قراءة في بيان الداخلية السعودي

سيناريو الإنقلاب العسكري من البيان الرسمي الأول

يحي مفتي

بيان وزارة الداخلية الذي أُعلن يوم السابع والعشرين من أبريل الماضي كان مفزعاً للبعض، فقد وجد فيه انقلاباً عسكرياً، أو على أقل تقدير أن خلايا منفصلة أو تنتمي الى القاعدة تطورت في أهدافها الى حدّ إسقاط نظام الحكم، في حين كان المجتمع السعودي سادرٌ ونائم على أنغام الحكومة التي تقول أنها قضت على معظم قوة (الفئة الضالّة) او (المغرّر بها).

ماذا يقول بيان وزارة الداخلية؟!

يتحدث بيان وزارة الداخلية ـ آنف الذكر ـ عن سبع خلايا، وكأنها منفصلة عن بعضها البعض، ويبدو أن بعضها منفصل فعلاً عن المجرى العام للتنظيم الذي استهدف الإطاحة بالحكم السعودي. فقد كشفت معلومات نشرت في الصحافة المحليّة نقلاً عن مسؤولين أمنيين، أن التنظيم الأساس كان يتضمن أكثر من خلية، أو اكثر من خط تنظيمي، بحيث تكون تلك الخطوط التنظيمية منفصلة عن بعضها البعض.

لم يقل البيان الحكومي صراحة أن التنظيم يتبع تنظيم القاعدة، وإن طبّقت عليه ذات المواصفات والصفات التي تلصق بالخلايا السابقة لتنظيم القاعدة. وعدم التحديد هذا، مضلّل، حيث تستخدم الداخلية المخزون التراكمي من الصفات والتنميط لتلصقها بأية تحرّك جديد حتى وإن كان مختلفاً. بل أن الحكومة ألصقت صفات الضلال والإرهاب بإصلاحيين معروفين بأنهم ضد القاعدة والعنف عامة، مستفيدة من ذلك المخزون التراكمي والذاكرة التي صنعتها الحكومة ضد العنف.

الخلايا الأساس للتنظيم، وردت في البيان على النحو التالي: (أولاً ـ بتوفيق من الله، ومن خلال عمليات استباقية نفذت بشكل متزامن، تمّ القبض على خلايا متفرقة كانت على وشك الانطلاق، يبلغ تعداد عناصرها واحداً وستين، غالبهم من السعوديين.. حيث قام البعض منهم بمبايعة من يتزعمهم عند الكعبة المشرفة على السمع والطاعة وتنفيذ جميع أوامره، وقد شرع في تدريبهم وتجهيزهم، وذلك من خلال رفع لياقتهم البدنيّة، والتدريب على استعمال السلاح، وإرسال البعض منهم إلى بلدان أخرى لدراسة الطيران تمهيداً لاستخدامهم في تنفيذ عمليات إرهابية داخل المملكة.. وقد تبين أن من أبرز أهدافهم القيام بهجمات إنتحارية ضد شخصيات عامة ومنشآت نفطية ومصافٍ بتروليّة، واستهداف قواعد عسكرية في الداخل والخارج).

يبدو أن هذه هي المجموعة الرئيسية والأهم للتنظيم الإنقلابي، الذي كان قاب قوسين أو أدنى من تنفيذ عملياته، أو حسب التعبير الرسمي (على وشك الإنطلاق). ومن الواضح أن عمر التنظيم ليس صغيراً (على الأقل خمس سنوات). ومن الواضح ثالثاً، أن الإستهدافات متعددة: مصاف ومنشآت نفطية، اغتيال مسؤولين، ضرب قواعد عسكرية. فمن له هذه القدرة التي على وشك أن تنطلق أن يقوم بكل هذا؟

إما أن الحكومة تبالغ في الأمر، أو أن الأمر صحيح، وهذا يعني أن الحكومة لم تكشف كامل الحقيقة. وهذا هو الأقرب.

إن 61 شخصاً لا يمكن أن يقوموا بكل هذا العمل، فلا بدّ أن يكون هناك عشرات أو مئات غيرهم.

