الإختباء وراء شعار (مكافحة الإرهاب)

(الوهابية) هي المحرّض والمتّهم

حسـن الدباغ

الشيخ سعيد بن زعير

لا تزال السلطات الأمنية تقبض بين أسبوع وآخر على عدد من المواطنين ممن يشملهم (التعريف الرسمي) بأنهم (إرهابيون) أو (خوارج) أو (من الفئة الضالة) أو (ممولو إرهاب) وغير ذلك. فقد قبض على ثلاثة من الداعمين إعلامياً لـ (جهات إرهابية)!، حسب المصدر الرسمي، وقبلها قبض على أحد عشر شخصاً (من المحرضين والممولين) وجميعهم من السعوديين. وقد أثارت إشارة الحكومة الى تهمتي (التمويل والتحريض) الكثيرين، وكأنّ أجهزة الأمن لم تكن تقوم بمثل هذا الفعل من قبل، كون عملية التمويل متداخلة بين (العمل الخيري وغيره) حيث الفواصل غير واضحة. وهذه القضية كانت مثار نقاش بين المخابرات الأميركية والسلطات السعودية حيث تمّ اعتقال الكثير من السعوديين ممن يعملون في منظمات (خيرية أو إغاثية) من قبل الولايات المتحدة، كانوا في حقيقة الأمر يمولون نشاطات عنف الى جانب القاعدة، كما كانوا في نفس الوقت يؤدون أعمالاً تصنف بأنها خيرية.

ذات المشكلة تتعلق بالتحريض على العنف والإرهاب، حيث يختلط مفهوم التبليغ الديني البحت بمفهوم التحريض. فإذا ما قبضت أجهزة الأمن السعودية على أحدهم بتهمة التحريض، قال بأنه لا يسمي السعودية وآل سعود بالإسم، وأن كل ما يفعله هو توضيح المفاهيم المتعلقة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو توضيح مفاهيم الولاء والبراء، أو التنظير لمفهوم الجهاد بشكل عام، دون التحديد في تطبيقاته.. وهكذا. الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً بين المثقفين السعوديين وكتاب الصحف حول تساهل الحكومة مع (المحرضين) على العنف بإسم الدين، والفتيا في قضايا يسهل تطبيقها على الوضع السعودي.

حتى الأمير نايف اشتكى من هؤلاء المحرضين علناً من خلال منبر الصحف، وطالبهم بأن (يتقوا الله في مواطنيهم)! فالرجل لم يكن يريد أن يفتح معركة مع التيار السلفي/ الوهابي، الذي يمنح الحكم المشروعية من جهة، والذي يشكل من جهة أخرى خلفية النظام الإجتماعية، خاصة وأن تهمة (التحريض) يمكن أن تطبّق على كل مشايخ الوهابية، من هم مع السلطة أو ضدّها، ذلك أنهم جميعاً يشتركون في فكر واحد، ويستقون من معين واحد، ويؤمنون بتفاصيل ما يعتقد به العنفيون. المتهم الحقيقي هنا هو: الفكر والمعتقد الوهابي نفسه، ويبدأ التسلسل بعدئذ لكل منتجاته. هذه هي الحقيقة، ولكن الحكومة الوهابية لا تستطيع أن تواجه ذاتها، مع أن بعض الأمراء يعتقدون بأن (الوهابية) أصبحت تشكل وبالاً على النظام السياسي في الداخل والخارج، ومن بينهم الملك نفسه ووزير الخارجية سعود الفيصل.

د. سعود الهاشمي: معتقل حتى إشعار آخر

التحريض كما التمويل تهمتان يمكن التوسّع فيهما لانعدام الفواصل بين المسموح والممنوع. ولئن كان قد أوجدت مخارج لموضوع التمويل من خلال إغلاق العديد من المؤسسات الخيرية، وضبطها ـ بضغط أميركي ـ من خلال سيطرة الدولة وأجهزة مباحثها على النشاط الخيري، مع أن الكثير من المال لا يمرّ عبر القنوات الرسمية الخيرية.. فإن موضوع التحريض يحتاج الى قراءة مختلفة للتراث الوهابي بأكمله، وتجديده، وحذف الكتل الملتهبة منه. وهناك من يعتقد بأن هذه العملية تعني في المحصلة النهائية: إنهاء الوهابية كونها غير مطواعة بما فيه الكفاية، وأن تغييرها يعني حرفياً: القضاء عليها، لأن ما يراد تغييره ليس قليلاً، بل يشمل أسس المعتقد الوهابي ورؤيته للكون والبشر والمواطنين وسياسات الدولة وغير ذلك.

بيد أن وزير الداخلية السعودية مشغول اليوم بقضية مختلفة وهي: توسيع إطار مفهوم (محاربة الإرهاب) ليشمل المخالفين والمعارضين السلميين، او المطالبين بالإصلاح. وقد سبق أن اعتقل محامون وأساتذة إصلاحيون بتهمة تمويل الإرهاب، في حين أن بعضهم ـ حسب الرؤية الوهابية ـ علمانيون أو ليبراليون! وقد أثبتت منظمات حقوق الإنسان الدولية أن هؤلاء معرفون لديها منذ زمن كناشطين في مجال حقوق الإنسان والمطالبة بالحريات العامة. وأكدت تلك المنظمات أن السعودية تسيء استخدام مكافحة الإرهاب لتطبقه على خصومها السياسيين ممن لا يؤمنون باستخدام العنف، ولصق التهم الجائرة بهم.

وعلى ذات المنوال تمّ اعتقال الشيخ سعيد بن زعير للمرة الرابعة بحجة (تمويل) الإرهاب، وبالذات تمويل تلك الخلية التي قامت العام الماضي بمهاجمة منشآت نفطية في المنطقة الشرقية/ أبقيق، في حين كانت تهمته السابقة مجرد الحديث الى قناة الجزيرة. ولكن يجب التريّث قبل القبول بهكذا اتهامات اعتاد نايف اطلاقها على المعارضين الأشداء في مواقفهم، بالرغم من أن الزعير تناسبه ـ حسب المواصفات الحكومية ـ تهمة (التحريض) وليس (التمويل). فهو شيخ وهابي لا يرى شرعية لحكم آل سعود، وينتقد مفاسدهم واستبدادهم.

الصفحة السابقة