حدث في مملكة آل سعود

عدو الحريّات المدنية ناطقاً باسمها

خاشقجي، لماذا كرّمه نايف؟

وزارات الداخلية عدوٌ للحريّات، وهي في كل الدنيا تقريباً أكثر من ينتهكها، وأكثر الوزارات إلحاحاً على توسيع رقعة نفوذها بحجة الأمن ومواجهة التطرف والإرهاب.

فكيف يستوي أن يصبح وزير الداخلية مسؤولاً أول عن الإعلام كما في السعودية؟ الأمير نايف، وزير الداخلية، وبالرغم من إلغاء منصب (المجلس الأعلى للإعلام) الذي يشرف على كل الإعلام المسموع والمرئي، فإنه لايزال يواصل مهمته، باعتباره الرجل الأول للإعلام، حيث يحدد الخطوط العامّة له، بل وينظّر له وللإعلام الأهلي حتّى، وهكذا أصبح قرار الملك عبد الله بإلغاء ذلك المنصب، مجرد ورقة لا قيمة لها على أرض الواقع.

كيف يمكن تفهّم أو حتى فهم، أن وزيراً للداخلية، وتحت إمرته نحو 300 ألف موظف في كافة القطاعات الأمنية، يكون مسؤولاً أولاً للحج، بالرغم من وجود وزارة لها؟ بل ومسؤولاً عن الثقافة والعلم والدراسات العليا، بحيث لا يمكن أن يختار طالب الدراسات العليا مجال بحثه إلا بموافقة الداخلية، ولا يمكنه التطرّق لموضوع (سعودي) إلا بشرط أن يلتزم الحدود كما هي في بلد (المنشأ!) أي السعودية، وليس البلد الذي يدرس فيه الطالب. وهذا الأخير مطلوب منه أن يبلغ الملحقيات التعليمية، وجهاز المخابرات فيها، إن غيّر موضوع بحثه ودراسته، وعليه أيضاً أن يقدّم نسخاً من رسالة الدكتوراة مسبقاً لوزارة الداخلية.

هذا في الخارج فكيف في الداخل المسعود؟!

مؤخراً، وبالتحديد في الثامن من أبريل الجاري، افتتح نايف المنتدى الرابع للجمعية السعودية للإعلام والاتصال، فكان النجم الأول لذلك اللقاء، وكان صوته أعلى من أي صوت، وحسب علمنا فإن الجمعية تتبع جامعة الرياض، لكنها مرتبطة بالداخلية برجالها ومسؤوليها، ولذا لا غرابة أن تصبح الجمعية مجرد بوق وصدى للحكومة نفسها، من خلال ما يكتبه رئيس الجمعية من مقالات بين الفينة والأخرى. حيث يتضح أن الهدف ليس توسيع هامش الحرية الإعلامية داخل المملكة، بل بكيفية التصدّي للإعلام المضادّ للحكومة داخل وخارج المملكة.

في ذلك المنتدى، ألقى نايف، الملك السعودي غير المتوّج، كلمة توجيهية للأكاديميين والإعلاميين، وخلط توجيهاته بين الموضوع الأمني والإعلامي، وكأنهما شيء واحدٌ، فوزارة الداخلية ومسؤولوها يرون الإعلام كما قضايا ثقافية واقتصادية واجتماعية من زاوية أمنية محضة.

ومن المخجل، أن يتولّى وزير الداخلية تكريم أحد الصحافيين، سبق للجناح السديري وفي مقدمته نايف أن أقاله من رئاسة تحرير جريدة الوطن، وهو جمال خاشقجي، الذي استضافه للعمل في الخارج تركي الفيصل في لندن أولاً ثم في واشنطن، وحين استقال السيد من سفارة واشنطن، عاد صاحبه الى صحيفة الوطن مجدداً ومكرّماً!

السؤال: لماذا يحتفي وزير الداخلية، وليس وزير الثقافة أو وزير الإعلام بالخاشقجي، ؟!

وفي ذلك اللقاء سُئل وزير الداخلية الذي منح منصب الرئيس الفخري للجمعية السعودية للإعلام عن موضوع (الفصل) بين الإعلام الرسمي والإعلام الأهلي، من جهة تعاطي الحكومة معهما. فالمؤسسات الأهلية تتبع القطاع الخاص، وتمثّل ملاكها وقوى اجتماعية (أو هكذا يفترض) بينما الإعلام الحكومي يمثل الحكومة، فكيف يمكن إدارتهما بنفس السياسة والعقلية؟ نايف قال: (لا يمكن أن يفصل بين الإعلام الرسمي والإعلام الخاص، فكلاها وجد من أجل أن يخدم العمل الوطني، وكلاهما مكمل للآخر ويجب على الجهات الرسمية أن تضع الصيغة الحقيقية لدى الإعلاميين بحقائقها) وتابع: (نرجو من الإعلام الأهلي أو الخاص أن يتلمس الحقائق وألا يتعجل في نشر الخبر أو المعلومة قبل أن يتأكد من صحتها). المعنى النهائي لكلام الأمير، إن الحكومة تتعاطى مع الإعلام الخاص بنفس السياسة، وبنفس الضوابط، وليس له حرية أكثر، وأنه يجب أن يلتزم برأي الحكومة وتوجهاتها الداخلية والخارجية، وكلا الإعلامين وجدا لخدمة العائلة المالكة.

في الموضوع الأمني، رأى نايف أن خطر المحرضين على الفكر الضال أكثر خطرا من القائمين بالفعل نفسه، ويجب أن يعاقبوا. وأكد بأن هناك بعض من يدعون الانتماء إلى الفكر الإسلامي ويقومون بتشويه الإسلام وصورته والإسلام منهم براء. حسنٌ، إذن لماذا هذا التحالف الوثيق بين وزارة الداخلية ومشايخ الوهابية والتطرّف؟ ولماذا تداوم على استخدامهم لمصالحها في إقناع المتطرفين وترويضهم؟ ولماذا تزاد ميزانية التطرّف الوهابي في عشرات المؤسسات؟ ولماذا نرى أن نايف أكثر التصاقاً من أي أميرٍ آخر بالتحالف مع الوهابية وتبنّي خطابها، حتى ليكاد يحسب شيخاً من شيوخها؟!

وفي الحوار ذاك، كشف نايف بأن هناك تعاوناً أمنياً مع العراق، وتمنّى (تقوية أجهزة الأمن العراقية حتى يسود الأمن وكذلك حتى يسهل التعاون الأمني). وأبدى نايف خشيته من أن العراق (أصبح مكاناً لتدريب الإرهابيين وقد يكون هناك إرهابيون يتدربون في تلك الأماكن). تجدر الإشارة الى أن السعودية تخشى عودة أبنائها الوهابيين من جماعة القاعدة من العراق، بعد أن تمّ تشجيعهم للذهاب الى هناك من قبل المشايخ بدعوى الجهاد.

الصفحة السابقة