لنتخيل ماذا يعنيه قول البيان الرسمي: (استهداف قواعد عسكرية في الداخل والخارج). لنترك الخارج جانباً لبرهة، ولنركز على الداخل. كيف سيكون ذلكم الإستهداف؟ لو كانت أميركا ستقوم بالعمل، لقلنا أنها ستضرب القاعدة بقنابل ضخمة تلقيها قاذفات بي ـ 52، أو ستنطلق طائرات أف 18 أو غيرها لتغير على الطائرات وعلى المنشآت العسكرية وتدمرها كما تدمر الدفاعات الجوية.

لكن هؤلاء المعنيين لا يمتلكون قاذفات عملاقة ولا طائرات عسكرية، وإن أشار البيان أنهم تدرّبوا على قيادة طائرات، قد تكون مدنيّة. كما أنهم لا يمتكلون مدفعية ثقيلة، ولا دبابات، فماذا ترى عساهم فاعلين؟

واضح أن البيان الرسمي لم يقل لنا أن بين المعتقلين الـ 61 على الأقل ضباط وعسكريون. لكن من الواضح أن استهداف القواعد العسكرية يثبت أن التنظيم نجح في التمدّد الى الجيش، وربما الحرس الوطني، الذي هو قوة قد تبدو هامشية في هذا المضمار.

الأقرب للتصوّر، أن التنظيم غير المسمّى، أو الخلايا المتعددة، كانت على أهبة الإستعداد للسيطرة على القواعد العسكرية، أو في الحدّ الأدنى أحدها أو بعضها. ويبدو أيضاً أن المستهدف هو قاعدة (الظهران الجوية) التي شهدت أكثر من مرة محاولات انقلابية عسكرية.

أيضاً، فإن لنا أن نستنتج بأن التنظيم كسب قيادات كبرى في تلك القاعدة الجوية، وليس مجرد ضباطاً صغاراً. ومن المرجح جداً أن بينهم طيارين يمكن أن يقوموا بعمليات قصف لأماكن محددة: قصور ملكية، ومنشآت ومصاف نفطية، خاصة وأن الحكومة ـ كتابها ـ تتحدث بأنه من (المستحيل) اختراق الإجراءات الأمنية المنتشرة والمحيطة بتلك المنشآت النفطية. وبالتالي فإن الأقرب للذهن، هو أن المخططين كانوا يسعون الى استخدام الطيران العسكري، المترادف مع الطيران المدني الإنتحاري الذي تدرّب عليه المخططون، في عمليات القصف، التي قد تشمل منشآت عسكرية للحرس الوطني إذا ما تحرّك للقيام بـ(انقلاب مضاد) أو مهاجمة القسم الموالي لآل سعود في القواعد العسكرية.

من البديهي جداً لعمل كبير كهذا يستهدف السيطرة على السلطة، أن يقوم بالقضاء على العائلة المالكة، أو رؤوسها، فضلاً عن بعض كبار مؤيديها من العامّة، كرجال دين من الوزن الكبير الذين يمنحون الشرعية للحكم السعودي، ورجال أمن استراتيجيين يقوم عماد وزارة الداخلية عليهم، ورجال إعلام اعتادوا على دعم مشروع العائلة المالكة وتبرير ممارساتها المختلفة.

لهذا ذكر البيان: (القيام بهجمات انتحارية ضدّ شخصيات عامّة). لم يقل البيان: (إغتيالات) وهو أقرب الى الذهن، فالأفراد يتم اغتيالهم بالرصاص. ولكن يبدو أن المستهدف الأساس هم رجال العائلة المالكة الكبار المتحصنين بجيوش من أفراد الحماية، وبالتالي فإن التعرّض لهم في عملية ناجحة تستدعي عمليات انتحارية تصيب ولو من بعد الشخصية المستهدفة. ولم يشر البيان الى أن المستهدف هم الأمراء، بل جرى استخدام عبارة محسّنة وهي (شخصيات عامة) التي تعني ـ في بلد كالسعودية ـ نفس الأمر.

بيد أن استهداف الأمراء الكبار يتطلّب عملاً ضخماً، ومن الصعب تنفيذ عدّة عمليات في آن واحد.

