الفساد الأخلاقي في صفقة اليمامة

أمـراء الليالي الحمراء

إعداد - محمد قستي

الأمير تركي بن ناصر: أحد السماسرة

نشرت صحيفة الصنداي تايمز في الاول من أبريل مقالاً للكاتب الصحافي ديفيد ليبارد بعنوان (شركة بي أيه إي تستأجر ممثلات للسعوديين)، وفيما يلي نص المقال:

تم استعمال رشوى سرية أعدّتها شركة بي أيه إي، أكبر شركة دفاعية بريطانية، لدفع عشرات الآلاف من الجنيهات الاسترلينية لفنانتين بريطانيتين حين كان ـ مدراء الشركة يوادّون أميراً سعودياً كبيراً وحاشيته.

وقد اطلّعت الصنداي تايمز على وثائق سرية تكشف عن أن مبلغاً من المال يقدّر بـ 60 مليون جنيه ذهب لقروض وإجارات، وفواتير البطاقات الائتمانية وضريبة البلدية لكل من أنوشكا بولتون ـ لي وكاراجان ماليندر. كما دفعت أيضاً تكاليف دروس لتعليمهن اللغة العربية.

وقد شحنت الأموال النقدية عن طريق شركة لندنية لخدمات السفر والتي قامت بتمويل خدمات السكن للأمير تركي بن ناصر وشخصيات سعودية أخرى مسؤولة عن صفقة اليمامة التي أبرمتها السعودية مع شركة صناعة الأسلحة البريطانية العملاقة وبلغت تكاليفها 40 مليار جنيه إسترليني.

ومن المقدّر لهذه الاكتشافات أن تشعل الخلاف حول الصفقة، التي فتحت الباب على قضية الرشوة من قبل مكتب التحقيقات في الغش التجاري. وقد تم تسليم الوثائق التي تقدّم تفاصيل حول المدفوعات لموظفي المكتب المذكور.

وكان التحقيق قد توقّف في ديسمبر الماضي حين أخبر النائب العام اللورد جولدسميث البرلمان بأن التحقيق ليس من (المصلحة الوطنية).

في فترة المدفوعات، حضرت كل من بولتون ـ لي، عارضة الملابس الداخلية السابقة أنوشكا، وزميلتها الممثلة كاراجان، الحفلات التي أقامها الأمير تركي، الذي كان يشغل وقتها منصب قائد سلاح الجو الملكي السعودي، في فندق كارلتون تاور في لندن وكان مسؤولاً عن إبرام صفقة بين بلاده و بي أيه إي لشراء 150 مقاتلة من طراز هوك وتورنادو من شركة بي أيه إي.

وبحسب مسؤول حكومي كبير، طلب عدم الكشف عن هويته، فإن التحقيق كان يحاول معرفة أسباب دفع مبالغ للفنانتين من مال الرشى السري الخاص بشركة BAE ومن المحتمل أن تتم مقابلة الفنانتين في وقت لاحق من هذا العام في حال لم يتم إجهاض التحقيق.

وقد جاءت خطوة جولدسميث بعد سسلسلة تهديدات تعرّض لها توني بلير بصورة مباشرة من قبل الحكومة السعودية. وقد حذّر السعوديون بأنهم سيوقفوا مدفوعات الصفقة وقطع الروابط الدبلوماسية والاستخبارية مع بريطانية ما لم يتم إيقاف التحقيق الجنائي.

وكان مكتب التحقيق في الغش التجاري الخطير يحقق في مزاعم بأن شركة بي أيه إي قد خصصت تمويلاً لتغطية نفقات أسلوب المعيشة الباذخ لأمراء سعوديين كبار كسبيل لضمان الحصول على أضخم صفقة أسلحة في تاريخ بريطانيا.

وقد توصّل مكتب التحقيق في الغش التجاري الخطير الى أن BAE استخدمت شركة خدمات السفر (ترافلرز وورلد) في لندن كقناة لتمرير مال الرشى من أجل تغطية نفقات الأمير تركي وغيره من الأمراء السعوديين. والامير تركي، المتزوج ابنة أخت الملك عبد الله، الحاكم السعودي كان اللاعب الرئيسي في الصفقة بسبب دوره داخل المؤسسة العسكرية.

