بيان الـ 61 وأزمة العقل السلفي

شرعنة الخروج وإباحة القتل

نايف: هل كان وراء البيان؟

نشرت شبكة نور الاسلام في 27 ربيع الثاني 1427 الموافق والذي يشرف عليه الشيخ محمد بن عبد الله الهدبان تحت عنوان (تحذير وبيان) وقّعه واحد وستون شخصاً ينتمي جميعهم للتيار السلفي المتشدد، من بينهم: قضاة، وأئمة مساجد، وخطباء ودعاة، وأساتذة جامعة، ورجال أعمال، ومدراء، ومحامون، وتربويون..

السؤال الذي يفرض نفسه دائماً هل أن البيانات تعبّر بالضرورة عن إطارات تنظيمية من نوع أو آخر، أم هي مجرد نفثات تنطلق من صدور أناس بصورة عفوية وتجمعهم هموم مشتركة ثم ما تلبث ان يتفرق الجمع. الغرض من اثارة السؤال هو أن سلسلة البيانات المتواترة تبعث على الشك في وجودة كتلّة تنظيمية مترّاصة تضطلع باعداد هذه البيانات وتسوّق لها ولربما تتابع تداعياتها الاجتماعية والسياسية وربما الأمنية. الدكتور محمد علي المحمود في مقالته في صحيفة الرياض في الاول من يونيو بعنوان (الوحدة الاستراتيجية في التحالف الإرهابي) يلمح الى أن ثمة تحالفاً من نوع ما وليكن فكرياً في حدّه الاول يجمع بين متشددين يفصحون عن تحالفهم عبر نشاطات فكرية مشتركة وربما متزامنة، وقد أشار الكاتب محمد عبد اللطيف آل الشيخ في صحيفة (الجزيرة) في الرابع من يونيو الى وجود (التحزّبات) السياسية، ما دعاه الى مطالبة وزارة العدل بابعاد القضاة عن الممحاكات السياسية التي تتنفى مع حيادية القضاء.

في واقع الأمر، أن النشاط السلفي السياسي الذي دام أكثر من عقدين أفرز شبكة تنظيم القاعدة كما أنجب فروعها القتالية في الداخل، وعناصرها الانتحارية في العراق، وبالتالي فإن الارباك يقع في تحديد نقطة المسؤولية، أي من هو المسؤول عن تعميم أفكار التشدد وسط الشباب. ونعتقد بأن البيان يمثّل نموذجاً حيّاً للفكر المتشدد الذي يصيب به ليس عدداً محدوداً من الوزراء والمسؤولين في الدولة بل يستهدف شريحة واسعة من المجتمع، من كتاب وصحافيين ومثقفين واصلاحيين وحقوقيين وكل من يقع خارج الدائرة السلفية.

البيان يؤسس لعزلة جماعية مضادة عن المحيط الاجتماعي العام من خلال وصم أغلبية المجتمع بالنفاق والكفر والخروج عن تعاليم الاسلام، كما يؤسس للحرب عليها ـ أي على الاغلبية ـ كجزء من مهمة بناء المجتمع المسلم وبعث الاسلام الصحيح وتطبيق الشريعة الاسلامية، بحسب الطريقة التي يراها الموقّعون.

بن لادن: مصدر فتاوى القتل

حين النظر الى البيان بصورة محددة ودقيقة نجد أنه مسبوك بلغة تقليدية كما هي العادة في بيانات ذات طابع ديني سلفي، ومن حق هؤلاء أن يختاروا ما يشاءوا من عبارات وألفاظ وأفكار، ولكن حين ننتقل الى المفاهيم الواردة في البيان نجد أن الفضاء الايديولوجي الذي يسبح فيه البيان يتجاوز الواقع وينتقل بصورة مباشرة الى المثال، أي للتاريخ كما يتصوره السلفي لا التاريخ الواقعي. وينطلق البيان من مفهوم الامة، بدلالاتها الدينية والتاريخية، حيث ينقل الموضوع برمته الى منظومة مفاهيمية أخرى غير منظومة الدولة والوطن، وبالتالي الانتقال من مجال الدولة الى مجال الدين بمكوّناتهما المختلفة وليست الامة سوى المكوّن الجوهري للدين، بل وأهدافه الكبرى.