لذا، فإن الجملة التي قصدها البيان (القيام بهجمات انتحارية ضدّ شخصيات عامة) تشير بصورة أقرب ـ الى الحقيقة ـ الى مهاجمة الأمراء في أحد تجمعاتهم، والأقرب هو اقتحام مجلس الوزراء وقتل الملك وولي عهده وكبار الأمراء والوزراء. فهذا الهدف يتطلّب عملية انتحارية أو أكثر، يقتحم بعدها جمعٌ من المنفذين المجلس ويقتلون الملك وولي عهده ووزير الداخلية وغيرهم.

أما استهداف قواعد عسكرية خارجية، والتي وردت في البيان: (استهداف قواعد عسكرية في الداخل والخارج) فهي تثير التساؤل العنيف جدّاً جدّاً. فهل كان إقحام الخارج تهويلاً مفتعلاً من وزارة الداخلية؟ ليس أي خارج، بل قواعد عسكرية خارجية؟ ترى أية قواعد وفي أية دولة، ولماذا؟

أحسبُ أن هذه أسئلة لم يتوقف عندها كثيرون. لأن الصورة العامة للإنقلاب لم تتوضّح في الأذهان بعد.

واضحٌ جدّاً، أن المخططين كانوا يتوقعون عوناً عسكرياً أميركياً للعائلة المالكة لمواجهة المأزق الذي قد تتعرّض له، فتطلب على إثره العون الخارجي، كما حدث في قضية جهيمان في نوفمبر 1979، وبالتالي افترض المخططون أن يقوم الأميركيون بقصف قاعدة الظهران العسكرية في حال الإستيلاء عليها، والتصدّي للطائرات المنطلقة منها، لذا أرادوا مفاجأة الخصم في عقر داره وإشغاله بنفسه قبل أن يتوجّه إلى المخططين. الأرجح أن المقصود بالقواعد العسكرية الخارجية، هي القواعد الأميركية في البحرين والكويت وقطر، أو أحدها على الأقل.

أمّا تمويل هذه المجموعة الإنقلابية الأساسية، فقد أشار بيان الداخلية الى أن زعيم التنظيم الذي تمت البيعة له (عمل على جمع مبالغ مالية طائلة من عدد كبير من الأشخاص الذين غرّر بهم بحجة استثمار هذه المبالغ في شركات وهمية). وهذا القول يكشف عن حقيقة أن لا وجود دور تمويلي من قبل دول خارجية للإنقلاب، وأن التنظيم الإنقلابي اعتمد على الإستثمار المحلّي ضمن تخطيط متقن لتمويل نشاطاته. أما أن الشركات التي أُسست وهمية، كما يقول بيان وزارة الداخلية، فذلك لا يمكن القطع به، لأنّ دقّة التخطيط تستدعي عكس ذلك تماماً، ولكن البيان الحكومي أراد أن يقول بأن زعماء الإنقلاب غير مؤتمنين على أموال الناس، وأنهم يأكلونها بالباطل. مع هذا تجدر الملاحظة هنا، بأن العشرين مليوناً من الريالات التي وجدت بحوزة إحدى الخلايا، لا علاقة لها ـ حسب البيان الحكومي ـ بهذا التنظيم. وإذا كان البعض قد دُهشوا لضخامة المبلغ لدى تلك الخليّة، فإن دهشتهم ستتضاعف أكثر لو نشرت الحكومة حجم الأموال والإستثمارات التي لدى هذا التنظيم ذي الـ61 عنصراً، كما تقول الحكومة. فالهدف الكبير الذي يطمحون إليه، والتدريب المطلوب منهم على الطائرات وغير ذلك، والحركة الدائبة والمعسكرات التي أشار اليها البيان، لا بدّ وأنها تحتاج الى الملايين من الدولارات وليس الريالات.

أسئلة لم يجب عليها البيان

البيان حاول الإجمال دون التفصيل، والتعميم بدل التدقيق، فهو بيان لم يكشف عن أيّة أسماء او هويات للقائمين على الإنقلاب أو تلك الخلايا الأخرى التي يحتمل أن يكون بعضها مرتبط بالإنقلابيين. كل ما قيل أنهم سعوديون مع بعض الأجانب. وهؤلاء الأخيرون اعتادوا أن يكونوا شماعة لدى الداخلية، فما أسهل أن يلقى باللوم على الخارج وتبرئة الذات، وما أسهل أن يقال بأن الفكر الإرهابي المتطرف جاء من الخارج، وخطط له من الخارج.