وتشير الوثائق المتعلّقة بالممثلتين الى تركي بـ (PB) وهي شفرة اختصار لعبارة (المستفيد الرئيسي) بحسب توصيف شركة بي أي إي.

وتظهر الوثائق السرية المتعلقة بالممثلتين البريطانيتين أنه خلال الفترة من 2001 إلى 2002 دفعت شركة خدمات السفر المذكورة 13 ألف جنيه إسترليني سنوياً لتغطية إيجار شقة الممثلة بولتون ـ لي، أو أنوشكا البالغة من العمر 29 عاماً في منطقة تقع غرب لندن. وقد كشفت وثيقة بأنها تلقّت مبلغاً نقدياً وقدره 1275 جنيهاً إسترلينياً كنفقات. وقد نفت بولتون لي التعليق بعد ظهورها في برنامج لعبة الاجيال الذي تبثه قناة بي بي سي.

وتكشف الوثائق أيضاً عن أن مدفوعات متكررة قد تمت لصالح ماليندر خلال عامي 2001 ـ 2002. وفي يوليو 2001، قد تم دفع 1,002.67 جنيهاً إسترلينياً الى (شركاء ـ ماليندر).

وتشير وثائق أخرى الى الرشاوى على أنها (قرض ماليندر) بمبلغ 448 جنيهاً، ونفقات ماليندر (1000 جنيه) ودورة لغة ماليندر (326) جنيهاً. كارجان ماليندر، التي بدّلت إسمها من كارين بعد اتهامها العام 1988 بحيازة مادة الكوكائين، قالت بأنها لا تعرف شيئاً عن أي شركات لمال الترضية أو الرشاوى، ولكنها اعترفت بأنها كانت صديقة حميمة لتوني وينشيب، مدير شركة بي أيه إي، والقائد السابق في سلاح الجو الملكي الذي تم اعتقاله العام 2005، على خلفية دعاوى بأنه كان يدير هذا المال.

وقد أنهت كارين المحادثة الهاتفية مع صنداي تايمز بصورة مفاجئة حين سئلت عما إذا كانت قد التقت بتركي وفريقه في الطابق الثامن عشر بفندق نايتس بريدج.

وكان مكتب جرائم الإحتيالات الخطيرة بدأ في يوليو/تموز 2004 التحقيق في عمليات فساد مزعومة أحاطت بصفقة اليمامة الضخمة التي أبرمتها BAE مع السعودية عام1985، غير أنه أوقف التحقيق قبل نهاية العام الماضي.

وأبلغ النائب العام البريطاني اللورد غولدسميث مجلس اللوردات في الخامس عشر من ديسمبر/كانون الأول الماضي أن قرار وقف التحقيق اتُخذ خدمة للمصالح العامة الأوسع والتي استوجبت موازنتها مقابل سيادة القانون، وأن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير وافق على أن استمرار التحقيق سيلحق أذىً خطيراً بالعلاقات بين المملكة المتحدة والسعودية.

لكن تقارير صحافية كانت كشفت قبل أيام من إعلان النائب العام أن السعودية هددت بقطع العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا في حال استمر مكتب الإحتيالات الخطيرة في إجراء التحقيق ومنحت بريطانيا مهلة لوقفه وهددت بإلغاء عقد تسلحي قيمته مليارات الجنيهات الإسترلينية لشراء مقاتلات من طراز يوروفايتر.

وقد علّقت شركة بي أيه إي على ما نشرته الصنداي تايمز بالقول أن شركة الأسلحة البريطانية BAE Systems دفعت أموالا للممثلتين البريطانيتين Anouska Bolton Lee وKarajan Mallinder لحضور حفلات أقيمت على شرف الأمير السعودي تركي بن ناصر وحاشيته، واكتفى متحدث باسم الشركة بالقول إن الشركة لم ترتكب أي خطأ.

