المؤامرة السعودية على لبنان

الأمير بندر.. مهندس الفتن

محمد قستي

تفجيرات لبنان مستمرة

إذا كان هناك شخص في السعودية يعتبر أن نتائج حرب تموز 2006 قد أحدثت خسارة فداحة لمركزه السياسي، فهو رئيس مجلس الأمن الوطني الأمير بندر بن سلطان، صاحب البيان الأول الذي وصف فيه اختطاف الجنديين الإسرائيليين في الحادي عشر من يوليو من العام الماضي بـ (المغامرة) وحمّل حزب الله مسؤولية العدوان الاسرائيلي على لبنان في اليوم التالي. كان يعتقد الأمير بندر بأن ذكاءه الإصطناعي في واشنطن يؤهّله للعب دور إستراتيجي في المنطقة، التي تعج بالخبراء والأذكياء الطبيعيين، ولكنه في نهاية المطاف يخوض حروباً قذرة إنتقاماً ربما من تاريخه أو إخفاقاته.

لم يغفر الأمير بندر للمقاومة اللبنانية إنتصارها على إسرائيل بإسقاط أهداف العدوان على لبنان، فقد اعتبره إنتصاراً على مشروعه الذي عمل على تحقيقه مع فريق من المعتدلين العرب إضافة الى فريق 14 آذار اللبناني، على خلاف رغبة جناح آخر في العائلة المالكة لم يكن يرغب الوقوع في حبائل السياسة الأميركية في المنطقة.

خسر الأمير بندر جولة الحرب الاسرائيلية على لبنان، فقرر خوض جولة الفتنة المذهبية التي خطّط لها مع فريق ديك تشيني وكادت تشتعل المنطقة، وتطال السعودية في البدء والخاتمة. لقاء عبد الله نجاد في الثالث من مارس الماضي قد أحبط مفعول فتنة وشيكة، تظافر مع جهود علماء المسلمين من السنة والشيعة. وقد تنبّهت الحكومة السعودية الى أن الفتنة المذهبية لن تستثني طرفاً دون آخر هذه المرة، وكان عليها أن تحمي وحدتها الداخلية الهشّة تكوينياً.

كان هناك فريق آخر يعدّ خطة تعميم الفوضى الخلاّقة بالمقاييس الأميركية في المناطق التي يجد فيها هذا الفريق فرصة تخصيب الفوضى عبر اللعب على التناقضات السياسية الداخلية. من العراق الى لبنان وتالياً فلسطين مثّلت مساحة مفتوحة مرشّحة لعمليات فوضى يديرها هذا الفريق المؤلف من ديك تشيني وطاقمه، والأمير بندر بن سلطان، ورئيس الموساد الاسرائيلي بالتعاون مع رؤوساء أجهزة أمنية في مصر والاردن وفلسطين وفرقاء سياسيين في لبنان.

في لبنان، حيث يخوض الجيش اللبناني مواجهة مع أولى بوادر الفوضى الأميركية، كانت الخطة بأن يتم تحريك جماعات سلفيّة مسلّحة دخلت الى لبنان من منفذيه الجوي والبري قبل أكثر من عام، تمهيداً لخوض حرب داخلية ضد حزب الله وقوى المعارضة الأخرى. وقد تم اختيار المخيمات الفلسطينية التي أريد منها، بحسب مقتضيات المبادرة العربية المعدّلة، أن تتحول الى حواضن نموذجية لمنظمات عسكرية سلفية يقودها آل الحريري وتموّلها السعودية.

ومن أجل تفادي السيناريو الأفغاني في العراق، حيث يعود المقاتلون العرب إلى ديارهم ليبدأوا حرب الفتوحات الداخلية، أصبح الإتفاق على حرف مسار العودة، الى حيث البؤر المؤهّلة لتثمير المقاتلين في مشاريع مشتركة، يخيّل للمقاتلين بأنها منصّات لإطلاق مشاريع الإمارة الاسلامية وتمهيداً لحلم دولة الخلافة، وتكون، أي هذه البؤر، مراكز إستيعاب جديدة لفائض الحماس الديني الجهادي الذي يراد استنزافه في غير المراكز التي انطلق منها المقاتلون.

