المملكة المملوكة

حين ازداد التأييد لأسامة بن لادن في ربوع نجد، وتكاثرت التفجيرات والإنتقادات العنيفة للعائلة المالكة وتصرفاتها، خرجت إحدى الأميرات لتكتب في منتدى سعودي معنّفة مهددة، بيّنت فيه فضل العائلة المالكة على الناس، وكيف أنها علمتهم وربتهم وأوصلت لهم الماء والكهرباء ووفرت لهم الوظائف ورصفت لسياراتهم الشوراع وغير ذلك.. وفي ختام مداخلتها طالبت المسؤولين بقطع الكهرباء عن العاصمة (الرياض) عقاباً لها على ما بدا أنه تمرد ضد العائلة المالكة وأحقيتها في الحكم.

ليست المشكلة هنا، أي ليست في وجود نظام ديكتاتوري يهدد بقطع الكهرباء، فهناك انظمة قصفت مدناً بالمدافع والطائرات؛ وهناك أنظمة استخدمت السلاح الكيمياوي ضد شعبها؛ وهناك أنظمة استخدمت العقوبات الجماعية وضيقت على الحياة المدنية فصارت لا تطاق وتساوى خلالها الموت والحياة.

المشكلة الحقيقية تكمن في (النظرة للدولة). فآل سعود يرون أن الدولة ملكاً لهم دون الناس.

وهم (ينهبون) خزينتها، في حين أنهم لا يعتقدون بأنهم أخذوا حقاً غير حقهم، فالخزينة خزينتهم هم، والمال مالهم، وهم الحكومة، ولا فرق بين جيوبهم وخزينة الدولة.

وحين تقول للأمراء بأن لا تنهبوا النفط، يردون عليك بأن النفط ملك أبيهم، وقد كان أبوهم المؤسس يتمنى تحقق ودعاء أمه له بأن يجري الماء بين يديه غزيراً، فجاء الله له بالنفط! هذا ما قاله المؤسس، والأبناء هم ورثته.

سرق أمير مزرعة ضخمة لأحد المواطنين فشكاه للملك السابق، فما كان من الأخير إلا أن سأله: ومن أين حصلت على هذه المزرعة، فرد بأنه ورثها عن أبيه. فطلب الملك خريطة للمملكة، وأخذ قلماً وأشار إليها كلها بأنه هو والأمراء الآخرون ورثوها من أبيهم بما فيها مزرعة الرجل ذاك.

المشكلة الحقيقية أن آل سعود يعتقدون بأنهم هم الدولة وهم الحكومة وكل ما يفعلونه صحيح ولا غبار عليه، وان اعتراض الناس غير منطقي وانهم يتدخلون في شأنهم وفي ممتلكاتهم.

وما يفعلونه مجرد مكرمة، وزيادة في التحبب الى المواطنين وليس واجباً، تفرضه معايير سياسية في كل الدنيا.

المشكلة أن الأمراء لا يستطيعون الإنفكاك النفسي والذهني من حقيقة أن المواطن هو الأصل، وأن له حق في السياسة والمال والأرض، وأنهم مجرد خدم للشعب، وليسوا ملاكاً للناس والتراب والنفط والمال والماء والهواء.

قد يعتقد من لا يعرف آل سعود أن فيما نقوله مبالغة، ولكن من اقترب منهم يدرك هذه الحقيقة.

مشكلتنا السياسية والإقتصادية والأمنية كلها نابعة من هذه العقلية التي عدها الدكتور متروك الفالح أنها أكبر عقبة أمام الإصلاح والتغيير.

بالطبع فإن عقلية الآلهة المسيطرة على جمع الأمراء لا يمكن أن تتعايش مع غير الإستفراد بالرأي وبالثروة وبالسلطة وفي المحصلة بالدين والدنيا.

الأمراء هم محور الحياة، بل يعتقدون أنهم محور الكون.

هم أصحاب الفضل على الآخرين والآخرون لا فضل لهم عليهم حتى فضل الصمت (فضيلة الخرس عن فسادهم).

كبار الأمراء الذين يتابعون هذا الصحفي ماذا كتب، وذاك ماذا قال في ديوانيته، وثالث ما فعل في ندوة حضرها خارج المملكة، ورابع ماذا قال في مقابلته التلفزيونية.. الأمراء الذين يتابعون كل هذا، ويحصون تفاصيل الحياة اليومية للناس، ماذا يتبقى لهم من وقت ليفكروا في إدارة البلاد ووضع استراتيجيات لها تتناسب مع المرحلة؟

والأمراء يدركون أن المواطنين بدأوا يقارعون حججهم التي يريدونهم التسليم بها، من أن ولي الأمر له الحق في فعل ما يريد، وعلى الناس الطاعة في كل شيء. المواطن بدأ يحتكم الى مفاهيم جديدة ترسيها حقوق المواطنة، والمواثيق الدولية. لم نعد نعيش عصر ما قبل الدولة: أمير من جهة أو ملك، ومن جهة ثانية كل البشر الذين لا صوت ولا كلمة لهم ولا حق.

اليوم هناك من يريد ان يسائل ويحاسب ويطالب بحقه السياسي وحقه في الخدمات.

انها حقوق، أي واجبات على الدولة وعلى الأمراء، وليس منّة أو مكرمة.

الآن أعلن أن إيرادات الدولة بلغت عام 2005، 555 مليار ريال (الدولار 3.75 ريالاً) وبلغ الإنفاق 341 ملياراً مع تحقيق فائض 214 مليار ريال. ويتوقع لميزانية عام 2006 أن تكون الإيرادات 390 مليار ريال، والإنفاق 335 ملياراً، مع فائض يصل الى 55 مليار ريال.

الاموال ضخمة غير مسبوقة في تاريخ المملكة.

لكن النهب أيضاً غير مسبوق.

وقد وصل الدين العام الى أرقام غير مسبوقة أيضاً (أكثر من 600 مليار ريال!).

إذا بقي آل سعود على عقلياتهم ستضيع هذه الأموال وتنهب كما نهبت سابقتها أيام الطفرة في السبعينيات الميلادية السابقة.

الصفحة السابقة