انوشكا: خدمات خاصة للأمراء

وأوضح المتحدث باسم الشركة لصحيفة The Times الصادرة في الثاني من أبريل بأن مكتب مكافحة الفساد راجع كمية هائلة من المواد حول ملف الرشاوى التي قدمتها شركة الأسلحة البريطانية لأمراء سعوديين في إطار ما عرف بصفقة اليمامة، مضيفا أن المكتب رأى ضرورة إغلاق الملف، و(نحن لن نعلق على أي من هذه الاتهامات المتواصلة).

ورات الصحيفة أن هذه الاتهامات ستعيد إثارة الجدل حول طلب الحكومة البريطانية من مكتب مكافحة الفساد وقف التحقيق في علاقة BAE بالنظام السعودي.

وكانت الصحيفة كشفت أن الممثلتين البريطانيتين حضرتا حفلات في فندق Carlton Tower بمنطقة Kinghtbridge بحضور الأمير تركي بن ناصر وعدد من كبار المسؤولين السعوديين المتورطين في صفقة اليمامة.

خدمات خاصة جداً!

وكتب كريستوفر آدم ومايكل بيل في صحيفة الفايننشال تايمز في الخامس من أبريل مقالاً بعنوان (شركة بي أيه إي تؤكّد صفقات) جاء فيه: خدمات الدعم أن أنظمة بي أيه إي أكّدت بأن (خدمات الدعم) تم تمويلها وتزوّد مسؤولين سعوديين كجزء من صفقة أسلحة اليمامة، أكبر صفقة تصدير بريطانية، بحسب تصريح رسمي صدر في الرابع من أبريل.

وفي الرسالة من محامي بي أيه إي الى مكتب التحقيقات في الغش التجاري الخطير في نوفمير 2005، وردت تفاصيل ظهرت تحت قوانين حرب المعلومات، فإن شركة الاسلحة تلقي بالضوء على طبيعة المدفوعات في صميم دعاوى الرشوى. ولكن أبلغت المكتب بأن تلك المزاعم غير صحيحة. هذا الانكشاف من المحتمل أن يثير خلافاً حول الاتفاقية البليونية حيث تدفع الرياض ثمن طائرات مقاتلة بريطانية.

وتكشف الرواية تأكيد محامي بي أيه إي للمحققين بأن المدفوعات كانت لتقديم (خدمات الدعم) لمسؤولين سعوديين، بالرغم من أن الرواية لا تخبر عن نوع هذه الخدمات. وتضيف الرواية بأن المحامين قالوا بأن المدفوعات تمت كجزء من ترتيبات عقدية.

ونقل النائب العام، اللورد جولدسميث عن محامي بي أيه إي قولهم بأن (الدعاوى غير صحيحة لسبب أساسي وهو أن خدمات الدعم التي قدّمت لمسؤولين سعوديين قد تمت ودفعت بموجب الترتيبات العقدية التي تقع تحت برنامج اليمامة.

الدعوى حول مزاعم أن بي أيه إي تدير أموال ترضية لترشي بها مسؤولين سعوديين قد تم اسقطاها من قبل مكتب التحقيق في الغش التجاري الخطير في ديسمبر الماضي بعد تدخل رئيس الوزراء توني بلير، مثيراً إعتراضات من قبل المناهضين للرشوة وتوبيخاً من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وتصف الشهادة التي نشرها مكتب اللورد Peter Goldsmith كيف دعا محامو BAE مكتب التحقيق في الغش التجاري الخطير إلى التخلي عن التحقيق لأنه (سيؤثر بصورة خطيرة على العلاقات بين الحكومتين البريطانية والسعودية). وأشار إلى أن المحامين زعموا كذلك أن التحقيق سيحرم بريطانيا في النهاية من ضمان الحصول على المرحلة الثانية من العمل في برنامج اليمامة. وأوضح بأن رد الجهات المعنية على BAE كان أنه (من غير الملائم تقديم مثل هذا الطلب لمكتب المدعي العام وأن الأمر سينتقل إلى مكتب جرائم الفساد الخطيرة للتحقيق فيه).