الأسلحة المتطوّرة التي ظهرت في الاشتباكات بين عناصر فتح الاسلام والجيش اللبناني منذ 20 مايو الماضي تكشف عن أن فرضية الرعاية السورية ضعيفة إن لم تكن سخيفة، فقد تبيّن أن هذه الأسلحة دخلت كما يقول خبراء لبنانيون بطريقة شرعية، أي عن طريق المطار والموانىء اللبنانية، ولم تكن عبر الحدود اللبنانية السورية، بالرغم من أن عبور هذه الأسلحة المتطوّرة والثقيلة والأميركية من سوريا الى لبنان يثير أسئلة جدّية.

نشير هنا الى أن سباق التسلح في الداخل اللبناني لم يكن سراً، فقد تحدّثت عنه منذ شهور المقامات السياسية من الفريقين: الموالاة، والمعارضة. وفي كل التقارير التي صدرت في الشهور الماضية حول عمليات التسلّح لجماعات سلفيّة داخل لبنان، كان الأمير بندر وآل الحريري يتصدران الأسماء الضالعة في تلك العمليات.

لم تعد خافية حقيقة أن الأمير بندر بن سلطان، مهندّس عمليات (تيار المستقبل) اللبناني، هو من أفشل مبادرة الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية التي كتبها بخط يده لتحقيق المصالحة الوطنية في لبنان، وهو، أي الأمير بندر، من كان يفشل دائماً تحرّكات المصالحة التي يقوم بها السفير السعودي عبد العزيز خوجة، بل وهو من تآمر على قتله مؤخراً كما سيأتي، من أجل إشعال فتيل المواجهات المسلّحة في لبنان، كما يخطط لها بندر عبر تنظيمات سلفية يشارك فيها مقاتلون سعوديون وعرب من جنسيات مختلفة وغيرهم، ويحيل المخيمات الفلسطينية مستودعاً بشرياً يزوّد مشروع الفتنة المذهبية والطائفية في لبنان.

نضع ما يجري في سياق المخطط التدميري للبنان منذ إغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، ونستدعي هنا ما ذكره تييري ميسان مؤلف كتاب (تدمير لبنان: السيطرة على الشرق الأوسط) في مقابلة مع قناة (العربية) في السادس من مايو 2005 (الذين قتلوا الحريري، قتلوه من أجل زعزعة إستقرار لبنان وافتعال الحرب. القتلة إذن ليسوا من يخدمون مصلحة لبنان، وليسوا من يخدم مصلحة سوريا). وقال بأنه (منذ عام 2003، والولايات المتحدة تستخدم لبنان كوسيلة ضغط على سوريا من أجل إجبار دمشق على التنازل عن الجولان والتوقف عن دعم المقاومة الفلسطينية. هاتان الدولتان هما الوحيدتان اللتين لهما مصلحة من اغتيال رفيق الحريري. زعزعة استقرار لبنان خطط لها منذ مدة طويلة، ويقف وراءها ديفيد ساترفيلد بوزارة الخارجية الأمريكية، مع اليوت أبرامس بمجلس الأمن القومي. ويعتمد هذان الأخيران على مخططات (اللجنة الأمريكية من أجل لبنان الحر) المنشأة من طرف الاستخبارات الأمريكية، والتي يتزعمها زياد عبد النور. وقال بأن أحد أهداف الحملة بشأن المحكمة هو (استخدام لبنان كمدخل الى سوريا)، والهدف الآخر النيل من حزب الله.