ان انطلاق الموقّعين من مفهوم الامة، يؤسس لفكرة إسلامية النظام والشريعة الحاكمة عليه، وهذا ما دعا الى القول بأن المجتمع (يريد الاسلام)، في نقد غير مباشر الى وزارء في الدولة ينفّذون (المخطط التغريبي) الذي يرفضه عامة المجتمع، على حد البيان.

التأكيد على اسلامية المجتمع لا يستهدف إبراز هويته بقدر ما هو غمز في قناة القصيبي وزملائه الذين بحسب رؤية موقّعي البيان يسعون الى الاصطدام بهوية وقيم المجتمع والخروج عنه. وفي الحقيقة، إن اعتبار الاجراءات الاصلاحية التي تجري في هذا البلد وكأنها خروج على الاسلام أو اعلان حرب عليه هي من باب الاحتماء بالدين للتعبير عن أجندة سياسية، فالموقعون وحدهم من رسموا سيناريو هذه الحرب، بل وحدهم أيضاً من أصد قرار اعلانها لتصفية حسابات ذات طبيعة سياسية وليست بالضرورة دينية، مع افتراض وجود من يحمل نوايا دينية خالصة غير مشوبة بأغراض دنيوية محضة.

هذا البيان، كما البيانات السابقة، ترسم صور خصومها وتطلق خيال الأتباع للمساهمة في صناعة الشخصية المستهدفة بمواصفات خاصة، توغل في التشويه والعدائية، إذ ليس بالضرورة كل من تستهدفه البيانات تنطبق عليه مواصفات الشخصية الحقيقية، وينسحب الأمر على الواقع أيضاً الذي يتم تصويره وفق رؤية شديدة الخصوصية لا تخلو أحياناً من المبالغة والتشويه من أجل إسباغ حكمها عليه وتشريع أي إجراء لتغييره أو رفضه في أحسن الاحوال.

من ميزات هذا البيان أنه جلب اهتماماً واسعاً من قبل الكتّاب والصحافيين المحليين وأيضاً وسائل الاعلام الخارجية، وهذه من المرات القليلة التي يخضع فيها البيان الى عملية تشريح لمكوّناته ومنطلقاته وكذلك السياق التاريخي الذي يندرج فيه.

ويمكن قراءة البيان من زوايا عدة:

الاولى: أن البيان يعبّر ليس فحسب عن مواجهة ذات طابع أيديولوجي بين تيارين ديني وليبرالي، وإنما يعبّر أيضاً عن مواجهة بين جناحين متصارعين داخل السلطة، أي جناح الملك عبد الله وعدد من الوزراء والأمراء المتحالفين معه، والجناح السديري بتحالفه السياسي مع التيار السلفي.

الثانية: أن البيان رفع سقف المحرّم السياسي، ودخل الى حريم السلطة، بل وصل الى أقصى نقطة يمكن أن يصل اليها مستوى التعبير الاحتجاجي، وبالتالي فإن البيان ينفرد في كونه اخترق تابو سياسي ولم يعد هناك من هو دون النقد حتى الملك، وهذا من شأنه أن يفتح الباب لحركة نقدية واسعة تسقط فيها المحرمات السابقة، فليست الذوات المقدّسة بمنأى عن النقد، بخلاف ما أرادته الجهة التي حرّضت على البيان.

الملك عبدالله: ذات غير مقدسة

الثالثة: أن البيان يؤكد على أن درجة التشدد في المستوى الفكري بين الطيف السياسي السلفي هي متساوية، فلا فرق بين بيان بن دلان أو بيان الواحد والستين، فالصرامة هي ذاتها، ولغة التكفير هي ذاتها، وبالتالي فإن الحكم الشرعي النهائي هو ذاته.

الرابعة: أن البيان جاء كرد فعل على الاحساس العارم بالخسارة التي تكبّدها التيار السلفي حيث بدأت سلطته بالانحسار تدريجياً من مواقع كان فيها رائداً ومهيمناً، وهو ما يفسّر لجوءه للهروب الى الامام، واستعمال لغة ذات دوي وتأثير لافت في الشارع، وهو لنفس السبب أكّد على وجوده النوعي والكثيف من خلال حشد أسماء بمسميات وظيفية متميزة.

