الملك ينسجم مع طبيعته

مهر الملك عبد الله تعميماً كان قد صدر قبل سنتين يشي بالتزامه بنهج سلفه في التعامل مع الحريات العامة، بالرغم من الحديث عن رزمة إصلاحات قام بها منذ إعتلائه العرش في الثلاثين من أغسطس العام 2005. لا يمثل التعميم إقلاعاً عن خط التقاليد السياسية التي جبلت عليها العائلة المالكة، فهو يعيد الملك الى وضعه الطبيعي، بكونه سليل أسرة ألفت العيش مع واحدية صارمة تكفل لها سلطة موحدة، متماسكة، وجبروتية. وقبل الاسترسال في قراءة خلفيات التعميم، نضعه أمام القارىء:

بسم الله الرحمن الرحيم


المملكة العربية السعودية

ديوان رئاسة مجلس الوزراء

رقم الصادر: 7515/م ب

تاريخ الاصدار: 21/10/1427

برقية


تعميم


صاحب السمو الملكي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام

نسخة لكل وزارة ومصلحة حكومية وعلى كل جهة إبلاغ الجهات التابعة لها أو المرتبطة بها

نسخة للمركز الوطني للوثائق والمحفوظات


نشير إلى قرار مجلس الوزراء رقم 214 وتاريخ 28/7/1425هـ المبلّغ ببرقية سمو رئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء رقم 42974 وتاريخ 12/8/1425هـ الذي نصّ على التأكيد على الجهات المعنية باتخاذ ما يلزم لتطبيق النصوص النظامية ذات الصلة، في حق أي موظف يخل بواجب الحياد والولاء للوظيفة العامة مهما كانت طبيعتها (مدنية أم عسرية)، وذلك بمناهضته لسياسات الدولة أو برامجها من خلال المشاركة بشكل مباشر أو غير مباشر في إعداد أي بيان أو مذكرة أوخطاب بشكل جماعي أو التوقيع على أي من ذلك، أو من خلال المشاركة في أي حوار عبر وسائل الإعلام أو الاتصال الداخلية أو الخارجية أو المشاركة في أي اجتماعات، أو التستر على هذه المشاركة هدفها مناهضة تلك السياسات أو البرامج.

ونرغب إليكم التأكيد على الجهات المختصة بالعمل وفقاً لما قضى به قرار مجلس الوزراء المشار إليه أعلاه..فأكملوا ما يلزم بموجبه.،،،


عبد الله بن عبد العزيز

رئيس مجلس الوزراء


ليس في التعميم جديد، ومورد الجدّة فيه أنه حسم أمراً خلافياً لدى بعض المتفائلين والمراهنين على الملك عبد الله لإدارة دفة الاصلاح السياسي، وإرساء أساس المجتمع المدني وإطلاق الحريات العامة. كان واضحاً منذ إعتلائه دفة الملك أن مسيرة التغيير تعطّلت حتى في بعدها الشكلي، خصوصاً بعد سلسلة التسويات السياسية التي نجحت الحكومة السعودية في التوصّل اليها مع حلفائها الدوليين وخصوصاً الولايات المتحدة والغرب عموماً، وهو ما أرادته العائلة المالكة من الحوار الوطني، وتصحيح المناهج، وتعديل بعض التشريعات الخاصة بالاستثمارات الاجنبية وصولاً الى قبول السعودية تبني مبادرة سلام مع الدولة العبرية.

المراهنون على الملك عبد الله حمّلوه ما لاطاقة له عليه، وألزموه بما لم يلزم به نفسه، وأسبغوا عليه من النعوت ما لا ينسجم وقدراته الذهنية والنفسية.. أرادوه إصلاحياً، فلم يكن للإصلاح نصيب من نهجه سوى كلمات أعجمية لا يتقن لفظها، وأرادوه قومياً فخرج عليهم بزي أميركي يكاد يتفجّر قبر سلفه، فهد، لفرط ما أوغل عبد الله في أميركية شوهاء، فقد بارك المشروع الأميركي بنكهته الاسرائيلية وصار قطب الاعتدال في معسكر رايس.

كان الاعتقاد بأن صورة الملك عبد الله في الخارج ستكون صالحة للاستثمار في مشاريع سياسية قومية ودولية، فجاءت النتائج وخيمة، فمنذ وصل الى العرش توترت علاقات دولته مع أغلب دول الجوار: العراق، سوريا، ايران، قطر، عمان، فيما اقتصرت علاقاته الدبلوماسية على حكومتين عربيتين مثيرتي للجدل وهما مصر والاردن جمعته بهما مصلحة أميركية وإسرائيلية.

داخلياً، لم يفلح الملك عبد الله في تسويق نفسه بين القوى السياسية الوطنية، ومع انهيار الاوضاع المعيشية على وقع الانهيار المريع في سوق الأسهم خسر الملك بقية الرهان على صنع كاريزمية وهمية، تستمد مقوماتها من قدرته على الاقتراب من توقّعات الناس ومعاناتهم. الاصلاحيون الذين أوهمهم بأنه سند قوي لمطالبهم، وقعوا في قبضة أجهزة الأمن برضى منه، وحين تم الافراج عنهم لاحقاً أكرهوا على توقيع تعهدات بالصمت، فيما حرموا من السفر للخارج، فخرجوا من السجن الصغير الى السجن الكبير، بعد أن ضيّقت عليهم وزارة الداخلية الآفاق في أرزاقهم واعمالهم وحريتهم في الحركة والتعبير والعيش الكريم.

بقي عادياً في تعاطيه مع مطالب الغالبية الساحقة من الأفراد، وأصبح أقل من عادي حين دخل في أتون قضايا مصيرية داخلية وخارجية، وكأن هناك من أراد استدراجه الى نقاط تميّزه كيما يحرقوها الواحدة تلو الأخرى، منها ما راج عنه انحيازه الى القضايا القومية ومناوئته للأغراض الغربية في بلاد العرب، فأصبح خصماً لكل ما هو عربي، كما ظهر بجلاء خلال العدوان الاسرائيلي على لبنان بل جرى تأهيله للعب دور السمسار لعملية سلام مع الدولة العبرية.

الرجل أخفق في تحقيق أدنى هدف يتناسب وحجم الأوهام التي أحيطت به، ونجح الفريق المحيط به من دبلوماسيين وأمراء في إخضاعه بصورة شبه كاملة تحت تأثير الجوقة المهيمنة على العملية السياسية أي الأمراء السديريين وحلفائهم. وبرغم ما ينطوي عليه هذا الرأي من تبرئة للضمير السياسي لدى الملك، الا أن الأخير لا يبدو أنه راغب في الأصل بمخالفة الخط التقليدي الذي تسير عليه العائلة المالكة وتعضده الادارة الاميركية وحلفائها الأوروبيين.

آخر أنجازات الملك عبد الله في مجال الحريات العامة، التضييق على المنتديات الثقافية كما جاء في بيان أصدره حوالى 100 من المثقفين والناشطين الإصلاحيين السعوديين من بينهم نساء في العاشر من ديسمبر حيث جاء في البيان (تابعنا ما تتعرض له بعض هذه المنتديات من تعهدات بإغلاقها) أو (الطلب منها التوقف عن القيام بأي نشاط ثقافي الا بعد الحصول على ترخيص رسمي من الجهات الأمنية).

الصفحة السابقة