في 23 أكتوبر 2005 وقعت إشتباكات في منطقة التعمير قرب مخيم عين الحلوة بصيدا بين مجموعة (جند الشام) وسكان منطقة التعمير الواقعة عند المدخل الشمالي لمخيم عين الحلوة جنوب مدينة صيدا. وجماعة جند الشام ينتمون الى ما كان يسمى بجماعة الضنية في شمال لبنان، وكانت قد أقامت معسكرات لها في منطقة الضنية لتدريب عناصرها، والتحضير لأعمال شغب في لبنان تحت شعارات دينية، وكانت معروفة منذاك بصلاتها ببعض الأجهزة الرسمية اللبنانية وبقوى سياسية نافذة تموّلها وتسلّحها.

وفي تلك الفترة أيضاً، لحظ بعض المواطنين في منطقة التعمير أن أعضاء (جند الشام) كانوا يسافرون الى السعودية تحت عنوان أداء مناسك العمر، في الوقت الذي كانوا مطلوبين لدى السلطات اللبنانية، وكانوا يتساءلون عن الطريقة التي سافروا بها ثم عادوا عبرها الى مواقعهم في جوار المخيم عند أطراف منطقة التعمير.

مقاتلو بندر بن تشيني

كانت حادثة التعمير مثيرة في دلالاتها، حيث وقعت في وقت كان التجاذب السياسي الداخلي قد بلغ حداً خطيراً بخصوص تداعيات تقرير لجنة التحقيق الدولية عن حادثة اغتيال الحريري، وقبل أيام قليلة من تقديم المبعوث الدولي تيري رود لارسون تقريره الى مجلس الأمن الدولي بخصوص تطبيقات القرار 1559، بما في ذلك مصير سلاح المخيمات الفلسطينية وسلاح المقاومة اللبنانية. فقد كانت الحادثة مثيرة، وهي تندرج في سياق سلسلة الحوادث الأمنية السابقة واللاحقة بما فيها عمليات الإغتيال المريبة. وكان حادث التعمير دفع بعض القيادات الصيداوية غير المحسوبة على (تيار المستقبل) الى تطويق تداعيات الحادث كيما لا يتم تثميره في الأجندة السياسية الخفيّة لفريق ما.

تسمية جند الشام قيل بأنها تعود الى المجموعة التي تزّعمها الزرقاوي في أفغانستان في العام 1999، أي بعد هجرته من الأردن فور الإفراج عنه مع صديقه اللدود أبو محمد المقدسي، عصام البرقاوي، مؤلف كتاب (الكواشف الجليّة في كفر الدولة السعودية)، حيث قام الزرقاوي بإطلاق الإسم على مخيم للتدريب يضم عناصر من بلاد الشام. ثم في مراحل لاحقة اندست في منطقة التعمير التحتاني واتخذتها قاعدة لها، حيث انتشرت في أحياء مخيم عين الحلوة، وتمددّت الى مخيمات فلسطينية أخرى في البقاع والشمال.

سورياً، وقعت إشتباكات في أواخر مايو 2006، بين قوات الأمن السورية مع مجموعة من (جند الشام) قرب جامع الأنصار في مدينة الرقة (شمال شرق سوريا محاذية لتركيا)، وقد أسفرت عن مقتل أحد أفراد المجموعة واستسلام واعتقال البقية بينهم سعودي ويمني، وإصابة عدد من عناصر الأمن السوري. المفاوضات التي سبقت الاشتباك المسلح مع عناصر المجموعة كشفت عن وجود سعودي ويمني وأربعة من مدينة حماة، كانوا قد استأجروا منزلاً قبل سنتين من وقوع الحادث، وقد تم العثور على أسلحة خفيفة ومتوسطة بالإضافة الى جوازات سفر وهويات مزوّرة.

وفيما لم يعرف مصير السعودي واليمني، حيث تحدث أهل مدينة الرقة عن مقتل السعودي، فإن الحادث وقع بعد ثلاثة شهور من مداهمة الأجهزة الأمنية السورية لمجموعة تكفيرية مسلّحة في بلدة كفر بطنا بريف دمشق أدت الى مقتل زعيمها واعتقال إثنين من مرافقيه ومصادرة أسلحة ومتفجرات وذخائر من الشقة المستأجرة، الى جانب منشورات تحرّض على الكراهية والعنف.