الخامسة: أن البيان يشكّل رداً واضحاً وعملياً على تصريحات سابقة للأمير نايف التي نفى فيها أن يكون العنف بضاعة محلية، بل مستوردة من فكر الاخوان، فالموقّعون قدّموا نموذجاً عملياً على أن التطرف الفكري نبتة داخلية وصناعة محلية بجدارة عالية.

فقد تميّز هذا البيان بنبرته العالية والحادة ولغته المباشرة والملتهبة، ويأتي في سياق المقالة التي كتبها الشيخ محسن العواجي ضد من أسماهم بالبرامكة المحيطين بالملك عبد الله، والذين يمارسون دوراً إغوائياً ينزع الى تغريب وافساد الدولة والمجتمع، كما يأتي أيضاً في سياق البيان الذي أصدره زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في شهر مايو الماضي والذي دعى فيه بصورة غير مباشرة الى تصفية وزير العمل الدكتور غازي القصيبي لنفس الاسباب الواردة في مقالة العواجي. حيث قال ابن لادن (وكم من هؤلاء الزنادقة وزراء ومن دونهم وعلى رأسهم وزير العمل في بلاد الحرمين غازي القصيبي ومن يريد فتوى رسمية بكفره وردَّته فقد أفتى بذلك المفتي العام السابق الشيخ عبد العزيز بن باز).

يصف البيان التحذيري في عبارات موتورة ومباشرة وزير العمل وزملائه بـ (عصابة معروفة بالتوجه التغريبي المنحرف) ويتهمّها الموقّعون بالتغلغل داخل كيان الدولة وصولاً الى الملك نفسه فهي (قد تمكنت من التأثير على القرار، والتولي على بعض المؤسسات ذات الأثر الكبير في هوية المجتمع ومستقبله)، كما يتهمّوها بالسعي (الحثيث نحو تجفيف منابع الخير فيه وجره إلى ضروب الانحراف)..

وتمثّل المرأة دائماً في بيانات الصحويين معياراً لاداء المسؤولين في الدولة، فكل من يمنحها حقاً في التعيبر أو العمل يصبح تلقائياً في قائمة المنحرفين ورموز الفساد، بل تكاد المرأة تتحول الى الهاجس الأكبر لدى التيار السلفي الذي ينشغل بسبك خطابات متورّمة حول انحراف المجتمع اخلاقياً عبر المرأة، وكأن الاخيرة مخلوقاً فاسداً من حيث الأصل.

يلحظ المراقب لشؤون التيار الديني السلفي، أن قائمة الموقّعين خلت من أقطاب بارزة كانت تقف فيما ماضي من الشهور وراء النشاط البياناتي مثل الشيخ سفر الحوالي والشيخ سلمان العودة والى حد ما الشيخ عائض القرني، فيما ظهرت أسماء جديدة قد تكون لازمة من لوازم الحشد وتكثير السواد وفوق ذلك جزء من عملية استعراض القوة، وبإمكان المرء أن يقف دون عناء كبير على الاقطاب الفاعلة والمحرّكة لهذا البيان والذين يُنعتون حالياً برموز الصحوة مثل الشيخ ناصر العمر، وخالد العجيمي، والشيخ عبد الله بن حمود التويجري، والشيخ محسن العواجي، والمحامي سليمان الرشودي، وعبد العزيز الوهيبي وغيرهم.

المفتي: لماذا صمت حتى الآن؟

ولعل من أبرز المفارقات في البيان وردود الفعل الرسمية عليه، أن البيان بلغته الملتهبة والتحريضية والتشهيرية لم ينل رد فعل رسمي مماثل، بل على العكس من ذلك فإن تصريح وزير الداخلية الامير نايف لصحيفة (عكاظ) في الاول من يونيو تعليقاً على البيان ينبىء عن أن ثمة شيئاً مكتوماً. لم يدن الوزير البيان ولا الموقّعين عليه، بالرغم من خروجه عن الحدود الشرعية والقانونية، بل وينضح بعبارات نارية وتكفيرية، وهو بكلمة أخرى يخالف البيانات السابقة في حدّته، وتطرّفه، ومباشرته. وزير الداخلية اكتفى بالتعليق على أصحاب البيان قائلاً (إذا كانوا أصحاب تخصص وعلم شرعي فهم اول من يعلم ما تطبقه الدولة من أحكام شرعية لأنها هي دولة الإسلام). وهذا التصريح ينطوي على مواربات يلزم الوقوف عندها، فهو هنا يشدد على إسلامية الدولة والتزامها بتطبيق الشريعة، وهو المبدأ الذي قامت عليه الدولة السعودية. في هذه الحال، فإذا ظهر هناك من لا يلتزم بهذا المبدأ فإنه لا مكان له في الدولة، والامير هنا يلتقي مع أصحاب البيان في نقطة اسلامية الدولة، وأنها المعيار في اختبار صدقية رجال السلطة، وكأنه يشكك من طرف خفي في مشروعية الملك عن طريق العودة الى مبادىء الدولة السعودية الاولى، ولتلك العودة سلوة خاصة لدى التيار السلفي المتشدد الذي يحنّ الى إستعادة مجده الضائع.