وذكرت الصحيفة أن الشهادة تشير إلى دور قام به Sherard Cowper-Coles، السفير البريطاني في الرياض، الذي قابل Robert Warder، مدير مكتب جرائم الفساد الخطيرة، ثلاث مرات قبل وقف التحقيق.

وأشارت الصحيفة إلى أن مكتب التحقيق في الغش التجاري الخطير مازال يحقق في نشاط BAE في ست دول أخرى، مضيفاً أن BAE رفضت التعليق على المواد التي نشرها مكتب المدعي العام ونفت ارتكابها أي مخالفات.

من جانبها قالت صحيفة Daily Telegraph بأن (كارثة العلاقات العامة التي تحيط بشركة BAE البريطانية بسبب مزاعم تورطها في رشاوى وقضايا فساد دفعت الشركة للرد)، مضيفة أن (التقرير السنوي الأخير للشركة يتحدث مطولا عن الممارسات الأخلاقية للشركة بصورة غير مسبوقة، لدرجة كشفه عن طرد 50 موظفا العام الماضي لارتكابهم سلوكاً غير أخلاقي).

وأوضحت الصحيفة، بأن طرد الموظفين ليس له علاقة بمزاعم تقديم الشركة رشاوى لمسؤولين سعوديين أو بالتقارير الصحافية التي ترددت أخيراً عن دفع الشركة مبالغ ضخمة لممثلات بريطانيات من أجل حضور حفلات كان أميراً سعودياً ضيف الشرف فيها، مبيناً بأن الشركة نفت أن يكون تخصيص جانب كبير من تقريرها السنوي للأخلاقيات نتيجة للدعاية السلبية التي أحاطت بالشركة.

وذكرت أن منتقدي الشركة لم يتأثروا بهذا التحرك الأخير، مشيرة إلى قول Susan Hawley، عضو مجموعةCorner House لمكافحة الفساد، إن (من الصعب حمل صغار الموظفين على أخذ هذا بجدية عندما يسمعون عن كل الأشياء التي يُقال إنها تحدث في الدوائر العليا بالشركة).

أما صحيفة التايمز فذكرت في الخامس من أبريل بأن السعودية تنتظر صعود براون من أجل إبرام صفقة الطائرات المقاتلة يوروفايترز تايفون، وكشفت الصحيفة عن أن السعوديين سينتظرون وصول المرشح لزعامة حزب العمال ورئاسة الحكومة غوردن بروان إلى رئاسة الوزراء قبل توقيع صفقة الـ 20 مليار جنيه إسترليني مع شركة الدفاع البريطانية BAE Systems لشراء طائرات Eurofighter Typhoon.

وقالت الصحيفة أن المفاوضات لشراء 72 مقاتلة تسير بشكل جيد لكن السعوديين يريدون أن تحظى الصفقة بدعم رئيس الوزراء البريطاني التالي. ومن المتوقع أن يتم توقيع الصفقة بين الحكومتين أواخر يونيو وأوائل يوليو القادم، ما إن يتم اختيار الزعيم الجديد لحزب العمال.

وذكّرت الصحيفة بأن السعوديين هدّدوا العام الماضي بإلغاء الصفقة إذا استمر مكتب التحقيق في الغش التجاري الخطير في متابعة تحقيقه حول صفقة شراء طائرات التورنادو مع BAE في الثمانينيات. وكانت العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين بدأت باستعادة عافيتها بعد أن أوقفت الحكومة التحقيق على أرضية الأمن القومي، ومع رحيل توني بلير من الحكومة قريباً، فإن السعوديين يريدون رئيس الوزراء المقبل والذي من المتوقع أن يكون بروان أن يدعم صفقة الـ Eurofighter.

علك بقيمة 869 جنيه استرليني.. يابلاش!!

سوداء اليمامة

من جهة أخرى، أثار عرض قناة (الجزيرة) لبرنامج عن فضيحة الرشاوى في صفقة الأسلحة البريطانية الى السعودية بعنوان (سوداء اليمامة) ردود فعل غاضبة لدى الأمراء، وأطلقت وسائل الإعلام المحلية حملة انتقادات حادة ضد قطر. فقد نعت أحد الكتّاب المحليين قطر بالطفل الذي يشتري ملابسه من محلات (موذر كير)، فيما وصفها كاتب آخر بـ (حبة الخال الأسود) في الوجه الخليجي، فيما قال ثالث عنها بأنها عديمة الأصل، لانقلاب الإبن على الأب.

