مؤتمر المصالحة في مكة

ترسيم القطيعة على قاعدة طائفية

يبدو أن الحكومة السعودية تميل الى لعب دور مزدوج في العراق، ففي الوقت الذي تسمح فيه لمقاتليها المتشددين بالهجرة الى العراق للقتال على ساحته، وتضخ أموالاً طائلة (عبر الحقائب اليدوية) لبعض قادة العنف في العراق، تبدي حرصاً مفتعلاً على وحدة العراق وسلامه الأهلي، وتبالغ في تقديم نفسها وكأنها تقوم بدور توافقي بين المختلفين والمتخاصمين على الساحة السياسية العراقية التي باتت مرشحة لحرب أهلية دموية شرسة.

الملك يستقبل الشيخين الضاري والكبيسي

لقد سعت الحكومة السعودية منذ فترة أن تحتضن مؤتمراً للمصالحة العراقية على غرار مؤتمر الطائف يخلص لتفاهم حول إدارة الدولة على أساس المحاصصة النوعية وليست العددية، ولكنها أخفقت لأن العراق لم يعد بيد العراقيين وحدهم فهناك أطراف دولية لها كلمة الفصل في الملف العراقي، فضلاً عن أن السعودية ليست الطرف المحايد أو حتى الفاعل الذي يمكِّنه من لعب دور الوسيط، خصوصاً بعد أن تبين ضلوعه غير المباشر في دعم العنف في العراق.

مؤتمر المصالحة، الذي تأخر كثيراً، لم يتحدد موعده وكانت هناك أوقاتاً متفاوتة لعقده، وكانت الحكومة السعودية تسعى عبر منظمة المؤتمر الاسلامي الى إقناع كافة الاطراف بعقد المؤتمر خلال شهر رمضان لأسباب عديدة، وقد بذلت جهوداً كبيرة عبر أطراف عدة الى إقناع القيادات الروحية للحضور، وكانت تتمنى لو أن الشخصية الدينية الشيعية الأبرز الممثلة في السيدعلي السيستاني أعطت رداً إيجابياً وقبلت ولو من حيث المبدأ حضور المؤتمر. وبحسب مصادر اعلامية سعودية في الثاني من أكتوبر الماضي فإن دعوة رسمية وجهتها منظمة المؤتمر الاسلامي إلى المرجع الديني الشيعي آية الله السيستاني لحضور مؤتمر المصالحة العراقية الذي تحتضنه مدينة مكة المكرمة على مدار ثلاثة أيام ويرعاه الملك عبد الله بن عبد العزيز تحت مظلة المؤتمر الإسلامي. ولكن لم تتلق المنظمة رداً من مكتب السيستاني، فيما رجّحت كثير من المصادر عدم حضوره، لأسباب صحية في الظاهر ولكنها في الحقيقة لأسباب سياسية مرتبطة بأداء الحكومة السعودية طيلة السنوات الماضية إزاء الشعب العراقي. تجدر الاشارة الى أن دعوات سابقة وجهت الى السيستاني في محاولة لاستقطاب المجتمع الشيعي العراقي الى جانب السعودية، ولكنها دعوات لم تنجح في تحقيق أهدافها لكونها تستهدف احتواء القادة الشيعة في مقابل النفوذ الايراني، أي صراع قوى اقليمية تتنافس على كعكعة العراق!!

وبرغم قرب الموعد المحدد للمؤتمر، الا أن الحديث عن مشاركة القيادات السياسية والدينية من كل الطيف العراقي كان غامضاً، في ظل أجواء شديدة التوتر وتنذر بانفلات أمني خطير.

حظيت السعودية بدعم إدارة بوش خلال زيارة رايس الى الرياض في سبتمبر الماضي والتي طلبت خلالها من القيادة السعودية لعب دور فاعل في الملف العراقي من أجل مساعدة واشنطن على الخروج من مأزق وضعت نفسها فيه، ومن أجل مواجهة النفوذ الايراني ـ السوري في العراق، حيث يتم التعاون بين معسكر المعتدلين الجدد: مصر والاردن والسعودية من أجل الدخول على خط المعادلة العراقية القائمة.

وقد باءت محاولة السعودية ومصر والاردن عبر اطار الجامعة العربية بالفشل، كونها جاءت بعد طول غياب عن الساحة العراقية، وكانت تهدف الى قطف ثمار سياسية بدون عناء، إن لم يكن تخريب الوضع القائم، بحجة درء تمدد النفوذ الايراني.

وفيما كانت الادارة الاميركية تستبعد فيما مضى من السنوات أي أطراف عربية من الدخول الى الساحة العراقية كونها متورطة في اعمال العنف بصورة غير مباشرة، باتت الآن مقتنعة بعد التحولات السياسية الدرامتيكية في المنطقة بضرورة اشراك حلفائها في الملف العراقي لانقاذها من ورطة العراق، بل قبلت واشنطن مبدأ الشراكة طالما أن ذلك سيخلصها من كارثة عسكرية وسياسية محققة.

وكانت السعودية قد كلّفت عرّابها المزدوج الامير بندر بن سلطان للقيام بحملة سياسية مكثفة بالشراكة مع سفير مصر في واشنطن حسين مصطفى فهمي رئيس وزراء مصر في عهد السادات، لاقناع الادارة الاميركية بخيار رفع الغطاء عن حكومة المالكي واعادة ميزان القوى الى سابق عهده، أي ارجاع السلطة الى الفريق السني من أجل قطع دابر النفوذ الايراني ونزع ورقة العراق من اليد الايرانية التي تحاول استعمالها في التجاذبات السياسية حول ملفها النووية. ذكرت بعض المصادر العراقية بأن نائب الرئيس العراقي عادل عبد المهدي في زيارته الى واشنطن لحظ تبدّلاً واضحاً في اللهجة السياسية الاميركية، وقد أبلغه فريق في البيت الأبيض بأن حملة يقودها الامير بندر والسفير المصري حسين قد تحدث انقلاباً في السياسة الاميركية في العراق وقد تفتح الباب أمام فتنة دموية واسعة وشرسة.

وفيما تحاول واشنطن دعوة حلفائها للمساهمة في حل المعضلة العراقية، جاء انعقاد القمة السعودية التركية المفاجئة في التاسع من اكتوبر للترتيب لمؤتمر المصالحة مع حضور الاطراف المقرّبة من واشنطن. حيث اتفق الطرفان التركي والسعودي على تنسيق المواقف خلال مؤتمر المصالحة العراقية، وتحديداً لضرب النفوذ الايراني في العراق، وهو ما يجعل قابلية نجاح المؤتمر مشكوكاً فيها، كونها تستبعد لاعباً رئيسياً في الملف العراقي كما تستبعد القوى السياسية الشيعية الصديقة لايران.

الصفحة السابقة