يلفت عنوان البيان أنه سبقه بتحذير، بما يشي بنيّة ما لفعل قادم، أو في أحسن تقدير تنبيه الى ما يمكن أن ينجم عن استمرار الدولة في مسارها الراهن، وبقاء ما وصفوها بالعصابة في مواقع الادارة والقرار. لغة التحذير هذه تستدعي وتتناغم مع التوجيهات الدينية ذات البعد التحريضي والتي يدركها الجمهور السلفي على كونها من باب التعبئة والاستعداد..

تصريحات نايف التي تتسم بمرونة غير مسبوقة في مثل هذه البيانات الفاقعة تبدو مستغربة، خصوصاً وأن المخالفات القانونية والشرعية واضحة بجلاء في بيان الموقعّين: تكفير وتشهير وتحريض على القتل. وفي أقل تقدير، فإن الامير نايف إن لم يكن متواطئاً مع موقعي البيان، فإنه ممالىء لهم ضمنياً، وقد يكون البيان سلاحاً من أسلحته ضد الملك عبد الله والفريق السياسي المحيط به. وكنا قد تحدثنا في قضية مقال العواجي ضد القصيبي، بأن للامير نايف مصلحة خاصة ودوراً خفياً مسانداً ويطمع في تكسير خصومه على أيدي حلفائه اللدودين. لقد أتقن الامير نايف وإخوته فن اللعب على التناقضات، حتى باتوا المستثمر الوحيد والكاسب الأكبر في التجاذبات الداخلية والانقسامات الاجتماعية.

قد تكون النقطة الغائبة على الدوام في مثل هذه المعارك التي يدفع فيها أحد أطراف السلطة قوة ما لتصعيد نبرتها النقدية والتحريضية أنها تسمح فيما يأتي من مطارحات سياسية وايديولوجية بتجاوز الخطوط الحمراء ودحرجة البراميل الى خطوط تماس متقدمة. وفيما يبدو، فإن تكثيف الهجوم من التيار السلفي على الدكتور غازي القصيبي وزملائه مثل وزير الاعلام اياد مدني وغيره، يحقق دون ريب رغبة الثالوث السديري (سلطان ونايف وسلمان)، فلهؤلاء أغراضهم المعروفة فيما يجري. الامير نايف، دون غيره، يمثل كهفاً حصيناً لطبقة المشايخ المتشددين، الذي عملوا معه بكل إخلاص وتفانٍ طيلة سنوات المحنة، أي محنة الجماعات المسلّحة التي كشفت هشاشة البنية الامنية في هذا البلد.

لأول مرة منذ اندلاع الصراع بين الحكومة والتيار السلفي، يلجأ الاخير الى استعمال أقصى ما يمكن ان تحمله لهجته التصعيدية من كلمات ملتهبة، ولعل أشدّها وطئاً توصيف الموقّعين على البيان لوزراء في الحكومة بأنهم (عصابة) ودعوتهم بتصفيتها، وهي كفيلة بتأجيج فكرة الخروج على الدولة وإسقاط مشروعيتها الدينية والسياسية.. ومع ذلك قوبلت هذه اللهجة بتصريحات تتسم بالنعومة والوداعة غير المعهودة من شخصيات سياسية معروفة بالخشونة وحدة الطبع واستعراض القوة، مثل الامير نايف الذي اكتفى بعبارات باهتة وغامضة بل نكاد نزعم بأن الامير اختار كلماته بعناية فائقة، لا تحمل ادانة ولا تجلب السخط بل هي أقرب الى المداهنة.