نجد تمثّلات لهذه المجموعة داخل فلسطين المحتلة، حيث تشكّل ما يعرف بإسم لواء جند الشام. وقد كشف أحد عناصر الجماعة السلفية في مقابلة من غزّة مع موقع (آفاق) الالكتروني في مايو الماضي بأن الجماعة ستستخدم لغة العنف لتغيير (الواقع الماجن والمنحط في فلسطين) حسب وصفه ( ونشر المعتقدات الدينية السلفية). وقال بأن (التيار السلفي سيغيّر هذا الواقع الى واقع جديد تحل فيه الخلافة الاسلامية داخل فلسطين، وتكون مبايعتها للدولة الاسلامية المنشوده والتي يسعى لها جميع السلفيين في الدول العربية)، وبدأ لواء (جند الشام) حملة أسماها حملة التطهير يستهدف خلالها المهرجانات والحفلات والمعاهد والجامعات التي يكثر بها الاختلاط بين الشباب والفتيات، بالإضافة إلى الأماكن التي تنشر الرذيله كمقاهي الإنترنت وغيرها من محلات أشرطة الغناء والفيديو). عناصر هذا اللواء، بحسب هذا القيادي، بدأوا (تدريباتهم العسكرية داخل معسكرات مغلقة داخل قطاع غزة وخارج فلسطين).

النقطة الأهم التي أثارها القيادي الذي يطلق على نفسه أبو حمزة تدور حول مصادر تمويل الجماعة، حيث أجاب أن (الدعم والتمويل يأتيان من شيوخ وأنصار الفكر السلفي الوهابي في السعودية) لكنه رفض ذكر أية أسماء.

كان مثيراً الموقف الدفاعي للنائب بهية الحريري عن منظمة (جند الشام) ، بالرغم من ملفه الأمني المليء بحوادث القتل، فمالذي يدفع النائب الحريري للدفاع عن منظمة جند الشام الأصولية، حيث ذكرت صحيفة (صيدونيانيوز) الالكترونية المرخٌّصة قانونياً من وزارة الإعلام اللبنانية في السابع والعشرين من مايو بأن رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط تلقى إتصالاً هاتفياً من النائب بهية الحريري، أوضحت له فيه أن مجموعة (جند الشام) في مخيم عين الحلوة، لا تنتمي إلى عصابة (فتح الإسلام)، وأنها مختلفة عنها وأبدى جنبلاط إهتمامه بهذه التوضيحات). ثمة ما يدعو للغرابة حقاً أن تنبري نائبة بحجم بهية الحريري في الدفاع عن منظمة ثبت تورّط أعضاؤها في عمليات أمنية سواء في سوريا أو لبنان، وفي قضايا صدرت بشأنها أحكام جزائية. إن التراجع الذي عكسته تصريحات لاحقة للنائب بهية الحريري في مقابلتين متزامنتين لقناتي (العربية) و(الجزيرة) في الرابع من يونيو بأنها لا تعرف أي شخص من (جند الشام)، يضع سؤالاً كبيراً حول سبب تراجعها عن الدفاع عن ما يطلق عليه سكّان مخيم عين الحلوة (جند الست)!

