من يضطهد من؟

المضطَهدون الوهابيون!

محمد الأنصاري

النجديون من ذوي (عقيدة التوحيد الصافية) مضطهدون دائماً!

هذا ما يقولونه ويشعرون به حقاً!، وهو ما أدى الى شياع عقدة الإضطهاد عندهم.

فالعالم كلّه يتآمر على (عقيدتهم الصافية/ الوهابية)!

والعالم كلّه (يعلم حق العلم!) أنهم ـ أي الوهابيين ـ وحدهم من يتمسك بالإسلام (الصحيح!).

وأنهم وحدهم دونما سواهم من يخيف العدو (الصهيوني والأميركي). أما البقية فمتآمرون، أو من ذوي العقائد الضالّة ـ بمن فيهم حماس وحزب الله ـ الذين (لن) يكتب الله النجاح والفلاح لهم، لا في الدنيا ولا في الآخرة!

كما أنهم وحدهم من يفهم (السياسة الشرعية) وتطبيقاتها من أجل الحفاظ على (مصلحة الأمّة)!

وفق هذه الرؤية المترتبة على تلك المشاعر الراسخة في نفوس (أهل التوحيد).. يتناسى هؤلاء، كما قيادتهم السعودية السياسية، أن العالم كلّه يشكو من جورهم، وأنهم باتوا يهددون أكثر الدول العربية بالعنف الذي نقلوه اليهم، كما الفكر العنفي المتطرف الذي يمزّق النسيج الإجتماعي فيها.

مَن يضطهد مَن؟

من الذي يرسل الأموال لتدعيم فكر التطرف والعنف والجماعات المتطرفة؟

من يرسل مقاتليه الى دول العالم ويعتبر أن لديه مهمة كونية في إصلاحها بالقوة؟

من يقوم بالتفجير والعنف والعمليات الإنتحارية في أكثر من بلد عربي، ومن الذي يترأسها؟

من يرسل الكتب والمطويات والأشرطة ويدير شبكات عديدة على الإنترنت تحرّض على الفتن والقتل؟

أليس هم (حماة الفضيلة، وأهل التوحيد النجدي)؟!

أليس هؤلاء هم آخر من يحق له مجرد الحديث عن المظلومية طالما هم من يبتدئ العنف ويصدره ويفرخه؟

والدولة السعودية نفسها، تقوم بمثل ما يقوم به مشايخها، فهي لها (مناحتها) الخاصة بها، وتقوم على مفردات: (المملكة مستهدفة) و (شعب المملكة محسود! على ما هو فيه من أمن ونعمة!) و(العالم يتآمر علينا: الأميركيون، الإيرانيون، الصهاينة! ودول الجوار أيضاً: قطر)!

وحين يجتمع الشعور بالقلق والتآمر الخارجي عند أقطاب السلطة النجديين، بسبب تنامي حسّ الأقليّة لديهم، وبسبب حيازتهم على كامل السلطة وهم لا يمثلون حتى مجرد ربع السكان، فإنهم يتضامنون على قاعدة الولاء الطائفي ـ السياسي. فآل سعود يدافعون عن جرائم الوهابية في الداخل والخارج (آخر نموذج في الداخل: قتل رجال الهيئة لأحد المواطنين؛ وفي الخارج: محاولات التعمية على دور السعودية في دعم فتح الإسلام ووجود سعوديين يقاتلون هناك، وهو ما أكده السفير السعودي الحجازي الأصل من جهة، ولكن نايف وزير الداخلية نفاه، وطالب بإرسال السعوديين المعتقلين في لبنان سريعاً الى الرياض، حرصاً منه على تغطية جرائم النظام السعودي ووهابيته).

أما ما يقوم به السعوديون في الخارج: العراق مثلاً، فيتم تناسيه، ويتهم آل سعود سوريا بتسهيل حركة الإنتحاريين الى العراق، في حين لا يسألون أنفسهم لماذا لم يستطيعوا ضبط آلاف من مواطنيهم للذهاب الى هناك، ومن الذي يحرض على ذلك، حيث لم يعتقل إلا بضعة أفراد بتهمة التحريض، وكلهم ينتمون الى القاعدة، ولكن الجسد الوهابي لم يمسّ بسوء، لا من مشايخه ولا من مؤسساته.

ولكن حين تقع أحداث عنف في السعودية، يأتي الإعلام الوهابي ليركز على أن أجنبياً ما شارك في العملية، ويُتهم الإخوان المسلمون بأنهم أساس البلاء وليس الوهابية، وأن المصيبة جاءت من فكر سيد قطب، وليس من فكر محمد بن عبدالوهاب! وهكذا يتم تحميل الخارج مسؤولية فشل النظام ووهابيته في الداخل، ولفت النظر الى جهة غير تلك التي تتحمل المسؤولية.

الآن ونحن على أبواب الصيف، والصيف تمثل فترة خصب للقاعدة وللوهابية عامة، حيث يتدافع الوهابيون للتبليغ لمعتقدهم وتطرفهم في أصقاع مختلفة من العالم، وهناك برامج سنوية تعد للغرض، يساهم فيها خريجو (الجامعة الإسلامية) بالمدينة المنورة، ويتم تمويل كل العمل الدعوي من خزينة الدولة. وفي داخل الدولة هناك المعسكرات/ المخيمات التي تخصصت في إشاعة التطرف بين الطلبة. أما بالنسبة للقاعدة، فإن السعوديين في الصيف يذهبون الى سوريا من السعودية ومن هناك يتسللون الى العراق.. وبدل ضبطهم من السعودية، يقولون لا تذهبوا الى سوريا!، في إشارة الى (إعلان براءة) مسبق مما يمكن أن يأتي من قبل السعوديين أنفسهم، مع أن كثيراً من السعوديين يخترقون الحدود السعودية نفسها باتجاه العراق وهي حدود طويلة بأكثر من ألف كيلومتر.

وقد سربت الحكومة السعودية مؤخراً من خلال المنتديات السلفية التي تسيطر عليها، او تلك النجدية المتعاطفة معها، سربت الكثير من المعلومات، فكان من بينها نصائح للوهابيين بأن لا يزوروا سوريا، لأن المخابرات هناك ستشجعهم وتجندهم وتدفع بهم للقتال في أتون العراق، أو أن هناك من يسعى لاختطافهم من الفنادق والشقق (هكذا!) والمساومة عليهم عبر فرض فدية يدفعها أهلهم، أو يتم تسليمهم من قبل المخابرات السورية لعملاء السي آي أيه في السفارة الأميركية بدمشق، و (إلصاق) تهمة الذهاب للعراق من أجل (الجهاد).

والغريب في تلك التسريبات أنها لم تقل للوهابيين صراحة: لا تذهبوا الى العراق، ولا تقاتلوا فيه، ولا تشعلوا الفتنة أكثر مما أشعلتموها، بل ركزت التسريبات على مخاطر سوريا، وبالتالي: (جدوا لأنفسكم منفذا آخر للعراق)!

الصفحة السابقة