إياد مدني: رأس مطلوب على قائمة الإرهابيين

أن يعود الشيخ محسن العواجي الى ساحة النضال السلفي ضد القصيبي بهذه السرعة، بعد أن نال ما نال منه تشهيراً وتخويناً وتكفيراً، دون أن يحيد عن موقفه شعرة بل وأن يحشد من ورائه نفراً آخراً من أهل دعوته متوسلاً بنفس اللغة التهويلية ولنفس القضية، فذلك كله يدعو للتساؤل: هل أطلقت الحكومة الحرية من إسارها، فصار الناس يتحدثون فيما يشاؤون الى حد اسقاط محرمات فرضتها وزارة الداخلية على أصحاب الكلمة، فأصبحت حرية التعبير متاحة للجميع بأن يجهروا بآرائهم في الشأن العام دون وجل ولا تردد وإن كان الجهر بالرأي يصل الى قمة الهرم، أي رئيس الدولة فضلاً عن وزرائه؟.. وإذا كان الأمر كذلك، فمالذي يمنع رموز التيار الاصلاحي الذين استضافتهم سجون وزارة الداخلية في السادس عشر من مارس 2004 ولم تفرج عنهم الا بعد توقيع تعهدات بعدم مزاولة أي نشاط سياسي علني أو الظهور على الفضائيات ووسائل الاعلام الخارجي أو توقيع بيانات وعرائض تدعو للاصلاح.. هل ثمة تفسير لهذه المفارقة؟.. فما نعلمه بالقطع أن الحرية تفقد وظيفتها وهويتها حين تخضع لقيد التمييز، ولا تتحقق الا حين يتساوى الجميع في الحصول عليها وبقدر متكافىء.

لا ليست الحرية هي التي ولدت في هذا البلد، وإنما الحاصل هو شكل من أشكال الصراع على السلطة، وهو ما يخلق هذه التعبيرات المشوّهة عن تباينات لا تترجم واقع المجتمع بل تعكس طريقة الابتزاز الحاصل في تناقضات المجتمع لصالح معارك تدور على سقف الدولة وسنامها.

رصد الموقّعون على البيان ما اعتبروه مخالفات شرعية ذات نزعة تغريبية على حد توصيفهم المحبب للنفس، والمتمثلة في المشاريع المقترحة لتوظيف النساء في محلات بيع الملابس النسائية، والسماح أو تشجيع بعض القصص الروائية التي تحكي واقع المجتمع، ودعم برامج الانفتاح وتنقيح المناهج التعليمية وتغيير بعض القوانين، وتقليص سلطة المؤسسة الدينية، وفصل الائمة والخطباء المتشددين وغير المؤهلين علمياً وشرعياً.. قائمة مفتوحة يضيف اليها التيار السلفي كل يوم ما يرسّخ موقفه المتشدد من الدولة. وخلف تلك المخالفات تكمن قضية أخرى، وهي الاهم، أن انقساماً داخل السلطة في الاعلى هو الذي يجعل خيوط اللعبة ممتدة الى فريقين يتقاسمان القوة السياسية. الملك عبد الله الذي يحاول بناء جبهة قوية مؤلفة من وزراء فاعلين وأمراء طامحين كانوا مستبعدين لفترة طويلة، يجد نفسه في مواجهة جناح صلب يمسك بمفاصل رئيسية في الدولة ويستعين بالعلماء والتيار السلفي المتشدد لنقل المعركة الى حيث يكون خط استواء الدولة السعودية بمشروعيتها الدينية التاريخية. بمعنى، أن الجناح السديري يوجّه معركته الى الملك من بوابة المشروعية الدينية للدولة، أي التزام الاخيرة بتطبيق الشريعة والتعاليم السلفية التي قامت عليها، وليس خافياً أن هذا التوجيه كفيل بجذب عموم الطيف السلفي. والهدف من وراء ذلك هو الضغط على الملك من أجل إضعاف جبهته، وتمكين الجناح السديري من احتلال موقعه الذي رسمه لنفسه قبل أن يتولى عبد الله العرش، أي إحكام السيطرة الكاملة والمطلقة على مفاصل الدولة وتحويل الملك عبد الله الى مجرد ملك صوري، يملك ولا يحكم، لا بموجب النظام الأساسي، ولكن بموجب الأمر الواقع الذي فرضه السديريون.

الصفحة السابقة