غير العدد لا شيء يكشف عن الهوية.

لم تحدد بالضبط الأماكن التي قبض فيها على المتهمين الـ 172 شخصاً. في أي مدينة أو منطقة لا نعلم. الشيء الذي ذكر في وسائل الإعلام ـ دون تأكيد أو نفي رسمي ـ هي أن الخلايا الإنقلابية الأساسية كان مركزها المنطقة الشرقية، وبالتحديد في مدينة الخبر، التي لا تبعد سوى كيلومترات عن الظهران والدمام، بل لا تبعد عن البحرين سوى دقائق معدودة بالسيارة.

نعم أشار البيان الى أن معتقلين من إحدى الخلايا السبع الأساسية هم من مناطق مختلفة من المملكة، ولكن هذه معلومة لا تفيد ولا تضرّ! فيما لم تجر الإشارة الى المنطقة التي اعتقل فيها تنظيم الـ 61.

حتى زعيم الإنقلاب، القائد الذي تمت مبايعته عند الكعبة، لم يذكر إسمه، وقد لا يكون هو القائد فعلاً، بل قد يحتمل أنه لم يعتقل أصلاً، وإنما جرى تسريب الخبر لإقناع الأفراد الآخرين في التنظيم بأن مخططهم قد انهار كليّاً.

والبيان لم يذكر أيضاً متى اعتقل هؤلاء الـ 172 شخصاً. هل اعتقلوا في وقت واحد أم على دفعات وفي أوقات مختلفة، وهو ما رجحته مصادر غربية في مقالات منشورة. إن معرفة توقيت الإعتقالات يبيّن ما إذا كانت الحكومة اعتقلت (جميع) أو (أكثر) المتورطين من عدمه. ولكن الأرجح فيما يتعلق بالخلايا (الإنقلابية) الرئيسية، أن العدد الذي تمّ اعتقاله صغير جداً بالقياس الى حجم العملية والمخطط. وإن النجاح الذي روّجت له وسائل الإعلام المحليّة في ضرب (الفئة الضالّة) لا يعدو أن يكون نجاحاً جزئياً، حيث ـ وهذا هو المرجح أن يكون ـ هرب معظم أفراد وقيادات التنظيم وتواروا عن الأنظار. ففي مخططات ضخمة كهذه، لا بدّ أن يكون المخططون قد وضعوا في حساباتهم إمكانية انكشافهم، وبالتالي فإن بدائل للهرب أو القيام بعمليات استباقية أخرى قد تكون في الطريق.

قد يحتاج الأمر الى أسابيع أو بضعة أشهر، لنعرف ما إذا كانت عملية وزارة الداخلية التي قالت أنها (استباقية) قد نجحت أم لا. فإذا مضت الأشهر القادمة بدون اعتقالات جديدة، وبدون وقوع حوادث ومواجهات وبدون إنقلاب جديد ربما، فإن مزاعم وزارة الداخلية تكون قد صدقت. أما الآن، وحسب المعطيات الحاضرة من وزارة الداخلية نفسها، فإن من شبه المؤكد أن هناك عشرات الأسماء على قوائم وزارة الداخلية التي قد تعلن عن بعضها لاحقاً، كما يرجح مراقبون.

خلايا أخرى

بيان وزارة الداخلية أشار الى سبع خلايا رئيسية (تنظيمات أو فروع منها)، تطرّقنا حتى الآن الى خلية واحدة منها هي الأولى ذات الـ 61 شخصاً.

البيان أشار الى الخلية (الخامسة) على هذا النحو: (ضبط تسعة من السعوديين يتخذون من إحدى محافظات المملكة مقراً لممارسة أنشطتهم، ومنها نشر الفكر الضالّ، ودعم الأنشطة الإرهابية في الداخل والخارج، واستهداف المنشآت النفطية، والتهيئة لذلك عن طريق تخزين الأسلحة ودفنها في منطقة بريّة قريبة من مواقع تلك الاهداف).