مهما تكن شدّة وغلظة هذه النعوت، فإنها لم تطل الحقيقة التي كشف عنها برنامج سوداء اليمامة، الذي ما زال يفشي أسراراً كانت مكتومة على الرأي العام المحلي والدولي. فقد تحوّلت صفقة السلاح التي اشترتها السعودية مِنْ بريطانيا، والتي عرفت بصفقة اليمامة وهي مِنْ أكبر وأضخم صفقة في تاريخ السلاح في العالم، إلى أكبر فضيحة سياسية دولية حتى الآن. ويتناول التحقيق إحتمال أنْ تكون رشاوى دفعت الى الاسرة الحاكمة السعودية في إطار عقد (اليمامة) لبيع أسلحة بين لندن والمملكة الذي أبرم في 1985م ، وبلغت ايرادات المجموعة البريطانية مِنْ هذا العقد 43 مليار جنيه استرليني (84.4 مليار دولار).

وبحسب مصادر وخبراء عسكريين، فإن ميزانية الإنفاق على التسلّح السعودي، تثير الكثير مِنْ علامات الإستفهام حولها، فهي توازي ما ينفق على جيوش إيران وتركيا وإسرائيل مجتمعة، بالنظر الى أنْ الجيش السعودي يصنّف مِنْ بين الجيوش المتواضعة الحجم والمقدرة .

هذا وقد هددت السعودية بتجميد بعض الصفقات العسكرية ونقلها الى الجاره الفرنسية في حال الإستمرار بالتحقيقات الأمر الذي دفع برئيس الوزراء البريطاني إلى وقف هذه التحقيقات وعلى مسؤوليته الخاصة. جاء الموقف السعودي المتشدّد، بعد أنْ اقتربت التحقيقات مِنْ الحسابات السرّيّة لاثنين مِنْ الوسطاء، أحدهما رجل الأعمال السوري وفيق سعيد، والآخر الوزير اللبناني محمد صفدي، وكادت تكشف حجم العمولات الضخمة التي ذهبت الى كبار الأمراء، وبلغت أرقاماً خيالية يقدّرها البعض بثلاثة مليارات دولار على الأقل.. فالرجلان كانا واجهتين لأمراء سعوديين كبار تفاوض بعضهم على الصفقة، وأقرّها بحكم مكانته ونفوذه، لدرجة أنه طلب رفع سعر طائرة التورنادو بنسبة 35% حتى ترتفع نسبة العمولة..

تجدر الاشارة الى أن قبل أشهر دخلت الى السعودية خدمة طيران الخيالة المخصصة لرجال الأعمال، وتوجد خطوط (ناس) التي ستسير رحلاتها بأسعار زهيدة، لكن المؤسف أنَّ مثل هذه الصفقات تمت بسرية تامة، ولا أحد يعلم كيف حصل رجال الأعمال هولاء على رخص تلك الشركات ولا كيف رست عليهم تلك المناقصات والمزايدات. فمن المعروف أن مثل هذه الصفقات تتم مِنْ تحت الطاولة وليس وفق نظام المناقصات العلنية، بالرغم من مخالفة هذا التدبير لقوانين منظمة التجارة العالمية التي حصلت السعودية قبل أكثر من عام على عضويتها..

نشير الى أن طيران الخيالة شركة مملوكة لابن ولي العهد ووزير الدفاع، الأمير خالد بن سلطان. وقد بات معلوماً بأن شرط الفوز بمناقصة تجارية كبيرة في يتطلب حصول رجل الاعمال على شريك من الأمراء، وفي حال رفضه قد يواجه معوّقات معقّدة، وقد يخسر المناقصة، وربما يتهّم بتمويل الإرهاب كما حصل لرجل الاعمال الدريبي الذي تم الحجز على أمواله. وقد ورد في كتاب الوليد بن طلال أنه ليس بإستطاعة أي شركة أجنبية تنفيذ مشروع في السعودية دون حصول أحد الأمراء على نسبة 25 بالمئة من الأرباح. وينظرون الى هذه الأرباح على أنها حق مكفول لهم باعتبارهم ملاّك لهذه الأرض وما عليها وما تحتها.