في التحليل المرتكز على معلومات أمنية لبنانية وأجنبية أن ثمة علاقة مقررة بين الأمير بندر وآل الحريري والتنظيمات الجهادية السنيّة كافة لبنانية كانت أم فلسطينية، وأن عمليات التمويل التي يقوم بها آل الحريري باتت محسومة في المناقشات الداخلية اللبنانية، والتي تعزّزها التقارير الصحافية والميدانية التي أجراها عدد من الصحافيين الغربيين في المخيمات الفلسطينية في لبنان. فالعلاقة بين آل الحريري من جهة وعدد من الجماعات القتالية السلفيّة بالتعاون مع الأمير بندر بن سلطان ورئيس الاستخبارات العامة الأمير مقرن بن عبد العزيز (الذي يمكث لفترات طويلة في بيروت منذ نحو عام)، لخلق منظمات أصولية من فائض المقاتلين العرب السنة في العراق، من أجل إحداث توازن طائفي وعسكري في لبنان، ولاستعمال هذه الجماعات لحرب أهلية داخلية قد جرى التخطيط لها قبل عامين بالتعاون مع فريق في السلطة اللبنانية، وأجهزة إستخبارات عربية معتدلة ودولية أميركية وفرنسية بدرجة أساسية.

مجموعات مثل: فتح الاسلام، جند الشام، التي شكلت تنظيمها في مايو 2004، وأعلنت إيمان أعضائها بالخلافة الاسلامية إنضمّت الى موزاييك التيارات الاسلامية الناشطة في مخيم عين الحلوة الفلسطيني في ضاحية مدينة صيدا في الجنوب اللبناني وتنظيمات أخرى مثل أبناء الشهيد، عصبة الأنصار (أو عصبة النور)، التي ارتبطت إطلالتها الأولى باغتيال رئيس (جمعية المشاريع الاسلامية) (الأحباش) الشيخ نزار الحلبي في أواخر الشهر الثامن من العام 1995.

وهناك من اجترح مقاربة شبه منطقية لنشوء جماعات سلفية ولاحقاً جهادية في منطقة طرابلس بالشمال اللبناني على أساس أن الطلاب الذين جاءوا الى السعودية منذ منتصف السبعينيات لدراسة الشريعة الإسلامية قد انتهجوا مسلكاً حنبلياً ووهابياً متشدداً، ما لبث أن تشرّب هؤلاء العائدون عقيدة (الولاء والبراء) المتصاهرة مع مفهومي الحاكمية لدى المودودي والجاهلية وتكفير المجتمعات لدى السيد قطب لتصبح جزءً من تيار حركي سلفي قتالي، الذي كان يتموّل من (فاعلي الخير) السعوديين ودخل بعض عناصر التيار في مواجهات أمنية منذ العام 1999 مع الجيش اللبناني، وكان أبرزها حادثة الضنيّة بين جماعات مسلحة والجيش اللبناني، وقد تم الإفراج عن عناصر المجموعة في وقت لاحق ضمن عفو عام.

ما سبق يتيح المجادلة بأن (فتح الاسلام) و(جند الشام) هما تنظيمان مشتقان من تنظيم القاعدة، وقد ذكرت مصادر عدة بأن شاكر العبسي، قائد مجموعة (فتح الإسلام) تلقى أموالاً من عائلة الحريري والسعودية قدّرت بثلاثة ملايين دولار العام 2005.

وقد كشفت المخابرات السورية في 26 مايو 2005 عن وثائق خاصة بـ (جند الشام) عثرت عليها في دف الشوك بدمشق بأن لدى المجموعة برنامجاً يشمل لبنان والأردن والعراق ومصر، وأنها جعلت من دمشق قاعدة لانطلاق عمل مستقبلي. وقد عرض التلفزيون السوري صوراً لمكان سكن عناصر المجموعة والأسلحة الموجودة بحوزتهم، من بينها وثائق رسمية سعودية.

وكان عناصر (فتح الإسلام)، بحسب إعترافات بعض من ألقى الجيش اللبناني القبض عليهم خلال اشتباكات نهر البارد، قد بدأوا بالتسلسل الى مخيم نهر البارد في فبراير 2006، وكان بينهم عناصر سعودية وباكستانية وعراقية وتونسية وبنغلادشية وغيرها، وأن العضوية الفلسطينية لا تتجاوز 5 بالمئة.

