسان الى تسوية ما بشأن الوزارة، فإن الأمير عبد الله سيبقي سعود الفيصل وزيراً، وقد كان بقاء الأخير معتمداً على دعم عبد الله منذ بداية الثمانينيات وحتى الآن خلافاً لرغبة الملك فهد، الذي عمل على تقليص دوره الى أبعد الحدود.

من الواضح أن الجناح الفيصلي (أبناء الملك فيصل) آخذ في التآكل والضعف، حتى وإن بقيت الخارجية بيدهم، إذ لا توجد أسماء جديدة مرشحة لديهم، ولا يبدو أن المتنافسين يقبلون بإعطاء هذا الجناح سلطات إضافية لأبناء الأبناء أو لإخوتهم الذين يتولى بعضهم مناصب عسكرية/ أمنيّة.

فضلاً عن هذا، فإنه إذا ما قرّر الأمير عبد الله إجراء تغييرات راديكالية في المناصب، وهو أمرٌ غير متوقّع، فقد تتم التضحية بخالد الفيصل كأمير لمنطقة عسير ليمنحها أحد أبناء الأمراء الآخرين المتحالفين معه، خاصة وأن خالد الفيصل مقرّب (أكثر من اللازم) من الجناح السديري خاصة من ولي العهد سلطان.

أبناء نايف يمكن توقع صعودهم مجدداً. فمحمد بن نايف ـ الإبن الأثير لوزير الداخلية ـ لا يتوقع أن يخسر موقعه او مكانته. حتى في اكثر الأحوال سوداوية، سيكون أبوه نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، في حين سيبقى الشخصية الثالثة تقريباً في الوزارة في حال ذهبت الى جناح عبد الله.

سعود بن نايف، سيعود على الأرجح الى المملكة ليتولى نيابة إمارة أو ـ من المحتمل ـ أن يصبح أميراً لمنطقة. من يدري؟ فقد يطاح بمحمد بن فهد ويحل سعود محلّه، وقد يُمنح إمارة عسير، أو إمارة مكة في حال تولّى عبد المجيد بدفع من الملك عبد الله منصب النائب الثاني أو منصباً آخر أرفع في الوزارة.

أبناء سلمان ـ أمير الرياض ـ سيبقون في مناصبهم على الأقل إن لم يرشحوا لمناصب أعلى. فهناك عبد العزيز بن سلمان وكيلاً لوزارة النفط، لا يرجح أن يتولى الوزارة، فقد جرى العرف لتركها لأحد أبناء (العامة) في حين تدار فعلياً وبأكثر من طريقة عبر الأمراء أنفسهم. هناك سلطان بن سلمان الذي يرأس هيئة السياحة، وسيبقى على الأرجح في منصبه، وقد تتحول الهيئة الى وزارة يكون الأمير أول وزير لها. أبناء سلمان الآخرين سواء في نيابة الإمارة أو في حقل الإعلام أو غيرهما قد تكشف الأسابيع القادمة عن تسنمهم مناصب رفيعة.

وفي حال تولّى سلمان (الأب) منصباً أعلى: وزار الدفاع مثلاً او الداخلية أو منصب النائب الثاني، فإن إمارة الرياض لن تكون على الأرجح بيد أبنائه، بل قد تنتقل الى أحد إخوته (السديريين المستضعفين!) أحمد أو عبد الرحمن؛ أو لنائب سلمان المهمّش الأمير سطام. يجب التذكير هنا بأن الملك عبد الله على علاقة جيدة بأخيه الأمير تركي المقيم في القاهرة، وقد يدفع بالأمور الى تولية أحد أبنائه منصباً رفيعاً، وقد يقدم أبناء تركي للترشيحات كحل وسط مع الجناح السديري.

سعود الفيصل: الخروج من الوزارة

وملخص القول أن أزمة السلطة في المملكة أخذت تضيق دائرتها، ولم تعد مفتوحة كما كانت أمام جمهرة من المتنافسين، ولا بين عصب عشائرية متكافئة، بل أن الذي يجري هو ـ في واقع الأمر ـ تفتيت للعصب الكبيرة لتشكيل عصب أصغر تستأثر بكامل السلطة بشكل لم تشهده البلاد في تاريخها منذ تأسيسها، بحيث أصبح كل أمير في موقع السلطة عصبة مستقلّة، يستقوي فيها بمكانته المباشرة من الملك المؤسس، ويعضده فيها عدد غير قليل من الأبناء المطالبين بحقهم في الحكم، وبحقهم في الثروة التي طال الإستئثار بها على يد السديريين.

سيكون الإستئثار سمة السلطة في المملكة، فمن ملك استأثر، ومن حَكَم تفرّد بالمجد (الخلدوني) ومن تفرّد أزاح المنافسين وقرّب رابطة الدم أكثر وأكثر (الأبناء بدل الأشقاء والإخوان، والشقيق بدل الأخ غير الشقيق) وبهذا تحتكر السلطة فيحتدم الصراع وتقترب المنافسة من نهايتها: صراع على السلطة مكشوف، نرقبه نحن وغيرنا بشكل لم نألفه من قبل؛ قد يفضي لاحقاً الى صراع مسلّح، وهناك من يحذّر من قيام الجناح السديري بانقلاب عسكري، وهناك من يتهم وزير الداخلية بالتهوّر وقد يقوم هو الآخر بانقلاب أبيض يطيح بسلطة الملك عبد الله وكذلك سلطة شقيقه سلطان!

أما حفدة المؤسس، فينتظرون بيأس دورهم القادم؛ لقد بلغ الكثير منهم من الكبر عتيّا؛ وصارت الحاجة ماسّة الى توريث السلطة لا الى الجيل الثالث، جيل أحفاد المؤسس، بل الى جيل أحفاد أبناء المؤسس.

الصراع على السلطة اليوم لا يقوم به الأبناء إلا كأدوات، في حين أن جوهر الصراع قائم بين الأمراء الكبار، أبناء عبد العزيز، الذين يوصفون بالحكمة واليقظة والخبرة.

هؤلاء قد لا يشحذون سيوفهم لتلبية تطلعاتهم في السلطة، أو في الحقيقة في الحكم المطلق، كما حدث مع الملك سعود وفي عهده، ولكنهم يهيؤون في حياتهم كما سيكون في مماتهم استخدام السيوف من قبل الأبناء والحفدة.

وفي حين يرفض آل سعود التغيير، حتى ضمن حريمهم الخاص، ولا نقول حريم السلطة العام، اي المفضي الى مشاركة الجمهور في السلطة، فإن (الموت) سيكون لهم بالمرصاد، وسيكون أحد أهم العوامل التي قد تأتي على حكمهم من القواعد.

الصفحة السابقة