هذه الخليّة، قد تكون مرتبطة بالخليّة الأولى، عبر رئيس التنظيم. فهناك حديث عن إحدى محافظات المملكة، وهو ما يرجح ان المقصود محافظة الخبر. ثم إن هناك نفس الأهداف تقريباً، خاصة استهداف المنشآت النفطية. زد على ذلك أن الصور التي نشرتها الحكومة، فيما يتعلق بتخزين الأسلحة، تشير الى أنها قريبة من الظهران/ الخبر، وبالتحديد قريبة من موقع شاطئ نصف القمر السياحي. لكننا لا ندرك على وجه الدقّة، متى التقطت الصور، فقد يكون عمرها شهوراً، وهي على أية حال أسلحة خفيفة متوافرة في السعودية طولاً وعرضاً!

أما تهمة (نشر الفكر الضالّ) التي وجهها البيان لهذه المجموعة، فهي تهمة معيبة. فالفكر ليس ضالاً، بمعنى من المعاني، خاصة وأن البيان لم يوضّح ماهيّة هذا الفكر الضالّ. نحسب أن المعني بالفكر الضالّ، هو الفكر الديني/ الوهابي بالتحديد، الذي يحرّض ضد حكم العائلة المالكة. وكان الأجدر إطلاق تهمة (التحريض على العنف) إن كان المستهدف به هو المدنيين، أما إذا اتخذ طريقه للسلطة السياسية، فحينها يتغيّر الأمر لأن الأرضية المختلف حولها ليس فكراً، بل صراعاً سياسياً على السلطة. وفي الصراع يجوز فيه ما لا يجوز في غيره، خاصة إذا ما سدّت أبواب التغيير السلمي.

الخلية (السابعة)، وحسب توصيف البيان الرسمي للداخلية، هي أقرب ما تكون لنهج القاعدة المتعارف عليه في المملكة. حيث العمليات الجزئية التي عادة ما تنفذ بكثير من الأخطاء، والتي لا تؤثر ولا تستهدف السلطة السياسية ومشروعية الحكم، بقدر ما تشكل تحدياً أمنيّاً للحكم.. وبالتالي فخطرها قليل على النظام السياسي، وإن كان فعلها يمتلك دويّاً إعلامياً. يقول البيان عن هذه الخلية التالي: (القبض على خمسة أشخاص ممن تورطوا في الاعتداء على معامل بقيق الصناعية بتاريخ 25/1/1427هـ، حيث قام أحدهم بتصوير العملية، والمشاركة في إطلاق النار في الموقع، أمّا البقيّة فقد تنوّعت أدوارهم بين الإستطلاع والتجهيز والتستر على مرتكبي ذلك الاعتداء الآثم. ومن خلال كشف هذه الخلايا والقبض على عناصرها تمّ ضبط أسلحة متنوّعة ومتعددة، وأموال بلغت أكثر من عشرين مليون ريال، ووثائق ووسائل اتصال، وأجهزة حواسيب، ووسائط إلكترونية تفصح عن الفكر الذي يحمله هؤلاء، وتكشف عن أهدافهم الإجرامية).

نلاحظ هنا تفصيلاً حكومياً في المعلومات بشأن هذه المجموعة، ربما لان التحقيقات قد استكملت، ولأن خطر هذه المجموعة أقلّ أهميّة من المجموعة الأولى. هذا يعني فيما يعنيه، أن اعتقال هؤلاء سبق اعتقال المجموعة الأولى، ومن الواضح أنه لا علاقة لهم بها، رغم أنهم قاموا بعملهم في المنطقة الشرقية (مدينة أبقيق).

ويلفت النظر حقيقة أن خلية من خمسة أفراد كان بيدها عشرين مليون ريال للتحرك والقيام بأعمال عنف، الأمر الذي جرى التركيز عليه من قبل بعض الكتاب والمعلقين. فكيف بتنظيم طويل عريض يستهدف استئصال الحكم السعودي من جذوره؟! أيضاً يلاحظ بأن ما ضبط من أدوات وأجهزة تعطي الإنطباع بأن هذه المجموعة تعمل على حاشية الصدام مع الأجهزة الأمنية، وليس لديها طموح لإسقاط النظام، بل القيام بأعمال عنف تهزّ صورة النظام.. وهذا هو الطابع العام لخلايا القاعدة في السعودية.