اللورد غولد سميث

وفي تعليقه على برنامج سوداء اليمامة، كتب محمد الوليدي في الرابع عشر من مارس الماضي مقالاً بعنوان (ما لم تقله الجزيرة عن صفقة اليمامة)، جاء فيها:

تمنيت لو أن محطة الجزيرة أعطت فضيحة صفقة اليمامة حقها في برنامج (سوداء اليمامة) الذي تم بثه مؤخراً على شاشتها بما لديها من أمكانيات، فعدة جوانب كان يمكن الخوض فيها والتي يمكن التوصل الى حل بعض الألغاز التي أحاطت بالصفقة منذ بدايتها. هذه الصفقة التي حطمت عدة ارقام قياسية؛ فهي أكبر صفقة سلاح تبيعها بريطانيا في تاريخها وأكبر صفقة سلاح تشتريها السعودية أيضا، وأكبر رشاوى دفعت، دفعت من خلالها، كما انها أغبى صفقة سلاح في التاريخ، فهذه الأموال التي دفعت من أجل إتمامها ذهبت هباء في سلاح لم يستخدم، بل أعيد بعضه الى بريطانيا تحت مسمى (طائرات مستخدمة) حسب قول ولي العهد السعودي الأمير سطان بن عبد العزيز، ولا ندري متى استخدمت وفي ماذا وأين. في أيلول من عام 1985 عقدت صفقة التاريخ.. صفقة اليمامة، والتي خمّنت الصحافة البريطانية في ذلك الحين قيمتها ما بين 60 الى 150 بليون دولار، وقيمة الرشاوى فيها ما بين 12 الى 20 بليون دولار!

ووردت أسماء عديدة في هذه الصفقة على رأسهم موقعها وولي العهد حالياً الأمير سلطان بن عبد العزيز، وأبناءه: بندر وخالد، وزوج إبنته: تركي بن ناصر، ومنهم الأمير عبد العزيز بن فهد، وأحد ابناء الملك عبد الله وهو الأمير فهد، وسعد الحريري، وإبراهيم النملة الذي أصبح إبنه فيما بعد وزيراً للعمل في السعودية، و وفيق السعيد؛ الصديق المقرب من الملك الراحل فهد والأمير سلطان، وهو سوري يحمل الجنسية السعودية، ولا زالت ترد أسماء ما بين الحين والاخر، فما أكثرهم الذين أكلوا من لحم هذه (اليمامة)، أو بالأحرى لحم شعب الجزيرة الذي بُدِّدت ثرواته بهذه الطريقة الحمقاء، ولو نظرنا الى الأسم الأخير وهو وفيق سعيد فسيمكننا الوصول الى أي مدى وصل اليه الفساد في هذه الصفقة؛ فقد تحول هذا الرجل في السنوات الأخيرة من مليونير الى ملياردير حيث بلغت ثروته المعلنة الى أكثر من خمسة بلايين دولار، وكاد أن يجن عندما حاول مكتب التحقيقات في الجرائم الخطرة البريطاني التحقيق في أحد حساباته في البنوك السويسرية، حينها انتفض آل سعود وحتى لا تصل التحقيقات الى حساباتهم ايضاً، وطلبوا من الحكومة البريطانية وقف التحقيق حالاً وخلال عشرة أيام والا سيتم قطع العلاقات بينهم وستلغى الصفقة الأخيرة التي عقدت بينهم وهددوا بتحويلها الى فرنسا والتي تنافسها بريطانيا بحساسية بالغة في مجال بيع الأسلحة، وكان الجواب البريطاني أسرع ما يكون حيث أوقف رئيس الوزراء البريطاني التحقيق وخلال 24 ساعة وليست عشرة أيأم.

