الضربة التي لا تقصم الظهر تقويه

عبدالله بن بخيت

قرأت كثيراً مما كُتِبَ عما جرى في ندوة الرقابة ضمن فعاليات معرض الكتاب وخرجتُ بانطباع واحد مشترك عند الجميع وهو أن الأمر ينذر بخطر كبير. فالحدث أكبر من مجرد شغب أو مظاهرة معادية للوعي. فهؤلاء الذين أقدموا على سب الرموز الثقافية للبلد وحاولوا إلحاق الأذى الجسدي بهم ما كانوا سيقدمون على ذلك لولا شعورهم بالقوة والسلطان. فما أقدموا عليه لم يكن وليد اللحظة أو عملاً معزولاً تفجر بسبب تفاعلات حدثت أثناء الندوة وإنما هو عمل منظم مدروس مسبقاً. هناك مجموعة من الرجال جاؤوا إلى الندوة بقيادة موحدة مصحوبين بمعرفة بالأدوار التي سوف ينفذونها.

تصلني كل يوم رسالة تحريضية تنتهي بعبارة (انشر تؤجر). وصلني في الآونة الأخيرة عدد من الرسائل خاصة بمعرض الكتاب. أهمها التحريض على القائمين على معرض الكتاب على خلفية السماح بعرض بعض الكتب الممنوعة والسماح للمرأة بحضور المعرض في إطار عائلي. عندما تقرأ هذه الرسائل لا تستغرب أن يحدث ما حدث في الندوة وما سيحدث في المستقبل. هناك اتساق كامل بين ما حدث في الندوة وبين هذه الرسائل وبين ما تشاهده من ممارسات حتى من بعض الأجهزة المحسوبة على الدولة. بقراءة للشعارات المرفوعة سترى أن هذا الاتساق يمتد ليشمل الإرهابيين الذين يفجرون أنفسهم لقتل الناس. هناك مناورات وهناك اختبار للقوة. يتصاعد هذا الاختبار وينمو بعد كل اختبار ناجح إلى اختبار أهم وأصعب. فظاهرة (انشر تؤجر) ليست مجرد نصائح تحض على مواقف متطرفة. ولكنها مظاهرة رقمية لتحسس رد فعل الجهات المعنية واختبار مدى صرامتها في تنفيذ قراراتها التحديثية. فبعد أن تؤدي الرسائل دورها يتم الانتقال إلى المرحلة التالية. في كل مرة يشعر هؤلاء أن الجهة المعنية تستجيب لضغوطهم يتقدمون إلى المرحلة التالية. فهم أقوياء بمقدار ضعف المسؤول الذي يتعاملون معه. على سبيل المثال يضغطون لحجب شخص معين من الظهور في برنامج تلفزيوني وإذا تمت الاستجابة لهم انتقلوا للمطالبة بإلغاء البرنامج وإذا تمت الاستجابة لهم طالبوا بإقالة المسؤول نفسه وهكذا. الشيء الخطير في القضية أن هؤلاء بلغوا درجة متفوقة في العمل التنظيمي. يساعدهم على ذلك سيطرتهم على بعض الأجهزة الرسمية مع رصيد كبير من التغلغل في بعض الدوائر الأخرى. مجموع عوامل القوة هذه يقابلها تساهل اجتماعي لتصرفاتهم.

إن ما حدث في الندوة ينبئ بأنهم قرؤوا أن مصير الحرب على الإرهاب ينتهي عند الجانب العسكري فقط وأنهم يخوضون معركةً مشابهةً لما حدث مع حركة جهيمان. إن الهدف من الحرب على الإرهاب هو القضاء على الجانب الدموي دون المساس بالجانب الفكري.

عندما تتأمل في المشهد الاجتماعي العام وتسأل وفي ذهنك تنظيم الصحوة، هل تغير شيء خلال السنوات الأربع الماضية؟ ستجد عدة إجابات أهمها أن حجم التغير في الموقف من الصحوة لا يتناسب مع الخطورة التي تمثلها هذه الحركة على الأمن والوعي الوطنيين. يقول المثل: (الضربة التي لا تقصم الظهر تقويه).

صحيفة الجزيرة ـ الرياض 4 مارس 2006

الصفحة السابقة