الخلية (السادسة) التي أشار اليها البيان في سطر واحد: (ضبط تسعة من المقيمين شكّلوا خليّة هدفها اقتحام أحد السجون في المملكة لاخراج الموقوفين من الفئة الضالة). المرجح هو أن المستهدف كان (سجن الرويس) بجدّة، وقيل أن المستهدف هو (سجن الحائر) بالرياض والذي يضمّ معظم المعتقلين السياسيين، خاصة أولئك المنتمين للتيارات القاعدية السلفية. بيد أن السؤال هو: لماذا أوكلت المهمة الى (مقيمين) وليس الى (مواطنين)؟ قيل أن المقيمين هم من الجنسية اليمنية، لكن هذا الأمر لم يتأكد رسمياً بعد. ولعلّ التواصل بين خلايا القاعدة في اليمن والسعودية أصبح كبيراً للغاية، حيث أقيمت معسكرات في اليمن، بالقرب من الحدود، لتدريب السعوديين القاعديين، ومن ثمّ إعادتهم الى السعودية من جديد. ويطفح بيان وزارة الداخلية الذي نناقشه هنا بالحديث عن معسكرات في الخارج، يُعتقد أنها معظمها ـ إن لم يكن كلها ـ يقصد به معسكرات مقامة على الأراضي اليمنية. ولعل اختيار يمنيين لمهاجمة سجن الحائر دلالة واضحة على التنسيق بين الأطراف الخارجية والداخلية. ولا ننسى أن عناصر من المغرب العربي شاركت القاعدة السعودية العديد من الهجمات وقادت توجهات تنظيم قاعدة السعودية في السنوات الماضية.

الخلية أو المجموعة الثانية، التي تحدث عنها البيان السعودي شملت (59 عنصراً من السعوديين والمقيمين تنتشر في مناطق عدة من المملكة، وترتبط بمعسكرات وتنظيمات فكرية خارجية، وينتهج أعضاؤها الفكر التكفيري تجاه الشعوب والحكومات والقيادات العربية والإسلامية، كما تقوم بإرسال من يتم التغرير بهم إلى معسكرات تدريب خارجية، وتمويلها، وذلك للمشاركة في الصراعات الإقليمية، ومن ثم تسهيل عودتهم إلى المملكة لتنفيذ مخططاتهم الاجرامية). واضح أن هذه الخلية نموذج لخلايا القاعدة في أماكن عديدة من المملكة والعالم، هدفها رفد القاعدة في العراق خاصة بالمقاتلين المتدربين.. والتهمة هنا: هو التحريض على القتال في العراق، واحتمال القيام بأعمال عنف في مرحلة لاحقة ضد الحكومة السعودية نفسها.

وأخيراً بقيت هنالك مجموعتان (الثالثة والرابعة) أشار اليهما البيان السعودي، الخلية الثالثة تشمل 16 عنصراً معظمهم من السعوديين (قاموا بتكوين خلية وهم خارج المملكة، ومن ثمّ التخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية في المملكة.. كما شرعوا في التخطيط لعمليات في بلدان أخرى). يرجح أن هذه الخلية تتبع الخلية الأولى، وهم يشكلون عنصر تدريب لها، وكذلك عنصر اتصال بالخارج، خاصة مع ابن لادن ومع قاعدة العراق.

اما المجموعة الرابعة فشملت القبض على 13 عنصراً من السعوديين والمقيمين (ممن ينتهجون الفكر التكفيري ويعملون على تأسيس تنظيم يعمل على نشر الفوضى في بلد مجاور ليكون بيئة مناسبة لأنشطتهم، ومن ثم الانطلاق بعدها لمهاجمة أهداف داخل المملكة وخارجها). وهذه إحدى خلايا القاعدة في السعودية والتي تنشط لدعم القاعدة في العراق ورفدها بالمال والرجال، فهذه أجندتها الرئيسية حسب الرواية الحكومية.

الصفحة السابقة