غرضه الإطاحة بآل سعود

إنه انقلاب شامل أيها السادة!

خالد شبكشي

القلق شديد من إعلان الداخلية السعودية إعتقال 172 شخصاً على خلفية (الإرهاب)!

لم تكن هذه العملية الأولى من نوعها، فقد سبقتها عمليات وقوائم أسماء مطلوبين وغير ذلك.

صحيح أن العدد هذه المرّة كبير جداً بالقياس الى الأرقام السابقة. لكن أمراً أكبر أشاع القلق بين المواطنين والنخب المثقفة مجرد إعلان بيان الداخلية بيانها.

فالمسألة بَدَتْ وكأنّها أكثر من عملية (إرهابية) طائشة، اعتدنا على أمثالها، تصيب مدنيين في مجمعات سكنية، أو عمليات خطف واغتيال تصيب أجانب استهدفوا وفق شعار (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)، أو محاولة إصابة أهداف مدنية/ اقتصادية مثل الذي حدث في أبقيق، والتي كان سبب فشلها تافهاً، ولو نجحت لهزّت السعودية والعالم، على الأقل اقتصادياً!

كان بيان الداخلية (المقلق) يوحي بشيء أكبر من هذا كله مجتمعاً!

فالخلايا الإرهابية التي أُعلن عن استئصالها والقضاء عليها، والترويج للنجاح المثير للداخلية السعودية، لم يكن سوى نجاح مزعوم ومؤقت. فكان الخبر مفاجأة غير سارّة، وإن زُعم أن النجاح للداخلية بالقاء القبض على المائة والإثنين والسبعين كان خبراً مفرحاً!

الإعلان الأخير لم يكن عن واحدة من تلك الخلايا التائهة في أهدافها وخططها وممارساتها.

فقد كان هناك سبع خلايا دفعة واحدة. بل سبع مجموعات تضم عدداً كبيراً من الخلايا، وكل مجموعة تمثّل تنظيماً أو جناحاً من تنظيم.

ولم تكن بعض هذه الخلايا بتلك السذاجة التي اعتقد الجميع أنها أصبحت وصمة ولطخة التصقت بكل خلايا العنف في المملكة. بل على العكس من ذلك، فإن ما يوحي به بيان الداخلية يؤكد أن الخلايا الجديدة هي من التعقيد والنشاط والذكاء والطموح ما يفوق تحركات معارضة مرت بتاريخ السعودية الحديث.

ما يشي به بيان الداخلية السعودية، هو أننا أمام انقلاب عسكري/ عنفي يستخدم كل الوسائل المتاحة للإطاحة بالحكم السعودي.

لم يكن الغرض قتل (مدنيين) عاديين كما تزعم السلطات السعودية.. بل الغرض هو استهداف رموز الحكم وقتلهم والسيطرة بالتالي على السلطة كاملة.

ولم يكن الغرض (التدمير من أجل التدمير) كما يشي المخطط الذي أعلنت الحكومة جزءً من تفاصيله، بل الغرض القيام بضربات متزامنة ومتتالية لعدّة أهداف تشغل بال العائلة المالكة، والأميركيين، ريثما تسفر النهاية عن استقرار لصالح (السلطة الوليدة والجديدة).

لأول مرّة، يُعلن بيان الداخلية عن مبايعة (شخص/ قائد) عند الكعبة، منذ حركة جهيمان. وهذه البيعة حازت من الإثارة الشيء الكثير، حتى أن المفتي أصدر بياناً خاصاً بشأنها. فماذا تعني البيعة؟!

إنها تعني بالتحديد أن القائد الجديد هو البديل لحكم آل سعود ورجالهم. وأن الجماعة تستهدف رأس الحكم والقضاء عليه، وليس عمليات انتحارية طائشة ـ كما يوحي بيان الداخلية ـ غبيّة شهدنا أمثالها في داخل السعودية وخارجها.

إنها تعني وجود قيادة محليّة، وليس قيادة ابن لادن أو غيره ممن يقطنون في كهوف أفغانستان.

وإنها تعني أن المخطط أكبر بكثير مما أعلنته وزارة الداخلية، وإن كان ما أُعلن ليس قليلاً على أية حال.

نحن أمام مشهد انقلاب شامل، بعد ما يقارب من ربع قرن من آخر انقلاب عسكري وقع في السعودية.

وسمات هذا الإنقلاب تختلف عن الإنقلابات التي شهدتها السعودية منذ الأربعينيات الميلادية من القرن الماضي. وسوف نناقش هذا الأمر في مكان آخر من هذا العدد.

ومع هذا، لا تستطيع الحكومة السعودية أن تعترف بأن ما جرى هو انقلاب، ولم يعهد عنها انها اعترفت من قبل بوقوع انقلابات عسكرية فاشلة.

لم تستطع الداخلية أن تخبئ المعلومة كثيراً، فأظهرت جزءً منها، الجزء الذي يكشف عن بعض القضية وليس كلها، ليس لدوافع أمنية محضة، حيث أن القضية لم تنته بعد ولازال يتبعها الكثير من الذيول، بل وأيضاً لدوافع سيكولوجية وإعلامية وسياسية.

بيد أن اللبيب بالإشارة يفهم. وهذا ما دفع البعض للحديث عن مخطط أوسع من ذي قبل، مخطط يستهدف نظام آل سعود من جذوره، وليس القيام بعملية هنا وأخرى فاشلة هناك.

لكن الطابع العام الذي أخذته الصحافة وكتابها المحليون، هو إبداء القلق من المخطط الواسع هذا، دون تسميته بأنه انقلاب، وراح البعض يعيد إنتاج ما كتب قبل ثلاثة أعوام حول (الظاهرة الإرهابية) جذورها وأسبابها ونتائجها وكيفية مواجهتها.

أيها السادة..

لسنا أمام ظاهرة إرهابية، فلو نجح المخطط، لصار في السعودية نظام سياسي جديد وحكام جدد كانوا قبل الفشل يوصمون بالإرهاب. والأقرب أن الحاكم الجديد لن يتسمّى بأمير المؤمنين، ولربما اختار لقباً أقرب الى العلمانية منه الى الإسلام، ولوجد من يصفّق ويؤيد.

كلا.. لسنا أمام ظاهرة إرهابية.

بل نحن أمام انقلاب سياسي/ عسكري شامل بكل ما يحمل من معنى، يستهدف تغيير البنى السياسية والإجتماعية الثقافية.

هذا يعني أنه يجب معالجة الموضوع بأبعد من معالجة (ظاهرة عنف أو إرهاب) عادية.

المسألة تحتاج الى نقاش سياسي، وليس الى نقاش فكري/ ديني. فليس كل ما أُعلن عنه مؤخراً هو من جنس العمليات السابقة التي قام بها تنظيم القاعدة.

إننا أمام فكر جديد وتطور جديد وأهداف جديدة.

والسؤال الذي يجب أن تجيب عليه النخب، هو:

هل تغيير النظام السياسي السعودي بالقوّة التي يؤمن بها يمنحه الشرعية فيما لو نجح، أسوة بالقوة التي أوصلت آل سعود الى الحكم، وبذات الشعارات الدينية، ولتحقيق نفس الغايات؟!

الصفحة السابقة