بندر مموّلاً ومهندساً

خوجه: سفيرٌ مستهدف

في الثالث والعشرين من مايو أجرت محطة سي إن إن مقابلة مع الصحافي الأميركي سيمور هيرش في برنامج (عالمكم اليوم)، قال فيها بأن جماعة فتح الإسلام تحصل على التمويل والأسلحة من السعوديين، مشيراً إلى أن ما يجري في لبنان هو جزء من خطة واسعة بين الولايات المتحدة والسعودية للقيام بكل ما هو ممكن لوقف المد المتنامي لحزب الله.

وأوضح هيرش بأن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط تحوّلت إلى معارضة إيران وسورية وحلفائهما الشيعة بأي ثمن حتى لو أدى ذلك إلى دعم الجهاديين المتشددين من السنة.

واعتبر هيرش أهم عنصر في هذا التحول السياسي هو الإتفاق بين نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني ونائب مستشار الأمن القومي الأميركي إليوت أبرامز والأمير بندر بن سلطان، بحيث يقوم السعوديون بدعم وتمويل سري للجهاديين المتشددين والجماعات السنية في لبنان بالخصوص مثل جماعة فتح الإسلام في لبنان لخلق توازن مع حزب الله حيث يمكن الاستعانة بهم في أي مواجهة معه.

وأشار إلى أن الوضع الحالي يشبه بكثير النزاع في أفغانستان في الثمانينيات الذي أدى إلى ظهور تنظيم القاعدة، ومع نفس الأشخاص المتورطين مع السعودية وأميركا، ونفس نمط استخدام الولايات المتحدة للجهاديين الذين تؤكد السعودية بأنها تستطيع السيطرة عليهم. وقد ذكر سيمور هيرش في مقابلة مع موقع (الديمقراطية الآن) على شبكة الإنترنت بأن الأمير بندر بن سلطان كان قد وعد الولايات المتحدة بأن (عناصر فتح الاسلام يمكن السيطرة عليهم). وهذا يؤكّد ما ذكرته صحيفة (نيويورك تايمز) في 27 مايو الماضي بأن الحرب في العراق تؤدي حالياً نتائج عسكية عبر تصدير مقاتلين إسلاميين الى الدول المجاورة، وأن خمسين عنصراً على الأقل من مقاتلي فتح الاسلام جاءوا من العراق.

ورداً على سؤال عن الأسباب التي تجعل الإدارة الأميركية تتصرف بشكل يبدو متناقضاً مع مصالحها، قال هيرش إنه منذ هزيمة إسرائيل أصبح الخوف من حزب الله كبيراً في واشنطن وخصوصاً في البيت الأبيض، ونتيجة لذلك فإن الإدارة الأميركية لم تعد تتصرف بعقلانية في سياستها، مشيراً إلى أن اتهام سورية بالتورط في الأزمة الحالية أمر مستبعد، لأنه من غير المنطقي أن تكون سورية مقربة من حزب الله التي تنتقدها الإدارة الأميركية بسبب ذلك وفي نفس الوقت تدعم الجماعات السلفية. وأكّد هيرش بأن مخطط (تمويل فتح الإسلام كبرنامج سري إشتركنا فيه مع السعوديين جزء من برنامج أكبر وأوسع لبذل غاية الوسع في وقف تمدد العالم الشيعي..).

وفي سؤال حول مصادر تمويل الجماعات السلفية المسلّحة في لبنان مثل فتح الإسلام وغيرها، قال هيرش بأن (اللاعب الأساسي هم السعوديون. وما كنت أكتب عنه كان إتفاقاً خاصاً نوعاً ما تم بين البيت الأبيض، ونحن هنا نتحدث عن ريتشارد ديك تشيني وإليوت أبرامز، أحد أبرز المساعدين في البيت الأبيض، والأمير بندر).

وعن التناقض في توجّه السياسة الأميركية الرامية الى توفير الدعم للجماعات المتطرفة، يقول هيرش بأن (الولايات المتحدة غارقة في الأمر. فهذه كانت عملية سرية أدارها بندر معنا.. إننا اشتركنا في الحرب في أفغانستان في تأييد أسامة بن لادن والمجاهدين في نهاية الثمانينيات مع بندر ومع أناس أمثال إليوت أبرامز).