وإيقاف التحقيق حتما لم يكن لسواد عيون آل سعود، وقد سبق وأن هددت السعودية بريطانيا بقطع العلاقات فيما بينهما اذا عرض فيلم (موت اميرة) والذي يتحدث عن فضائح من نوع آخر عن الأسرة الحاكمة السعودية، الا ان بريطانيا لم ترضخ للإبتزاز السعودي آنذاك، أما الآن فالأمر يختلف فغير المصالح البريطانية التي ستضرر بقطع العلاقات، فالحكومة البريطانية نفسها لا تريد هذا التحقيق منذ البداية لكنها لم تكن تستطع إيقافه وقد وجدت في المطلب السعودي القوي إنقاذاً لها من فضائح قد تطال سياسيين بريطانيين أيضاً، في حين لم يدرك آل سعود أن طلبهم بإيقاف التحقيق هو فضيحة كبيرة؛ فلو لم يكن هناك فضائح خطيرة وأكبر من التي كشفت، ما كانوا قد طالبوا بإيقاف التحقيق، ثم لماذا يتحمل رئيس الوزراء البريطاني فضيحة وقف التحقيق دولياً لو لم يكن هناك فضائح أكبر قد تكشفها التحقيقات وربما تخصّه أيضا، فحتى رئيس الوزراء البريطاني السابق جون ميجر تورط في فضيحة صفقة اليمامة عندما منح تراخيص غير قانونية حدثت في هذه الصفقة وتم التكتم عليها في وقتها.

في برنامج (سوداء اليمامة) تم عرض لقاء تاتشر مع الصحافة حين أحرجها أحد الصحفيين بقوله (أنك تتحدثين وكأنك مندوبة مبيعات أسلحة ماهرة) وقتها تمنيت لو تحدث معدو البرنامج عن دور إبنها مارك تاتشر والذي كان له دوره في الصفقة، و لعلها ارتبكت عندما تخيّلت لو أن الصحافة كشفت عن دور إبنها والذي ظهر فيما بعد، حين كشف إسمه أحد اللصوص الذي اختلف مع اللصوص الكبار ورفع فيها قضية تم حلها خارج المحاكم، عندما نشرت صحيف الأوبزيرفر أول تقاريرها عن فضيحة اليمامة، حاول الأمير خالد بن سلطان شرائها لكنه لم ينجح في ذلك.. فإلى أي مدى طرت يا يمامة؟! لكن زميله في الصفقة وفيق السعيد أستطاع شراء 35 في المائة من أسهم صحيفة صندي كروسبوندنت، والتي لم تشر للصفقة لا من قريب ولا بعيد بالطبع ككل الصحف السعودية.

ثمة أموال دفعت ولم تذكر، وثمة أسلحة ومعدّات أرسلت ولم تذكر أيضا، بإسم (اليمامة).. أرسل للسجون السعودية أكثر من سبع الآف قضيب معدني للتعذيب بالصدمات الكهربائية، ومعدات أخرى للتعذيب لا تقل عنها خطورة بل محرم تصنيعها دولياً. نهب فوق الخيال، وتبذير استعاذت منه الشياطين، ما الذي استفادته السعودية من وراء هذه الأموال التي تم تبذيرها في هذه الصفقات، في حرب الخليج عثر على أسلحة سعودية رميها خيراً من صيانتها، حتى التدريب الذي صرف عليه بلايين الدولارات لم يأت بأية فائدة، خاصة إذا علمنا أن أول طائرتين تم اسقاطهما في حرب الخليج من قبل الدفاع السعودي كانتا طائرتين بحرينيتين، أي نيران صديقة.. نيران صديقة قل من نجى منها. سموها آل سعود (اليمامة) وقالت صاحبة العطاء والراشية شركة بي .أيه.ي سيستمز عن نفسها وعلى موقعها الرسمي: أنها جعلت من العالم أكثر أمناً .. وأقول أنها جعلت منا أكبر مسخرة تاريخية!!.ولله الأمر من قبل ومن بعد.

الصفحة السابقة