واللافت في الأمر في كلام هيرش أن (السعوديين وعدونا بأنهم يستطيعون السيطرة على الجهاديين ومن ثم أنفقنا أموالا طائلة وأوقاتا كثيرة، الولايات المتحدة في نهاية الثمانينيات استغلت وأيدت الجهاديين لمساعدتنا في دحر الروس في أفغانستان ثم انقلبوا علينا) وتابع هيرش (إعتمدنا الأسلوب نفسه، وكأننا لم نستوعب أي درس في الماضي. نفس الأسلوب إستخدمنا السعوديين مرة أخرى لدعم الجهاديين، وأكد لنا السعوديون أنهم يستطيعون السيطرة على هذه الجماعات، الجماعات مثل تلك التي نحن على إتصال بها الآن في طرابلس مع الحكومة).

وكان سيمور هيرش قد ألقى محاضرة في الجامعة الأميركية في بيروت في مارس الماضي قال فيها بأن طرفاً في السلطة اللبنانية يحتضن تنظيمات مثل عصبة الأنصار، فتح الاسلام، جند الشام، وأن فتح الإسلام من صنع الامير السعودي بندر بن سلطان ومحتضنة من بهية الحريري، وليست للمخابرات السورية أي صلة بالتنظيم.

وما تم كشفه من بطاقات الهوية لعناصر التنظيم هي لأفراد يحملون الجنسية السعودية، أي لا يمت لمخيم نهر البارد الفلسطيني بصلة. فقد أجمع الفارّون من نيران إشتباكات نهر البارد على وصف عناصر التنظيم بـ (غرباء، سعوديين، يمنيين، ملتحين غريبي الأطوار يملكون الكثير من الأموال ويثيرون الخوف والتساؤلات). ونقل أحد سكّان المخيم بأن عدداً من الأجانب: سعوديون ويمنيون، وعناصر حاربوا الأميركيين في العراق، وأنهم مختلفون عن شباب فتح الذين يحملون الكلاشنيكوفات لكنهم لم يفعلوا شيئاً إلا حراسة أبواب المخيم او إطلاق النار في الهواء).

هؤلاء الغرباء وبدرجة أساسية السعوديون منهم، اشتروا منازل وشقق وأراضي في حي قريب من الحقول والشاطىء القريب من مخيم نهر البارد، ويحملون أسلحة جديدة وقاذفات صواريخ غريبة لم يرها أهالي المخيم من قبل، بالرغم من أنهم ليس لهم وظائف ظاهرة، أو متاجر، فهم ينفقون دون حساب.

تعزز كمية المعلومات التي أوردها هيرش ما كشف لاحقاً عن ضلوع عناصر سعودية داخل المجموعة. ففي التاسع والعشرين من مايو قبضت القوى الأمنية اللبنانية على مطلوب سعودي لم تكشف هويته، ويعتبر رقماً مهماً في منظمة (فتح الإسلام)، وكان ملاحقاً بسبب علاقته بمنظمات إرهابية. وذكر مصدر أمني أن رجال الأمن دهموا غرفة الرجل في فندق (بارك تاور) في منطقة الأشرفية ذات الغالبية المسيحية. وقد رشحت من مصادر أمنية لبنانية أن الموقوف السعودي ينتمي الى تنظيم (القاعدة) وينسّق بينها وبين (فتح الإسلام)، وأنه من (أكبر وأخطر) المطلوبين في قائمة الإرهاب الدولي. نضع في السياق نفسه ما كشف عنه الصحافي الفرنسي ميشال موتو في التاسع والعشرين من مايو الماضي من داخل مخيم البداوي عن بعض النازخين أن عناصر فتح الاسلام كانوا يدخلون ويخرجون من مخيم نهر البارد بسهولة.

الصفحة السابقة